الثلاثاء، 18 يونيو 2019

ضد هرموجنيس- العلامة ترتليان



ستجد هذه المقالة مترجمة في كتاب "ترتليانوس الأفريقي" ترجمة أمجد رفعت، إصدار مدرسة الأسكندرية، في الصفحات من 159- 211.
في المقالة دي بيرد ترتليان على واحد اسمه هرموجنيس اللي تأثر بتعاليم الرواقيين- وكتير من الفلاسفة اليونانيين- اللي بتقول بأزلية المادة. لكن ما هي الأسباب اللي تخلي ترتليان بإيمانه المسيحي يرفض أزلية المادة:
1-            بيقول إن أزلية المادة تجعل الله ليس له سلطان عليها، ”لكونها بلا بداية (مثلها مثل الله)، فلا فضل لأحد في وجودها، وبالتالي لا سلطان لأحد عليها“، وبالتالي ده ينفي ربوبية الله على المادة (ص 163).
2-            لكن استخدام ربنا للمادة في الخلق بيقول إنه رب عليها. لكن ترتليان بيشكك في كده؛ لأن أزلية المادة تنفي كده.
3-         الأزلية ليست إلا لواحد فقط هو الله. ”فما جلال الله غير أزليته؟“ (163). فوجود مبدئين أزليين ينفي عن الله صفة ألوهيته الفريدة. وينفي عنه ”كونه فوق كل الأشياء، وقبل كل الأشياء، ومنه كل الأشياء“.
4-           يرى ترتليان إن القول بأزلية المادة هو القول بإلهين، وجعل المادة مساوية لله.
5-          وبكدا يظهر إن الله ليس هو ”الكل“، ولابد أنه يكون ناقصه شيء موجود في المادة.. لكن ”ما هو أزلي... لا يقبل الانتقاص“ (166).
6-        لو المادة هي أصل كل خليقة.. ده يخلي المادة أعلى من ربنا؛ لأنها هي اللي وفرت الفرصة لربنا أنه يتمم عمله.. وكده يكون الله هو اللي خاضع للمادة، لأن جوهر المادة في الحالة دي ”لا غنى عنه بالنسبة لله“. لأن اللي بيحتاج لشيء بيخضع ليه.. وبالتالي المادة هي ”الغنية الوفيرة الحرة لأنها تقدم نفسها لمن هو صغير جدًا، وضعيف جدًا، ومن ليس له حول في أن يشكل ما يريده من العدم“ (186)، وبالتالي منقدرش نقول على ربنا أنه قادر على كل شيء.. لأنه ببساطة تحت رحمة المادة.
7-            مرة أخرى ترتليان بيقول مش هنقدر نقول إن الله هو رب المادة.. طالما كانت مساوية له.. ولها نفس صفاته.
8-         أما لو كانت المادة جوهرها شر.. يبقى الله استخدمها مجبرًا.. وبالتالي المادة جعلته أضعف من أنه يخلق من العدم.. وبالتالي ده كمان يخلي أصل الشر هو من الله نفسه (169). ترتليان بيقول: ”إن لم يكن هو المبدع (للشر)، فهو متستر عليه، فبقدر كل هذا الصلاح الذي له، أبقى على الشر في المادة قبل أن يخلق العالم“ (170)، وكان المفروض الله يصلح المادة.. بس محصلش.. وبالتالي إمّا إنه كان ضعيف، وتعوزه القدرة، أو كان يقدر ولم يشأ.. وبالتالي ”يصير هو نفسه شريرًا؛ لأنه استطاب الشر، وهكذا يتحمل هو نفسه عاقبة الشر“، وبيقول إنه بكده ربنا أجاز وجود الشر بالتواطؤ سواء لما خلق العالم من المادة بإراداته أو كان مجبر.. في كلا الحالتين ”يكون الله إمّا خادمًا للشر أو صنوًا له“ (171).
9-          ترتليان بيربط الصلاح بالأزلية.. لأن الأزلي كامل في ذاته.. وبيقول لو الشر أزلي ”إذن هو شيء لا يُقهر ولا يُذلل، لأنه أزلي. وفي هذه الحالة يكون من العبث أن نجتهد كيما نعزل الشر من بيننا“ (171- 172). وبالتالي لو الشر ليه نهاية- بحسب الكتاب المقدس- يبقى لازم يكون ليه بداية (172).
10-         يقول ترتليان إن المادة بحسب هرموجنيس قابلة للتحول.. وهذا ينفي عنها صفة الأزلية (173).
11-         مرة تانية يرفض ترتليان إن الله يكون خلق من المادة عن اضطرار.. لأن ده هيكون دليل على ضعف الله.. وده بيخلي ترتليان يقول حاجة غريبة جدًا: ”الأفضل لنا أن نؤمن بالله حرًا، حتى لو كان مبدعًا للشر، عن أن نؤمن به عبدًا؛ فالقوة أيًا ما كانت، أجدر به من الوهن والعجز“ (175). وبيعيد نفس الفكرة مرة أخري قائلاً: ”فالحرية هي الخاصية التي تلائم شخصية الله وليس الجبرية. وأنا كنت سأقدّر أكثر أنه أراد بنفسه أن يخلق الشر، على أنه كان عاجزًا أن يمنع وجوده“ (178). فظيع ترتليان هنا.. طبعًا هو بيقول كده افتراضيًا.. لكنه لا يقر بهذا في كل الأحوال.
بعد كده ترتليان بيحاول يفند بعض الآيات الكتابية اللي بيعتمد عليها هرموجنيس لإثبات أزلية المادة.. وأولها تك 1: 1 ”في البدء خلق الله السماء والأرض“، وكان هروموجنيس بيقرأ الآية دي بمعنى أن الله خلق من حوهر اسمه "البدء".. لكن ترتليان بيقول ببساطة ده ”مصطلح استهلالي“ وليس اسمًا لجوهر ما (182). وأن ربنا بيتكلم عن ترتيب في الخلق وليس عن جوهر خلق منه.. وترتليان بيعمل تحليل لغوي بديع هنا وبيقول إن عبارة "في البدء" في اليونانية هي in prinicipio  بمعنى "في البدء"، وليس ex principio بمعنى "من البدء" (183).
ثم يقول ترتليان جملة بديعة موجهًا كلامه لهرموجنيس: ”أنا قد فشلت أن أجد موضعًا قيل فيه إن كل الأشياء خُلقت من مادة أولية. أين كُتب هذا؟ على هرموجنيس أن يخبرنا. وإن لم يكن هذا مكتوبًا في أي مكان، فليرتعد من الويل الذي يطول كل مَن يضيف أو يحذف من الكلمة المكتوبة“ (186). وأظن دي أبلغ جملة يترد بيها على اللي بيقولوا النهاردة إننا مش لازم نجد سند كتابي لأي فكرة عقائدية متحججين بأننا مش سولا سكربتورا.. وإحنا صحيح مش سولا سكربتورا.. ولكن مركزية الكتاب المقدس وعدم تعارضه مع التقليد هي الضامن لصحة العقيدة.
هرموجنيس استخدم عبارة ”وكانت الأرض خربة وخالية“ وقال إن "كانت" دي دليل على أزلية المادة، والأرض الخربة دي هي المادة ذات نفسها اللي خلق منها كل شيء. ترتليان بيعمل تحليل لغوي بديع هنا برضو.. وبيقول أولاً "كانت" دي بتتقال على كل شيء موجود، وصيغة الفعل منها "يكون" بتتقال على أي شيء في حالة التعريف، وكلمة "كانت" بتتقال لما يكون الكلام في سرد. وبالتالي عبارة "وكانت الأرض" معناها الأرض اللي خلقها ربنا.. وهي هي كلمة "الأرض" اللي في تك 1: 1. وبيقول ترتليان إن موسى النبي قال زي ”بيان تمهيدي موجز، يعقبه عرض مفصل“ (190). الأرض الخالية هي الأرض اللي في تك 1: 1 والدليل على كده حرف العطف واو في عبارة "وكانت الأرض". و”لو أقصينا أداة العطف هذه، ستنفك الرابطة بشكل قد يُفهم من قوله "وكانت الأرض خربة" أنها ربما تعني أرضًا أخرى“ (190). وأضاف إن صفة الخواء ليست من صفات الأزلية ”لأن حالة الخواء عي من عوارض الابتداء“ (192).
في نهاية المقال بيستغل ترتليان تناقضات هرموجنيس بأنه قال إن المادة قابلة للانقسام.. ويؤكد أن ده يتعارض مع صفة الأزلية. إجمالاً في هذه المقالة بتظهر عبقرية ترتليان كالعادة في الجدل الفسلفي والمنطقي والتحليلي واللغوي.. وهو عبقري ولوذعي فعلاً.. لذلك سقطة العبقري بتكون عظيمة بقدر عبقريته!   

السبت، 15 يونيو 2019

ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية- ق كيرلس


بيانات الكتاب ترجمة لنص للقديس كيرلس الكبير بعنوان "كاتا أنثربومورفتين"
بمعنى "ضد الذين يقولون أن لله هيئة بشرية"
ترجمة د جورج عوض، بمعرفة المركز الأرثوذكسي لدراسات الآباء،
في  28 فصل قصير في حوالي 120 صفحة.
أعتقد بعض الرهبان إنه طالما إن الإنسان مخلوق على صورة الله يبقى الله له جسد مثل الإنسان.. يعني له إيدين ورجلين بيمشي بيهم، رد ق كيرلس وقال لو ليه عينين في رأسه، فهل يرى خلفه؟ (واستشهد بأن المسيح قال إن الله روح يعني هو بسيط غير مادي.. غير مركب- مالئ الكل.. كلى الحضور.. وأن تعبير صورة الله معناه إن الإنسان مزود بالعقل. ومدعو لحياة الفضيلة. ولو قلنا إن الله عنده جسد.. يبقى الحيوانات برضو على صورة الله؛ لأن ليهم نفس أعضاء جسم الإنسان.
الفصل 1
الله يسكن في نور لا يُدنى منه، فكيف يمكن لأحد أن يصف هذه الألوهة.. طب ليه الكتاب بيوصف ربنا بأوصاف بشرية؟ يجيب ق كيرلس: ”لضعف عقلنا ولغتنا. لكن بدون شك فالأمور المتعلقة بالله هي أبعد من أن توصف“ (ص50). وإن إحنا اللي محتاجين أمثلة ونماذج تتناسب مع طبيعتنا البشرية.
الفصل 2
ق كيرلس بيقول: ”كل ما لم يذكره الكتاب المقدس بوضوح، ينبغي أن نمر عليه ونحن صامتون“ (52). ويتحدث عن أن نفخة الله في آدم هي نفخة الروح القدس وليس عقل آدم أو نفسه. النفخة تخص الله وهي "جزء" من جوهره. لأن لو النفخة هي نفسه أو عقله ”لظل عقله ونفسه غير قابلين للخطية“ (54)، ولو سقط الإنسان يبقى نسبنا الخطية والتغيير لله. ونفخة المسيح للرسل هي تجديد هبة الروح القدس للإنسان.
الفصل 3-5
يقول ق كيرلس إن المماثلة بالله تأتي عن طريق القداسة والفضيلة، ثم يرفض التفرقة بين تعبير بحسب الصورة وبحسب المثال، وبيعتبرهم تأكيد للمعنى. وبالسقوط ”بدأت خواص المشابهة مع الله تفقد تدريجيًا لمعانها“، وبالتجسد تم استعادة الأمر (61). وفكرة أننا في الدهر الآتي هنكون ”بحسب المثال“ هو ”قول زائد لا لزوم له“ (61).
الفصل 6- 7
بيقول الخلق على صورة الله ينطبق على الآب والابن والروح القدس، ويستشهد ق كيرلس على كده بصيغة الجمع الواردة في سفر التكوين. بيتكلم كمان على أن النفوس في الحياة الأخرى ستُحفظ في مشيئة الله، زي الملائكة القديسين، يعني مفيش سقوط ولا موت لها بعد كده.
الفصل 8
بيقول ق كيرلس لازم نفحص كيف نقل آدم "العقاب" الذي لحقه من جراء مخالفته (67)، لكنه بيقول..”لم نعاقب لأننا مذنبين مع آدم.. لكن لأننا ورثنا لعنة آدم.. صرنا فانيين من الفاني. ولدنا فاسدين لأننا أتينا من الفاسد“ (67). طب ليه مش بنورث النعمة؟ ”والد كل واحد منا.. لا يمكنه أن ينقل لنا العطية أيضًا، لأن واحدًا هو الذي يقدس ويبرر الجميع.. هو ربنا يسوع المسيح“ (69).
الفصل 9- 10
ق كيرلس بيقول عندما قاوم آدم مشيئة الله بمخالفته أشاح الله بوجهه عنه فرجعنا مرة أخرى إلى التراب حيث صرنا ملعونين. ثم يقول إنه ”الخطية محت جمال الصورة الإلهية، وسوّد الشيطان وجه البشرية المتألق. لكنه ظهر الذي يعيد التجديد، ذاك الذي أعاد مرة أخرى الطبيعة البشرية المدانة إلى جمالها الأول“ (72).
الفصل 11- 13
بيقول ق كيرلس محدش يقدر يقتلع شهوة الجسد المغروسة في الطبيعة.. ”لا يمكننا أن ننتصر على حركات الجسد الطبيعة تمامًا.. لكننا نملك القوة لنقاوم.. ونوبخ حركات الجسد“. ثم يقول إن الشهوة قوية بالنسبة للخاملين، والشهوة خاملة بالنسبة للمتقين. ثم يتحدث عن أن فعل ”الفحص“ لا يليق بالمجد الإلهي.. ”فالقول بإنه يستطيع كل شيء، لا يليق معه أن نعتبره فاعلاً أيضًا للأمور العبثية“.. ودي حاجة اسمها المنطق المستحيل impossible logic.. يعني مينفعش تقول هل يقدر يجعل ذاته ليس الله؟ هل يجعل ذاته قابلة للخطية؟ وبالتالي ليه مبيقدرش يخلى الزانية التي تزني كما لو أنها لم تزني أبدًا؟ قالك ”لأنه لا يمكن أن يجعل من الكذب حقيقة. وهذا ليس مؤشر ضعف، بل برهان على أن طبيعته لا تطيق أن تفعل شيئًا لا يليق بها“ (78).
الفصل 14- 16
بشأن عدم معرفة الابن للساعة يقول ق كيرلس ”بكونه إلهًا يعرف كل ما يعرفه الآب، أمّا بكونه إنسانًا أيضًا لم يلقِ عن كاهله الانطباع بأنه يجهل، لأن هذا الجهل يناسب الطبيعة البشرية“ (82). ثم يتكلم عن ناس استنتجت من مثل الغني ولعازر أن الدينونة بتحصل بعد الموت مباشرة لكنه بيقول إنه ”مجرد مثل مطروح بصورة أدبية جميلة“. في التفسير الحديث ده مهم، لأن المثل بيكون ليه focus معين، ومن الخطأ أننا نستخرج عقيدة من الأمثال.
الفصل 17
عن زواج الشياطين من النساء في سفر التكوين بيقول ق كيرلس أنهم نسل شيث- اللي حافظوا على حياة الفضيلة في مقابل نسل قايين- لكنه بيقول إنهم ولدوا كائنات ممسوخة دعيت عمالقة بسبب وقاحتهم المتوحشة، كعقاب من الله.. وبيستشهد ق كيرلس بمفسرين يهود (اكيلا - سيماخوس) اللي عاشوا بعد الترجمة السبعينية- أن أبناء الله دول هم أبناء السلالة الملكية ومش شياطين. وملائكة الله دي قراءة خاطئة.
الفصل 18-20
يرد على مَن يقولون إن الابن عندما ترك السماء تركها خالية من لاهوته.. وبيقول ده معناه إنك خليت الابن يُقاس بالكم.. وبيرد على فكرة الأريوسيين عن الابنين.. كأنه نفسين.. وبيقول ”دعونا نعترف بكلمة الله الواحد الذي صار إنسانًا، وإن كل شيء يخصه، الأقوال والأفعال“ (97). وأنه ”صار إنسانًا دون أن يفقد ألوهية؛ بل ظل غير متغيّر وغير متحول“ (98).
الفصل 21
بيجاوب ق كيرلس على اعتراض مهم.. البعض قال إن المسيح صعد مش بالجسد الذي اتحد بيه.. لكنه بيقول إن المسيح صعد ”ولم يكن عاريًا من جسده“. من ناحية ثانية هذا الجسد لم يختلط بالثالوث القدوس.. لأنه مينفعش الجوهر غير الموصوف يأخذ أي إضافة من طبيعة أخرى خارجية.. لأن الطبيعة الإلهية كاملة أصلاً وليست في أحتياج لأي إضافة.
الفصل 23
هل المسيح كان وارد يخطئ لأنه لبس جسدًا مشابهًا لجسد آدم؟ بيرد ق كيرلس ويقول إن المسيح قال ”رئيس هذا العالم آتي وليس له فيّ شيء“ (يو 14: 30)، وبيقول المسيح مكنش عنده الفضول الفظ اللي كان عند آدم.. وبيقول في المسيح ”وضع حاجز على اللعنة، وانسدت فوهة الخطية، وأبطلت معها قوة الموت، كما لو كان قد يبس من جذره“ (103). كان يُرى في المسيح طبيعة بشرية متوجة بمدائح البراءة.
الفصل 24-26
بيقول ليه ظهر المسيح في أواخر الأيام؟ والرد: حتى تنبت كل جذور الشر ثم يقتلعها.. فلو رد واحد وقال طب ما الشر لسه موجود- قال إن اللي حصل أن الوحش اضرب على دماغه.. والجسد لسه بيتحرك قليلاً.. كدافع للتمرن للآتين بعد ذلك. هيستمر هذا الوضع لحد ما تيجي القيامة.. الأبرار يروحوا مباشرة إلى الحياة السماوية والخطاة يُسلمون إلى نار الجحيم (108).  

الاثنين، 10 يونيو 2019

عظات على سفر أعمال الرسل



ترجمة ل 4 عظات ليوحنا ذهبي الفم
على سفر أعمال الرسل (حوالي 80 صفحة)
 ترجمة د. جورج عوض بمعرفة المركز الأرثوذكسي للدرسات الآبائية

العظة الأولى
ذهبي الفم بيوبخ الناس اللي بتيجي في مواسم معينة بس للكنيسة.. والناس اللي بتيجي الكنيسة كنوع من الغطرسة كأنه بيجبي على ربنا.. ثم يتكلم عن أن الغنى ليس شرًا في حد ذاته. وبيقول إن الأموال في اللغة اليونانية معناها ”كريماتا“ من كلمة معناها ”استخدام“، وبالتالي نحن نستخدمها ولا يجب أن تستخدمنا. وعن الاجتماعات وحضور الكنيسة يقول أنت مش بتقرض ربنا، بل ”اقرض ذاتك لكي ترحل وأنت مملوء بالبركات، لكي تذهب وأنت آمن ومطمئن، لكي تأخذ إجابة عن الأسئلة الروحية وتصير محصنًا ومنيعًا من الشيطان“ (ص21).
 ثم يدخل في سفر أعمال الرسل وبيقول أن الناس مش متعودة تسمع عن سفر أعمال الرسل وبيقول البداية الممتازة للبحث أننا نعرف الأول مين هو كاتب السفر، ثم متى كُتب، ولمن ومناسبة كتابته، ثم عنوان السفر نفسه (23). وبيحكي عن أهمية عنوان السفر وبيشبهها بالبيانات اللي على المظروف، وبولس في أثينا ”من العنوان المكتوب على المذبح..هدم المذبح“. بولس أسر الوثنيين بأسلحتهم (24). بولس ”ترك المكتوب عليه وغيّر مفهومه“. المذبح دليل تدينهم بشدة لأنهم خافوا إن كان هناك إله لا يعرفون ولا يعبدونه. ثم يستشهد ذهبي الفم بمثل آخر هو كلام قيافا عن أنه خير أن يموت واحد عن الأمه وبيقول: ”هل رأيت قوة الله، كيف يجبر لغة الأعداء لكي تتحدث بالحق“ (28).
يسمى المعمدين الجدد بالمستنيرين الجدد وبيقول نقدر نحافظ على التسمية لوقت طويل- المهم نحافظ على شبابنا الذي خرجنا به من المعمودية. وبيقول للمعمدين أنتم في حالة حرب أو منافسة رياضية. واليونانيين مكنوش بيشاركوا العبيد في المنافسات الرياضية- هكذا المعمد في منافسة لا يجب أن يكون عبدًا، ويقولهم: لو مش قادر تكرز ”علّم بأعمالك وسلوكك.. تألق بأعمالك. هل لا تستطيع أن تجلب اضطرابًا لليهود بالكرازة؟ اجعلهم يضطربون بسلوكك. اجعل الوثنين أيضًا ينزعجون بتغييرك“ (ص30).
اعمل زي المولود أعمي اللي اليهود قالوا عليه مش هو ده اللي كان يجلس ويستعطي- ده هيخليهم يصطدموا بذاواتهم.. ”ذاك طرد الشلل الجسدي، أطرد أنت الشلل النفسي. ذاك فتّح أعينه على الشمس، افتحها أنت على شمس البر“.
العظة الثانية
بيبدأ ذهبي الفم بالكلام عن الكنيسة وبيوصفها بأنها ”أم“، والمسيح حصنها مش بسواتر ترابية أو أبراج ولكن بكلامه ”أبواب الجحيم لن تقوى عليها“. ولم يقل لن يهينوها لأنهم بالتأكيد هيعملوا كده لكن لن ينتصروا عليها. ذهبي الفم بيقول إن الرسل لم يحفروا بعمق...ولم يحتاجوا للتعب ولجهد كبير لماذا؟ لأنهم وجدوا الأساس القديم والأول، أساس الأنبياء.. فلم يستغنوا عن هذا الأساس. أساس الرسل وضِع فوق أساس الأنبياء.
وبيقول السفر اتسمى أعمال الرسل وليس معجزات الرسل، وبيعلق ”العمل يبدأ من اختياري، أمّا المعجزة فتبدأ من نعمة الله. وبينما ينتج العمل عن القصد البشري، فإنه يعتمد على القوة الإلهية. العمل ينتج عن الاثنين، أي محاولتنا الخاصة، ومن النعمة الإلهية، بينما المعجزة تعبّر عن النعمة المجردة..“ (ص 37، 38).
ذهبي الفم بيفضل العمل والمحاولة عن المعجزة. ليه؟ ”إن العمل الحسن بدون آيات يُدخل إلى السماء.. بينما المعجزة بدون أسلوب الحياة المستقيمة لا تستطيع أن تقودهم إلى أعتاب السماء“ (ص38). العمل مش محتاج حاجة جمبيه.. لكن المعجزات لازم تكون مقرونة بالأعمال الصالحة... فالمعجزات لم تستطع أن تخلص يهوذا. لكن مَن يفعلون معجزات فقط يقول عنهم المسيح لا أعرفكم ”ليس عن جهل، بل نتيجة كره ونفور“ (ص39).
ثم يصل إلى أنه يجب أن تكون غيرتنا لأعمال الرسل وليس لمعجزات الرسل. ”تمثّل بحياة الرسل المستقيمة، ولن يكون لديك شيء أقل من الرسل، لأن المعجزات لم تصنع الرسل، بل الحياة الطاهرة. هذه هي الأيقونة الرسولية وهوية التلاميذ“ (ص40-41). ويؤكد هذه الفكرة ويقول مش الشلل هو اللي هيمنعنا نمد إيدينا للآخرين بل إنعدام الإنسانية (45) ولو مش هتقدر تخرج شياطين.. اطرد الخطية! ”عدم قدرتك على صنع المعجزات لن يمثل بالنسبة لك أي عائق... إذا أمكنك أن تحيا الحياة الفاضلة“.
العظة الثالثة
يتحدث ذهبي الفم عن أهمية الكتاب المقدس ويقول : ”لأنه لا مقدار المجد، ولا حجم السيادة، ولا تواجد الأصدقاء، ولا أي شيء آخر من الأمور البشرية، يمكن أن يعزي ذاك الذي يتألم، بقدر ما تعزيه قراءة الكتب المقدسة“ (52). ثم يتحدث عن موهبة التكلم بألسنة التي ينالها المعمودون بعد عمادهم كدليل حسي ليصير العنصر الروحي واضحًا (56).. ثم يتحدث عن السلطان الرسولي، والحل والربط، ويدلل على ذلك بقصة حنانيا وسفيرا. وبيقول أن بطرس كانت كلمته زي السيف لأنها كلمة الله. وكذلك إقامة طابيثا من الموت. الرسل عندهم محكمة وخدام في المحكمة وسيف ومركبة- زي الأسياد- لكن الفرق أن عندهم كل ده بمعنى روحي.
ثم يتحول إلى الحديث عن المستنيرين (المعمدين) الجدد مرة أخرى، ويربط ربط بديع جدًا بين الولادة الروحية والولادة الجسدية. وبعدين يسأل ليه الطفل بيبكي لما يتولد، ويقول: ”دموع أثناء الولادة، دموع أثناء الموت، أقمطة ولفائف في الولادة، وأقمطة ولفائف في الموت، كل ذلك يوجّه المولود إلى تلك النهاية“ (ص63). ويقول ”تعلن الطبيعة مسبقًا ألم المستقبل“. أمّا الولادة الروحية مفيههاش دموع ولا أقمطة.
العظة الرابعة
يتحدث ذهبي الفم عن أننا سنحاسب أمام الله عن أموالنا وطريقة استخدامها، وينصح بعدم الاقتراض ويقول: ”لأن المحتاج عندما يأخذ أموالاً، إنما يأخذ عزاءً مؤقتًا وضئيلاً جدًا، ولكن بعد ذلك عندما تزداد الفوائد ويصير الحمل أكبر من مقدرته، فإذا أُجبر على أن يفقد في لحظة كل ما يملكه، عندئذٍ يصير ذاك الحلو الذي حلّى حلقه، أمّر من المرارة ومسنونًا أكثر من حافة السكين“. ثم يتحدث عن فحص الأقوال وامتحان الأفكار مثل فحص الصيارفة للعملات. ثم يذكر حادثة ختان بولس لتيموثاوس بالرغم من رفض بولس للختان، ويقول أنه كان يجهز الأرض لإبطال الختان- وبولس عمل زي الصيّاد الشاطر اللي ينتظر الصنارة حتى تشبك جيدًا في السمكة.
ويقول معلومة مهمة أن سفر أعمال الرسل كان يقرأ في فترة الخماسين رغم إن خدمة الرسل بدأت بعد انتهاء فترة الخماسين. والسبب في كده ”لأن هذا السفر يؤكد قيامة الرب“. ثم يجيب على سؤال: لماذا لما يظهر المسيح مباشرة لليهود؟ لأن اليهود غضبوا لما شافوا لعازر قام.. فمكنش هيجي بفايدة. ”طالما أقام آخرًا، ولم يؤمنوا، فلو كان قد أظهر ذاته بعد قيامته، لكان قد استولى عليهم الجنون“ (76)، ومعجزات بطرس والتلاميذ كانت برهان أعظم للقيامة. ”لأن الأعظم من أن يأمر هو ذاته، أن يصنع أحد مثل هذه المعجزات مستخدمًا اسمه“ (79). ولو المسيح لم يقم..  لاستحال على الآخرين أن يقوموا بهذه المعجزات باسمه. ثم يعود ويؤكد أن التغيير الأخلاقي أعظم من المعجزات. وهو ما تحقق بكرازة الرسل.                            

الأربعاء، 5 يونيو 2019

أعمال الشهداء


بيانات الكتاب:
ده كتاب اسمه "أعمال الشهداء" (Acta martyrum)
إصدار بناريون، ويحوي وثائق محاكمات للشهداء في القرون الأولى للمسيحية.
الكتاب شيق للغاية لأنه بينقلنا للعصور الأولى للمسيحية، وهنلاقي فيه قصص لشهداء غير معتادين بالنسبة لينا.. لدى قراءتك للكتاب ده والقصص اللي فيه، هتلاقي بعض الملامح العامة في قصص وأخبار الشهداء ووثائق محاكمتهم، حاولت ألخصها في الآتي:
1-              يُذكر في بعض قصص الشهداء أنهم لم يكونوا في الجسد ساعة تعذيبهم (زي بوليكاربوس ص 34)، وكانت عيونهم مثبتة على السماء (زي يوستين صفحة 80).
2-              كان الشهداء يؤمنون بأن بإقدامهم على الاستشهاد فإنهم يقتنون السماء (بوليكاربوس ص 34).  
3-        يُظهر الشهداء شجاعة منقطعة النظير (بيونيوس: اشعلوا نارًا وسوف نصعد عليها من تلقاء ذواتنا. ص 196).
4-              أنهم بهذا الاستشهاد يتحررون من هذا العالم، وفور إصدار الحكم يشكرون الله على ذلك.
5-              محاولة ربط معاناتهم بما حدث مع آلام المسيح، فيقول بوليكاربوس كأنهم على لص خرجوا (ص 36).
6-          مورس عليهم كافة أنواع الإغراءات (راعي شيخوختك.. راعي شبابك.. راعي أولادك وزوجتك "كما في فيلياس ص 409".. الحياة حلوة.. النور حلو.. إغراء بالمال.. إغراء بآخرين استسلموا وذبحوا للأوثان) وكانت تقابل جميعها بالرفض. كذلك عدم الاستفادة من المحامين للدفاع عنهم أو الرغبة في التبخير ولو بشكل صوري للأباطرة.
7-              رأى الشهداء أن مجرد التبخير للأوثان خطية عظمى وخيانة للعهد مع المسيح، وقد يحرمون من النعيم الأبدي وقد يؤدي ذلك بهم إلى النار الأبدية.
8-         بعض الروايات تعتمد على حوار درامي مؤثر بين الحاكم والشهيد يؤكد فيه الشهيد على عقائد هامة زي الإيمان بالله الواحد خالق السماء والأرض وخلاص المسيح في تجسده.
9-              يظهر من مجادلات الشهداء أنهم اعتبروا الأمر معركة بين الحق والباطل (فيلياس ص 410).
10-      يظهر اهتمام المؤمنين بإكرام جسد الشهيد ودفنه، وهناك معونة إلهية تصاحب من يهتمون بالجسد (يوستينوس ص 85).
11-         هناك حديث في بعض الأحيان عن ظهورات للشهيد بعد استشهاده (بوتامينا ص 171).
12-         تظهر لهفة من الشهيد للموت والبعد عن أي شيء يعطله.. لكن في المقابل في اعتراف بقيمة الحياة لأنها من عمل الله.. إلا عندما يتعارض شيء مع الإيمان بالله واهب الحياة. (بيونيوس ص 184).
لكن في موضوع لازم نجيب سيرته، وهو ما يعرف بالشهداء العسكر.. اللي كانوا في الجيش ورفضوا التبخير للآلهة أثناء خدمتهم في الجيش، أو رفضوا حتى أنهم يتجندوا في الجيش.
1-              عندنا الشهيد مارينوس.. وده جندي وتولى مناصب كتيرة في الجيش، وفي ليلة ترقيته جه شخص منافس ليه وقال عليه أنه مسيحي ولا يذبح للأباطرة.. هنا بنشوف المصالح الشخصية بتتدخل في الموضوع. اعترف مارينوس بالمسيح ورفض الذبح للاباطرة وكانت النتيجة أنه أُعدم.
2-            عندنا تاني الشهيد ماكسيمليانوس اللي عنده قصة مختلفة عن مارينوس.. لأن أبوه أخده لاختبارات اللياقة أو الكشف الطبي للانضمام للجيش، لكن ماكسيمليانوس قال أنه مينفعش ينضم للجيش وقال: "لن أخدم العالم، بل سأخدم إلهي فقط"، "لن أقبل ختم هذا العالم"، وهدد بأنه يكسر ختم الجندية. الحاكم اللي بيحقق معاه قاله: "هناك جنود مسيحيون في طاقم الحراسة المقدس (للأباطرة).. هم مسيحيون ومع ذلك يخدمون". لكن ماكسيمليانوس قال: "هذا شأنهم لكن أنا مسيحي ولن أقترف هذا الخطأ". فيقوله الحاكم: "ما هو الخطأ الذي يقترفه من يتجند بالجيش؟"، فيجيبه: "ياللعجب! أنت تعلم!". ثم يحكم عليه بالخيانة للقسم العسكري ويعدم.
هنلاحظ الفرق بين القصتين اللي فاتوا.. في حالة مارينوس كان بيخدم في الجيش وضميره مستريح تمامًا.. لمن في حالة ماكسيمليانوس كان بيرفض كده وبدوافع دينية كمان. وبالتالي نقدر نقول إنه في بعض الأحوال كان الموضوع بيخضع لضمير كل شخص. نأتي لقصتين تاني في نفس الموضوع:
1-              عندنا قصة استشهاد ماركيلوس في ذكرى احتفال الأمبراطور بعيد ميلاده، وجه ماركيلوس ورمى حزام الجندية على الأرض وقال أنه من النهاردة ممتنع عن الخدمة العسكرية لأنه خادم للمسيح. وبيقول جملة خطيرة جدًا: "ليس من اللائق أن يحارب المسيحي الذي يحارب لأجل المسيح ربه، لصالح جيوش هذا العالم". طبيعي أنه يتحاكم بعد كده بحسب القوانين العسكرية ويُعدم.
2-       نأتي لقصة الجندي يوليوس اللي استدعوه بعد صدور مرسوم بالذبح للآلهة.. ورفض. وبيقول يوليوس في محاكمته أنه خدم في الجيش 27 سنة بأمانة وإخلاص وقائده لم يجد فيه خطأ- لكنه ندمان على الفترة دي وبيعتبرها حماقة.
للتعليق على القضية دي في كتاب اسمه "الآباء والخدمة العسكرية" إصدار دار الثقافة لكاتب اسمه لويس ج سويفت، اللي بيقول: "إن المشكلة لم تنبع من مصدر واحد.. الأمر الذي جعل أحوال المرء وحساسيته الخاصة تجاه وصايا الإنجيل هي من العوامل التي تقرر موقفه من الخدمة العسكرية".[1] الكاتب كمان بيقسِّم الموقف المسيحي لمرحلتين: الأولى: ما قبل قسطنطين ودي كان فيها الرأيين جنبًا إلى جنب. رأي يحرم على المسيح القتال والعنف بكافة أشكاله، وده اللي بيستخدمه دعاة السلم المطلق Pacifism. لكن الرأي الثاني موجود أيضًا أن المسيحي بيخدم دولته ويحارب من أجل سلامها وأمنها الداخلي والخارجي. وده اللي بيفسر وجود المسيحيين في الجيش حتى وقت متأخر من هذه المرحلة وحتى عصر دقلديانوس نفسه. لأننا عارفين من كتاب "موت المضطهدين" للاكتانتيوس أن دقلديانوس كان بيفحض أكباد الحيوانات للتكهن بالمستقبل فالمسيحيين الجنود رشموا الصليب وعطلوا السحر فأمر بأن يذبح الجنود المسيحيين للأوثان في كل الأمبراطورية.[2]  في هذه المرحلة بنلاقي آباء بياخدوا موقف الموافقة زي رسالة إكليمندس الأولى (فصل 37، 61)، والموقف الرافض هنلاقيه عند ترتليان وأوريجانوس ولاكتانتيوس.
لكن في المرحلة الثانية اللي هي بعد قسطنطين سنجد أن الموقف المسيح اتطور كتير وتراجعت فكرة الرفض تدريجيًا.. وأصبح الكلام أكثر عن مبررات الحرب.. وده بالمناسبة الموقف الوسطي إللي أنا بؤمن بيه.. موقف الحرب العادلة Just war theory اللي هي وسط بين السلم المطلق Pacifism اللي بيحرم لجوء المسيحي للعنف أو القتل حتى للدفاع عن نفسه، والحرب المقدسة Holy war اللي بتقدس العنف باعتباره وسيلة الله لإدارة أمور البشر.. وده محتاج وحي أو إعلان إلهي.. وهذا غير متاح الآن.
في نهاية كتاب "الآباء والخدمة العسكرية" بيقول الكاتب أنه حصل قبول لفكرة الدولة المدنية اللي مطالبة بحماية حدودها الخارجية وأمنها الداخلي.. وان الحكومات موضوعة لمحاربة الشر، ويجوز لها استخدام السيف لذلك- وده مبدأ الامتلاك الحصري للقوة للدولة- فمفيش مشكلة في كده، وهذا لا يعني تخلي المسيحيين عن أن يكونوا دعاة سلام بما يتفق مع روح العهد الجديد.. اللي بالمناسبة فيه الموقفين "رد سيفك إلى غمده"، وأدر الخد الآخر لكن في نفس الوقت "السلطات مرتبة من الله"، والملك لا يحمل السيف عبثًا.


[1] لويس ج سويفت، الآباء والخدمة العسكرية، إصدار دارالثقافة ص 54.
[2] لاكتانتيوس، موت المضطهدين 10، ص 43.

الأحد، 2 يونيو 2019

الديداخي (تعاليم الرسل الأثني عشر)



نص الديداخي هتلاقين في مجلد كتابات الآباء الرسوليين
سواء ترجمة بناريون أو ترجمة منشورات النور اللبنانية أو ترجمة دار النشر الأسقفية
أو ترجمة مع دراسة تفصيلية لأبونا أثناسيوس المقاري (الصورة المرفقة)
يعتبر الديداخي من أهم وأقدم الوثائق اللي بتوصفلنا مرحلة مبكرة جدًا من حياة الكنيسة؛ لأن بعض العلماء بيرجعوا تاريخ كتابته أو تجميعه إلى 50م أو زي كواستن ما بيقول من 100- 150م. الديداخي بيتكون من 16 فصل قصير تقدر تقراهم كلهم في نص ساعة، ويتضمن الموضوعات التالية:
1-              وصايا أخلاقية: الطريقان (الفصول من 1- 6): الديداخي بيبدأ بفكرة أنه في طريقين: طريق الحياة وطريق الموت. ”يوجد طريقان: طريق للحياة وطريق للموت. والفرق بين الطريقين كبير.“ ونفس الفكرة هتلاقيها متكررة في رسالة برنابا (18): ”هناك طريقان للتعليم والعمل، طريق النور وطريق الظلمة. الفرق كبير بين الطريقين“ وكمان المراسيم الرسولية (7): ”هناك طريقان، طريق الحياة، وطريق الموت. وليست نسبة بينهما. والفرق بينهما عظيم، أو بالأحرى منفصلان. طريق الحياة طبيعي، أمّا طريق الموت فغريب.“ وكمان الراعي هرماس الوصية 6: "”اسلك أنت الطريق المستقيم واترك الطريق المعوج. الطريق المعوج لا معابر فيه. إنه صعب السلوك كثير المزالق.. أما الذين يسلكون الطريق المستقيم السوي فإنهم يسلكون دون أن تصطدم بحجر أرجلهم.“.. الفكرة بتاعة الطريقين دي مصدرها التقليد اليهودي خاصة لأنها ظهرت في كتابات لفائف البحر الميت. وده شكل اسمه الهالاخاة، أي تفسير يقدم إرشادات سلوكية.[1]  
2-      ممارسات طقسية (7- 10): يلاحظ في المعمودية مثلا إن هناك صلوات تمهيدية، وتعميد على اسم الثالوث، بماء جار أو بالسكب إذا تعذر الأمر، وصيام المعمَّد والمعمِّد معًا قبل اتمام السر. أما عن الصوم فيوصي بصيام الأربعاء والجمعة، والصلاة الربانية. أمَّا الأفخارستيا فيلاحظ ذكر الكأس أولاً ثم الخبز، وده يتفق مع تقليد بولس ولوقا. ودعوة للاتحاد في هذا الخبز الواحد الذي جمع من الحبوب المنثورة على الجبال، وعدم مشاركة غير المعمدين في التناول. والجدير بالذكر أن التناول اعتبر فرصة لتذكر انقضاء العالم: "لتأتِ النعمة، وليمضِ هذا العالم"، و"ماران آثا"، وده يشبه ما يقوله الكاهن في القداس "فيما نحن أيضاً نصنع ذكر آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمينك أيها الآب، وظهوره الثاني الآتي من السموات المخوف المملوء مجداً".
3-        أمور تتعلق بخدمة الكنيسة (11- 15): ويتعرض لدور الأنبياء (اصحاب المواهب) في الكنيسة، ومواصفات النبي الكذاب في فصول 11، 12. والعبادة في يوم الأحد وشروط التقدم للافخارستيا (14). وفي فصل (15) يذكر الأساقفة والشمامسة، ومع غياب ذكر القسوس، وهو ما يؤكد قدمية هذا النص. من الواضح أن هناك دور بارز للأنبياء اللي بيوصفهم الديداخي بأنهم "رؤساء كهنتكم" (13: 3)، ولهم امتيازات خاصة (10: 7)، وأغلب الظن هذا السلطان مش بشكل رسمي، لكن بفضل المواهب بتاعتهم.
أود هنا أن أشير إلى أن كان في دايمًا صراع بين الكاريزماتيين اللي هما أصحاب المواهب والنظاميين أو أصحاب المناصب الكنسية. وده بيظهر في أوج صورة في انشقاق مونتانوس في كنيسة شمال أفريقيا. ادعى مونتانوس النبوة، أنه بيعيش عصر "الروح" وانشق بالكنيسة، وكان بيشكل خطر على الكنيسة حتى إن العلامة ترتليان انضم في أواخر أيامه إلى المونتانيين. وأظن هذا التوتر بيظهر من حين لآخر في الكنيسة: هل تسلم الكنيسة القيادة للممسوحين بالروح أم للأسقف حتى إذا افتقر إلى الموهبة؟ بول تيليش بيقول فيما معناه إن الممسوحين بالروح دول لما بينفصلوا عن الكنيسة بعد جيل أو اثنين بيتحولوا لعلانيين وتشريعيين وتنظيميين. في حين أصلاً النبوة ضد مبدا التنظيم! يعني منين ما يخدك الروح! وبيناقش كمان أن في صعوبة في تحديد الموهوب فعلا من المزيف. وفي المقابل لما الكنيسة انتصرت على المونتانية خسرت ابعاد جديدة من تجليات الوحي في مقابل الحفاظ على التنظيم.. وبيقول "تم التأكيد على طبقة الكهنوت التقليدية ضد الروح النبوية". في كل الأحوال المونتانيين بعد شوية بقوا تنظيميين واختفى العنصر المواهبي وتحولوا إلى كنيسة نظامية. يؤكد بول تيليش إن مخاوف الكنيسة من هؤلاء "الممسوحين بالروح" كانت في محلها لأن "سائر أنواع الخراب دخلت الكنيسة باسم الروح".[2]  
4-            الاستعداد للمجيء الثاني: بيوصى الديداخي بضرورة الاستعداد وتعاليم متفقة كلها مع ما ورد في مت 24 عن علامات المجيء الثاني.
أسئلة للنقاش: اقرأ نص الديداخي وحاول الإجابة على الأسئلة التالية:
1-      إلى أي مدى تتشابه الكنيسة الحالية مع الكنيسة التي يصفها نص الديداخي؟ بما في ذلك المعمودية والافخارستيا والاعتراف والصوم؟ اشرح إجابتك.
2-              هل كان هناك تشدد بشأن نوعية الماء المستخدم في المعمودية وطريقة استخدامه؟
3-              لكيف كانت الكنيسة تسعى لتمييز نفسها عن الأمة اليهودية؟
4-          لماذا انحصر دور الأنبياء (اصحاب المواهب) مع تطور الكنيسة لاحقًا؟ هل يوجد صراع في كنيستك بين الكاريزماتيين والوظيفين؟ كيف تستطيع الكنيسة الاستفادة من الطرفين؟
5-              هل يوجد في الديداخي رأي بشأن قضايا مثل الإجهاض؟    


[1] راجع التفسير عند الآباء الرسوليين والمدافعين، ترجمة عادل زكري، إصدار سلام صفحة 21.
[2] راجع بول تيليش، تاريخ الفكر المسيح، ج1، إصدارمشروع جامعة القاهرة للترجمة، صفحة 90- 91.