الخميس، 14 يناير 2021

الطريق إلى الفردوس- ق باسليوس الكبير

 


الكتاب ده ربما يكون ترجمة (كاملة أو مش كاملة معرفش) لكتاب اسمه (Gateway to Paradise) لأوليفر ديفيز، إصدار أبناء البابا كيرلس السادس، عبارة عن مقاطع من كتابات ق باسليوس، فيما يلي بعض أقواله في هذا الكتاب:


يتحدث ق باسليوس عن خلق الله الفردوس، أرض الكمال الخالية من الألم، لكن بعدما طُرد فإن ”الزهور تخفي داخلها أشواكًا... وذلك يُرينا أن السعادة في هذا العالم دائمًا ممزوجة بالألم، فلا توجد سعادة كاملة على الأرض، لأنها سرعان ما تشتبك مع الأحزان، الزواج مع الترمل، إنجاب الأطفال مع المتاعب، الولادة مع الموت، الشرف العظيم مع العار العظيم، الصحة مع المرض“.

بيفسر النهر الخارج من عدن بأنه نهر ”التمتع الدائم برؤيا الله والشبع الكامل بالتأمل في مجد المسيح وجماله“. ويتحدث عن الجمال الإلهي الذي ”يُلتقط بالروح والعقل، عندما يشع في واحد من القديسين، ويترك وراءه اشتعالاً من الحنين الذي لا يُحتمل“.

يتحدث عن السقوط بأنه تحكم لجمال الصورة الإلهية وفقدان البشرية لتشابهها مع الله وفقدانها للسعادة الأبدية ”لأنه لا يمكن أن تشعر البشرية بالطمأنينة وهي بعيدة عن الله. ليتنا نعود إلى حالتنا الأولى، ”وليتك تستطيع أن تجعل حياتك في هدوء ولا يميل قلبك مع الشهوات، فإنك بذلك تحولها إلى الطبيعة الإلهية بقدر الإمكان“.

في هذا العمل يرد ردًا واضحًا على الأبوكتستاسيس وبيقول ”الآن يمكن أن نتمتع برحمته المترفقة، ولكن بعد ذلك سيظهر الله عدله عندما نقوم القيامة الثانية، فالبعض يقومون إلى قيامة الدينونة والآخرون إلى قيامة الحياة الأبدية“. وعن الكتاب المقدس يقول ”إن أفضل مرشد إلى الطريق الصحيح تستطيع أن تجده هو دراسة الكتاب المقدس بجدية، وفيه نجد الأساس الذي تُبنى عليه حياتنا“.

وعن التمثل بالقديسين يقول ”كُن كمثل الرسام الذي يريد أن يرسم صورة لشيء ما، فإنه ينظر إليه نظره إلى عمله الذي يعمله، محاولاً أن ينقل نفس الصفات إلى رسمه. كذلك كل الذين يريدون أن يكملوا نفوسهم في أي فضيلة، لابد أن ينظروا إلى حياة القديسين ويقلدوا فضائلهم، ويحاولوا تطبيقها في كل ننواحي حياتهم“.

في قول مهم باعتبره منهج للباحثين والدارسين، كالتالي:

يجب ألا نكون مغرورين بعلومنا (1)، ولا نبخل أيضًا في أن نشارك بالمعلومات التي لدينا (2). لو تعلمنا شيئًا من شخص ما، فلا نحاول إخفاء مصدره الحقيقي (3)، وبالتالي نكون مثل الذين يحاولون كذبًا أن يسجلوا الأولاد كأولادهم الشرعيين وهم ليسوا كذلك. يجب أن نتأكد من المعلومات التي تقال لنا دون محاباة (4). لنفكر جيدًا، ونتأنى بدراسة دقيقة، عندما نجاوب أو نتكلم (5)، ولابد أن نبذل قصارى جهدنا حتى لا نثير المتاعب لمن يتحدث إلينا (6)، ونكون لطفاء في وسط الجماعة  (7)“. (ص 68- 69).

وتعليقي على الاقتباس الجميل السابق كالآتي:

القول ده في الحقيقة لازم يُدرَّس ويُحفظ عن ظهر قلب.. خصوصًا الباحثين والدارسين..

(1)  دي اسمها تجنُّب النرجسية العلمية cerebral narcissism ..

(2)  دي معناها تجنُّب الأنانية والخوف من أن الآخر يعلى عليَّ لما أديله اللي تعبت فيه.

 (3)  دي اسمها تجنُّب سرقة الملكية الفكرية plagiarism ..

(4)  دي اسمها الموضوعية في البحث.. بصرف النظر عن إلى أي معسكر ينتمي الكاتب..

(5)  دي اسمها الاجتهاد في البحث وعدم اكتفاء بقشور الموضوع.. أو لمجرد فلان قال.. فين اجتهادك أنت!

(6)  دي اسمها وأنت بتقول الحق.. لازم تقوله في محبة.. خلي بالك في دفاعك عن الحق ممكن تخسر الناس اللي أنت بتدور عن الحق علشانهم.

(7)  دي زي اللي فاتت شوية.. في ناس مع الحق قوي (بس) من غير نعمة.. وفي ناس مع النعمة (بس) من غير حق.. اسعى أن تتمثل بسيدك اللي قيل عنه ”النعمة والحق بيسوع المسيح صارا“.

الأحد، 10 يناير 2021

رحلتي مع سر الاتحاد- 25

 

في العصر الحديث، بنلاقي ولاد الكنيسة القبطية بيسافروا برة وبيعملوا رسائل ماجستير ودكتوراة بيدافعوا فيها عن الإيمان الأرثوذكسي بشكل أكاديمي، ومثال على كده، د بطرس كرم لديه رسالة ماجستير من معهد سان فلاديمير عن تبرئة البابا ديسقوروس من تهمة الأوطاخية.. في هذه الرسالة بيستشهد بآراء اللاهوتي جون رومانيديس (روم أرثوذكس) اللي قال بوضوح إن ق ديسقوروس ”قد تم إدانته فقط لأنه حرم البابا لاون“ وليس لأسباب عقائدية.


البابا ديسقوروس قبِل أوطاخي في مجمع أفسس الثاني 449 م لأن أوطاخي قدم إقرار إيمان صحيح.. (كمان بيعرض د بطرس شواهد تاريخية على أن أوطاخي كان من أكثر النشطاء ضد النسطورية وأكثر الداعمين لكرسي الأسكندرية) فمفيش سبب يستدعي هرطقته لو كان اعترف بصيغة إيمانية صحيحة. لكن عندما اتضحت نواياه صاح ق ديسقوروس في مجمع خلقيدونية رافضًا لكلام أوطاخي بشكل واضح. ق ساويرس الأنطاكي فيما بعد بيؤيد فكرة أن أوطاخي أخفى نواياه الهرطقوقية في المجمع المشار إليه. لكن لا يمكن اتهام ق ديسقوروس بالأوطاخية لمجرد تبرئته لأوطاخي، فالبابا تيموثاوس الثاني فيما بعد بيقتبس من كلام ق ديسقوروس إنه نادى بوضوح أن جسد المسيح المأخوذ من مريم لا يختلف عن جسدنا في أي شيء ولم ينقصه لا أعصاب ولا شعر ولا عظام ولا بطن.. إلخ.

د بطرس كرم وضع لنا تعارض واضح بين طومس لاون والحرم الرابع للقديس كيرلس (مرفق في الصورة)، وعلق بأن ق كيرلس أكد إن الناسوت لم يتصرف بشكل مستقل عن اللاهوت أو العكس.. لكن كلمات لاون قد تعني إن الطبيعتين كانتا تتصرفان بشكل متبادل، يعني تحس أنها  switch on /off. لذلك قال البعض من الفريق الخلقيدوني أن لاون كان بيأكد على احتفاظ كل طبيعة بخواصها (وده أمر صحيح)، لكن اللي يأكد أن في عبارات غامضة وملتبسة أنه البعض شاف إن عدم قراءة طومس لاون في مجمع أفسس (مش سهو) لكن لتجنب إدانة لاون نفسه بسبب هذه العبارات. واللي بيأكد ده أيضًا إنه في مجمع خقيدونية اعترض أساقفة اليونان وفلسطين على 3 فقرات في طومس لاون..  ولم يقبلوه إلا بعد توضيحات قام بها أناطوليوس بطريرك القسطنطينية وبعد حرمه لكل من يفصل جسد الرب عن اللاهوت. واللي يأكد الأمر كمان أنه في الجلسة الخامسة من مجمع خلقديونية قام البطريرك أناطوليوس بصياغة إقرار إيمان فيه عبارة ”من طبيعتين“- وتحمس لها غالبية الأساقفة..  لكن أناطليوس الآخر (الحاكم المدني) سعى بكل وسيلة لتعديل الصياغة.. وأكد أناطليوس البطريرك أن توقيعه على إدانة ق ديسقوروس كانت لأسباب أخرى (مش عقائدية).. وفي النهاية بتدخل أنطاليوس الحاكم المدني والإمبراطور تم تغيير الصياغة.. وتحت التهديد تبدلت مواقف غالبية الأساقفة- للأسف.

يُتبع

 

رحلتي مع سر الاتحاد- 24

 

نأتي إلى كاليستوس وير في كتابه ”الطريق الأرثوذكسي“ اللي بيجاوب على سؤال: لماذا كان الميلاد من عذراء؟ فيقول إن عذراوية الأم ”تخدم كآية (علامة) على فرادة الابن“، وإن حقيقة أن المسيح ليس له أب أرضي تشير دائمًا ”إلى ما وراء وضعه في المكان والزمان، إلى أصله السماوي والأزلي... هو داخل التاريخ لكنه أيضًا فوق التاريخ. إن ميلاده من عذراء يؤكد على الرغم من أنه متنازل عتقد imminent) إلا أنه أيضًا متعالٍ ومتسامٍ (transcendent). كمان ميلاده من عذراء يخلي ميلاده ”يُنسب إلى المبادرة الإلهية“.. مجاش عن طريق إنسان! كمان يؤكد على أن التجسد ”لم يأتِ بإنسان جديد إلى العالم“ لكن اللي جه هو شخص الكلمة المتجسد.

نأتي لقداسة البابا شنودة الثالث، وفي كتاب مهم ليه وهو ”طبيعة المسيح“، واللي في الكتاب ده بيقدم أمثلة كتابية كتيرة للبرهنة على عبارة ق كيرلس ”طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد“. فمثلاً: 1- في الميلاد.. القدوس المولود منك يدعى ابن الله (لو 1) ويولد لنا ولد .. إلهًا قديرًا (إش 9).. مولود وإله.. الاثنين معًا.. مش إنسان فقط ومش إله فقط. 2- غل 4 أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة- ابن الله ومولد من امرأة... الاثنين معًا. 3- رئيس الحياة صلبتموه، ولو عرفوا لما صلبوا رب المجد، دول آيتين تدل على أن المصلوب مش إنسان فقط ولا إله فقط.. الاثنين. ولما قال ”الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا“ مقلش أنه بذل ”ناسوت ابنه“ بل ابنه.. وده دليل على وحدة الطبيعة.


وأمثلة تانية كتير.. لكنه في ص 17 من الكتاب بيقول مثال غريب شويتين.. بيقول المسيح قال لليهود ”قبل إبراهيم أنا كائن“ (يو 8).. والمسيح هو اللي بيكلم اليهود.. ولم يقل لهم ”لاهوتي كائن قبل إبراهيم“ فده معناه –بحسب البابا شنودة- دليل على وحدة الطبيعة!!! نفس الفكرة في ص 23 في آية يو 3: 13 ”ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل.. ابن الإنسان الذي هو في السماء“. يعلق البابا شنودةمَن هو الذي في السماء؟ أهو الطبيعة الإلهية أم الطبيعة البشرية؟ لا يمكن أن يكون إلا الكلمة المتجسد. فهذه العبارة واضحة جدًا في إثبات الطبيعة الواحدة“. وتعليقي: إحنا شوفنا قبل كده استعمال الآية دي كدليل على ”تبادل الخواص“ في التجسد، لكن ده مش معناه إن الكلمة ”المتجسد“ كان موجود في السماء قبل ”ملء الزمان“. وسيدنا قال بوضوح إن مفيش ناسوت أزلي. يعني آية ”قبل إبراهيم أنا كائن“ دليل على لاهوته وليس على ناسوته. وكلام البابا شنودة على ”ابن الإنسان الذي هو في السماء“ يصح وينطبق على المسيح بعد التجسد، وليس قبله.  

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 23

 

لسه مع بعض في العصر الحديث، وتعالوا نتقابل مع عوض سمعان (من طائفة الأخوة)، هيقول إيه؟ عوض سمعان له كتاب بعنوان ”الله: طرق إعلانه عن ذاته“حاول فيه استعراض بعض الشواهد من العلماء المسلمين عن إمكانية تجسد الله، أو ظهور الله في الجسد.. فهو يأتي ببعض الآيات القرآنية عن وجود الله في كل مكان مثلاً زي سورة المجادلة (7) اللي بتقول: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا“. يعني حتى لو ثلاثة بيتكلموا في حاجة سر.. ربنا هيكون وسطيهم.. ودي شبه الآية الإنجيلية ”لأنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ“ (مت 18: 20) بس بالمناسبة آية متى قالها المسيح عن نفسه.. وفيها إدعاء صريح بانه هو الله- كلي الحضور!  


كمان عوض سمعان بيسشهد بفرق إسلامية سواء شيعة أو متصوفة بتقول بإمكانية اتحاد الله بالإنسان.. (زي الحلاج وابن عربي.. (لكن للأمانة الحلاج وابن عربي مش بيعبروا عن ال main stream الخاص بالعقيدة الإسلامية. لكن عوض سمعان بيذكر حاجة مهمة جدًا.. بيقول إن الأشاعرة قالوا بأن كلام الله نوعان: أزلي وحادث.. من المعروف أن في ما يسمى بمحنة خلق القرآن في أيام الدولة العباسية.. المعتزلة قالوا إن القرآن- كلام الله- مخلوق لأنه بيتعرض لأحداث تاريخية.. فرد الحنابلة وقالوا أن كلام الله أزلي.. لحد ما جه الإمام الأشعري وقال ينفع نقول الإثنين.. وقسم كلام الله كما في الصورة المرفقة من كتاب ”ضحى الإسلام- أحمد أمين - ص 40“. طبعًا عوض سمعان بيقتبس الفكرة دي علشان يقول ينفع كلام الله يكون أزلي (كلام النفس) ويكون حادث (القرآن) وبالقياس، كلمة الله (أزلي) ومخلوق (في التجسد).

(تعليق): عاوز أقول أن فكرة تقسيم كلام الله بهذا الأسلوب.. فقرة مستمدة من الفسلفة الرواقية، واستخدمها بعض آباء الكنيسة- زي ثيؤفيلوس الأنطاكي- في سياق آخر- عن اللوغوس الداخلي logos endiathetos واللوغوس المنطوق prophorikos logos . نفس الشيء قاله أبو حامد الغزالي: إن كلام الله أزلي قديم ، قائم بذاته تعالى، وإن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف، محفوظ في القلوب ، وهو مع ذلك قديم.. قائم بذات الله تعالى، لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق. (الغزالي: إحياء علوم الدين ، ج1 ص: 156-157).

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 22

 

نأتي إلى العصر الحديث، وهنتقابل مع القمص سرجيوس سرجيوس، واللي بيرد على مَن يهاجمون عقيدة التجسد في كتاب ليه بعنوان ”رد القمص سرجيوس على الشيخين الطنيخي والعدوي“. هو بيحاول تقريب إمكانية فكرة التجسد بالآتي: 1- بيقول في ملائكة روحانية بيظهروا في شكل إنسان. 2- بيقول في بعض القوى زي الكهربية والمغناطيسية ملهاش صورة لكنها بتتجسد في أسلاك أو خلافه.. ثم ينتقل لسؤال: هل يمكن رؤية الله في الدنيا؟ قال ويعرض قول الإمام ”سيف الدين الأمدي“ قال بأن رؤية الله جائزة عقلاً.. وحتى طلب موسى اللي رُفض في رأيه دليل على ”جواز الوقوع، وإلا كان جهلاً من موسى وهو محال في حقه“، كما أن الله علَّق إمكانية الرؤية على قدرة الجبل على الاستقرار.. وهو أمر ممكن.


القمص سرجيوس بيقول إن الإسلام بيغالي في تنزيه الله وده من وجهة نظره ينافي النبوة والوحي والخلق..  ثم يفند بعض الاعتراضات مثل.. أن التجسد سيؤدي إلى حدوث تغيير في الله؟ لكن القمص سرجيوس بيقول كيف تعامل الله مع المحدثات.. فقد تعامل مع حفنة طين في مكان وزمان محدد وخلق منها آدم.. دون أن يحده مكان أو زمان. والخطأ في رأيي المتواضع هو استدلال القمص سرجيوس ببعض الأوصاف الانسانية- زي وجه الله ويد الله .. إلخ، لأننا عارفين إن دي أنثربومورفيزم.. وتؤخذ على سبيل المجاز.. زي ذراع الله بمعنى قوته، وإلا وصلنا إلى ما يؤمن به ال Mormons بأن الله له يد ووجه حقيقي.

ثم يجيب على سؤال آخر: لما بنقول الله معانا.. هل هو معانا بصفاته أم بذاته؟ ويقول إن المعتزله قالوا بصفاته وقدرته وليس بذاته.. لكن بيرد عليهم بما قاله الإمام ”الغزنوي“ بأنه قال ببطلان هذا الرأي. لا ينكر القمص سرجيوس أن لما القرآن بيقول ”وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ“ أن معية الله أسمى من معية أي مخلوق مادي.. لكن ما نفهمه أن الله قريب إلى خليقته.. ومتداخل معها.. طالما أنه يحفظ وجودها ويمارس سلطانه عليها.

(تعليق): بشكل عام في العصر الحديث الكلام عن التجسد دلوقت يمكن شبه توقف عن الطبيعتين والقصص دي، لكن الاعتراضات الفلسفية دلوقت منصبة حوالين سؤال: هل التجسد يعني حدوث تغيير في الله؟ من المعروف أن أحد صفات الله هو أنه غير قابل للتغيُّر، لكن هل الكلمة- الأقنوم الثاني في الثالوث القدوس- في ملء الزمن صار إنسانًا (مركبًا من نفس وجسد)، والنفس والجسد دول عرضة للتغير.. (بيكبر، وينمو، ويتألم، ويصلب، ويموت، ويقوم) يعني بيتعرض لأحداث وتغيرات، فهل معنى كده أنه فقد صفة أنه غير زمني، وصفة أنه غير قابل للتغير، خصوصًا أننا نؤمن أنه صعد بناسوته الممجد، وهو الآن على يمين الآب؟

الأول ماذا يقول الآباء؟ ق كيرلس في رسالته رقم 17 (والثالثة لنسطور) بيقوله ”الذين يقولون.. أنه عرضة للتبدل أو التغير.. فأولئك تحرمهم الكنيسة الجامعة.. نحن نقول إنه نزل لأجلنا.. وتنازل.. وتجسد وتأنس.. وجاء كإنسان من امرأة، دون أن يفقد ما كان عليه، ولكن رغم أنه ولِد متخذًا لحمًا ودمًا فإنه ظل كما كان.. الله بالطبيعة والحق“. ويبان من الكلام ده إن التجسد لم يؤثر مطلقًا على عدم قابلية الله للتغير.

في ناس بتقول أن المقصود بعدم قابلية الله للتغير هو ثباته الأخلاقي.. شخصيته وأمانته.. مش أكتر.. (ده غلط). وفي لاهوتيين- زي وليام لين كريج بيقول إن في تغير داخلي (أنطولوجي) في الله intrinsic change - وده محصلش أبدًا ولا هيحصل، وفي تغير خارجي extrinsic change.. تغير في علاقاته مع خليقته وده حصل مثلا قبل كده في الخلق. لذلك هتلاقي ناس كتير بترد على الحكاية دي باللجوء إلى الخلق. في الخلق لم يتغير الله بالرغم أن أصبح الله في علاقة (جديدة وزمنية ومكانية) مع كائنات مخلوقة حادثة متغيرة محدودة في الزمان والمكان. كذلك الله بيحفظ الخليقة ويمارس عنايته في خليقته.. المتزمنة والمحدودة والعارضة.. دون أن يتغيّر..  اللي بيغالي في صفة عدم قابلية الله للتغير.. هيوصل لأفكار غلط كتير منها: إن الكون أزلي، أو أنه وجد ذاتيًا، أو من إله آخر، أو ينكروا العناية الإلهية، وبالتالي ممكن ينكر النبوة والوحي والمعجزات.. وأي شيء يمت بصلة لتدخل الله في عالمنا المتزمن والعارض والمحدود!

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 21

 

في الحقبة العربية، أكيد كان في علماء مسلمين نقدوا الآراء الخريستولوجية زي ما نقدوا الثالوث وشرحه، هنقابل دلوقت الإمام فخر الدين الرازي (الخطيب)، اللي عاش بين (1149- 1210م)،  وقام بتأليف كتاب ”الأربعين في مسائل الدين“ وفي المسألة (9) قدم اعتراض على التجسد، (أو الحلول أو الاتحاد) كما يسميه كالآتي: القول بالحلول باطل، لأنه تعالى لو حلَّ في شيء، لكان إمَّا أن يحلَّ مع وجوب أن يحل، أو مع جواز أن يحل. والأول باطل لوجهين: 1- أن ذلك يقتضي إمّا حدوث الحال (مَن يحل= الله) أو قِدم المَحل (الإنسان)، وكلاهما محالان. (يعني لو الله مضطر أن يحل.. يبقى لازم يا إما اللي هيحل فيه يكون أزلي، أو هو الله يكون مش أزلي.. طبعًا ده غلط). 2- أنه لما حلّ مع وجوب أن يحل، كانت ذاته مفتقرة إلى ذلك المحل، والمفتقر إلى الغير ممكن بالذات. (يعني معناها لو الله مضطر لكده يبقى الله غير مكتفي بذاته.. وبالتالي معتمد على غيره.. وبالتالي هو ممكن الوجود مش واجب الوجود). أما الاحتمال الثالث عن أنه يجوز أن يحل.. فبيقول الرازي أنه باطل أيضًا.”لأن المعقول من الحلول كون الحال مفتقرًا إلى المحل ومحتاجًا إليه. وإذا لم يوجد هذا المعنى، لم يتحقق معنى الحلول“.


تفتكروا هل في حد مسيحي رد على الكلام ده.. بالفعل رد الصفي بن العسال- واللي أورد جوابه هو أخوه المؤتمن بن العسال في كتابه (مجموع أصول الدين- ج2- فصل 40) كالآتي: بالنسبة للاحتمال الأول: قال إن الله فاعل مختار.. ولما أوجد المحدثات (المخلوقات) لم يتطلب ده ”حدوثه أو قدم المحدثات“ أو لم يتطلب أنه يكون إمّا المخلوقات أزلية أو الله غير أزلي.. وعلى الاحتمال الثاني: مسألة أن الله مفتقر لذاته إلى المحل.. حاشا أننا نقول ان الله عنده نقص في ذاته.. فهو الغني والمكتفي بذاته.. لكن أنه يكون لديه افتقار ممكن يكون صح لو كان الحلول ده اضطراريًا مش اختياريًا.. أو لشيء في طبيعته وبالتالي بالضرورة هيحل.. لكن إحنا بنقول بالاتحاد (أو التجسد) ليس عن اضطرار.. بل بالاختيار .. والدافع هو ”جود الله“. وحتى لما خلق الإنسان ده كان لجوده.. وليس لافتقار ذاته إلى الخلق..  كمان إذا كان الله هو اللي أوجد المحل نفسه.. يعني خلق الإنسان.. يبقى كيف نقول أنه مفتقر إليه أو أن المحل أزلي!

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 20

 

في القرن (14) برضو هل نقدر نقرأ للاهوتي نسطوري علشان نشوف وجهة نظره؟ اسمع مار عبد يشوع الصوباوي النسطوري في كتاب له بعنوان ”الجوهرة“. هو الأول بيقول إن الكنيسة كلها كانت فكر واحد بعد مجمع نيقية.. لكن بعد 100 سنة حصل نزاع بين قورلس (كيرلس) بطريرك الأسكندرية، ومار نسطوريوس بطريرك بيزنطية حول التجسد. وقال إنه قبل كده الكل كان بيؤمن أن المسيح إله كامل وإنسان كامل.. لكن الجدل الحالي ”حول نوعية الاتحاد“. وبيشرح إن كيرلس كان بيقول العذراء والدة الإله، وكتب 12 حرم، فرد عليه نسطوريوس هذا غير صحيح؛ لأن كلمة ”والدة الإله“ لم ترد في الأنبياء ولا في الرسل.


لأن الأنبياء قالوا المسيح، والرسل بشروا بالمسيح (الإله والإنسان)، فلو قولنا إن العذراء ”والدة الإنسان“ هنتشبه ببولس السماساطي وفوتينوس الغلاطي (اللي من غلاطية يعني- ودول قالوا بإن المسيح ولد كإنسان عادي ثم تبناه الله بعد ذلك- التبنوية adoptionism). لكن لو قولنا برضو إنها ”والدة الإله“ فقد نتشبه بسيمون ومناندروس (غنوصيين) القائلين ”بأن الله لم يتخذ جسدًا من مريم، وإنما التأنس كان بالخيال لا بالحقيقة“. لكن لما نقول ”والدة المسيح“ فهذه التسمية واردة عن الانبياء والرسل وتشير إلى الاتحاد الكامل. طبعًا ده كلام غير صحيح، ما هو إشعياء تنبأ عن المسيح وقال عليه ”إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ(إش 9). لكن شيق أنك تسمع الآخر من على لسانه هو.. وتعرف إيه تخوفاته.. وتعرف فين الجنوح.. لأن الهرطقة في تعريفها هي جنوح في اتجاه على حساب اتجاه آخر.

الصوباوي بيقول إن حرمانات كيرلس هي حرمانات للكتب المقدسة (إلى هذه الدرجة!)، لأن الرسل والأنبياء قالوا إن المسيح إله كامل وإنسان كامل.. صورة الله وصورة العبد، ابن داود وابن العلي، الجسد والكلمة.. فنشأ الأنقسام وتراشق الطرفان بالحرم. فانعقد مجمع خلقيدونية.. والصوباوي شايف أن المجمع ده أيد التعليم اللي بينادي بيه نسطور؛ لأن المجمع ده أيد عقيدة الطبيعتين في المسيح والتمييز بين خواص كل منهما.. وحرم كل من يقول بالمزج الذي يشوه كلتا الطبيعتين (طبعًا إحنا مع التمييز بين الطبيعتين وخواصهم.. ومع عدم الاختلاط) لكن الصوباوي بيقول لأن مفيش في اللغة اليونانية تمييز بين الأقنوم والشخص (مفهمتش دي) أقر المجمع ”بأقنوم واحد في المسيح“، فحرم المجمع أتباع كيرلس لأنهم لا يسلمون بالطبيعتين، وحرم أتباع نسطور لأنهم لا يسلمون بالأقنوم الواحد، فانقسمت المسيحية إلى 3 مذاهب: 1- اليعاقبة: يعترفون بطبيعة واحدة واقنوم واحد..  2- الملكيين: يعترفون بطبيعتين واقنوم واحد..  3- والنساطرة: يعترفون بطبيعتين وأقنومين في المسيح ”لكن بنوة واحدة وإرادة واحدة وسلطة واحدة“.

ويرجع يقول حاجة لذيذة جدًا..  الشرقيين عمرهم ما غيروا عقيدتهم أبدًا.. و”سموا ظلمًا نساطرة، فنسطوريوس لم يكن بطريركهم، ولم يكن لهم معرفة بلغته. إلا أنهم لما سمعوه يعلم بطبيعتين واقنومين في المسيح وإرادة واحدة وابن وحيد لله ومسيح واحد شهدوا بأنه يقر بالإيمان القويم“. وبيقولوا أن نسطور نفسه طلب منهم أن يحرموه فرفضوا..  لكن نسطور هو اللي تبعهم وليس هم الذين تبعوه.. بالفعل كنيسة المشرق الأشورية الحالية مش بيحبوا يتقال عليهم نساطرة.. بالرغم أنهم بيعتبروا نسطور قديس!

الصوباوي بيفند المذهب الخلقيدوني واللاخلقيدوني..  وبيقول إنه لو قلنا إن المسيح طبيعة واحدة وأقنوم واحد بعد الاتحاد، فده معناه إما تزول الطبيعة أو الأقنوم البشري وكده مفيش خلاص..  أو تزول الطبيعة والأقنوم الإلهي، وهذا إجحاف. وإذا اختلطوا فهذا هو الانحلال..  ويستشهد براهب نسطوري آخر اسمه يوحنا عمل برهان (عمل فني) ليميز بين المزج والاتحاد.. بكتابة اسم المسيح بالحبر الأسود والأحمر.. (انظر الصورة المرفقة). المزج.. مبقاش في أحمر ولا أسود. أمّا الاتحاد حافظ على الأحمر والاسود.


ثم يكمل الصوباوي.. لو عايزين نقول إن خصائص الطبيعتين محفوظة يبقى لازم المسيح يكون طبيعتين وأقنومين و”يوحدهم شخص الابن!!“. الصوباوي رافض لقب ”والدة الله“ لأن ده معناه إنها والدة الثالوث! ثم يختم بقوله ”لو آمنا بابنين في المسيح لاسنحققنا هذه الملامة، لأن الآب والروح القدس مع الابنين يصبحان أربعة أشخاص.. لكننا نؤمن بابن واحد ومسيح واحد وشخص واحد“.  والنقطة الأخيرة دي أنا لاقيتها عند ال 3 طوائف.. اليعاقبة بيقولوا على الملكانيين أنهم بيقولوا بأقنومين -- فده هيؤدي إلى رابوع وليس ثالوث. والملكانيين بيقولوا إن اللي بيقولوا طبيعة مركبة (من طبيعتين) أدخلوا رابوع على الثالوث.. وأدي النساطرة رافضين نفس الفكرة. يتهيألي لو بدأنا من اللي خايفين منه ممكن نوصل لاتفاق.. لكن لو بدأنا من نقطة تانية مش هيبقى في اتفاق.

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 19

 

نتكلم أكتر عن ”ابن المكين“ (ق 14) اللي في موسوعته الشهيرة بالحاوي ج 4، واللي بيتكلم فيها عن نسطور، وبيقول فيما معناه إن مش كل اللي طلع من أنطاكية هيبقى زي يوحنا ذهبي الفم! ويذكر أن نسطور ألف كتاب قال فيه أن ابن ”شهرين أو 3 شهور“ لا يمكن يكون إله.. وإن المولود من مريم ده مسيح، والمسيح شيء، وكلمة الله شيء آخر، والمصلوب ليس إلهًا. ثم يأتي لمجمع خلقدونية اللي بيوصفه بأنه كان ”بغواية العدو المضاد“ ليه؟ لأن الإيمان المسيحي قبل المجمع ده في رأيه كان مستقر عليه.


ثم خلال شرحه لقانون الإيمان يقول إنه بمجرد ما قالت العذراء ”ليكن لي كقولك“، ”ففي ذلك الآن عند صدور جواب العذراء للملاك ابتدأ الزمني في تخلقه متحدًا بالأزلي. فالاتحاد بين أقنوم الأزلي وأقنوم الزمني اللذين صارا واحدًا في الموضوع والمحمول“. المحمول والموضوع دي مصطلحات في منطق أرسطو.. ببساطة الموضوع هو ال subject  والمحمول هو ال predicate ويقصد في رأيي أن أصبح بفضل الاتحاد نقدر ننسب ليهم هما الاثنين نفس الصفات.

 بيقول ابن المكين: ”ليس هو إلهًا فقط ولا إنسانًا فقط، بل إلهًا متأنسًا متجسدًا، لذلك صحت الإشارة إليه بالأسماء المتضادة“ (يقصد صفات الألوهة مرات وصفات الناسوت مرات- وهو ده تبادل الخواص). ثم يقول ”إذ كان جوهرًا من جوهرين متحدين والاثنين غير منفصلين بعد الاتحاد“ وهنا ”جوهر“ بمعنى طبيعة. ابن المكين بيشرح حاجة حلوة جدًا .. أن المسيح لما يقول ”أنا هو“ بيبطل القول بالمشيئتين.. لأن ”أنا هو“ تدل على حقيقة اتحاده، وأنه ”واحد متقوم عن اثنين“ وليس هو اثنين. و”أفعاله صادرة عن واحد في موضوعه ومحموله“؛ لأن لفظة ”هو“ لا يصح الإشارة بها إلى اثنين.

لما بيجي ابن المكين يشرح عبارة ”نزل من السماء“ يقول النزول هنا مش معناه انتقال الجوهر الإلهي من حيز إلى حيز؛ لأن ”الجوهر الإلهي لا يقبل الأحياز“أو التحيز. دي لو بتقراها بالإنجليزي هتبقى  non-dimensional. وهو ”غني عن المَحل“ أو المكان. وبيفسر النزول هنا بمعنى التواضع زي بولس البوشي أيضًا. وبيقول عبارة جميلة ”أي نزول أبين من هذا النزول وأي جود أكمل من هذا الجود“-- ده كرم ما بعده كرم! هذا السر هو ”فوق الكيف“.. وليس عن احتياج لأن الله ”غني عن كل ما هو خارج ذاته“. ويقول ”ولم يبتدئ الناسوت إلا متحدًا بالكلمة الأزل“، لكن مكنش ينفع يجي عن طريق التناسل.. ليه؟ بيقول ”شرط الاتصال المناسبة“ يعني لازم يكون الناسوت خالي من الضعف و”الانحطاط الألمي“ و”الانفعالات الألمية“ بحسب تعبير بن المكين، ويقصد الشهوانية.

يُتبع

رحلتي مع سر الاتحاد- 18

نأتي إلى الأنبا بولس البوشي، (أسقف مصر في ق 13) في مقالته عن الثالوث والتجسد.. يجيب البوشي على سؤال: كيف يحل الإله في المرأة التي خلقها؟ فيسوق أمثلة قريبة مثل ظهور الله لموسى في العوسج، وظهوره لإبراهيم، وأن الإنسان بالتأكيد هو أشرف من الشجرة. ثم يجيب على سؤال آخر: ما الذي اضطره للتجسد؟ فجوابه: ”جوده وتفضله، ويقول: ”الله جوّاد متفضّل لم يزل في جوهريّته كما يليق بصلاحه. بل أظهر التفضّل بالفعل، لمّا خلق البريّة. ليس لحاجة منه إليها، بل تفضّلاً منه عليها. ومن العدم إلى الوجود أحضرها، وهيّأ لها ما تحتاج إليه، لكرمه وجوده، ليُعرف أنّه متفضّل منّان وهكذا تعاهد البريّة بالخلاص، ليس لحاجة منه إلى التجسّد، بل تفضّلاً منه عليها“.


الفكرة التي استوقفتني بشدة هو فكرة ”الجود الإلهي“، كذلك الفرق بين الجود والتفضل. وأن الجود صفة داخلية في الله، أمّا التفضُّل فتظهر في تعاملات الله مع خليقته. أردتُ أن أبحث عن الفكرة لدى كُتاب آخرين. فيقول يحيى بن عدي، الفيلسوف البغدادي، عن الجود الإلهي: ”إنّ أفضل الجائدين هو الجائد بأفضل الذوات. وأفضل الذوات ذات البارئ. فلزم جود البارئ بذاته علينا، وهذا كان باتّصاله بنا". الله الذي هو ليس الكريم وحسب، بل هو أفضل الكرماء، لا بدّ أن يجود بذاته لأنّها أفضل الذوات. لذلك جاد بنفسه على الطبيعة البشريّة، تشريفًا لها وارتقاءً بها إلى الحضرة الإلهيّة، فاتّحد بها إذ صار إنسانًا“.

وكذلك العلامة جرجس بن العميد الملقب بابن المكين في كتابه الشهير ”بالحاوي“، يتحدث عن الجود الإلهي كسبب أوحد للتجسد، حتى أنه ينكر أن تكون خطية آدم سببًا للتجسد، وهي فكرة معروفة ويستشهد بها كثيرون، أقصد ”التجسد غير المشروط“(Unconditional Incarnation)  يقول ابن المكين: ”وفي الحق أنه لا يجب أن يوقف جود الله تعالى على شرط حادث، لكن لما كان من كمال جوده أن يجود بنهاية الجود وأكمله.. فلذلك أظهر كمال جوده بواسطة تمكّن البشر من مباشرتها والقرب منها، ولو مُنع ظهور الله متجسدًا وما نتج عنه من جزيل النفع من القدرة على إمكانيته، لكان يعزي ذلك إلى أحد أمرين: إمَّا ضنًا (أعني بخلاً) وإمّا عجزًا، وعلى هذا يكون الله غير مستحق اسم ’الجواد المطلق الجود‘“.

من جهتي لا أعتقد بصحة فكرة التجسد غير المشروط، لأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون التجسد بدافع من جود الله وتفضله وبسبب سقوط آدم أيضًا. لكن ابن المكين هنا يعلي ويعزز من قيمة جود الله المجاني، وهو بالفعل كذلك. لكن ما رأي الآخرون في فكرة ”التجسد غير المشروط“. هنلاقي إن الفيلسوف توما الأكويني تعرض لنفس السؤال.. والجميل إن المعترض قال مثلاً إن سر التجسد أُعلن لآدم قبل ما يسقط لما قال لحواء ”هذه عظم من عظمي“ وبولس في رسالة افسس ”هذا السر عظيم.. من نحو المسيح والكنيسة“، فهل آدم كان عارف انه هيسقط... ولا التجسد كان هيحصل كده كده؟

توما الأكويني بيقول مفيش ما يمنع أن تُعلن النتيجة دون معرفة السبب! وبالتالي يمكن أن يُعلن سر التجسد لآدم دون وعيه بسقوطه الوشيك. ”لأن مش كل واحد عرف النتيجة بيعرف السبب!“ وفي اعتراض بيرد عليه الأكويني تاني قال بناء على رو 1: 4 ”تَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ“ فمينفش يتعيّن الابن بأنه هيتجسد.. إلا وأنه كان هيتجسد كده كده.. بصرف النظر عن السقوط (ده كلام على لسان معترض هيرد عليه الأكويني).  

توما الأكويني بيرد إزاي، بيقول إن تعيين الله predestination مبني على علم الله السابق foreknowledge وبالتالي إذا تعين التجسد والقيامة.. فده بناء على علم الله السابق بالسقوط.. (يعني ربنا مش بيعين أمر علشان يحصل كده كده.. لكن تعيينه مبني على علم سابق بحدوث شي.. وإلا دخلنا في قصة القدرية والجبرية.. والمسيحية مش كده!!) الله عليك يا أكويني! وبيقول كمان إن الأمر ده ربنا هو اللي يعلمه وحده.. ولكن إحنا لينا اللي بيُعلن في الكتاب المقدس.. والواضح أكثر إن التجسد مرتبط بعلاج مشكلة الخطية..  وأنا من ناحيتي بشوف في سياق الآباء بيتكلموا في موضوع مختلف إجابة على السؤال ده.

عندنا مثلاً ق أمبروسيوس كان بيرد على فكرة خاطئة بتقول إن جسد المسيح نزل من السماء - من فوق.. فرد على كده بأن المسيح قدّم (جسده ذبيحة)- ولم يقدّم لاهوته ذبيحة؛ لأن اللاهوت لم يخطئ. وبيقول كده: ”إنه قدّم التقدمة مما يخصنا. وإلا ما السبب في تجسده إذا لم يُفدى الجسد الذي أخطأ بواسطة المسيح؟“ (سر تجسد الرب فقرة 78). كمان المترجم دعم نفس الفكرة باقتباس من ق. أثناسيوس في رسالته إبيكتيتوس: لم يأتِ اللاهوت لمساعدة نفسه حتى يلبس ما هو من نفس جوهره، كما أن الكلمة لا يخطئ في شيء وهو يفتدي خطايا الآخرين، حتى يصير جسدًا ويقدّم ذاته ذبيحة لأجل نفسه ويفتدي نفسه

وبالتالي يُفهم من كلام أمبروسيوس وأثناسيوس أنه مفيش حاجة اسمها ”التجسُّد غير المشروط“ اللاهوت لم يقدم ذبيحة لنفسه.. الذبيحة هي جسد اللوغوس لأن الجسد هو اللي أخطأ. فماذا لو لم يخطىء آدم؟ الإجابة: لن يقدّم اللاهوت أي ذبيحة؛ لأنه لم يخطئ! هذه حُجة أمبروسيوس وأثناسيوس.

هل فعلاً الإنسان كان محتاج للتجسد علشان ياخد نعمة الخلود؟ أو علشان يتأله؟ الإجابة هنقرأها في تجسد الكلمة 4: 6 اللي بيقول فيها إن الإنسان فاني لأنه خُلق من العدم- ودي فكرة صحيحة- لكن بوص بيقول إيه؟ ”إلا أنه بسبب خليقته على صورة الله... كان ممكنًا أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي ويبقى في عدم فناء“ إزاي يا قديس أثناسيوس ”لو أنه أبقى الله في معرفته كما تقول الحكمة: حفظ الشرائع تحقق عدم البلى“.. وبعد كده إيه؟ ”وبوجوده في حالة عدم الفساد كان ممكنًا أن يعيش منذ ذلك الحين كالله“. يعني باختصار اللي بيقول إن التجسد لازم للتأله، ق أثناسيوس هنا بيقول: الخلق على الصورة من ناحية.. وإبقاء الإنسان الله في معرفته.. هذا يكفي! وفي الآخر مشروط أو غير مشروط.. دي نقطة فرعية مش في صلب الإيمان.

يُتبع