الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

عظة على مت 3: 13 بشأن الثالوث، ق أغسطينوس

 


في هذه العظة المهمة يحاول ق أغسطينوس الإجابة على سؤال صعب مفاده: إذا كان الثالوث القدوس غير منفصل، فلماذا تُنسب بعض الأعمال لأحد الأقانيم فقط دون الأقنومين الآخرين؟ فالتجسد والصلب والقيامة يبدو أنهم يُنسبون للابن فقط، فأين دور الآب والروح القدس في هذه الأعمال؟ ومع اعترافه بالصعوبة الشديدة لهذا السؤال فإنه يقدم محاولة حذرة يراعي فيها عدم القول بوجود ثمة انفصال بين الأقانيم الثلاثة من جهة وعدم نسب الولادة أو الصلب أو القيامة للآب أيضًا من جهة أخرى. لأن ق أغسطينوس كان على دراية بالهرطقة التي رفضتها الكنيسة والتي عُرفت بمؤلمي الآب
patripasstianism.

استعان ق أغسطينوس ببعض النصوص الكتابية لكي يثبت أن ولادة الابن هي عمل كل من الآب والابن، لأن الآب هو من أرسل وجعل ابنه مولودًا من امرأة (فقرة 11)، وبرغم أن الابن هو الذي تألم فإن أغسطينوس يأتي بشهادات كتابية تقول إن الآب أسلم ابنه كما أن الابن أسلم ذاته، وبالتالي يقول إن الصلب هو عمل كل من الآب والابن (فقرة 12). نفس الشيء عن القيامة، فالآب أقام ابنه، والابن لديه السلطان ليضع نفسه ويستردها أيضًا (فقرة 13).

ثم يحاول أغسطينوس حث قرائه أو سامعيه على البحث في المخلوقات عن 3 أشياء تظهر منفصلة ويكون عملهم غير قابل للانفصال. ويستنتج أن البحث يكون أكثر واقعية في الإنسان، ذات الإنسان، لأن الإنسان بخلاف البهائم أو السماء أو النجوم، هو المخلوق على صورة الله ومثاله. وبالتالي لابد أن يكون في الإنسان أثر شبهٍ بالثالوث. هذه المقاربة اتبعها ق غريغوريوس النيسي في مقالة له بعنوان ”خلق الإنسان على صورة الله ومثاله“. فقد رأى ق غريغوريوس النيسي مثل ق أغسطينوس أن النفس هي أقرب تشبيه للثالوث، وأن الإنسان إذا تأمل نفسه سيصل إلى سر الثالوث، وأن النفس تمثل شهادة للثالوث ويقول إنها ”شهادة مؤكدة وجديرة بالثقة أكثر من أي شهادة أخرى للناموس والكتاب“!. 

لكن ق أغسطينوس مع اعترافه بأن النفس أقرب تشبيه للثالوث مثل النيسي، إلا أنه يأخذ منحى سيكولوجيًا آخر، وهو ثالوث ”الذاكرة، والفهم، والإرادة“، مع اعتراف أغسطينوس أن هذا الثالوث هو مجرد نموذج تشبيهي ولا يتطابق تمام الانطباق مع الثالوث القدوس، ولم يستطع أن يصرح بأيهم ينطبق على الآب أو الابن أو الروح القدس. وأكد على أن غاية بحثه هي أن يبحث في عالم المخلوقات عن أشياء ثلاثة تظهر منفصلة مع أن عملهم غير قابل للانفصال، مشددًا على سمو الله وتعاليه عن أي شبه بالمخلوقات.

نسأل المسيح إلهنا أن تكون هذه الترجمة لمجد الثالوث القدوس ولخدمة الكنيسة، وأن يحفظ لنا حياة أبينا البطريرك أنبا تواضروس الثاني.. آمين.

 يمكنك تحميل ترجمة العظة من الرابط التالي: 

https://drive.google.com/file/d/1DYRO6O85TxJpeWKqjignC606r1jvjoKh/view?usp=share_link


الجمعة، 11 نوفمبر 2022

الرسالة رقم (120): إلى كونسينتيوس

 


هذه الرسالة كتبها القديس أغسطينوس حوالي عام 410م، ردًا على طلب شخص يُدعى كونسينتيوس الذي أرسل له مستفسرًا عن أمور متعلقة بسر الثالوث، فآثرت أن أترجم الرسالة كاملة حتى تكون في متناول القارئ المهتم بدراسة الثالوث بشكل عام، وبفكر القديس أغسطينوس في ذات الموضوع بشكل خاص. وفي نظري ترجع أهمية هذه الرسالة إلى النقاط التالية:

1- أنه كما يتضح من هذه الرسالة أن أغسطينوس لا يعطي أولوية للجوهر الإلهي بحيث يوجد بشكل ما كسابق على الأقانيم. وهذه تهمة كثيرًا ما تُوجّه للشرح الغربي أو اللاتيني للثالوث. فيقول أغسطينوس: ”في هذا الوقت لابد أن نتمسك بإيمان لا يهتز بأن الآب والابن والروح القدس هم الثالوث، لكنهم إله واحد فقط. ليس بمعنى أن الأولوهة التي يتشاركون فيها هي أقنوم رابع بشكل ما، بل هي ذاتها الثالوث غير الموصوف وغير قابل للانفصال“ (رسالة 120: 3: 13).

2- لا يهمل أغسطينوس تمامًا قيمة العقل في فهم الأمور الإيمانية، فبينما وضع كونسينتيوس مبدأً لنفسه بأن يتبع الإيمان ولا يتبع إعمال العقل في الأمور الإلهية، نجد أغسطينوس يعطي قيمة للعقل ولا يرفضه كليةً. يقول أغسطينوس: ”حاشا لله أن يكره فينا المَلكة (أي العقل) التي جعلنا بها أرقى من كل الكائنات الحية الأخرى“، فنحن ”لا نستطيع أن نؤمن على الإطلاق لو لم يكن لدينا نفس عاقلة“ (رسالة 120: 1: 3). في المقابل إذا سألت أغسطينوس: أيهما يسبق: الإيمان أم العقل؟ ستجده يقول لك: من المعقول أن يسبق الإيمانُ العقلَ؟ لا يلغي أغسطينوس الإيمان أبدًا، وكذلك لا يلغي العقل، وإذا كان دور العقل صغيرًا قبل الإيمان فإن دوره يمكن أن يكون كبيرًا بعد الإيمان.  

3- لا يجوز مقارنة الله بالمحسوسات، ولا بتمثلات هذه المحسوسات في العقل، لأن أغسيطنوس يقول: ”فإذا جاءت على ذهنك أي صورة مادية عندما تفكر في هذه الأفكار، فلتستنكرها وترفضها وتلقي بها عنك وتشجبها ولتُكرهها على الفرار“ (رسالة 120: 3: 13). فلا يجوز أن نتصور الأقانيم الثلاثة كثلاثة أشياء ضخمة مقيدة بالمكان أو متلامسة أو متراصة في أي شكل مثل المثلث (انظر 2: 7).

 

أرجو أن تكون ترجمة هذه الرسالة للبركة بصلوات صاحب الغبطة البابا تواضروس الثاني الساهر على كنيسة المسيح أدام الله حياته. آمين


عادل زكري

11/ 11/ 2022م

يمكنك تحميل الكتيب من خلال هذا الرابط: 

https://drive.google.com/file/d/1ZsBAqDVFb2kzD7UEUHj7izSjNXqY_oS4/view?usp=share_link