الخميس، 13 يوليو 2017

هرمنيوطيقا النصوص النبوية-9

تكشُّف الإسخاتولوجيا في أسفار العهد القديم
 يٌقصد بالاسخاتولوجية هنا رؤية الأنبياء للأيام الأخيرة. وسنرى ذلك من خلال 4 مراحل أساسية:
§        إسخاتولوجية موسى: أخبر موسى شعب الله أن الأيام الصعبة آتية، بدرجة تصل إلى السبي من أرض الموعد، لكنه قدم أيضًا رجاءً أخرويًا (إسخاتولوجيًا)، بأنه في يوم من الايام ستؤول الأمور إلى الأفضل. لكي نفهم رؤية موسى علينا أن نفهم:
o       ديناميكيات أو حركة العهد. لقد فهم موسى أن الله سيختبر وفاء شعبه وأمانته، وسيخفق الشعب في هذا الاختبار. لذا علَّم موسى بأن حلقات متكررة من الدينونة والبركة ستميز علاقة الله بشعبه. عندما كانوا يتمردون كان الله يدينهم إمّا بالحرب أو بكوارث طبيعية. وعندما كانوا يطيعون كانوا يتمتعون بالبركات في الانتصار في الحرب وخيرات الطبيعة. هذا النمط يتكرر عبر أسفار الكتاب المقدّس.
o       ذروة العهد:   لا يعتقد موسى أن هذه الدورات من البركة والدينونة ستتكرر إلى ما لا نهاية. لكن موسى رأى نهاية "إسخاتون". رأى موسى أن الشعب سيبتعد عن الله، حتى يدان بالسبي، و..
"إِذَا وَلَدْتُمْ أَوْلاَدًا وَأَوْلاَدَ أوْلادٍ، وَأَطَلْتُمُ الزَّمَانَ فِي الأَرْضِ، وَفَسَدْتُمْ وَصَنَعْتُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا صُورَةَ شَيْءٍ مَّا، وَفَعَلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لإِغَاظَتِهِ، أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ أَنَّكُمْ تَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. لاَ تُطِيلُونَ الأَيَّامَ عَلَيْهَا، بَلْ تَهْلِكُونَ لاَ مَحَالَةَ. وَيُبَدِّدُكُمُ الرَّبُّ فِي الشُّعُوبِ، فَتَبْقَوْنَ عَدَدًا قَلِيلاً بَيْنَ الأُمَمِ الَّتِي يَسُوقُكُمُ الرَّبُّ إِلَيْهَا. وَتَصْنَعُونَ هُنَاكَ آلِهَةً صَنْعَةَ أَيْدِي النَّاسِ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ مِمَّا لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشُمُّ" (تث4: 25-28)
لكن هذا السبي ليس هو نهاية التاريخ بالنسبة لعلاقة العهد بين الله وشعبه: "ثُمَّ إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ" (تث4: 29). الحل مرة أخرى في التوبة الحقيقية.
"عِنْدَمَا ضُيِّقَ عَلَيْكَ وَأَصَابَتْكَ كُلُّ هذِهِ الأُمُورِ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، تَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ وَتَسْمَعُ لِقَوْلِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ رَحِيمٌ، لاَ يَتْرُكُكَ وَلاَ يُهْلِكُكَ وَلاَ يَنْسَى عَهْدَ آبَائِكَ الَّذِي أَقْسَمَ لَهُمْ عَلَيْهِ." (تث 4: 30-31).
يصطك موسى تعبيرًا اصطلاحيًا هو " آخِرِ الأَيَّامِ" (eschaton) للتعبير عن ذروة التاريخ البشري كله. يظهر هذا المصطلح في عدة مواضع أخرى منها: (إش2: 2، مي4: 1، هو3: 5؛ أع2: 7، عب1: 2، يع 5: 3).
§        اسخاتولوجية الأنبياء المبكرين: أي الأنبياء الذين تنبأوا حتى دانيال. هؤلاء كان لهم منظور اسخاتولوجي خاص يشبه منظور موسى، مع بعض الاختلافات.
o       التشابهات: حذروا من السبي مثل موسى، ولم يفقدوا الأمل في أن الله سيجدد بقية من شعبه في السبي وسيرجعهم إلى الأرض مرة أخرى. كما يوضح ذلك إش 10: 20-21 "وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ وَالنَّاجِينَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ لاَ يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضًا عَلَى ضَارِبِهِمْ، بَلْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ بِالْحَقِّ. تَرْجعُ الْبَقِيَّةُ، بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ، إِلَى اللهِ الْقَدِيرِ". وكذلك إر31: 33  "بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا".
o       الإضافات: ما بين موسى والأنبياء المبكرين حدث عهد بين الله وبين داود. وبالتالي كان هناك 3 إضافات مهمة للرؤية الاسخاتولوجية لهؤلاء الأنبياء تزيد على رؤية موسى.
1-   المملكة: أصبح عرش داود له مكانة محورية في حياة شعب الله. فتنبأول بدينونة تتعلق بفراغ هذا العرش، نقرأ هذا في إش 39: 5-7 "فَقَالَ إِشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: «اسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ الْجُنُودِ:هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَمِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ". وتنبأوا فضلاً عن رجوع الشعب، برجوع عرش داود بمجد عظيم. نقرأ هذا في إر23: 5-6 "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ.فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا."
2-   الهيكل: اعتقد اليهود أن الهيكل لن يُمس، لكن الأنبياء تنبأوا بخرابه كجزء من دينونة الله على شعبه. وأكثر من تصدى لهذا إرميا النبي: "لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ، هَيْكَلُ الرَّبِّ هُوَ"! (إر7: 4). لكنهم تنبأوا أيضًا بإعادة بناء الهيكل بمجد عظيم. أكثر من تصدى لهذه الفكرة هو حزقيال النبي: "وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ لِيَخْزَوْا مِنْ آثَامِهِمْ، وَلْيَقِيسُوا الرَّسْمَ. فَإِنْ خَزُوا مِنْ كُلِّ مَا فَعَلُوهُ، فَعَرِّفْهُمْ صُورَةَ الْبَيْتِ وَرَسْمَهُ وَمَخَارِجَهُ وَمَدَاخِلَهُ وَكُلَّ أَشْكَالِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَكُلَّ شَرَائِعِهِ، وَاكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ رُسُومِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا." (حز43: 10-11).
3-   الأمم: في السبي ستنتصر الأمم على شعب الله. وبعد السبي سيدين الله هذه الأمم وستهزم، وسينتصر شعب الله. يظهر هذا في الاستخدام المتكرر لتعبير "يوم الرب"  yom Yahweh. ومعناه أن الله سيهزم الأمم في يوم من الأيام- هو يوم الرب. لكن هذا التعبير استخدم ايضًا في التعبير عن دينونة شعب الله نفسه. يظهر هذا بوضوخ في سفر يوئيل.
في 3 مواضع (1: 15؛ 2: 1؛ 2: 11) في سياق هزيمة يهوذا وإرسالها إلى السبي. وفي موضعين أخريين (2: 31-32؛ 3: 14) عن هزيمة الأمم وعودة الشعب من السبي. ومع ذلك تنبأ الأنبياء بأن ليس كل الأمم سيهلكون، بل سيعرفون الله الحي. نعرف ذلك في إش2: 2-3 "وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ". وبالتالي ستكون هه فترة سلام ورخاء كبير، وسيُطعَّم الأمم في شعب الله. وسيمتد عهد الله ليشمل الأرض كلها.
§        اسخاتولوجية الأنبياء المتأخرين: أي دانيال وما بعده. في هذه المرحلة سنجد أهم وأخطر مثال على تأثير الخيار البشري كشرط لتحقيق النبوات.
1-   توقعات إرميا: أضاف إرميا شيئًا لم يكن معروفًا من قبل. لقد تنبأ بأن السبي سيدوم لسبعين عامًا. "وَتَصِيرُ كُلُّ هذِهِ الأَرْضِ خَرَابًا وَدَهَشًا، وَتَخْدِمُ هذِهِ الشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً. «وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ، وَتِلْكَ الأُمَّةَ، يَقُولُ الرَّبُّ، عَلَى إِثْمِهِمْ وَأَرْضَ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَجْعَلُهَا خِرَبًا أَبَدِيَّةً" (إر25: 11-12). وكذلك: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ" (إر29: 10). وقد تحقق ذلك فعليًا. نقرأ في 2أخ36: 21-22 بأن أول فوج عاد بقيادة زربابل عام 539 ق م بعد سماح كورش الملك بذلك.
2-   أفكار دانيال: أهم إضافة لدانيال هي رؤية السبعين اسبوعًا في دانيال 9. يقول دانيال أنه قرأ نبؤة إرميا المتعلقة ب 70 سنة (دا9: 2). كملت السبعون عامًا ولم يتب الشعب. "كَمَا كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، قَدْ جَاءَ عَلَيْنَا كُلُّ هذَا الشَّرِّ، وَلَمْ نَتَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَرْجعَ مِنْ آثَامِنَا وَنَفْطِنَ بِحَقِّكَ. فَسَهِرَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ وَجَلَبَهُ عَلَيْنَا، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا بَارٌّ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا إِذْ لَمْ نَسْمَعْ صَوْتَهُ" (دا9: 13-14). هنا خيارات الناس تلعب دورًا في تغيير مسار التاريخ. ذهب الشعب إلى السبي ولكنهم لم يتوبوا. ومع ذلك ترجى دانيال الله ليعيد الشعب لأجل اسمه (ع17). ولكن جاء الملاك جبرائيل برسالة:  "سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ." (ع24). وهذا معناه أن فترة السبي امتدت من 70 إلى70x 7 أي 490سنة. بسبب عدم توبة الشعب قرر الله أن يضاعف فترة السبي كما جاء في لاويين 26: 18  "وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ". رجع البعض وبنوا السور والهيكل ولكنهم ظلوا مستعبدين من إمبراطورية إلى أخرى حتى جاء ملكوت الله في المسيح.
3-   المراحل الأخيرة لاسخاتولوجية الأنبياء: أي في فترة الرجوع من السبي. نقسمها إلى:
o       آمال الرجوع المبكرة: أي بعد عودة أعداد قليلة من شعب الله إلى أرض الموعد مباشرة من 539-515 ق م. هؤلاء المجموعات ترجوا انسكاب البركات العظيمة عليهم بشكل سريع، وآملين بالتوبة تقصير ال 490 سنة التي تحدث عنها دانيال. في هذه الفترة ركز زكريا وحجي على 4 آمال اسخاتولوجية هي: استرداد عرش داود، استرداد الهيكل، هزيمة الأمم، وتجديد الطبيعة. كانت آمال عظيمة لشعب الله.
o       آمال الرجوع المتأخرة: لكننا نعلم أن من النصف الثاني لسفر زكريا ومن سفري عزرا ونحميا وسفر ملاخي أنه حدثت موجة ارتداد عظيمة لشعب الرب بسبب التزاوج مع الشعوب الوثنية المحيطة بهم. بالرغم أنهم تمكنوا من إعادة بناء الهيكل والسور. ومن ثم تم ترحيل بركات وآمال الأنبياء في فترة ما بعد السبي إلى المستقبل البعيد.
§        أكثر من أظهر ذلك هو النبي ملاخي: "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (3:1)، وأيضًا "فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلاً وَلاَ فَرْعًا. «وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ" (4: 1-2). ومع نهاية فترة العهد القديم نرى أن هذه البركات ما كانت لتتحقق سريعًا ويجب أن ينتظر شعب الله الاسترداد الكامل.
4-   اسخاتولوجية العهد الجديد: فهم كتاب العهد الجديد اسخاتولوجية العهد القديم وأضافوا عليها حقيقة خدمة المسيح ومجيئه بالجسد.  
§        مصطلحات جوهرية في العهد الجديد: مثل 1- "إنجيل- الأخبار السارة". يقول كتاب العهد الجديد أن يسوع وتلاميذه بشروا بالآخبار السارة أو بالإنجيل. لكن العهد الجديد لم يخترع هذا المصطلح لكنه استمده من الأنبياء الذين استخدموا الكلمة العبرية basar والتي تعني أخبار سارة أو مفرحة. وكانوا يقصدون بها أخبار العودة من السبي والرجوع إلى أرض الموعد.
"فَالآنَ مَاذَا لِي هُنَا، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُخِذَ شَعْبِي مَجَّانًا؟ الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَصِيحُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَدَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ اسْمِي يُهَانُ. لِذلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسْمِي. لِذلِكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هأَنَذَا». مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ (إش52: 5-7).
وبالتالي نفهم أن يسوع وتلاميذه جاءوا ليعلنوا الأخبار السارة. يسوع حقق العودة من السبي: "فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو4: 17-21).
§        مصطلح آخر في العهد الجديد هو "الملكوت". هذا المصطلح يشير إلى أنه في يسوع تحققت آمال الأنبياء بعد الرجوع من السبي. " مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ" (إش52: 7). الأخبار السارة مرتبطة بتأسيس ملكوت الله على الأرض.
§        مصطلح آخر هو "الأيام الأخيرة". الأنبياء استخدموا هذا المصطلح للإشار إلى فترة ما بعد السبي. واستخدم كتاب العهد الجديد نفس المصطلح للإشارة إلى زمن العهد الجديد نفسه. "بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا." هذا كلام بطرس في يوم الخمسين (أع2: 16-17). رأى كتاب العهد الجديد أن العهد الجديد هو ذروة الآمال النبوية لأنبياء العهد القديم. وأن زمانهم هو تحقيق الآمال الاسخاتولوجية للعهد القديم. وهو المرحلة الأخيرة من التاريخ البشري من خلال المسيح.
§        توقع يوحنا المعمدان: "أَجَابَ يُوحَنَّا الْجَمِيعَ قِائِلاً: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ" (لو3: 16-17). توقع يوحنا مجيء ملكوت الله في الحال مع بركات ودينونة أخيرة ستحدث على الفور.
§        رأي المسيح: خلال خدمته شرح أن ملكوت لن يكون فوريًا كما توقع يوحنا بل سيمتدد عبر فترة زمنية طويلة، وعبر عن ذلك في مثلين من أمثال الملكوت في مت 13: 31-35. حيث شبه ملكوت الله بحبة خردل، وبالخميرة. وهو ما يشير أن تحقيق ملكوت الله وإن ابتدأ بمجيء المسيح لكنه يحتاج إلى وقت ومراحل وتدرج. وبالتالي فإن افتتاح الملكوت وبداية الأيام الأخيرة قد بدأ بمجيء المسيح وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين. ثم تأني مرحلة ثانية هي استمرارية الملكوت وهو ما نعيشه الآن. ثم اكتمال الملكوت مع مجيء المسيح الثاني.
مفهوم جديد للسبي والرجوع. الآن أصبح هناك اغتراب وسبي عن كنيسة المسيح، كذلك تمارس الكنيسة من وقت لآخر انتصارات روحية في العالم، كذلك المسيح حقق انتصارًا كبيرًا على إبليس.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق