الجمعة، 28 سبتمبر 2018

رسائل عن الروح القدس- ق أثناسيوس




بيانات الكتاب
رسائل أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس/ للأسقف سيرابيون
تعريب أبونا مرقس داود المتنيح
إصدار مكتبة المحبة سنة 1984، في 140 صفحة (من القطع الصغير)
ملحوظة (الكتاب مكتوب بآلة كاتبة، وقديم، وسعره 2 جنيه ونص! لكنه لا يُقدر بثمن)

اللي يقرأ الكتاب ده سيتأكد إن الفرق بين الهرطقة والأرثوذكسية هو الفرق في التفسير والتأويل. هذا يظهر بشكل واضح في هذا الكتاب. مناسبة هذا الكتاب أن في جماعة اسمهم المتقلبين= التروبكيين استخدموا 3 آيات علشان يثبتوا إن الروح القدس مخلوق.. وبالتالي عملوا زي الأريوسيين اللي سبق وقالوا إن الابن مخلوق. والآيات اللي اعتمدوا عليها هي كالتالي:
1- عاموس 4: 13 حسب السبعينية عن الرب يقول "أنا هو مؤسس الرعد وخالق الروح، ومعلن للإنسان مسيحه، الذي يصنع الفجر والضباب.. الرب الإله الكلي القدرة اسمه" طبعًا الآية دي مترجمة حاجة تانية خالص في الترجمات العربي اللي عن العبري مش السبعينية.. الروح مترجمة الريح، ومش موجود الجزء اللي فيه إشارة لمسيح (الرب) في كلمة مسيحه. الآية فيها ثالوث: أنا هو (الآب) خالق (الروح القدس) حسب الهراطقة، ومسيحه أو المسيح. واستنتجوا منها إن الروح القدس مخلوق.
2- زكريا 4: 5 حسب السبعينية تقول: "هذه الأمور قالها الملاك الذي تكلم في داخلي".  
3- تيموثاوس الأولى 5: 21 "أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ... " بالنسبة للآية الثانية والثالثة بتتكلم عن مزاعمهم أن الروح القدس هو أحد الملائكة.
المهم إن رد ق أثناسيوس ما هو إلا شرح للآيات دي في سياقها الصحيح وإظهار إن شرح الهراطقة معيب. في البداية قال إن كلمة "روح" في الآية الأولى لا تعني "الروح القدس". لأنه لا توجد فقرة في الكتاب المقدس يُشار فيها إلى الروح القدس بمجرد كلمة روح بدون إضافة كلمة زي (روح الله)، أو حرف إضافة (روحي/ أو روحه)، أو روح الآب، أو روح المسيح، أو بإضافة حرف جر (من الله)، أو أداة التعريف (أل)، أو يذكر الاصطلاح الكامل (الروح القدس) أو (روح الحق). "فلماذا يفترض هؤلاء أن كلمة الروح تعني الروح القدس". وبيتحدى هؤلاء الهراطقة: "قولوا لنا إذًا أتوجد فقرة في الكتاب المقدس الإلهي أشير فيها إلى الروح القدس بمجرد كلمة روح بدون إضافة" (1: 4). ويقولهم لن تجدوا أثرًا لهذا في الكتاب المقدس (1: 5).  
ثم ينهال ق أثناسيوس بقائمة من الآيات الكتابية التي تثبت حجته؛ فيأتي بأكثر من 20 شاهد كتابي من العهد القديم (1: 5)، وأكثر من 30 شاهد كتابي من العهد الجديد (1: 6)، لإثبات حجته السابقة. طبعًا لا كان عنده قاموس الكتاب المقدس، ولا موقع سانت تكلا يعمل سيرش عليه. هذا شيء مذهل يُظهر مدى تشبع الآباء بحفظ النصوص الكتابية.
في (1: 7) بيثبت أن الروح في آية عاموس معناها الريح، لأن الكتاب المقدس يتحدث أرواح الريح.. "أجاز الله روحًا" (تك 8: 1). وروحًا شديدة احدثت نوء في سفر يونان. وبالتالي يقول لهم: "كان خليقًا بكم لدى سماعكم عن خلقة روح بأن يتجه تفكيركم لأحد المعاني السابقة" (1: 8). خاصة وإن الآية فيها كلام عن الضباب والرعد.
ثم ينطلق ق أثناسيوس في إثبات لاهوت الروح القدس كالآتي:
- يستخدم 1كو 2: 11، 12 عن أن الروح القدس يعرف أمور الله.. فكيف يكون معروفًا؟ "ألا يعتبر تجديفًا أن يدعى الروح القدس الذي في الله مخلوقًا. ذاك الذي يفحص حتى أعماق الله؟" (1: 22).
- يستخدم 1كو 6: 11 ليقول إن الروح القدس يبرر ويقدس ويجدد (تي 3: 4- 7). هذا ليس عمل المخلوق.
- يستخدم 1يو 2: 27، إش 61: 1، ويقول إن الروح القدس هو المسحة والختم. "فأي شبه أو علاقة يمكن أن تكون بين المسحة والختم وبين الأشياء التي تُمسح وتُختم؟... الختم لا يمكن أن يكون ضمن الأشياء التي تُختم، والمسحة لا يمكن أن تكون ضمن الأشياء التي تُمسح." (1: 23). وفي موضوع آخر يقول: "الماسح لا يمكن أن يماثل الممسوح" (3: 3).
- يستخدم 1كو 3: 16، 17 وأيضًا 1يو 4: 13 ويقول إن الروح يوحدنا ويثبتنا في الله، ثم يقول: "لو كنا متصلين بمخلوق لاصبحنا غرباء عن الطبيعة الإلهية لأننا لم نشترك فيها" (1: 24).
- يقول إن الروح القدس هو اللي بيدي التبني للخليقة، وبالتالي كيف يكون مخلوقًا؟ "الذي يمنح البنوة للخليقة لا يمكن أن يكون غريبًا عن الابن" (1: 25).
- يستخدم 1بط 3: 4، حكمة 1: 5، وبيقول إن الروح عديم الفساد، أي غير قابل للتغيير أو التبديل، وبالتالي فهو غير مخلوق.
- يستخدم مز 39: 7، وحكمة 12: 1، وبيقول إن الروح يملأ المسكونة، وموجود في كل مكان، عكس المخلوقات الأخرى اللي بتبقى محدودة بمكان.
- في رسالة 2:  2 بيستخدم يو15: 26، وبيقول إن الروح القدس هو من الآب، زي الابن ما هو من الآب، لكن المخلوقات بتكون من العدم.
- يستشهد كثيرًا من مز104: 29، 30 عن الروح القدس الذي يخلق ويجدد الأرض، فكيف يكون مخلوقًا؟
- في رسالة 3: 6 بيقول إن الثالوث أزلي، فلو كان الروح القدس مخلوق، والمخلوقات خلقت من العدم، وكان في وقت مش موجودة فيه، يبقى الثالوث في الحالة دي مش ثالوث وإنما "ثنائي". لأن المخلوق ليس أزليًا.
- وهنا هيحتكم لتقليد الكنيسة وهيقول: "لنتأمل في تقليد الكنيسة الجامعة وتعاليمها وإيمانها منذ البدء التي أعطاها الرب، وكرز بها الرسل، وحفظها الآباء". وبيقول اننا استلمنا ثالوث قدوس كامل، آب وابن وروح قدس، لا يختلط بشيء غريب. الكل يخلقون.. متماثل، وغير قابل للتجزئة. وهيشتغل ق أثناسيوس على الحتة دي.. أي تماثل الثالوث في الجوهر. لأن وجود عنصر مخلوق في الثالوث هيخليه غير متماثل.. لأن ده خطير.. لأنه هيخلينا بنعبد أوثان.. بنعبد مخلوق (1: 29). "لئلا يصبح الثالوث غير متناسق (خالق مع مخلوق) مع بعضه لو أنه أحصي ضمنه مَن هو غريب عنه. لأن اي شيء كان ينقص الله حتى يتخذ لنفسه مَن هو غريب عنه في الجوهر ويشاركه مجده؟" (3: 5)
- كمان بيقول إنه ليس من العدل ان يضم مخلوق واحد بعينه، ليه ميضمش كل المخلوقات وساعتها مش هيبقى ثالوث بل عدد لا حصر له في اللاهوت.
- بيحتكم لليتورجيا أيضًا في رسالة 1: 30 وبيقول إحنا مش بنعمد "باسم الآب وحده، أو باسم الابن وحده، أو باسم الآب والابن دون الروح القدس". وبيقول لو ده حصل لن ننال شيئًا.. ولن ننضم للكنيسة. لأن طقس الانضمام للكنيسة هو باسم الثالوث.
للرد على الآية الثانية والثالثة:
بيَّن ق أثناسيوس أنه مش معنى أنه يُذكر الله ثم المسيح ثم الملائكة (ف آية 1تي) أن الملايكة تحسب من الثالوث. هذه سخافة. بيذكر عب 1: 14 وبيقول ده الملائكة أرواح خادمة ومرسلة للخدمة.. ولم يدعى ملاكًا أبدًا. على العكس دعي روح الحق والمعزي وروح التبني وهذه لم تقال على الملائكة أبدًا. ويسأل ق أثناسيوس أي ملاك من الملائكة.. لأن الملائكة ألوف ألوف.. وربوات ربوات.. (دا 7: 10). لم يقل الكتاب ان المسيح سيرسل ملاكًا بل الروح القدس.. ولم يقل إلا اقبلوا الروح القدس مش ملاك، وعمدوا بالآب والابن والروح القدس.
أما آية زكريا فيقول ق أثناسيوس أنه هؤلاء الهراطقة "و أنهم تأملوا فيما يقرأون لما قالوا هذا القول. لأن زكريا نفسه لما رأى الرؤيا قال.. فَأَجَابَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي (أو تكلم داخلي حسب السبعينية) وَقَالَ لِي: «أَمَا تَعْلَمُ مَا هذِهِ؟» فَقُلْتُ: لاَ يَا سَيِّدِي. فَأَجَابَ وَكَلَّمَنِي قَائِلاً: هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ". زكريا 4: 5، 6.  بيذكر روح الله في بقية الكلام، وبالتالي الملاك حاجة والروح القدس حاجة.
أما آية تيموثاوس الأولى فالقديس أثناسيوس بذكاء شديد بيلاحظ أن الملائكة جاية بصيغة الجمع، فبيسأل "أي ملاك إذن؟"!!! 

الحاجة التانية أنه استشهد بقصة موسى، ومتعرفش جابها إزاي، من خر 23: 1، 2 ربنا بيقوله هارسل ملاكًا أمامك، وهاطرد الكنعانيين. راح موسى رفض وقاله لازم أنت شخصيًا. ثم ينتقل ق أثناسيوس بذاكرة حديدية إلى إش63: 11، 12.. اللي بتقول: "ثم ذكروا الأيام القديمة، أيام موسى عبده، فقالوا: أين الذي أصعد شعبه من البحر ورعاهم كغنمه، وجعل في وسطهم روحه القدوس؟" وبالتالي الله أرسل روحه القدوس مش ملاك، وهو الروح يعتبر الله شخصيًا!!!

حاجة تالتة في منتهى الذكاء، جاب آية من إش 48: 16 "الرب أرسلني وروحه"، وآية من حجي "اعلموا فأني معكم يقول رب الجنود... وروحي قائم في وسطكم" وقال في الآيتين دول لم يذكر سوى الرب والروح القدس.. وقال للهراطقة هنعمل إيه دلوقت: لو قلتم إن الرب هنا هة الابن.. يبقى راح فين الآب، ولو قلتم إنه الآب، يبقى راح فين الابن (1: 13). وبالتالي إمّا أنهم يقولوا إن الأقنوم اللي لم يُذكر مش موجود أصلا، أو يعتبروه ضمن المخلوقات. والحالتين غلط.. وبكذا يكون ق أثناسيوس فوَّر الهرطقة دي بالآيات الكتابية والمنطق والتسليم الرسولي والليتورجيا.  


الخميس، 27 سبتمبر 2018

ضد بركسياس- العلامة ترتليان




أحب أن أتناول هذا النص من زاوية الرد على البدعة الشكلانية أو الأسمانية (modalism)، وهي ببساطةبدعة تلغي تمايز الأقانيم، وتجعل الثالوث مجرد أسماء لأقنوم واحد، أو ثلاثة أشكال لشيء واحد. كذلك بدعة صالبو أو مؤلمو الآب وهي نتيجة طبيعية لبدعة الشكلانية. أريد أن أركز بشكل كبير على استخدام نصوص الكتاب المقدس سواء من جهة الهراطقة (أو بركسياس) واستخدامها بواسطة ترتليانوس.
ترتليانوس بيقول أن في 3 اقتباسات رئيسية بيعتمدوا عليها، هي كالتالي ومعاها التفنيد اللي قدمه ترتليان:
1- "أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ" (إش 45: 5)
- في ضد براكسياس 18: بيقول إن الآية دي في سياق تعدد الآلهة الوثنية.. فهو يقدم قراءة سياقية للنص، ويقول "الابن غير منقسم وغير منفصل عن الآب، ولذلك فهو يُذكر ضمنيًا مع الآب، وإن لم يُسمى".. (18)
ثم يشرح آية "ناشر السموات وحدي" (إش44: 24). يقصد هنا "بوحدي" أي بعكس ما يقول الهراطقة بأن العالم خلق بواسطة قوات وملائكة.. وبيستخدم أم 8: 27 "لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا" الآية بتتكلم عن الحكمة.. والحكمة كانت عند الله وقت الخلق.. ويربط مع بولس 1كو 1: 24 عن المسيح باعتباره "قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ". وبالتالي يقصد أن يقول أن الآب هو ناشر السموات وحده مع الابن.
وبالنسبة للخلق عمومًا فيذكر ترتليانوس دايمًا يو 1: 1- 3 عن وجود الكلمة الأزلي مع الآب، وعن أن كل شيء خلق به. في ضد براكسياس 13، بيفرق بين مَن "كان الله"، ومن "كان عنده".
في (21) يقول: "إننا ندعوه آخر، حيث لابد أن نوضح أنه غير متماهٍ.. ويظل أيضًا غير منفصل".
2- "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو 10: 30)  
- بيشرح ترتليان الآية دي شرح لغوي نحوي.. وبيقول إن الهرطقة حمقى وعميان كمان. ليه؟ لأن الآية بتقول أنا والآب (شيء) واحد وليس (شخص) واحد. "تأتي كلمة واحد (unum) التي  جاءت في صيغة المحايد التي لا يراد بها التركيز على الاحادية، بل الوحدة.." (22)
- في شرح تاني بيقول إن عبارة "أنا والآب واحد" قيلت عن وحدانية الجوهر، وليس عن فردية العدد" (25).
-  ثم ينهال ترتليانوس بالآيات اللي بتؤكد على تمايز الابن عن الآب. فيقول آية "إلهي لماذا تركتني"، وآية "يا ابتاه في يديك استودع روحي"، ووآية واضحة جدًا.. في الكلام مع المجدلية بعد القيامة "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 40: 17). ويقول "هل هذا يعني: أنني أنا الآب وساصعد إلى الآب، وأنا الله وسأصعد إلى الله؟ أم كابن أصعد إلى الآب، وككلمة إلى الله؟" (25)
3- "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ... أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟" (يو14: 10)
بشكل عام ترتليانوس بيأكد أن الآب غير مرئي.. ويستشهد بكلام الله لموسى عن ليس أحد يرى الآب ويعيش، ويقول: لو صحت الهرطقة لقال: "ألست تؤمن أني أنا الآب". "هو يؤكد بهذا تأكيدًا قويًا على أنه ينبغي ألا يفهم فيلبس بقوله الذي رآني فقد رأى الآب، أنه هو نفسه الآب، لأنه لم يرغب أبدًا أن يظنوه هكذا، معلنًا نفسه دائمًا أنه الابن الذي خرج من عند الآب" (24). 

المزيد من الشواهد الكتابية التي قدمها ترتليان لإثبات تمايز الأقانيم:
- ترتليان بيقول براكسياس: "حان دورك أن تأتي لنا من الأسفار ببراهينك كما نفعل نحن." (10) الآية بتقول "فاض قلبي كلمتي الصالح".. هات أنت آية بتقول "فاض قلبي نفسي". الآية بتقول: "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك" هات أنت آية بتقول "قال الرب لنفسه، أنا ابني، وأنا اليوم قد ولدت نفسي".. أو "قبل كوكب الصبح أنا ولدت نفسي" أو أي فقرة أخرى لها نفس المعنى!
- بيستشهد آيات كثيرة جدًا من المزامير والعهد القديم فيها الابن بيخاطب الآب..
- بيقول إزاي كيان واحد مفرد (وحدانية مصمتة) يتحدث بصيغة الجمع: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا".. ليه مقلش كشبهي. "هل كان يخدعنا، أم يمازحنا بالحديث في صيغة الجمع؟ أم كان يقصد الملائكة، كما يعتقد اليهود؟"
- وبيستشهد بآية "قال الله ليكن نور". وبيقول النور ده هو الابن.. اللي خلق بيه الآب كل شيء زي ما قال يوحنا في افتتاحية إنجيله "كل شيء به كان". وبيستنتج أن في واحد بيأمر بأن تخلق الأشياء وواحد ينجز الأمر بالفعل. "ولو كان هو واحدًا مصمتًا فقط، لما انتوى أن يصدر أمرًا لنفسه لكي يتممه، أو كان لزامًا عليه أن يعمل دون اي أوامر؛ إذ لم يكن عليه أن يملي على نفسه أوامر" (10).
- استخدم آيات زي "أبي أعظم مني"، و"أنقصته قليلاً عن الملائكة" ليؤكد التمايز.
- ”هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت“ (مت17: 5) ويقول لبراكسياس: ”كم شخص هنا ايها العنيد براكسياس؟ أليس هناك أكثر من شخص لأنه هناك أكثر من صوت؟
- والسيد صلى إلى الآب، وعلمنا أن نصلي: ”يا أبانا
- كلامه عن”الذي أرسله“ في أكثر من موضع: يو 12: 44؛ يو 12: 45؛ يو 12: 49. وأيضًا يو 13: 3 عن أن الابن "من عند الله خرج، وإلى الله يمضي"، يقول ترتليان يوحنا يعرف أكثر من براكسياس لأن "براكسياس يفسرها بأن الآب هو الذي خرج من عند نفسه، وسيعود إلى نفسه" (23).
- كلامه عن أنه سيعترف الذين يعترفون به، وسينكر الذين ينكرونه (أمام الآب).
- بالنسبة للاحتكام إلى الليتورجيا يقول: "نحن لا نغطس مرة واحدة فقط، بل ثلاث مرات على اسم الثلاثة أقانيم، عند ذكر اسم كل أقنوم منهم." (26)
- بالنسبة للاحتكام للمنطق، نجد ترتليان بارعًا في هذا. فيقول مثلاً: "هكذا يكون الآب متمايزًا عن الابن، بقدر ما يتمايز مَن يلد عمن يولد، ومن يرسل عمن يُرسل." (9) عدم التمايز هيؤدي بينا في النهاية أن آب هيولد ابن، وابن هيولد آب.. ودي غلط؛ لأن الآب علشان يبقى ىب لازم يكون ليه ابن، والابن محتاج لآب علشان يبقى ابن. زي بالظبط علشان تبقى زوج فأنت محتاج زوجة، والزوجة عمرها ماهتكون زوجة لنفسها كده. (10)
- ولو ردوا وقالوا "كل شيء مستطاع عند الله" فيرد عليهم.. "هذه حقيقة بينة"، ولكن "إذا أردنا أن نطبق هذا المبدأ بتطرف وتزمت في تخيلاتنا المتقلبة، سنجعل الله يفعل أي شيء على هوانا، بحجة أنه ليس شيء يعسر عليه" (10)
مؤلمو الآب:
نتيجة طبيعية للمونارخية أو الموداليزم.. يبقى الآب هو اللي اتصلب وتألم على الصليب ومات.. ترتليان بيقوله: "ولأنك تحول المسيح إلى الآب، فأنت بذلك تجدف على الآب" (29). أو بيقولوا أن الآب شريك في الآلام.. لكن الآب غير قابل للتألم. يرد ترتليان على هذه الفكرة بتشبيه كالآتي: "إن كان لدينا نهر، وقد تلطخ بالطين والوحل، ورغم أنه يتدفق من نبع له نفس طبيعته، وهو غير منفصل عن نبعه، إلا أن الأذى الذي لحق بالنهر لم يصل إلى النبع، رغم أن نفس ماء النبع هو الذي تأذى، لكن فقط في النهر، بينما لم يصب النبع بشيء" (29)
استشهد ترتليان بآية "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" وبيقول أما ان الابن تألم، وصار متروكًا من الآب، وبالتالي لم يتألم الآب في شيء، أو الآب تألم أيضًا وفي الحالة دي "إلى من صرخ الابن هكذا؟".. ويضيف ترتليان "أن هذا صوت الجسد والنفس، أي الإنسان، وليس الله، وقد نطق بهذا لكي يؤكد عدم قابلية الله للتألم." (30)

أختم باقتباس للقديس أثناسيوس يُظهر بالطبع تأثره بترتليان، وآخرين، وبالأخص في تشبيه الينبوع والنهر، من كتابه "شرح الإيمان":
نحن لا نعتقد ب ابن/آب كما يفعل السابليون.. هاديمن بنوة الابن. ولا نعزو إلى الآب الجسد القابل للألم الذي حمله الابن من أجل خلاص العالم كله، ولا نعتقد بتلاثة أقانيم متفرقة عن بعضها البعض مثل ثلاثة اشخاص منفصلين بدنيًا، فذلك سوف يفضي إلى تعدد الآلهة الذي للوثنيين، ولكن على العكس، كنهر مولود من منبع وهو غير منفصل عن منبعه، مع أن هناك شكلان واسمان.. لكن المنبع ليس هو النهر، ولا النهر هو المنبع، ولكن كل منهما هو الماء نفسه.. وهكذا تتدفق الألوهة من الآب إلى الابن بغير تغير الانفصال.“ (تادرس يعقوب، نظرة شاملة لعلم الباترولوجي، ص 333- 334).
ومن هنا نلخص الأمر في جملة بسيطة نحن نؤمن في الثالوث ب "تمايز بلا انفصل، واتحاد بلا تماهي".




الاثنين، 24 سبتمبر 2018

تفسير يونان- ق كيرلس السكندري




بيانات الكتاب
تفسير سفر يونان للقديس كيرلس السكندري
ترجمة د. جورج عوض ومراجعة د نصحي عبد الشهيد
إصدار المركز الأرثوذكسي في 45 صفحة (قطع صغير)


يبدأ ق كيرلس في هذا الكتاب بشرح تاريخي لزمن نبوة يونان أيام يربعام الثاني (2مل 13: 13). ويذكر نبوات أخرى ليونان من جهة إسرائيل (ص9). ثم يقدم شرح جغرافي لمدينة ترشيش ويقول أنها طرسوس التي في كليكية. ثم يصيغ مبدئه التفسيري وهو: ”تصوّر وتشكّل سر المسيح لأجلنا بكل ما حدث ليونان العظيم“ (ص10). ثم يوضح أن أي شخصية تكون رمزًا للمسيح في بعض جوانبها فقط؛ فموسى رمز للمسيح لأنه كان وسيط بين الله والإنسان، لكن المسيح لم يكن أبدًا ثقيل اللسان.. بل كان بوقًا عظيمًا كما جاء في إش 27: 3. كذلك هارون كرئيس كهنة رمز للمسيح، لكن ق كيرلس يذكر لهارون بعض أخطائه. لذلك يقول: ”المفسر الحكيم يبحث في الكتاب المقدس جامعًا دائمًا كل ما يساهم في توضيح أسرار المسيح“ (ص13).
في شروحات ق كيرلس سنلاحظ أنه لا يفوت فرصة إلا ويؤكد على إدانة اليهود. في هذا التفسير يشرح كيف أن أهل نينوى اطاعوا وسمعوا صوت النبي، لكن اليهود قتلوا الأنبياء ولم يسمعوا لصوت الله. أهل نينوى صاموا وتابوا، واليهود لم يتوبوا وصومهم غير مقبول (ص38). أهل نينوى أدركوا صلاح الله واليهود لا. في النهاية يقول: ”أهل نينوى هم الأفضل“ (ص39).
في تفسير ق كيرلس يظهر إلمامه بالثقافة اليونانية المحيطة به؛ فهو يذكر أن البحارة كانوا يعبدون بوسيدون إله البحر، وهذا وثن كاذب، لكننا نؤمن بالله اللي اتقال عنه ”أنت سحقت رهب“ (مز 89)، ورهب ده وحش بحري ورد ذكره في الكتاب المقدس، والآية بتعبر عن سلطان الله المطلق. وفي كلامه عن ابتلاع الحوت ليونان يقول إنه في بعض أساطير اليونان يقولون إن هيراكليس ابتلعه حوت، وبيقبلوا القصة دي، لكنه يرجع ويؤكد أن الأساطير كاذبة ويقر بأن حادثة يونان هي معجزة فوق المنطق. ”إن قلنا إن الإنجاز هو إنجاز الله، من يكون هذا الذي يتشكك في الأمر“ (ص26). كما يذكر تفاصيل عن عبادة شعب نينوى مثل اعتقادهم بترقب الطيور (ص32)، وترقب النجوم (ص36) واصفًا ذلك بالشعوذة.
من الأمور اللافتة في شرحه لعبارة ”الله يندم“ يقول إن كلمة يندم تعني ”يغير رأيه“ (ص39)، وحين يقول إن الله ندم عن الشر، فهو ”لا يقصد فعل الشر بل بالحري الغضب الذي يسبب الشرور. لأن إلهنا الذي يحب الفضيلة ليس هو فاعل للشرور“ (ص41).
النقطة الأخيرة اللي لفتت نظري هي تفسيره لأسباب الغم الذي شعر به يونان حين تاب أهل نينوى. ق كيرلس بيقول مش علشان أهل نينوى أفلتوا من الهلاك؛ لأن روح الحسد والحقد دي لا تليق بقديس (يونان)! لكن هو حزن لأنهم هيعتبروه كاذب ومش جايب كلام من ”فم الله“. ولمّا جلس يونان شرقي المدينة وصنع هناك مظلة لنفسه كان لسه عنده أمل إن المدينة ستنقلب. أراد ربنا يخلصه من غمه باليقطينة الجميلة المملوءة بالورود. لكن مفتاح السفر في الآية اللي قالها ربنا ليونان: ”هل أغتظت بالصواب من أجل اليقطينة؟“ لأن ربنا بيوضح الفارق الكبير بين اليقطينة وأهل نينوى، وأن ربنا عنده مبررات كافية تخليه يغفر لهذا الشعب العظيم (ص 45، 46). 

الأحد، 23 سبتمبر 2018

جلافيرا سفر التكوين- ق كيرلس السكندري ج1



بيانات الكتاب
تعليقات لامعة على سفر التكوين (جلافيرا)
للقديس كيرلس عمود الدين
ترجمة: د. جورج عوض، ومراجعة د. نصحي عبد الشهيد
إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، في حوالي 500 صفحة (قطع متوسط)

المحاور (أنا): فلتسمح لي يا أبي القديس العظيم، ق كيرلس السكندري، عمود الدين، أن أجري معك حوارًا حوال المقالة الأولى والثانية من كتابك الجلافيرا على سفر التكوين. وأظنك تحب هذا الأسلوب الحواري، فقد اتبعته قداستكم كثيرًا في بعض مؤلفاتك مثل ”السجود والعبادة“، و”حوار حول الثالوث“.
ق كيرلس: بكل سرور أيها الابن المبارك عادل.
المحاور: هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن منهجك التفسيري للكتاب المقدس.
ق كيرلس: ”سر المسيح“
المحاور: نعم، لقد كررت هذا التعبير كثيرًا في كتابك.
ق كيرلس: بعد أن نفصِّل النص الكتابي من الناحية التاريخية، لابد أن ”نغير ألوان هذه الصورة التاريخية، وننقل ظلال الحقيقة، ونتقدم للبحث في سر الحوادث الغامضة. عندئذٍ يمكن أن نرى سر المسيح يُعلن... في شكل الظلال“ (ص134). بعد ذلك ”فلنتقدم تابعين آثار كل ما قيل حاملين المعنى العميق المخفي في هذه الأمور لكي نصيغ سر المسيح.“ (ص156)
المحاور: هل تحتاج أن تقارن بين ترجمات مختلفة للنص الكتابي؟
ق كيرلس: بكل تأكيد. تحدث البعض مثلاً عن تعبير ”ابناء الله“ في تك 6: 2، على أنه يعني الملائكة. لكني استبعدتُ هذا التفسير تمامًا، وعندما رجعت إلى ترجمات يونانية أخرى للأسفار العبرية، مثل ترجمة أكويلا وترجمة سيماخوس، لم يرد بهما ذكر الملائكة، بل أبناء الله، مع أني على دراية بوجود ”ملائكة الله“ في بعض المخطوطات (ص 153). لكن الترجمات تقدّم قراءة متفقة مع منطق الكتاب المقدس بشكل عام. لأن الملائكة لا تشاركنا العطش إلى هذه الشهوات (ص 152)، كذلك نسل شيث دعوا ”ابناء الآلهة“ (ص 153). وبينت أن هذا التفسير قد يكون متأثر بالأساطير (ص154).
المحاور: ماذا عن التفسير الذي يعتمد على الاشتقاق اللغوي للأسماء؟
ق كيرلس: هذا الأسلوب ينطوي على خطورة، ويجب توخي الحذر. البعض من خلال الاشتقاق اللغوي للأسماء استنتج أن ملكيصادق هو ملاك أوقوة روحية وليس إنسانًا؛ فقط لأنه ملك ساليم، والسلام من صفات الله (ص186). ”لا أعرف كيف ابتدعوا هذا الكلام“. ساليم هي مدينة يهودية (أورشليم)، ويهوذا معناها ”مديح وتسبيح“.. وغيرها من المدن.. فكيف نستنتج هذه الاستنتجات الغريبة. أقولها واضحة: ”الانسياق وراء إيجاد تفاسير لمعاني الأسماء، والتهور في تغيير ما هو واضح ومعروف يعتبر نموذجًا كاملاً للجهل.“ (ص 187)؛ لأن تفاسير الاسماء لا يدل بأية حال على طبيعة الأشياء (ص 187).
المحاور: ماذا عن التفسير الذي يعتمد على الرمزية الدلالية للأرقام؟
ق كيرلس: هذا الأسلوب متبع منذ بدايات المسيحية، كما نراه في رسالة برنابا (الفصل 9) مثلاً، عن رقم 318 الخاص بعبيد ابراهيم في تك 14. في هذه الرسالة يقول الكاتب إن الحرف يوتا هو رقم 10، ويرمز ليسوع المسيح. كما نجد هذا التفسير عند أحد عباقرتنا الذين نعتز بهم واحد حاملي لواء مدرسة الأسكندرية اللاهوتية، وهو ق إكليمندس السكندري، في شرحه لأبعاد الفلك، وهو يقول في المتفرقات 6: 11 إن البعض يقولون إن رقم 300 يشير لعلامة الرب، و50 رمز للرجاء والغفران المعطى في يوم الخمسين، و30 أو (12) تشير إلى كرازة الإنجيل، لأن الرب كرز في عمر الثلاثين، والرسل كانوا 12.
المحاور: لكن هذا النوع من التفسير لا تستسيغه آذاننا في العصر الحديث؟
ق كيرلس: أتفهم هذا.. لكنه كان شائعًا في زماننا. وأظن أن الفيثاغورسيين كانوا مولعين بالأرقام ودلالاتها. من ناحية أخرى نحن نستخدمه للتأكيد على عناصر هامة في عقيدتنا المسيحية.
المحاور: لكنك رأيت معانٍ في أبعاد الفلك تختلف عما جاء به ق إكليمندس السكندري؟
ق كيرلس: هذا صحيح.. لقد رأيت في أبعاد الفلك ”ظهور صحيح وواضح تمامًا عن الثالوث القدوس
المحاور: كيف هذا؟
ق كيرلس: أقول لك. 300 ذراع ترمز إلى الكمال؛ فهي طول الفلك، والعرض 50 ذراعًا يعبر عن الألوهة التي هي كمال الكمال. لأن 50 هي 7 x 7، وتضاف إليهم وحدة واحدة. (ص 167).
المحاور: أظنك اتبعت نفس الأسلوب التفسيري في حديثك عن نوح كرمز للمسيح؟
ق كيرلس: هذا صحيح؛ لأن نوح هو رقم 11 من آدم، كذلك ”المسيح ولد كالأخير والحادي عشر بالجسد“ (ص157).
المحاور: بخلاف هذه الرمزية الدلالية للأرقام، كيف يمكن أن يكون نوح رمزًا للمسيح؟
ق كيرلس: في عدة أشياء منها: 1- نوح معناها راحة، والمسيح هو راحتنا، وهو من دعى التعابى وثقيلي الأحمال ليريحهم (ص 159). 2- فضلاً عن وجود نصوص نبوية كثيرة تتنبأ بالراحة في زمن المسيا مثل صفنيا 3: 16، 17؛ إش 35: 3؛ 40: 10- 11. 3- يقول الكتاب إن لامك سمى نوح بهذا الاسم؛ علشان يكون راحة ليه بسبب تعبه في الأرض الملعونة (تك5: 12)، والمسيح صار لعنة لأجلنا ”محررًا الأرض من اللعنة القديمة“ (ص 161). ”كما أن الأرض قديمًا كانت ملعونة بسبب عصيان آدم، هكذا صارت مباركة بسبب طاعة المسيح“ (ص 162). 4- كما أستطيع أن أرى في جسد نوح العاري صورة المسيح المحتقر والمستر عنه وجوهنا كما يقول إشعياء (ص 177).
المحاور: تبدو كلها افكار وتفاسير جميلة، ومتوافقة في مجملها مع العقيدة المسيحية، لكن من أين سُحب طرف هذه التفاسير؟
ق كيرلس: من الكتاب المقدس ذاته.
المحاور: كيف؟
ق كيرلس: بولس في عب 11: 7 يتحدث عن نوح عندما خاف بنى فلكًا لخلاص بيته. وبطرس في 1بط 3: 20 يتحدث عن أن مياه الطوفات رمز للمعمودية والفلك سبب الخلاص. وبالتالي نستطيع أن نقول إن ”نوح الحقيقي (المسيح) أسس الكنيسة على مثال الفلك القديم، الكنيسة التي كل مَن يدخل فيها ينجو من دمار العالم.“ (ص165).
المحاور: ماذا عن رمزية آدم للمسيح؟
ق كيرلس: ماذا تقصد؟
المحاور: هل لها أساس كتابي؟ أريد شاهد كتابي.
ق كيرلس: لها اساس كتابي متين. اقرأ 1كو 15 ستجد رمزية آدم الأول لآدم الثاني.. في آدم يموت الجميع، وفي المسيح آدم الثاني يحيا الجميع. آدم الأول سبّب لنا الموت، وقيدنا بشباك الفساد، وآدم الثاني ختمنا بختم عدم الفساد (ص 121). آدم كان بمثابة بداية مؤدية للموت واللعنة واللوم، بينما آدم الثاني هو بداية الحياة والبركة والبر (ص 124- 125).
المحاور: على نفس المنوال، شرحت قداستكم باقتدار كبير، أن قايين رمز لليهود.
ق كيرلس: نعم.. قايين قاتل وكذاب؛ لأنه قتل أخاه وكذب وقال أحارس أنا لاخي.. واليهود بحسب كلام المسيح هم من أب هو إبليس الذي كان قتالاً منذ البدء.. وهو كذاب وأبو الكذاب.
المحاور: لكن إبليس ليس هو ابو اليهود- بيولوجيًا على الأقل؟
ق كيرلس: أحسنت! لا أظن أن المسيح يشير إلى إبليس رئيس الشياطين.
المحاور: هذه مفاجأة بالنسبة لي.
ق كيرلس: ”اعتاد المسيح أن يطلق اسم الشيطان على مَن يتشبه بطرق الشيطان“ (ص136) وقد قال عن يهوذا الذي اسلمه أنه شيطان (يو 6: 70- 71)
المحاور: وقال لبطرس: ابعد عني يا شيطان!
ق كيرلس: أحسنت.
المحاور: رائع جدًا.. ماذا عن رمزية هابيل للمسيح؟
ق كيرلس: هذا مثال أسهل وأوضح بكثير. 1- هابيل راعي للأغنام، والمسيح هو الراعي الصالح. 2- هابيل قدم ذبيحة مقبولة، وعبادة المسيح مقبولة، وذبيحة الصليب مقبولة. 3- دم المسيح يصرخ ضد اليهود الذين قالوا ”دمه علينا وعلى أولادنا“.
المحاور: سامحني ولتتحملني يا أبي القديس. أين السند الكتابي لهذه التوازيات؟
ق كيرلس: اسأل كيفما تشاء. رمزية هابيل للمسيح ستجدها في عبرانيين 11: 34 حيث يتحدث بولس عن دم يسوع الذي يتكلم أفضل من دم هابيل (ص 140).
المحاور: فلتسمح لي أن ننتقل إلى محور آخر. هل تتحملني في سؤال.
ق كيرلس: تفضل.
المحاور: بل هو سؤال تكرر مئات المرات!
ق كيرلس: لا بأس .. تفضل.
المحاور: هل كان الله يعلم أن آدم سيسقط وسيأكل من الشجرة؟
ق كيرلس (مبتسمًا): الآن فهمت ترددك في طرح السؤال. أكاد أرى جميع المؤمنين يسألون هذا السؤال في مراحل مختلفة من حياتهم.
المحاور: حاجة كده زي الأسئلة الوجودية عن الحياة.
ق كيرلس (ضاحكًا): حقًا هو كذلك. الإجابة ببساطة أنا ”أعتقد أنه لم يغب عن الله شيء على الإطلاق من تلك الأمور التي صار عليها (آدم وحواء)“. (ص 111).
المحاور: فلتسمح لي بسؤال آخر يستتبع السؤال السابق. ”ألم يكن من الأفضل ألا يوجد الإنسان بتاتًا“ (ص 111)؟
ق كيرلس: أولاً من الجنون أن نتهم قرارات الله بأنها غير صحيحة.. ويوجد أفضل منها. أو يتجاوز الجنون أن ”نعتقد أن تلك الطبيعة الإلهية ارتكبت خطأً في خلقتنا“ (ص 112). هذا الفضول لن يجدي نفعًا.. الأفضل أن نسأل: بعد أن وجدنا ”هل كان من الأفضل للذين يوجدون ولا يحيون حياة صالحة ألا يوجدوا، أم من الأفضل لهم أن يصيروا شركاء في نقاوة الخالق“. الأفضل ان نلوم أنفسنا يا ابني. هتلاقي حد يقولك: من الأفضل ألا يأتي إلى الوجود إلا من سيحيا حياة صالحة فقط. ما هذا الكلام.. هذا الكلام ينطبق على حد تاني مختلف عن طبيعتنا.. ملايكة مثلاً.. مش بني آداميين.
المحاور: شكرًا يا ابي القديس على هذا الحوار الذي أنار أذهاننا- هل تريد أن تقول شيئًا قبل أن نختم حوارنا.
ق كيرلس: ”إذا حدث مرة وأخطأت من جهة المفهوم الحقيقي، يجب أن تغفروا لي يا من سوف تقرأون“ (ص 103)
المحاور: لقد أخجلتنا يا أبي القديس العظيم بتواضعك.. صلِّ لنا يا أبانا لينعم علينا المسيح بالنذر اليسير من تواضعكم.
ق كيرلس: بنعمة يسوع المسيح ربنا الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين آمين. 
إلى اللقاء في الجزء الثاني                                                                               
      

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

المرافعة- للفيلسوف أثيناغوراس



ورد نص "المرافعة" في كتاب أثيناغوراس الفيلسوف الأثيني
ترجمة مارك ألفونس
إصدار مدرسة الأسكندرية (صفحة 56- 121)

انتشرت الشائعات حول المسيحيين، فكتب أثيناغوراس المدافع والفيلسوف دفاعًا وجهه إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس وابنه ليدافع فيه عن التُهم الموجهة للمسيحيين والمسيحية. يلخص أثيناغوراس هذه التهم في (المرافعة 3)، وهي كالتالي: 1- المسيحيين بلا إله (ملاحدة)، 2- المسيحيون يصنعون ولائم تؤكل فيها لحوم البشر. 3- المسيحيون يصنعون ولائم إباحية.
في البداية يلتمس أثيناغوراس من الأمبراطور أن يحظى المسيحيون بمعاملة مثل بقية الشعوب الأخرى تحت الإمبراطورية من جهة حقهم في ممارسة عباداتهم كما يرون- وألا يحاكموا فقط لأجل أن اسمهم ”مسيحيين“، ويقول: ”الأسماء لا تستحق الكراهية بل بالحري ما يستحق العقوبة والجزاء هو السلوك غير القويم. (مُر 1- اختصار مرافعة فصل 1) ويشرح كيف أن هذه التهم ظالمة وغير منطقية وناتجة ”عن حديث شعبي يشوبه التسرع وعدم التحقق“ (مُر 2)، ويطالب بأن لا ”نحاكم من منطلق الكراهية.. لأجل أننا نُدعى مسيحيين بل أن نحاكم لأي شيء قد يقدمه أي أحد ضدنا“ (مُر 2)، ولو إحنا عملنا أي جريمة ”لتُفحص حياة المتهمين جيدًا، ولكن مع إخراج الاسم خارج قفص الاتهام“ (مُر 2).
للرد على تهمة أن المسيحيين بلا إله (ملاحدة):
1- يقتبس أثيناغوراس من فلاسفة ومفكرين يونانيين أقوال لهم عن وحدانية الله، مثل أفلاطون، ، وأرسطو، وسوفوكليس، فيلولأوس، ليسُس وبسيموس (مُر 6). ومع ذلك لا يُحاكم أفلاطون وأرسطو لتصورهم عن الإله الواحد. ”إذن فلا نحن أيضًا ملحدون. لأننا نعترف ونتمسك بقوة بأن الله هو منَ صنع جميع الأشياء بكلمته وهو ضابط الكل بروحه.“ (مُر 6) ويقول إن هؤلاء- يقصد الفلاسفة- ”يمكنهم التعبير بالقول والكتابة عما يشاؤون في الأمور اللاهوتية دون خوف من العقاب، ولكن الأمر معنا يختلف؛ فالقانون يقف أمامنا....“ (مُر 7).
2- يثبت أثيناغوراس منطقيًا وجود مبدأ واحد أو أصل واحد للكون.. تظهر في ذلك قدرته على استخدام قواعد المنطق.
3- يؤكد على أن المسيحيين يميزون بين الخالق والمخلوق، بعكس اليونانيين. فلا يقدمون ذبائح لا يحتاجها الله؟ (مُر 13). في نفس الوقت نفصل بين المادة والله.. فلا نعبد آلهة من الحجر أو الخشب أو الذهب..إلخ (مُر 15). فالمادة والله منفصلان كانفصال صاحب الحرفة عن المواد التي يستخدمها في حرفته (مُر15). وكانفصال الخزاف عن الطين. ”نحن نعتبر عميان بالإله الحقيقي إذ أننا نساوي الأشياء الفانية الهشة بالسرمدي.“ (مُر 15). كذلك يجب الانبهار بالقصر أكثر من صاحب القصر. (مُر 16). أو هل يحترم العالم الآلة الموسيقية أكثر من العازف عليها؟!! ”نحن لا نذهب لنعشق العجائب بل صانعها وسيدها.
4- يستغل أثيناغوراس التناقض بين اليونانيين أنفسهم ”فهم أنفسهمم مختلفون فيما بينهم في أمر الآلهة“ (مُر 14). كل بلد بتعبد آلهة مختلفة. ”فإذا كانوا يختلفون بينهم فيما يخص آلهتهم، فلماذا إذًا يكيلون لنا الاتهامات لا لشيء سوى أننا لا نتفق معهم.“ (مُر 14).  وبعد أن يسرد آلهة مختلفة تُعبد في مدن مختلفة، يستخلص الآتي: ”إن كنا حينئذٍ بلا إله لأننا لا ننضم إليهم في العبادة، إذًا فجميع المدن وجميع الأمم بلا إله لأن جميعها لا تعترف بنفس الكائنات كآلهة“ (مُر 14). وإذا عرفنا أن الامبراطورية تسمح بهذه التعددية، نتأكد من التحيز والمحاباة ضد المسيحيين.
5- يثبت أثيناغوراس أن الآلهة هي أيضًا متغيرة وبالتالي فانها فانية ومِن صنع البشر. (مُر 16).
6- يثبت أثيناغوراس أن صناعة التماثيل حديثة العهد، ”جاءت للوجود بالأمس“ (مُر 17) ويذكر هومر وهسيود اللي هما اول مصدر للكلام عن أصل الآلهة. ويذكر تاريخ ظهور حرفة النحت. وبالتالي يقول: ”لا يمكن لأي من هذه التماثيل أن يهرب من حقيقة صنعه على أيدي البشر، ومن ثم فإن كان هؤلاء آلهة، فلماذا لم يوجودا منذ البدء؟ لماذا هم في الحقيقة أصغر عمرًا ممن صنعهم؟ لماذا احتاجوا في الحقيقة إلى البشر ونتاج إبداعهم من أجل أن يأتوا إلى الوجود؟!“ (مُر 17).
7- أثبت أن الآلهة مولودة ولها بداية، وبالتالي لها نهاية، ومخلوقة من الماء.. حسب أساطيرهم. (مُر 18). وبالتالي ”قد أتوا إلى الوجود في لحظة ما لم يكن لهم قبلها وجود“ (مُر 19). لكنّ الله هو الموجود دائمًا. ويقول ”في أي شيء تتفوق الآلهة على المادة إذا كانت مكونة من الماء؟“ (مُر 19). ”لا شيء يأتي إلى الوجود يخلو من الفساد“ أو (الفناء) والتحلل (مُر 20). والآلهة لها بداية وجود وبالتالي لها نهاية وجود؛ فهي بذلك فانية.
8- يذكر أثيناغوراس تاريخ الفظائع الأخلاقية المخجلة للآلهة. ويقول ”ماذا في مثل هذا التاريخ من نفع أو فائدة“ (مُر 20)؛ فمنهم مَن اضطجع مع أمه أو أخته لأغراض بشرية وشهوانية بحتة، ومنهم من انتحر مثل بروتيوس في النار، وبينهم قتال، وخيانة، ودماء.. إلخ.
9- يقول بوجود تخيلات شعرية أو تفسير رمزي لهذه الآلهة، فمثلاً يقول إن جنون كرونوس هو تقلب فصول السنة (مُر 22).
10- يقول إن اليونانيين ألهوا الطبيعة وعناصر الطبيعة المتغيرة، وشبه ذلك بأنه زي الشخص الذي ”يجعل السفينة التي أبحر فيها موضع القبطان! لكن كما أن السفينة وبالرغم من جاهزيتها بكل شيء.. فإنها تصير بلا فائدة إن لم تحظَ بقبطان“ (مُر22)
11- بيقول إن الإلهة في تحيزها للبعض وضد البعض الآخر؛ فهي تساعد البعض وتسبب الألم للبقية الأخرى.. هذا لا يليق بالله الذي يجب أن صلاحه يعُم الجميع. (مُر 23)
12- يُظهر ضعف آلهة اليونانيين، فمثلاً زيوس سرقه الكريتيون بعيدًا حتى لا يقتله أبوه.. ويقول هكذا الإله أصغر أو أضعف من الكريتيين أنفسهم (مُر 23).
13- من خلال دراسة تاريخية يقول بأن هؤلاء الآلهة كانوا حكامًا إمّا ألهوا أنفسهم بحكم طغيانهم، أو لتبجيل بعض الشعوب لهم، ويقول إن اليونانيين أخذوا كثير من آلهة المصريين (مُر27) اللي هم في الأصل كانوا حكام تم تأليههم امتنانًا لهم. ولا يغفل دور الكهنة الذين كان عملهم هو ”إعطاء التماثيل مهابة البشر“ ثم مهابة الآلهة بعد ذلك.
14- يقول بأن اليونانيين لا يقرأون قصص تاريخ الآلهة بشكل جيد، فهم يقبلون بعض الحكايات ويرفضون البعض الآخر، مع أن هذه القصص على حد تعبير أثيناغوراس فيها ذكر عن ولادة الآلهة وعن مقابرهم.. لكنهم لا يلتفتون إلى الجزء الأخير.
بالنسبة لتهمة الولائم الإباحية، يقول:
1- إن المسيحيين يلتزمون بوصية الإنجيل بألا ينظروا إلى امرأة بشهوة.
2- إن المسيحيين يلتزمون بوصية مراعاة العدالة ”لأقربائنا كما لأنفسنا“ (مُر 32)، ويعتبرون الآخرين  إخوة واخوات لهم، فكيف يحدث هذا التعدي! ”إننا نهتم على نحو فائق بأن تظل أجسادهم بلا انتهاك أو فساد“ (مُر 32).
3- المسيحيون ملتزمون بإنجاب الأطفال ”كمقياس لانغماسنا في الرغبة الجنسية“ (مُر 33)، وهناك كثيرون ممكن يشيخون بلا زواج، ويبقون في عذرية وحرمان للذات، ويرفضون الطلاق. ويرى أثنياغوراس أن الزواج الثاني هو ”زنا حسن المظهر“ (مُر 33). إلى هذا الحد يحترمون العلاقة الزوجية والجنسية.
بالنسبة لتهمة ولائم أكل لحوم البشر، يقول:
1- في (مُر 35) يقول لا يوجد شهود على ذلك.
2- المسيحيون لا يتحملون رؤية إعدام إنسان (حتى بعد محاكمة عادلة).
3- المسيحيون لا يحضرون العروض القتالية أو القتال مع الوحوش المفترسة.
4- المسيحيون يرفضون الإجهاض باستخدام العقاقير.. ”فبأي مبدأ إذن نرتكب نحن القتل؟! لا يمكن أن يكون نفس الشخص الذي يعتبر الجنين في الرحم ككائن مخلوق وبالتلي فهو محط عناية الله، هو نفسه من يقتله حينما يعبر إلى الحياة“.
5- الأروع من هذا، أن المسيحيين يعتبرون هجر الطفل بمثابة قتل له.
6- وفي (مُر 36) يضيف سببًا آخر أنه مفيش حد يؤمن بقيامة الأجساد يكون بياكل الأجساد البشرية، وكأنها لن تقوم ثانية. لأن ”الأرض تسلِّم موتاها. فهل يتوقع من يأكل لحوم البشر أنه لن يُطلب منه أن يُسلم الموتى الذين دفنهم داخل نفسه.
7- ولو اتهمتونا بالحماقة؛ لأنكم شايفين القيامة دي خرافة، على الأقل مش بنأذي حد.   
على هامش المرافعة:
في هذا النص وجدت ما يُشبه نظرية في الوحي يمكن أن نسميها عزف الروح القدس على الأنبياء كآلة موسيقية. يقول أثيناغوراس ”سيكون من اللاعقلانية أن نهجر الإيمان بروح الله التي (لا أعرف لماذا لم تُترجم الذي) تحرك شفاه الأنبياء كآلات موسيقية، وفي نفس الوقت نولي  اهتمامنا لمعتقدات بشرية مخضة“ (مُر 7). وفي موضع آخر: ”لستم تجهلون موسى أو إشعياء وإرميا والأنبياء الآخرين الذين نقلوا لنا خلال كتاباتهم الأشياء التي أوحوا بها منتشين فوق العمليات العقلية الطبيعية بواسطة نبضات الروح الإلهي جاعلاً الروح إياهم كالمزمار ينفخ فيه عازفه (يقصد الروح).“ (مُر 9).

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

تفسير سفر حجي- ق كيرلس السكندري




قراءة في كتاب شرح سفر حجي
للقديس كيرلس السكندري
ترجمة د. جورج عوض، ومراجعة د. نصحي عبد الشهيد
إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية
في 48 صفحة من القطع الصغير

يقدم ق كيرلس السكندري شرحًا لسفر حجي، وهو نبي ولد في سبي بابل، وخدم في بداية العودة من السبي، بعد سماح داريوس الملك لهم بذلك. الموضوع الرئيسي للسفر هو حث العائدين من السبي لإعادة بناء الهيكل، وترك اهتمامهم ببيوتهم الخاصة، وتكاسلهم تجاه بيت الرب، واعذارهم الواهية. كانوا يقولون لم يأتِ الوقت بعد لبناء بيت الرب، فكانت كلمة الرب على يد حجي بأنه وهل أتى الوقت لبناء بيوتكم المزينة؟! لذلك أصابتهم الكوارث وقلت البركة في بيوتهم وحقولهم، وصار كيس الأجرة كأنه مثقوب، والأكل إلى عدم الشبع.
قدّم ق كيرلس شرحًا تاريخيًا مباشرًا لهذه الأحداث، ثم يقول: إذ قد توفر لدينا شرح تاريخي كافٍ، لننقل ذهننا إلى الرؤى الروحية (ص17)، أو ما يسميه في موضع آخر بالمعنى الروحي. وفي عبارة بليغة تلخص المنهج التفسيري للقديس كيرلس يقول: ”دعونا نفحص ما حدث لليهود من منطلق مثال واضح جدًا للتدبير الشامل والعام الذي تحقق بواسطة المسيح“ (ص17).
فهو يرى في سبي اليهود سبي البشرية لسلطان إبليس، لكن المسيح فداها وحررها، ”فتركنا أرض الأعداء، ورجعنا إلى صهيون العقلية التي هي الكنيسة“. هذه هي القراءة المسيحية للعهد القديم في نظر كيرلس السكندري، أو ما يُسمى بالقراءة المسيحيانية Christo-centric.
ثم يقول إن شخص المسيح يُقدَّم من خلال شخصيتي زربابل ويهوشع الكاهن. زربابل والمسيح كلاهما من سبط يهوذا وكلاهما ملك على إسرائيل (ص18). زربابل معناها ”سيل متدفق“ والمسيح هو ”سيل السلام“ الذي سكب علينا غناه. أبوه شلتائيل، ومعناه ”دعوة الرب“، والمسيح دعانا ودعى الأمم. يتابع ق كيرلس الشرح مستخدمًا الاشتقاق اللغوي etymology للأسماء. فيقول أن يهوشع معناها ”يهوه الخلاص“، وهكذا المسيح صار لنا خلاصًا (1كو1: 30). وأبوه يهوصاداق معناه ”يهوه البر“، ونحن تبررنا بواسطة الإيمان. خلينا نقول إننا ممكن نعترض على جزء من التفسير ده لأن زربابل مكنش ملك، كان والي. لكن كيرلس وثيؤدور الموبسويستي رأوا زربابل كملك، وآخرون زي جيروم شافوه والي، اللي هو كمان شاف أن زربابل معناها ”فرع بابل“ وليس ”سيل متدفق“.[1] لكن فكرة ق كيرلس واضحة تمامًا.
رأى ق كيرلس أن تقاعس اليهود الراجعين من السبي عن بناء الهيكل رمز لعدم انضمامهم في كنيسة العهد الجديد. كما رأى في استعداد داريوس المادي ومساعدته استعداد الامم للدخول إلى الإيمان. من ناحية تانية قدم تفسير روحي بأن الهيكل هو أنفسنا، وتقاعس اليهود، هو ذاته تقاعسنا عن محاربة الشهوات، وعدم البركة هو نوع من التصحر العقلي (ص22).
يصحح ق كيرلس فهمًا مغلوطًا في زمانه عن أن حجي هو ملاك وليس إنسان، بالرجوع مرة أخرى لمعنى كلمة ”ملاك“ لأنها تعني أيضًا ”رسول“. ويقول من الغباء أن نعتبر حجي ملاك، ”لكنه دعي ملاك (أو رسول) من أجل الخبر الذي ينقله“. ويقول لو اتبعنا هذا التفسير لكان الخدام الذين نقلوا الأخبار السيئة لأيوب هم ايضًا ملائكة. نفس الشيء ممكن نطبقه على نبؤة ملاخي عن يوحنا المعمدان ووصفه ليوحنا بأنه ملاك، والمقصود رسول ينقل رسالة.
يخدم ق كيرلس استراتيجيته التفسيرية مع الآية التي تقول إن ”مجد البيت الأخير سكون أعظم من مجد الأول“، وييقول أن الهيكل أيام المسيح سيكون أعظم، لماذا؟ سيكون ”أسمى بقدر ما تختلف عبادة الناموس عن عبادة المسيح والأنجيل“ يعني إيه؟ ”بقدر ما تختلف الحقيقة عن الظلال“ (ص 34). كذلك ق كيرلس مثل آباء آخرين رأوا أن الناموس لا يُفهم حرفيًا؛ فهو يفسر التنجس بلمس الميت بأن الميت هذا هو مثال الأعمال الميتة والنجاسة العالمية.
نأتي لجزء هام هو تعليقه على حج 2: 20- 22، ”كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ وَالِي يَهُوذَا قَائِلاً: إِنِّي أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ، وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا، وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا، كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِفِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، آخُذُكَ يَا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابْنُ شَأَلْتِيئِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ، لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ“،  إذ يقول إن هذا حديث على مستوى فداء المسيح، "كما برمز وظل". الآيات بتتكلم عن حجي النبي اللي بيروح لزربابل ويقوله ستحدث زلزلة وسيسحق ملوك. ثم يقول ق كيرلس بهذه الأقوال يريد أن يُظهر لنا الشرور والقوات التي أُبطلت بواسطة مخلصنا، والرؤساء التي هزمت بواسطة صليبه (ص 46). هذا التفسير هذه المرة لنبؤة عن المسيح يعتبر تفسير وجيه عندما نعرف أن كرسي زربابل لم يرتفع  ولم تتحقق هذه التنبؤات في شخص زربابل، بسبب موجة ارتداد كبيرة حدثت بعد الرجوع من السبي.
في الآيات السابقة يعزز ق كيرلس من تفسيره بالتركيز على كلمة ”خاتم“، وهو يشير في رأيي إلى عب 1: 3 التي تقول إن المسيح هو ”بهاء مجده، ورسم  χαρακτρ جوهره“. لأن كلمة رسم تعني خاتم أو الختم الذي يطبع صورة طبق الأصل مما يدل على التطابق في الجوهر.    



[1] Cyril of Alexandria, Commentary on the Twelve Prophets, vol 3, translated by Robert C. Hill,  p. 64. Footnote no: 1.