الاثنين، 17 يوليو 2017

الثالوث: العقيدة المهجورة


فيما يلي إبحار سريع مع بعض الآباء الذين كانت لهم إسهامات مميزة في الحديث عن الثالوث.
§       يوستين الشهيد:
o      مهم جدًا، لأنه من آباء ما قبل نقية للرد على من يقولون إن عقيدة الثالوث تم اختراعها في مجمع نيقية بمساعدة قسطنطين.
o      يصف ولادة اللوغوس من الآب مثل "النور من الشمس، النار من النار، المتحدث وكلامه".
§       العلامة ترتليان (160 – 240م)
o       يعتبر ترتليان أول من استخدم كلمة "ثالوث" trinitas، وكلمة persona للتعبير عن الأقنوم. ويقال إن القديس ثاؤفيلوس السكندري هو أول من استخدم كلمة ثالوث trias باليونانية.
o       يقول: "إن الله كان وحده.. ومع ذلك لم يكن إذاك وحده بالمعنى الحقيقي.. فقد كان معه العقل الذي فيه. إن الله عاقل، والعقل كان فيه منذ البدء، وبه كان كل شيء. هذا العقل يدعوه اليونانيون باللوغوس."[1]
o       في كتابه ضد براكسياس يشبه الثالوث كالآتي: الجذر والشجرة والثمار، النهر والنبع والمجرى، الشمس والشعاع وطرف الشعاع ذاته. وكلها من نفس الجوهر بلا انفصال.
o       وقال: "واذا كان الجمع في الثالوث لايزال يزعجك لأنه ينفي الوحدة البسيطة، فأني أسألك كيف يمكن لكائن واحد مفرد أن يتكلم بصيغة الجمع فيقول: "لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا"؟ أو لم يكن الأجدر له أن يقول إذا كان هو واحدًا مفردًا: لأصنع الإنسان على صورتي ومثالي؟ وقوله: "هوذا لإنسان قد صار كواحد منا" كيف يفسر إذا كان واحد فقط؟ هل أردا الله خداعنا أو تسليتنا أو أنه كان يخاطب الملائكة كما يقول اليهود الذين لا يعترفون بالإبن؟ أو أنه تعمد استعمال الجمع لآنه في آن واحد الآب والابن والروح القدس؟"[2]
o       وقع ترتليان وبعض الآباء الآخرين في فكرة "التراتبية" أو التبعية.
§       العلامة أوريجانوس (185 – 254م)
o      هو اللي صاغ مصطلحات زي جوهر ousia وهوموأوسيوس.
o      قال: "كما أن النور لا يمكن أن تكون دون ضياء، كذلك الابن لا يمكن أن تنظر إليه منفصلاً عن الآب.. فكيف يمكن القول إنه كان زمن لم يكن فيه الابن؟ من يقول هذا القول يؤكد أنه كان زمن لم تكن فيه حقيقة ولم تكن حكمة ولم تكن حياة."
§       القديس إيريناؤس (140- 202م)
o      يقول:الآب ربّ، والابن ربّ، الآب إله والابن إله، لأن الذي ولد من الله هو إله. وهكذا، وإن كان هناك، حسب تدبير فدائنا، ابن وآب، نبيّن أن ليس إلاّ إله واحد..في جوهر كيانه بالذات وطبيعة هذا الكيان."[3]
§       البابا أثناسيوس  (328 – 373م)
o       يؤكد ق أثناسيوس على مصطلح "هوموأوسيوس" أي من نفس ذات الجوهر. وهو يريد بهذا المصطلح أن يؤكد على أمرين: التمايز والتعددية. الثلاثة أقانيم يشتركون في الجوهر بشكل كامل دون تجزئة، دون أن يفقد كل أقنوم تمايزه.
o       يقول: يجب علينا ألا نتصور وجود ثلاثة جواهر منفصلة عن بعضها البعض في الله، كما ينتج عن الطبيعة البشرية، لئلا نصير كالوثنيين الذين يملكون عديدًا من الآلهة. ولكن كما أن النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين وأسمين لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب. لأن الآب هو آب الابن والابن هو ابن الآب. وكما ان الينبوع ليس هو النهر والنهر ليس هو الينبوع ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذي يسري في مجرى من الينبوع إلى النهر. وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل في الابن بلا تدفق أو أنقسام. لأن السيد المسيح يقول "خرجت من الآب" و "أتيت من عند الآب" ولكنه دائمًا أبدًا مع الآب. ولأنه في حضن الآب. وحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن بحسب ألوهيته"[4]
o      يقول: "كما أن الآب لن يكون ابنًا أبدًا، كذلك أيضًا الابن لن يصير أبًا مطلقًا."[5]
§       الآباء الكبادوك
o      القديس باسليوس الكبير يؤكد على استحالة الفصل بين الأقانيم بتشبيه السلسلة التي إذا سُحبت من أحد طرفيها انسحب الطرف الآخر.[6]
o       ق غريغزريوس النزينزي يحذر من التشبيهات: "لأنه حتى إن وجدت بعض التشابه الطفيف فإن الأكثر يهرب منى ويتركنى فى الأسافل مع نموذجى. لقد تصورت عيناً، وينبوعاً، ونهراً، وهكذا فعل غيرى من قبل، لأرى هل يتماثل الأول مع الآب والثانى مع الابن والثالث مع الروح القدس لأن فى هذه لا فرق هناك زمنياً ولا ينفصلون عن بعضهم البعض وإن كانوا يتمايزون فى ثلاثة شخوص. ولكنى خفت أولاً أن أجعل فى اللاهوت سرياناً لا يمكن أن يتوقف. وفى المقام الثانى فإن بهذا النموذج نُدخِل وحدة رقمية لأن كلاً من العين والنبع والنهر هم عددياً واحد وإن اختلفت الأشكال. وفكرت ثانياً فى الشمس والشعاع والضوء ولكن هنا أيضاً خفت أن يدخل فى روع الناس فكرة التركيب وينسبوها إلى الغير مُركَّب. ومن ناحية أخرى لئلا ننسب الجوهر للآب وننكره على الشخصين الآخرين ونجعلهما مجرد قوتين إلهيين وليسا شخصين. لأنه ليس الشعاع ولا الضوء شمساً ولكنهما مجرد فيضاً من الشمس وصفات لجوهرها. وأخيراً وحسب هذا النموذج ننسب لله الوجود وعدم الوجود فى آن واحد وهذا أكثر رعباً."[7]
§       كيرلس عمود الدين (375 – 444م)
o       صاغ لاهوته بالمزج بين التقليد السكندري (وبالأخص أثناسيوس) والآباء الكبادوك.
o       الثالوث متشعب في أفكاره عن الخلاص وعن قراءة الكتاب المقدس، فهو يرى أن التفسير هو تأمل في الابن بواسطة الروح.. يقود المؤمن إلى رؤية الآب. ويرى أن الابن المتجسد هو الموضوع الأول للإعلان الإلهي في الأسفار المقدسة.
§       القديس أغسطينوس (354 – 430م)
o       قال أغسطينوس: عندما نتكلم عن الله، فإن اللغة البشرية توجد عاجزة عن التعبير عن الإلهيات.
o       كما قال: إنه إذا استطاع عقلك أن يستوعب الله، لن يكون الله.
o       أسهب في شرح الثالوث عن طريق عبارة "الله محبة"، وقال إن فعل الحب يتطلب: المحب، والمحبوب، وروح الحب الذي يرط بينهما. حتى إنه قال: "أنت ترى الثالوث إذا رايت الحب".
o       تعقيب: إذا كان الله ودود (محبة)، فمن كان يحب قبل الخليقة؟ الوحدانية المجردة مضطرة بأن تجيب إجابة من اثنين: كان يحب نفسه (أنانية وانعزالية)، أو خلق ليحب، وهذا يجعل الله محتاجًا أو معتمدًا على خليقته في الحصول على الحب، أو يؤدي ذلك إلى تغيير هائل في طبيعة الله، والله غير قابل للتغير.
o       في حديث شريف: "كنتُ كنزًا مخفيًا فأحببتُ أن أُعرف. فخلقت الخلق لكي أُعرف." هنا الإشكالية، الكنز لن يكون كنزًا حتى يأتي من يعتبره كنزًا.. حاشا لله هذا.
o       الثالوث هنا يجعل الله مكتفٍ بذاته، وفي علاقة حب متبادلة بين الأقانيم من قبل تأسيس العالم.
o       نحن نؤمن بإله واحد وليس إلهًا مستوحشًا.
o      أيضًا الثالوث هنا يجيب على سؤال قديم: لماذا خلق الله الكون؟ هل عن احتياج أم فيض محبة؟! في المسيحية فقط، الحب يسبق الوجود.
o      أغسطينوس له تشبيه للثالوث: الذاكرة، والفهم، والإرادة (؟؟؟)
§       هيلاري أسقف بواتيه (315 – 367م)
o      يقول: "لأن أذهاننا الساقطة عاجزة عن إدراك الآب أو الابن، فإن إيماننا الذي وجد صعوبة في تصديق تجسد اللَّه يستنير بعطية الروح القدس، رباط الوحدة ومصدر النور."
o      تحدث عن فكرة الاحتواء/ الاكتناف المتبادل perichoresis ويقول: "يحتوى كل منهم الآخر بالتبادل، وبالتالي كل واحد منهم هو على الدوام يحيط (envelopes) الآخر وأيضا يحاط (يحتوى، enveloped )   من الآخر ، الذى مازال هو يحتويه."
§       القديس يوحنا الدمشقي
o      تحدث عن الاحتواء المتبادل perichoresis، وهي تتكون من peri بمعنى حول، وchoreia بمعنى يرقص، وهذه الفكرة تعبر عن الله: كائن ديناميكي.. حي.. وفرح. لا يعيش في مصير محتوم، بل في قرار حر طوباوي. الكل في الكل ، بدون ذوبان أو اختزال.    
§       يحيى بن عدي (القرن العاشر)
o       في العصر العباسي اضطر اللاهوتيون المسيحيون لعرض إيمانهم بطريقة منطقية- على طريقة ارسطو- وكانوزا رواد في الفكر والفلسفة والترجمة، لمعرفتهم باللغات اليونانية والسريانية والفارسية والعربية أيضًا.
o       هو أحد كبار فلاسفة النهضة العباسية، تعلّم على يد الفاربي.
o       نقل أفكاره الصفي بن العسال، ابن كبر، ابن كاتب قيصر، بالإضافة إلى موسى بن ميمون.
o       يُنسب له شرح الثالوث على أنه: عقل، وعاقل، ومعقول. (في ذات واحدة)
o       العقل هو عِلة العاقل والمعقول= الآب، والعاقل موجود للعقل= الابن، والمعقول خارج عن العقل= الروح القدس.
§       أبو رائطة التكريتي (القرن التاسع: متوفي 835م)
o       يعقوبي، سرياني، لاهوتي وفيلسوف.
o       قال: الله ليس واحد في العدد.. أولاً لأن ده في تشبه بالإنسان.. لو سألت انت كام؟ هتقول واحد. والله ليس كمثله شيء. ثانيًا: الواحد هو بعض العدد، والله منزه عن التبعيض والنقصان.[8]
o       هنا بنقول إن وحدانية الله ليست وحدانية عددية رياضية، بل وحدانية عضوية organic unity ، وأن الله واحد بمعنى أعمق وأعقد بكتير من الإنسان الفرد.
§       طيموثاؤس الأول (الجاثليق- النسطوري) (القرن الثامن / التاسع الميلادي):
o       في محاورة شهيرة له مع الخليفة العباسي (المهدي)
o       سأله الخليفة: هل تقر بالآب والابن والروح القدس؟ كثلاثة آلهة؟
o      أجاب: "هذه الأسماء عندنا تدل على أقانيم لإله واحد كما أن أمير المؤمنين وكلمته وروحه لا ثلاثة خلفاء من غير إنفصال كلمتك وروحك منك ، كذلك الله مع كلمته وروحه إله واحد لا ثلاث آلهه ، لأنه لا إنفصال لكلمته وروحه منه ، وكذلك الشمس مع شعاعها وحرارتها واحدة لا ثلاث شموس."
o      تشبيه التفاحة: "الرائحة والذوق يصدران من التفاحة، فليس الرائحة تصدر من جزء منها والذوق من جزء آخر، بل كلاهما يصدران من التفاحة كلها؛ فالذوق لا يكون الرائحة، ولا الرائحة تكون الذوق؛ هكذا يتلد الابن من الآب ويصدر منه الروح."
o       عندما سأله الخليفة: بما أن الاقانيم لا تنفصل، فبالتالي الىب والروح القدس تجسدا مع الابن؟
o      أجاب: كلمة الملك هي التي تُرسم على القرطاس، وليس ذهنه ولا نفسه.. مع أن ذهنه ونفسه لا ينفصلان عن الكلمة.
§       الأنبا ساويرس بن المقفع (القرن العاشر)
o       من أهم أفكاره في كتاب الدر الثمين في إيضاح الدين: الله لا يُشبه بشيء (هو أعلى من من أي شبه، وكل مثال، وكل صفة)
o       الآب والابن متفقان في المشيئة لأن لهما روح واحد.
o       تشبيه 3 عقلات الأصبع.. الجزء الأول الأصلي شبه الآب، الذي لا شبه له ولا مثال، وإنما الضرورة قادتنا أن نشببه من أجل ضعف قلوبنا عن إدراكه.. الجزء الأخير هو الابن، الجزء الأوسط هو الروح القدس، لأنه متصل بالاثنين.
o       يرى أن عبارة "لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا"، و"هلم ننزل ونبلبل ألسنتهم"، هي حوار بين الأقانيم الثلاثة.
§       بولس البوشي (القرن الثالث عشر)
o       يشرح تجسد الابن مع عدم انفصاله عن الآب والروح القدس كالتالي: "الشمس هي عبارة عن قرص وحرارة وضوء ولم تتجسم الشمس في الأشجار أو الأحجار ولكن أحد صفات الشمس وهي الحرارة فقط هي التي تظهر لنا ولكن هذا لا يعني انفصال القرص والضياء وحتى إذا سرنا في النهار نشعر بحرارة الشمس وحتى في فصل الصيف نشعر بحرارة ماكثة."
§       ريتشارد سانت فيكتور (القرن الثاني عشر)
o       يجيبنا ريتشارد سان فيكتور عن سؤال لماذا ثلاثة أقانيم؟  يقول: "الحب المشترك يوجد بحق عندما يوجد طرف ثالث يحبه الاثنان بالتساوي.. وحين يندمج حب الاثنين في حب واحد للطرف الثالث."
o       الحب الإلهي ليس حبًا متبادلاً بين اثنثن فقط، هذا النوع من الحب يمكن أن يكون انطوائيًا أيضًا.. الحب الكامل يحتاج إلى طرف ثالث.
§       يوحنا زيزولاس  social trinitarianism (1931 - ...)
o       يقول إن الثالوث منزه عن الزمان والمكان.. ويقول لو أن 3 أشخاص تلاشت بينهم كل أبعاد المكان والزمن.. سيصيران جوهر واحد في 3 أشخاص متمايزة.
§       جانتون  Colin Gunton(1941 – 2003)
o       يقول جانتون إن "الأنثربولوجيا تنبع من الثيؤلوجيا." أي أن فكرتنا عن الإنسان تنبع من فكرتنا عن الله. الله يعيش في مجتمع تسوده المساواة، والشركة، مع الاحتفاظ بتمايز الأقنوم، وكل هذا في حب وحرية.
o       الشرق عادة ما يضحي بالفردانية من أجل خدمة الجماعة، بينما الغرب يمجد الفردانية حتى إذا كانت الجماعة تتآكل من الداخل. وكلاهما خطأ.  



[1]  ضد براكسياس، 5.
[2]موريس تاوضروس، علم اللاهوت العقيدي، ج1، ص234.
[3]  الكرازة الرسولية، 47.
[4] St. Athanasius: statement of Faith. (2), NPNF., 2nd ser. Vol 4, 1994, p. 84- 85.
[5]  الرسائل إلى سرابيون 1: 6.
[6]  A letter to Gregory of Nyssa, XXXVIII, 4.
[7] 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Articles XXXI and XXXII.
[8]  أبو رائطة التكريتي ورسالته في الثالوث، سليم دكاش اليسوعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق