الخميس، 20 يوليو 2017

المغالطات المنطقية-1


هل يتفق حديثك مع المنطق السليم؟[1]
عندما نتحدث فنحن نحاول إثبات وجهات نظرنا بأدلة وحُجج نقدمها لندعم صحة ما نقول. ولكن الحديث يجب أن يكون له منطق. والمنطق له قوانينه وقواعده. لذا نحتاج أن نتعلّم هذه القوانين حتى يمكننا تحليل خطاب مَنْ يتكلم، وحتى لا نقع نحن في أي من هذه المغالطات.
في البداية.. ما هي الحُّجة (argument)؟ الحُّجة باختصار تتكون من مقدمة أو مقدمتين (premise) ونتيجة (أو استنتاج) (conclusion). المقدمة هي عبارة/ أو تصريح –سواء صحيحة أو خطأ- تَدعم ادعاءً معينًا.. الذي هو النتيجة. والنتيجة أيضًا قد تكون صحيحة أو خاطئة. هناك نوعان من الحجج: استدلالية (deductive)، واستقرائية (inductive).
الحجة الاستدلالية تتكون عندما تُسلّم المقدمات بصحة النتيجة بشكل كامل. أمّا الحجة الاستقرائية تتكون عندما تسلّم المقدمات بقدر معين بصحة النتيجة (ليس بشكل كامل).
في الحجج الاستدلالية، عندما تكون المقدمات صحيحة تمامًا تكون النتيجة صحيحة بالتبعية، وفي هذه الحالة تكون الحجة سليمة (valid argument)، ولكن حينما تكون المقدمة أو بعض المقدمات غير صحيحة، فإن الحجة تكون غير سليمة بالتبعية (unsound argument).
مثال لحُّجة استدلالية:
-         مقدمة 1: كل ثمار التفاح في هذا الصندوق ناضجة.
-         مقدمة 2: كل ثمار التفاح هذه من هذا الصندوق.
-         النتيجة، إذن، كل ثمار التفاح هذه ناضجة.
مثال لحجة استقرائية:
-         مقدمة: كل البنات في هذا الفصل شقروات.
-         نتيجة: إذن، كل البنات في هذه المنطقة شقروات.
لاحظ أن النتيجة لا تتبع المقدمة بشكل كامل.
المغالطات المنطقية
بشكل عام المغالطة المنطقية هي خطأ في التفكير. وهذا يختلف عن الخطأ في الحقائق (Factual error)، الذي يمثل ببساطة زعمًا بحقيقة هي في الأصل خاطئة. بشكل أكثر تحديدًا المغالطة المنطقية هي حُجة لا توفر مقدماتها القدر الكافي من الدليل على صحة النتيجة. وبالتالي المغالطة الاستدلالية هي حُجة استدلالية قد تكون كل مقدماتها صحيحة ولكن لا تزال النتيجة خطأ. والمغالطة الاستقرائية هي حجة استقرائية قد تكون كل مقدماتها صحيحة، ولكن لا يزال من المرجح جدًا أن تكون النتيجة خاطئة.
مثال لخطأ في الحقائق:
-         كولومبس هي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية
-         (الحقيقة أن كولومبس هي عاصمة ولاية أوهايو أحد الولايات في أمريكا)
مثال لمغالطة استدلالية:
-         مقدمة 1: إذا كانت الجيزة عاصمة مصر، فلابد أن الجيزة تقع في مصر.
-         مقدمة 2: الجيزة في مصر.
-         النتيجة: إذن الجيزة هي عاصمة مصر.
(الجيزة تقع بالفعل في مصر، لكن القاهرة هي عاصمة مصر). المقدمة الأولى صحيحة في حد ذاتها، والثانية أيضًا، لكن لا تزال النتيجية خاطئة؛ لأن المقدمات لا تقدم القدر الكافي من الدليل.
مثال لمغالطة استقرائية:
-         مقدمة: بمجرد وصولي إلى الأسكندرية، رأيت قاربًا أبيض.
-         النتيجة: كل القوارب في الأسكندرية بيضاء.
(حتى لو كانت هناك قوارب بيضاء كثيرة في الأسكندرية، لكن قد تكون هناك قوارب بألوان أخرى أكثر من البيضاء).
المغالطات المنطقية وأنواعها
مغالطات الغموض (Fallacies of Ambiguity) ومنها:
1- مغالطة الالتباس (الاشتراك المعجمي) (Equivocation)
تعتمد المغالطة على المراوغة في استخدام كلمات محورية بمعانٍ مختلفة. مثال (1): نظرية التطور لابد أن تكون  صحيحة؛ لأننا نرى التطور في جميع جوانب حياتنا.
نلاحظ هنا أن “التطور” حسب نظرية دارون يعني أشياء كثيرة منها تحول أنواع معينة من الكائنات الحية إلى أنواع أخرى، لكن كلمة التطور الثانية قد تعني “تقدم” في المجتمع، أو مجرد تغيير.. إلخ.
2- مغالطة التلبيس (اشتراك التركيب) Amphiboly
هنا يحدث اختلاف في تركيب الجملة فتقول إنها “حمّالة أوجه” أي تُفهم على أكثر من معنى.
-         مثال (1): هناك عبارة شهيرة تكتب على الصيدليات في الغرب تقول: (We dispense with accuracy) والمشكلة تكمن في كلمة dispense فهي هنا قد تعني نحن “نصرف” بدقة أي الدواء. لكن تعبير “dispense with” يعني أيضًا يستغنى عن الشيء.. لذا فقد تعني الجملة أيضًا “نحن نستغني عن الدقة”. ولتلافي هذا الشيء كان لابد أن تضاف كلمة drugs أي أدوية في العبارة حتى لا يحدث التباس أو تلبيس في المعنى.
-         مثال (2): “لا تقتل نفسك هكذا يا رجل.. دعنا نساعدك”. نساعدك على ماذا؟ ربما يُفهم من الكلام أننا نريده أن نساعده ليموت بطريقة أفضل.
-         مثال (3): يقول أحدهم في بلاد النم نم آكلة لحوم البشر لزميله: الزعيم يريدك للغداء.. أو يقول الزعيم يريد أن يريحك.
هذه الجملة “حمّالة أوجه”، ومن هنا تنشأ المغالطة.


[1]  هذه السلسلة من التدوينات هي بمثابة تلخيص لكتاب هام ورائع للأستاذ عادل مصطفى، بعنوان "المغالطات المنطقية"، إصدار المجلي الأعلى للثقافة، عام 2007. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق