الأربعاء، 29 مايو 2019

مراحل النضوج النفسي-الجنسي عند سيجموند فرويد


سيجموند فرويد هو أهم عالم نفس على الإطلاق، لأنه أحدث ثورة في مجال التحليل النفسي، بالرغم أنه واجه انتقادات لا حصر لها لأنه ربط كل ما يحدث في سلوكيات الإنسان بالدافع الجنسي أو الطاقة الجنسية libido. لكن أخطر ما قاله فرويد أن هناك دوافع لاواعية لسلوكياتنا لا نعرفها ولا يمكن أن نحددها، فهي تنبع من اللاوعي. وشرح أن سلوكياتنا هي نتاج الصراع بين 3 أجزاء من اللاوعي هي كالتالي:
1- الهو ID
ال Id دي بيمثل الجزء الحيواني فينا.. كل همه أن يشبع الرغبات بشكل فوري دون تفكير في أي تبعات من أي نوع. جزء نزوي غرضه التمتع باللذة.
2- الأنا Ego
بتحاول تنظم الرغبات دي سواء بالتخطيط أو التأجيل أو الكبت.
3- الأنا العليا Super ego
الأنا العليا بتجسد القواعد التربوية للوالدين والقواعد الاجتماعية. تشبه الضمير اللي بيقاوم ال Id.

للمزيد من التوضيح.. الهو دي غبية جدًا.. جزء حيواني لا يفهم أي تعقل أو تروي..أحيانًا بيشبهوه بشيطان واقع فوق دماغك بيقولك اشبع رغباتك..نزواتك.. لا تفكر.. الآن. في المقابل الأنا العليا البعض بيشبهها الضمير أو ملاك واقف على دماغك وبيحاول يقولك متستجبش للهو. لكن البعض بيقول أن الأنا العليا دي كمان غبية جدًا.. ومزعجة جدًا بلا هوادة.. تقعد تقولك إيه ده.. ده شيء مقزز.. أنت لازم تخجل من نفسك.
نيجي لمراحل النضوج النفسي- الجنسي اللي قسمه فرويد إلى 5 مراحل كالتالي، واللي قال إن الفشل في تخطي مرحلة للأخرى بيؤدي إلى تثبيت المرحلة اللي كان فيها fixation:
1-    المرحلة الفموية Oral: الطفل بيحصل على اللذة الجنسية عن طريق الفم من خلال الرضاعة من صدر أمه. أي فطام مبكر سيؤدي إلى مشاكل نفسية خطيرة. قد يعاني الإنسان فيما بعد من مشاكل في الإفراط في الأكل أو التدخين (للمفارقة فرويد نفسه كان بيدخن أكثر من 20 سيجار في اليوم لحد ما جاله سرطان الفم وبالتالي فرويد نفسه كان عنده ”تثبيت فموي“ Oral Fixation). أو ممكن يُفسر الأمر مجازيًا- صح برضو- أن الشخص يكون اعتمادي بشكل مفرط.
2-    المرحلة الشرجية Anal : (من سنة ونص – 3 سنين) ودي فيها بيتعلم فيها الطفل دخول الحمام بنفسه.
3-    المرحلة القضيبية Phallic: (من 3- 7 سنين). مركز المتعة بيتحول إلى الأعضاء التناسلية. وحسب فرويد بيقول في حاجتين بيحصلوا: 1- عقدة أوديب، وأوديب ده في أسطورة يونانية قتل أبوه وأتجوز أمه. فرويد بيقول أن الصبيان كلهم في مرحلة معينة بيحب مامته ولكن باباه بيكون العقبة قدامه.. وبيفكر يخطط أنه يتخلص من باباه.. لكن الطفل بيبقى عارف أن باباه ممكن يكتشف الخطة دي وقد يعاقبه بقطع قضيبه.. وبالتالي يستسلم لباباه ويتوقف عن التفكير في الجنس لعدة سنوات، اللي هي مرحلة الكمون. البنات بيحصلهم حاجة تانية اسمها ”حسد القضيب“ Penis Envy. يعني البنت تحسد الولد لأنه عنده قضيب.. وممكن تتخيل أنها كان عندها قضيب لكن قُطع.. المهم أن البنت بتحاول تعوض ده بمحاولة الهيمنة والسيطة على الرجل. (للمفارقة ناس كتير عارضت الفكرة دي عند فرويد وقالت ده ممكن الرجالة هما اللي يكونوا غيرانين من الأنثى لأن عندها رحم بيوهب الحياة، وبيحاولوا يعوضوا ده بالهيمنة على مجال البيزنز لأن ده بيدلهم نوع من التحكم على حياة الناس بشكل أو بآخر).
4-    مرحلة الكمون Latency: ...


5-    مرحلة الأعضاء التناسلية Genital: ودي المرحلة السوية للبالغين.
فرويد بيقول إن الصراع بين الهو والأنا والأنا العليا مستمر حتى بعد البلوغ، والصراع ده ممكن يظهر في الأحلام وزلات اللسان وأعراض لبعض الحالات المرضية. وبيقول إننا طول الوقت بنحاول نمنع الرغبات الرهيبة بتاعة الهو عن أنها تتسرب للوعي، وبيسمي المحاولات دي بالحيل الدفاعية Defense Mechanisms، وبعضها كالتالي:
1-    التسامي sublimation. أنه لو عندك طاقة جنسية أو عدوانية زيادة ممكن تحولها وتعيد توجيهها في حاجة بناءة، زي الملاكمة مثلا وممارسة الرياضة بشكل عام.   
2-    الإبدال displacement: يعني لو طفل متغاظ من باباه، ممكن يضرب الكلب بتاعه كبديل عن باباه، لأنه ميصحش يضرب باباه.
3-    الإسقاط projection: لو عندي رغبات مش لائقة ومش عجباني في نفسي.. ممكن أسقطها على شخص آخر. مثلاً شخص عنده عقدة نقص يبدأ اتهام الآخرين بأن عندهم نقص.
4-    التبرير rationalization: لما تعمل سلوك غير مقبول وتبدأ تبرره.. ممكن تشتم ابنك وتقول أنك بكده بتربيه.. وهكذا.
5-    النكوص regression: دي عبارة عن انتكاسة للمرحلة الأسبق من النضوج. وده بنشوفه أحيانًا للأطفال اللي بيتعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، ممكن يرجعوا يحطوا صباعهم في بوقهم أو يحصل تبول لاإرادي.  
6-    الاستذهان intellectualization : محاولة عقلنة المشكلة لكن المشاعر بتكون مكبوتة غير معالجة مع أنها متأذية.
7-    التنفيس Acting out: حد اتأذي وموجوع فيبدأ يغطي على ده بسلوكيات مدمرة لنفسه أو لآخرين.
8-    الانفصال dissociation: إني أنفصل تماما عن الواقع المؤلم.
9-    الإنكار denial : زي لما حد بيموت ممكن أحد قرايبه ميصدقش.
فرويد بيقول إننا طول الوقت بنستخدم الحيل الدفاعية دي علشا نعمل توازن بين أجزاء اللاوعي الثلاثة.          

الثلاثاء، 28 مايو 2019

مراحل النضوج النفسي-الاجتماعي عند إيريك إيركسون



إيريك إيريكسون هو تلميذ فرويد، اتفق معه في فكرة وجود سلسلة من المراحل للنضوج، لكن أكد أكتر من فرويد على التأثيرات الثقافية بعكس تركيز فرويد على التاثيرات البيولوجية على النضوج النفسي للإنسان. تحدث إيريكسون عن 8 مراحل للنضوج النفسي والاجتماعي، وقال إن المرور من مرحلة لأخرى يحتاج إلى حل صراع معين. وهذا المرور والنضوج لا يحدث إلا من خلال الألم. 

المرحلة
الصراع الأساسي
الأحداث الهامة
النتائج
1- الرضاعة (من الولادة- سنة ونص)
الثقة في مقابل عدم الثقة
الرضاعة
هل أستطيع أن أثق في هذا العالم؟ لازم يكتسب الأطفال شعور بالأمان بسبب اهتمام (والديه) بيه وإشباعه حب وحنان واحتواء ورعاية.. التعلُّق مهم هنا. لو لم يحدث هذا ينتج الشعور بعدم الثقة (أو عدم الأمان). (من الأسباب اللي بتساهم في كده.. أن يكون الحمل غير مرغوب فيه أو نوع الجنين مرفوض) كلمة السر هي الإتاحة الجسدية والعاطفية. الفشل في ده يولد شعور بالخوف وعدم الأمان من فكرة الوجود في هذا العالم الذي لا يمكن التنبؤ به، وعدم القدرة على الثقة بالأشخاص في المستقبل. الأم هي الشخصية المحورية.
2- الطفولة المبكرة (من 2- 3 سنين)
التحكم الذاتي في مقابل الخجل/ الشك
التدرب على التواليت
هل أستطيع أن أتحكم في عالمي؟ يحتاج الطفل أنه يشعر أنه قادر على التحكم في وظائفه الجسدية علشان يحس بالتحكم وبالاستقلالية شوية. مهم أنه يمارس بعض التحكم في نوع الأكل والملابس أو اللعب اللي يفضله. هنا محتاج صبر شوية وعدم الانتقاد الزائد، وإلا تولّد عنده شعور بالخزي أو الشك في نفسه. كلا الوالدين مهمان جدًا.
3- ما قبل المدرسة (من 3- 5 سنين)
المبادرة في مقابل الذنب
الاستكشاف
هل أقدر أعتمد على نفسي؟ مرحلة تأكيد على القدرة على التحكم في البيئة المحيطة. المشكلة أنه لو حاول أنه يتحكم في كل شيء هيُرفض مما يؤدي إلى شعور بالذنب. التعلم هنا من جميع أفراد الأسرة.
4- سن المدرسة (5- 11 سنة)
الاجتهاد في مقابل الشعور بالنقص
المدرسة
هل يوجد ما أفخر به؟ الطفل هنا بيحتاج ينجح ويفخر بإنجازاته وقدراته في المدرسة، ويحس أنه مختلف عن الآخرين، علشان يتأكد عنده الشعور بالكفاءة والثقة في مهاراتهم. لكن لو فشل بيجيله شعور بالدونية. كلمة السر هنا هي التشجيع والتقدير. الجيران والمدرسة بيلعبوا دور هنا.
5- المراهقة (12- 18 سنة)
الهوية في مقابل الارتباك
العلاقات الاجتماعية
أنا مين؟ ومكاني فين في العالم ده؟ المراهق محتاج يكتسب هوية شخصية..يعني يلاقي نفسه.. ويكتشف دوره في الحياة علشان يتأكد لديه الاستقلالية والثقة بالنفس. الصراع بيكون أنه عاوز يتميز في شيء وفي نفس الوقت محتاج الانتماء لجماعة. أما اللي بيفضل غير متأكد من أنه عاوز إيه ومقتنع بإيه هيتولد لديه شعور بالارتباك تجاه نفسه وتجاه العالم المحيط بيه. يحتاج إلى أنه يستكشف نفسه، وإلا شعر بالتشويش والشعور بالضياع. النماذج والنجوم والشخصيات الناجحة تؤثر بقوة هنا.
6- الشباب (19- 40 سنة)
الحميمية في مقابل الانعزالية
العلاقات
هل أقدر أحب واتحب؟ محتاج أنه يكوّن علاقات حميمة فيها حب مع آخرين. الفشل في كده يولد الشعور الوحدة والانعزال. إيريكسون بيأكد أن كل مرحلة بتبني على المهارات اللي بنتعلمها في المراحل السابقة. وبيقول جملة في منتهي الخطورة: ”لازم تلاقي نفسك الأول قبل ما تدخل في علاقة حميمة“. الأبحاث بتقول إن اللي عندهم شعور ضعيف بالهوية هم أقل التزامًا في علاقاتهم، واكثر شعور بالعزلة والوحدة والاكتئاب. الأصدقاء هنا بيلعبوا دور مهم.
7- منتصف العمر (40- 65)
الإنتاجية في مقابل الركود
العمل والأسرة
هل أصنع فرقًا؟ بيفكر الإنسان في أنه يسيب أثر في الحياة يمتد إلى ما بعد موته، غالبا بإنجاب أولاد، أو بعمل شيء فيه فائدة للآخرين، والـتأثير في الأجيال القادمة. النجاح في هذا يولد شعور بالنفع والإنجاز، والفشل يؤدي إلى شعور بأنه بلا تأثير في عالمه.  
8- النضوج (65 سنة- الوفاة)
التكامل في مقابل اليأس
التأمل في مسيرة الحياة
هل أنا راضي عن مسيرة حياتي كلها؟ يحتاج الإنسان أن يراجع حياته كلها ويشعر بالرضا في المجمل.. الفشل في ذلك يولد الشعور بالمرارة والندم واليأس. ويخلي الشخص مستني الموت. لكن النجاح في هذه المرحلة يُكسب الإنسان حكمة.


الأربعاء، 15 مايو 2019

حياة ماكرينا- ق غريغوريوس النيسي


للقديس غريغوريوس النيسي
منشورات المكتبة البولسية،
سلسلة النصوص المسيحية 2
دي رسالة كتبها ق غريغوريوس النيسي لراهب كان سأله عن مثالية الفلسفة المسيحية، فصاغ إجابته حول سيرة أخته الكبرى ماكرينا- اللي بيعتبرها امرأة فوق العادية، وأنها ”ارتفعت بفضل الفسلفة إلى أعلى قمم الفضيلة الإنسانية“ (صفحة 32). ثم يحكي عن رؤية لأمها في وقت ولادتها، ثم طفولتها المبكرة وتثقيفها على الكتاب المقدس وحكمة سليمان والمزامير، ثم شبابها ووفاة خطيبها فجأة، ثم اعتبارها اتفاق والدها على هذه الخطبة بمثابة زيجة، وقرارها بالتبتُّل بعد ذلك. يعلق النيسي على فكرة الزواج بقوله: ”الزواج في طبيعته واحد، كما أن الولادة واحدة، والموت واحد“ (36). اعتبرت ماكرينا أن خطيبها مسافر مش ميت، ولا يليق أن تخون زوجًا في سفر!
ثم يحكي عن دور ماكرينا في تهذيب ق باسليوس الكبير أخوها، لأنه عاد من دراسته شديد الزهو بنفسه وبموهبته في الخطابة (38). ثم يحكي عن أخوهما نوكريتوس الذي مات فجأة، وتحملها لأحزان متتابعة. تنتقل ماكرينا لحياة ديرية مع عذارى أخريات وفي التأمل في الإلهيات والصلاة، ويعلق النيسي أنهم عاشوا ”على تخوم الطبيعة البشرية والطبيعة اللاجسمانية“ (43). كيف؟ لأنهم من ناحية تحرروا من الأهواء وصاروا بذلك فوق الكيان البشري، لكن وجودهم في الجسد يخليهم أدنى من الملائكة.
ثم أخ آخر لمكرينا اسمه بطرس تولت هي تنشئته منذ ولادته (44) ثم وفاة أمها، ثم وفاة أخوها ق باسليوس. ثم زيارة النيسي لها بعد أن كبرت في لسن واشتد عليها المرض. ويحكي إزاي ”بقيت على انضباطها.. مستحلية العناية الإلهية الكامنة في الشدائد.. متحدثة عن أمور تتعلق بالحياة الآتية، كما لو كان الروح القدس يوحي إليها بما تقول“ (49).
يصف النيسي ماكرينا بأيوب البار الذي لم يستطع الألم أن يكسرها.. وإنما في ألمها كانت بتتكلم عن الفلسفة والدين، ولماذا يوجد الإنسان، ولماذا يوجد الموت (يوجد هذا في عمل آخر للنيسي يسمى ”عن النفس والقيامة“ لم يترجم بعد). لكن كلام ماكرينا كان كله رجاء وتفاؤل. وكانت دايمًا بتركز على محبة ربنا في حياتها وحياة أسرتها، ونعمة ربنا اللي عملت فيها. وكانت كلما اقتربت من الموت كانت كأنها تسارع لملاقاة الحبيب وكأنها تشاهد أكثر جمال العريس (56).
ثم يدون النيسي صلاتها قبل وفاتها كالتالي:
يارب.. أنت أبطلت من أجلنا الخوف من الموت.
يارب.. أنت جعلت نهاية الحياة على الأرض بداية لحياة حقيقية.
يارب.. أنت تعيد ترابنا إلى التراب.. ثم تحول ما فينا من موت وقبح إلى عدم موت وجمال.
يارب.. اجعل إلى جانبي ملاكًا.. يقودني.. في أحضان القديسين.
اذكرني في ملكوتك.. لا تفصلني الهوة الرهيبة عن مختاريك.. ولا يقف إبليس الحسود حاجزًا في طريقي. (58).
لما أراد النيسي الاهتمام بجثمانها قالت إحدى العذارى أن ماكرينا أوصت بأن ”الحياة الطاهرة هي زينة حياةتها وكفن موتها“ ولم تهتم بشيء يخص زينة الجسد. ثم أخذوا الجثمان إلى الكنيسة للصلاة ثم الدفن بوقار. أثناء التكفين قالت إحدى العذارى أن ماكرينا شفيت بمعجزة من ورم خطير بالثدي.. وبعد الوفاة أخبر أحد الجنود أن الله أجرى معجزة بواسطة ماكرينا وشفيت طفلته من مرض خطير في عينها. هذا الجندي يسمي الدير ب ”منتجع الفضيلة“، ويسمي الخلوة في الدير ”خلوة الحياة الفلسفية“، حتى المائدة سماها ”المائدة الفلسفية“، والطعام ب ”غنى الفلسفة“.
يختم النيسي كلامه بالحديث عن المعجزات التي قيلت عن ماكرينا، ويعلق قائلاً: ”لكن الذين غرقوا في الماديات لا يقبلونها، أولئك الذين جهلوا أن توزيع المواهب يجري وفقًا للإيمان، فيكون لضعيفي الإيمان ضعيفًا، ويكون بعكس ذلك غزيرًا للذين يجعلون للإيمان مجالاً أوسع في نفوسهم“ (71). ثم يقول تعليق لافت للغاية.. لكن ”لكي لا ينال الضرر ضعيفي الإيمان والذين لا يؤمنون بمواهب الله أحجمتُ عن تعداد أهم معجزاتها، مقدرًا ما ذكرته كافيًا لختام تاريخ ماكرينا“ (71). يعني لما لقى الناس ضعيفة في الإيمان اقتصد في سرد المعجزات!!  

الجمعة، 10 مايو 2019

قراءة في كتاب "ورثة مسيحك"



بيانات الكتاب
ورثة مسيحك: قراءة في مفهوم التأله وفقًا لآباء الكنيسة
للكاتب أمجد بشارة
154 صفحة (من القطع المتوسط) إصدار دار نشر رسالتنا
يبدأ الكاتب بالتنوية على أن الهدف من الكتاب ليس المزيد من الجدل حول هذه العقيدة الآبائية الراسخة. ويعترف بأن هذه اللفظة ”التأله“ جريئة على لغتنا ومجتمعنا.. ولكن لا يجب أن نتخلى عنها. لكنه أيضًا يؤكد أن اللفظة تعني أشياء نتفق جميعنا عليها مثل التقديس، الاتحاد بالله، سكنى موهبة الروح القدس فينا.. إلخ، وبالتالي هذا يقودنا إلى إنهاء حالة التشنج العقيم حول هذه العقيدة. في تدوينة سابقة لي بعنوان ”الـتأله: تمجيد أم تجديف“ حاولت الإجابة على الاعتراضات على التأله،[1] لكنني في هذا التلخيص لكتاب ”ورثة مسيحكحاولت أن أعرِّف وأوصف ”التأله“ مستلهمًا من أفكار الكاتب والاقتباسات الآبائية الواردة في كتابه كالتالي:
-       التأله هو.. النعمة التي سيبلغها الإنسان بفضل التجسد واتحاده بالمسيح (صفحة 21).
-       التأله هو.. مسيرة الخلاص التي تبدأ بالمعمودية حيث نتحد بالمسيح ونتغير لنصير شبهه أكثر فأكثر (24).
-       التأله هو.. أن تصبح على مثال الله في القداسة (26).
-       التأله هو.. بركة اتحاد طبيعتنا البشرية بالطبيعة الإلهية في التجسد (31).
-       التأله هو.. استرداد البشرية لما كانت عليه في البدء.. وأكثر (33).
-       التأله هو.. مشابهتنا وانتسابنا لجسد اللوغوس (34).
-       التأله هو.. وقف لتيار الفساد الذي سرى فينا بالسقوط.
-       التأله هو.. أن يتصور المسيح فينا.. لنحيا على مثاله (40).
-       التأله هو.. اختبار قيامة المسيح في حياتنا وتذوق الحياة الأبدية (44).
-       التأله هو.. الارتباط الحقيقي بحياة الله في المسيح (55).
-       التأله هو.. شركة الطبيعة الإلهية بمعنى أن يوهب لنا كل ما هو للحياة والتقوى (55).
-       التأله هو.. أننا باشتراكنا في الابن يُقال عنا أننا نشارك في الله (67).
-       التأله هو.. المقابل المتحصِّل من التأنس (69).
-       التأله هو.. ارتفاعنا من عبوديتنا إلى الاتحاد السري بمن أخذ صورة العبد (71).
-       التأله هو.. تسلُّمنا للهبات الإلهية التي أعطيت للإنسان بالتجسد (74).
-       التأله هو.. أن تتحد بالله.. وتحيا بالله (74).
-       التأله هو.. إبطال أوجاعنا.. الذي حدث في جسد المسيح (86).
-       التأله هو.. أن تكون على صورة الابن.. أخونا البكر (91).
-       التأله هو.. نسبتنا للمسيح كأخ لنا عندما اشترك في بشريتنا (92)
-       التأله هو.. المشاركة في أزلية الله (بالنعمة) كما شارك في فنائي في المسيح (99).
-       التأله هو.. بلوغ حرية البنين (102).
-       التأله هو.. أن نصير أبناء لله بالتبني (102).
-       التأله هو.. أن يرى الآب صورة ابنه فينا (104).
-       التأله هو.. سكنى الروح القدس الذي هو كنز الحياة الأبدية (119).
-       التأله هو.. أن تبلغ الصورة (نحن) إلى الجمال الفائق الذي للأصل (المسيح) نسبيًا (124).
-       التأله هو.. الارتقاء إلى مستوى الدالة المكافئة لدالة الابن.. فنجسر أن نقول يا أبا الآب (128).
-       التأله هو.. نعمة تأتي إلينا من الآب بالابن في الروح القدس (142).
-       التأله هو.. شفاء الجسد بالإفخارستيا.. خبز الخلود (149).
ملحوظة: لأن الكلام في هذا الموضوع يشبه السير على حبل رفيع، فالخطأ وارد جدًا.. لكن الكاتب استطاع الحفاظ على التوازن فوق هذا الحبل المشدود.. بنسبة كبيرة للغاية. وفي كثير من المرات كان الكاتب يضع مباشرة وراء لفظة ”التأله“ ما يرادفها من المعاني السابقة، وهذا شيء رائع، لأن الكاتب عارف حساسية هذا الموضوع لدى البعض. هناك نص وحيد أخشى أن يُساء فهمه. يقول الكاتب: ”لا يحق لنا الآن، بعد تجسد الابن، أن نتساءل أين الله؟! أنه أنتّ!، يقبع بداخلك.. يعمل بك.. أنت مخلوق مدعو أن تصير مسيحًا، أن يتجسد الله كل يوم في العالم من خلالك“ (54).
لكن ما شرحه الكاتب عبر صفحات كتابه يوضح المعنى الصحيح المقصود بهذه العبارة، فالكاتب في صفحة 16 يؤكد على أن المسيحية تحافظ على آخرية (غيرية) الله بمعنى أنه مغاير ومفارق في طبيعته عن كل المخلوقات. لكن الكاتب يؤكد في نفس الوقت أن هذا لا يعني أن نتنازل عن حقنا في أن نقول مع بولس ”لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في“ (غل 2: 20). وبالتالي نفهم هنا المعنى الصحيح لعبارة ”أنه أنت!“. نفس الشيء ينطبق على غيرية المسيح في تجسده- الأمر المتفرد به وحده- وتجسيدنا نحن للمسيح بشكل نسبي في محاكاة لفكره وصفاته وتمثُّل بحياته بمقدار النعمة التي تعمل فينا.
الكتاب سهل وبسيط.. ويُقرأ بسهولة.. ربما في جلسة واحدة. أشجع على قراءته جدًا.