الاثنين، 17 يوليو 2017

عندما تصبح كتابة التاريخ جريمة


أردت أن أقرأ كتابًا أو أي شيء موجز عن الحروب الصليبية.. كثير من المسلمين يعتبرون حرب أمريكا على العراق وتدميرها هو حلقة من حلقات الحروب الصليبية، خاصةً وأن جورج بوش الابن قد صرح آنذاك بأنه يقود حربًا صليبية  crusade، حتى وإن كان يقصد شيئًا آخر. ويعتبرون حتى احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948 م حربًا صليبية أيضًا!! ياهههووو .. يا جماعة دول يهود. لأ.. دول صليبيين (وكأنك تؤذن في مالطه). المهم، تصادف أنني وجدت كتابًا موجزًا لكاتب مسلم، فتصفحته لعلي أصل إلى نظرة عامة مبدئية عن هذا الموضوع الهام. وإليكم ما خرجت به:
·     استفادت الحملات الصليبية آنذاك من انقسام العالم الإسلامي.. كان في فاطميين شيعة وعباسيين سُنة.. وكانوا بيحاربوا في بعض. لدرجة أن العباسيين (السلاجقة) كانوا مشغولين في الحرب مع الصليبيين، راح الفاطميين استغلوا انشغالهم واحتلوا بيت المقدس. ده بيفكرني بالفتوحات الإسلامية في بداية انتشار الإسلام اللي استفادت هي الأخرى من انقسام الامبراطورية البيزنطية بسبب خلافات سياسية وعقائدية. لعلنا نتذكر أن القديس الأنبا صموئيل المعترف اتفقعت عينيه بسبب عدم موافقته على التوقيع على "طومس لاون" واضطهاد كل من يخالف عقيدة مجمع خلقيدونية. كذلك بسبب حروب مستمرة بين الإمبراطورية الفارسية والبيزنطية، التي أنهكت كليهما.
·        هذه الظروف لم تجعل المسيحيين في مصر مثلاً يتحسرون على أيام الدولة البيزنطية.. التي كانت تضطدهم وتطالبهم بالضرائب. ومع دخول الإسلام- على الأقل في بدايته- أصبح المطلوب ضرائب فقط. يعني ظروف أفضل نسبيًا.
·      من الطبيعي أن يشعر المسلمين في بداية العصر الإسلامي بتأييد من الله، نظرًا للانتصارات والتوسعات السريعة والهائلة.. ومن الطبيعي أيضًا أن يشعر الصليبيون بأنهم مؤيدون من السماء.
·      يلوم الكاتب المسلم على دور الكنيسة والبابا أوربان الثاني في الترويج للحروب الصليبية وحث الناس وإغراء الملوك للاشتراك في الحرب. لكن الكاتب أيضًا لا يتورع في أن يبرز دور المساجد والشيوخ في إنهاض الهمم وحث الناس وتأييد القادة لتحرير بيت المقدس من أيدي الصليبين. هذا ليس له اسم آخر سوى: الشيزوفرنيا.
·        طبعًا كل فريق كان بيكفر الآخر.. طبيعي.
·       الشيء الأكيد أن دوافع الحرب- في الحالتين- لم تكن دينية فقط.. في الحروب الصليبية كان في مستفيدين من التجار والقادة وغيرهم. الدليل على ذلك، أن الامبراطور البيزنطي المسيحي لم يشارك في الحرب الصليبية واكتفى بتقديم دعمًا لوجيستيًا.. بالعبور في أراضيه.. ونشبت في بعض الأوقات معارك بين جيوش الصليبين وجيش الامبراطور البيزنطي. لو كان الأمر دينيًا بحتًا، ما شاهدنا ذلك. كذلك في الفتوحات الإسلاميةلم تكن دوافعها كلها دينية، وحتى في الحرب الإسلامية مع الصليبين.. لذا ليس غريبًا أن نرى الفاطميين الشيعة لم يساعدوا السلاجقة السُّنة في حربهم ضد الصليبين، بل كانوا شوكة في ظهر إخوانهم المسلمين- حتى وإن اختلفوا في المذهب- في أحيان كثيرة.
·      يتباكى المسلمون على الأندلس- أسبانيا، فلماذا تستنكر تباكي المسيحيون على بيت المقدس، ونيقية، وأنطاكية، وهي بلاد كانت مسيحية ولها تاريخ له دلالة روحية للمسيحيين قبل الفتح الإسلامي لها.
·      يعيب المسلمون على الحروب الصليبية أنها كانت تحت راية الصليب.. ولكنهم في نفس الوقت يسمون حروبهم "الجهاد المقدس".. كلمة "جهاد" مصلح ديني بلا أدنى شك.
·      يقول الكاتب بأن الصليبين ارتكبوا المذابح في بيت المقدس.. وفي نفس الوقت يقول الكاتب بأن جيش صلاح الدين أباد جيش الصليبين إبادة كاملة. والمبالغة واضحة في الحالتين، بدليل استمرار المعارك بين الصليبين والمسلمين بعد وفاة صلاح الدين بكثير على يد بيبرس المملوكي.
أكثر ما يدهشني في قراءة هذا التاريخ أن أخي المسلم يؤمن بأنه "لولا دفع الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض".. يعني من الطبيعي في هذه الدنيا أن تتصارع الممالك.. ويؤمن المسلم أيضًا أن الرسول محمد قال إنه لا يخشى على المسلمين من الفقر بل يخشى عليهم من ثروات الدنيا. لذا من الطبيعي أن يوجد ملوك أفسدتهم الثروة والمال والشهرة. وهذا ليس له علاقة بالدين في حد ذاته. نحن نعرف من كتابنا المقدس كيف بدأ سليمان بالحكمة والتواضع وفي النهاية سحرته النساء والخيول والذهب. كما يؤمن المسلم بأن الأيام دُوَل.. نداولها بين الناس. يعني لن تكون المنتصر دائمًا.. لابد أن تعترف بأن الآخر أفضل منك في بعض الأوقات. لذا أرى أن إصرار المسلمين على إقامة الإسلام في العالم كله- وإن كان مستحيلاً- لأن القرآن قال أيضًا "خلقناكم شعوبًا وقبائل".. فإن قانون "دفع الناس بعضهم ببعض"، وقانون "تداول الأيام"، سيجعل من حلم المسلمين في إمبراطورية إسلامية عالمية ليس في صالحهم.. لأن هذه الإمبراطورية حين تصل إلى ذروتها ستبدأ في الانحدار لصالح أمة أخرى. والكلام ينطبق على كل بني البشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق