الأربعاء، 12 يوليو 2017

تاريخ الهرمنيوطيقا الكتابية-2

عندما تقود سيارتك في رحلة ما، يجب أن تراعي الإشارات والعلامات الموجودة على طول الطريق. بعض هذه اللافتات يقول: "احذر مطب صناعي"، "احذر منطقة سكنية"، أو "السرعة مراقبة بالردار".. وهكذا. بنفس الطريقة عندما ندرس تاريخ مدارس التفسير على مدار التاريخ المسيحي منذ نشأة الكنيسة، فهذا حتمًا سيمدنا بإنذارات وتوجيهات وتعليمات لا غنى عنها في رحلة علاقتنا بالنص الكتابي الآن. سنعرف كيف تقع الحوادث، لنحذر منها، ونتجنب تكرار الأخطاء. ولنعلم أن بعضًا من الكبار.. الكبار جدًا- ربما لا نتذكر أكثر من أوريجانوس- قد وقعوا في أخطاء تفسيرية- إفراطًا أو تفريطًا. لنجهد أنفسنا إذن في تعلُّم الدروس المستفادة من الماضي.
من المؤكد أن الرغبة في تفسير دقيق للنص الكتابي ليس شيئًا جديدًا؛ فعلى مر عصور الكنيسة يحاول الدارسون للكتاب أن يشرحوا الكلمة على نحو صحيح ولينهلوا من كنوزها. فيما يلي نظرة سريعة على تاريخ الهرمنيُوطيقا الكتابية:
الهرمنيُوطيقا اليهودية- عزرا والكتبة
عندما عاد اليهود من السبي كانوا يتكلمون الآرامية بدلاً من العبرية. وعندما وقف عزرا ليقرأ على الشعب الشريعة (أسفار موسى الخمسة) لمدة 6ما يقرب من ساعات (نحميا 8: 3)، كان من الضروري على اللاويين أن يترجموا للشعب من العبرية إلى الآرامية حتى يفهموا. "وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ making it clear، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ" (ع8). تشير كلمة "ببيان" إلى نوع من الترجمة الارتجالية بعد قراءة النص في لغته الأصلية: العبرية. ثم جاءت مرحلة تفسير المعنى حتى يفهموا ما قُرئ عليهم.
من عزرا إلى المسيح تولى الكتبة مسؤولية تعليم الأسفار ونسخها أيضًا. ولا شك أن بعضهم تجاوز في نظرته إلى النص الكتابي. على سبيل المثال "الرابي أكيبا" (50- 132م) يقول:
"كل تكرار، أو رقم، أو توازٍ، أو ترادف، أو كلمة، أو حرف، أو أداة (وصل أو تعريف.. إلخ)، أو إطناب pleonasm، أو استدراك، أو حتى الشكل ذاته، كل هذا له معنى مُلغز (مستتر)، تمامًا كما أن كل ليفة من ألياف جناح البعوضة أو قدم النملة له/ لها دلالة وأهمية خاصة"[1]
كان أكيبا يقول "كما أن المطرقة تقسِّم الحطبة المشتعلة إلى شعلات عديدة، هكذا كل آية من الأسفار المقدسة لها معانٍ عديدة"[2].
الرابي هليل والرابي شمّاي:
وضع الرابي هليل (70 ق م- 102م) 7 قواعد لتفسير أسفار العهد القديم كما يلي: القاعدة الأولى لها علاقة بالاستنباط أو الاستدلال من الأقل أهمية إلى الأكثر أهمية والعكس. الثانية: الاستدلال بالقياس analogy. الثالثة هي "بناء عائلة" بمعنى عندما تتشابه بعض النصوص في محتواها، يُنظر لهذه العائلة/ المجموعة من النصوص على أنها ذات سمات مشتركة مستمدة من النص الرئيسي في هذه المجموعة (principal passage). ومن ثَم فما يكون غير واضح في نص من هذه النصوص يمكن تفسيره في ضوء هذا النص الرئيسي. الرابعة مثل الثالثة لكنها تقتصر على نصين فقط. القاعدة الخامسة تُبنى على علاقة العام general والخاص particular. والسادسة هي عملية شرح exposition باستخدام نص آخر مشابه. السابعة هي الاستنباط من السياق.[3]
شمّاي وهو معاصر لهليل كان على النقيض من هليل سواء في شخصيته أو أسلوبه التفسيري. كان شمّاي رجلاً حاد الطباع، وكان يفسر الشريعة بطريقة جامدة. وبعد سقوط أورشليم (70 م) برزت أكثر مدرسة هليل وانزوت أكثر مدرسة شمّاي.
المدرسة الرمزية اليهودية
تأثر اليهود في ذلك بالفلاسفة اليونانيين الذين لجأوا إلى تفسير رمزي لمواجهة مشكلتين: الأولى هي التصرفات غير الأخلاقية للآلهة في الميثولوجيا اليونانية، ومشكلة "الأنسنة/ التجسيم" (anthropomorphism)- وهي نسب صفات بشرية للآلهة كأن يفرح الإله ويحزن ويغضب ويندم.. ويكون لديه عينان ورجلان وفمًا.. إلخ. فكان التفسير الرمزي يوفر وسيلة دفاعية. تأثر يهود الأسكندرية بهؤلاء الفلاسفة اليونانيين.. وخاصة بالمذهب الأفلاطوني. ورأوا في التفسير الرمزي وسيلة للتأكيد على سمو الله وتنزيهه عن صور التشبيه والتجسيم.
من أهم رموز هذه المدرسة الرمزية "فيلون الأسكندري" (20 ق م- 54 م). ويمثل ذروة التفسير الرمزي في فترة ما قبل المسيح. حاول فيلون أن يوحد القواعد التفسيرية لدى كل من اليهود والمفكرين اليونانيين. يقول فيلون في أحد كتاباته: "إذا قال الكتاب أن آدم اختبأ من وجه الرب، فالتعبير فيه مهانة لله الذي يرى كل الأشياء، لذا فالنص يتضمن معنىً رمزيًا"[4].  









[1] Milton S. Terry, Biblical Hermeneutics (Grand Rapids: Zondervan Publishing Housem n. d.), p. 609.
[2] Frederic W. Farrar, History of Interpretation (Grand Rapids: Baker Book House), p. 73.
[3] James D. Wood, The Interpretation of the Bible (London, Gerald Duckworth and co.) , p. 14.
[4] Farrar, History of Interpretation, 150.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق