الاثنين، 28 أكتوبر 2019

الجاميتريا- تفسير الأعداد

في سفر الرؤيا نجد توظيفًا لبعض الأعداد، مثل رقم 7، وهو رقم يرمز إلى الكمال، فإذا وجدت 7 دينونات فهذا يشير إلى كمال الدينونة الإلهية، وإذا وجد 7 ملوك (رؤ 17) فربما يشير هذا إلى تتابع الحكام والأباطرة بشكل كامل، وليس بالتحديد 7 ملوك. في العبري واليوناني واللاتيني تُستخدم الحروف الأبجدية كأرقام، وهذا يعني أن لكل كلمة، عند جمع أحرفها، قيمة عددية. تُسمى عملية حساب هذه القيمة العددية للكلمة ب ”الجاميترياGematria بالعبري، وتُسمى isopsophesim  في اليوناني. فيما يلي بعض الأمثلة التي وردت في الكثير من المراجع:[1]
- في مدينة بومبي وجد نقش يقول: ”أحبها هي التي رقمها 545“.
- المؤرخ الروماني سيوتونيوس يقول في قول شهير له: ”احسب القيمة العددية لكلمة نيرون، ولعبارة: قتل أمه، ستحصل على نفس المجموع“. وهذا للدلالة على أن نيرون قتل أمه بالفعل. لأن حاصل جمع أحرف كلمة نيرون= 1005 وهو نفس حاصل جمع أحرف عبارة ”قتل أمه“ في اللغة اليونانية.
- نلاحظ أن كلمة نيرون إذا كتبت بحروف يونانية كانت قيمتها العددية= 1005، لكنها إذا كتبت بحروف عبرية كانت قيمتها= 666 وهي التفسير الشهير لرقم الوحش في سفر الرؤيا 13: 18.
- هذه الطريقة كانت معروفة للرابيين اليهود. فبعضهم قال إن المسيا يمكن أن يُدعى مناحيم أو المعزي، لأن مناحيم لها نفس القيمة العددية لكلمة غصن، والغصن هو لقب مسياني كما يرد في زك 3: 8، 6: 12.[2]
- الرابيين أيضًا ذكروا أن كلمة إليعازر، خادم إبراهيم في تك 15: 2، لها قيمة عددية= 318، وهو عدد الغلمان المحاربين معه، واستدلوا من هذا بأن أليعازر كان معادلاً لبقية الغلمان مجتمعين.
- في عمل رؤيوي يسمى ”الأقوال السيبيلية“ فيه تنبؤ عن أن المسيا سيكون القيمة العددية لاسمه 888. وكلمة يسوع بالفعل في اليوناني لها نفس القيمة، ورقم 8 يرتبط بالمسيا وبالدهر الآتي. لأن 8 هو رقم يعبر عن الفائق الكمال، بعد رقم 7 اللي بيعبر عن الكمال، كمال خليقة الله، وبالتلي 7 يرمز إلى الخليقة الجديدة التي ستبدأ بعد 7 أيام الخليقة.
- كلمة ملاك حين تكتب بأحرف عبرية يكون قيمتها العددية 144. والملاك في سفر الرؤيا يقيس أورشليم السمائية في رؤ 21: 15 ويجد أن سورها 144 ذراع، ذراع إنسان أي الملاك.
- سنجد في متى أيضًا، وفي سلاسل الأنساب الواردة في مت 1، أن كلمة داود بالعبري لها قيمة عددية= 14، وبالتالي له دلالة مسيانية، لذلك قسم متى سلسلة الأنساب إلى 3 أقسام، كل قسم مكون من 14 جيل.
نجد هذا النوع من التفسير لدى الآباء، على سبيل المثال في رسالة برنابا نقرأ ما يلي: ”أية معرفة سرية قد بلغ؟ لاحظ أن العدد 18 ذُكر أولاً ثم ذكرت الثلاثمائة. العدد 10 يكتب بحرف يوتا (I). وحرف إيتا (H) يعني ثمانية. إن هذين العددين IH يعنيان يسوع المسيح. وكما أن حرف T هو شكل صليب ويعني النعمة، فالثلاثمائة التي يعبر عنها حرف T مضافة إلى الحرفين الأولين IHT تدل على المسيح مع الصليب“. (رسالة برنابا- فصل 9).
كذلك نجد معاني مستترة في الأرقام عند ق إكليمندس السكندري، إذ يقول: الآن هناك البعض يقولون أن 300 ذراع هي رموز لعلامة الرب، و 50، رمز للرجاء والغفران المعطى في يوم الخمسين، و 30، أو كما في بعض المخطوطات 12، يقولون إنها تشير إلى كرازة الإنجيل، لأن الرب كرز في عُمر الثلاثين، والرسل كانوا اثني عشر". ( المتفرقات، الكتاب 6: فقرة 11). 
وأيضًا ق أغسطينوس عن معجزة السمك الواردة في يو21: في شرحة لعدد السمك 153 في يوحنا 21. بيقول الوصايا 10، وقوة الروح القدس اللي تعيننا على تنفيذ الوصايا هي 7. لان الآية بتقول: روح الحكمة، والفهم، روح المشورة، والقوة، روح المعرفة، والصلاح، وروح مخافة الله" (إش 11: 2 س). يبقى 7+ 10= 17. وإذا جمعت الأرقام م 1- 17 : 1+ 2+3+4.. لحد 17. هيديك 153. ده رقم مقدس إشارة لمن سيكونون مع الرب في الملكوت.[3]


[1] See Marshall, I. Howard_ Paul, Ian_ Travis, Stephen-Exploring the New Testament. Volume two, A guide to the Letters & Revelation-IVP Academic (2011), pp. 339-340. And also, Mark Allan Powell-Introducing the New Testament_ A Historical, Literary, and Theological Survey-Baker Academic (2009), pp. 528- 529.
[2] Richard Bauckham, Climax to Prophecy: Studies on the book of Revelation, pp. 386- 387.
[3] Fathers of the Church Series, Liturgical Sermons, Sermon number 248, Saint Augustine, Catholic University of America

السبت، 19 أكتوبر 2019

التوبة- العلامة ترتليان



في فصل (2) بيقول ترتليان إن الله ”دشن التوبة بنفسه منذ ذلك الحين بإبطال حكم غضبه الأول“- ويقصد بعد طرد آدم من الجنة. وربنا لما وجدنا جاحدين في معظم الأوقات أرسل لينا الأنبياء. ”أية نجاسة مستعصية، وأي دنس.. تكنسه التوبة وتمسحه وتطرحه خارجًا، مما يجعل القلب بيتًا نظيفًا معدًا لحضور الروح القدس“. ثم يؤكد ترتليان على عدل الله ودينونته ويقول ”بما أن الله هو القاضي الذي يشرف على تحقيق العدل والحفاظ عليه“، وبيوصف العدل على انه ”أغلى شيء“ عند ربنا، فبالتالي ”لا يوجد هناك شك في أن الله يحكم بالعدل“. 
في (فصل 3) بيحاول ترتليان يقدم تعريف للخطية ويقول ”الخطية هي أي شيء يأمرنا به الرب أن نمتنع عنه“. ثم يتحدث عن أنه برغم أن في خطايا بالجسد وخطايا بالروح لكنهما يذنبان معًا، و”جريمتهما واحدة“. لأنه بيشرح بعد كده إن ”الخطايا مرتبطة بالإرادة“، والإرادة هي أصل الفعل.. حتى أن ربنا قال إن مَن يشتهي في قلبه كأنه زنى.
فصل (4).. بيقول هستحبك ”عندما تغرق في أمواج الخطايا“، وستحملك في اتجاه ”ميناء الرحمة الإلهية“ ويقول دافعنا في التوبة مش لأنها شيء جيد وإنما لأن الله أمر بها! في فصل (5) بيقول ”كلما عرفت أكثر، كلما لصقت بك خطية العصيان أكثر“. الخطية في معناها رفض العاطي.. جحود للمحسن.. فبالتالي الخاطئ مش متمرد بقدر ما هو جاحد على الله. الخطية معناها إنك تقيم الشيطان مرة أخرى بعدما جحدته في المعمودية.. وكأنك بتفضل الشيطان على ربنا.
في (فصل 6) بيوبخ المقبلين على المعمودية لأنهم عندهم يقين بمغفرة الخطايا في المعمودية.. وبالتالي مش بيتمموا التوبة قبلها.. وبيشبه ده زي اللي بياخد سلعة ومش بيدفع تمنها! التوبة هي الثمن الذي حدده الرب لنوال المغفرة.. لازم يظهر علينا التغيير أولاً قبل المعمودية. وده مش تقليل من المعمودية لكن لازم نتعب علشان نحصل على البركة. لأن ”البعض يعتقدون أن الله مضطر لأن يغدق على غير المستحق.. فيحولون كرمه إلى ما يشبه الاستعباد!“.
في (فصل 7) بيتمنى تكون التوبة اللي قبل المعمودية هي الأخيرة.. ولا نتعلل بتوبة أخرى فنوجد مجالاً للخطأ. وبيقول ده اللي ربنا بينجيه من البحر مرة مش بيركب السفينة تاني، وبيقول أنا أمتدح خوفهم ده- مش عايزين يتقلوا على الرحمة الإلهية! وخايفين يدوسوا على النعمة اللي حصلوا عليها. لكن لأن الشيطان مش هيسكت، ”فالبرغم أن باب الغفران قد أغلق وأوصد بقضيب المعمودية، إلا أنه مازال يسمح ببقائه مفتوحًا بشكل ما، فلقد أقام التوبة الثانية في الدهليز لكي تسمح بفتح الباب لمن يطرقه في المرة الثانية“. التوبة في المرة الثانية أصعب لكن ”لا تدعوا أحدًا يخجل، لأن المرض المتكرر يحتاج لتكرار الدواء“.
في (فصل 8) بيذكر أمثلة للتوبة، زي ملايكة الكنائس في سفر الرؤيا، الخروف الضال، الابن الضال. وبيقول مَن هو الأب في المثل؟ ”إنه الرب.. ليس هناك أب حقيقي أكثر منه، وليس هناك مَن هو أغنى منه في الحب الأبوي“. وفي (فصل 9) يتحدث عن مظاهر نسكية شديدة في التوبة، والاعتراف العلني، ثم يقول ”صدقني، كلما قلت شفقتك على نفسك، كلما أشفق الله عليك“.
في (فصل 10) يحث على عدم التعطل بالخجل.. وعدم الاستهزاء بالتائبين.. وبيشجع التائب على الاعتراف في الكنيسة لأن الكنيسة هي المسيح ”وحينما تطرح نفسك عند ركب الإخوة، فإنك تتعامل مع المسيح، وتترجاه هو“. في (فصل 12) بيقول ”إن كنت تهرب من الاعتراف، فاجعل قلبك يتأمل في جهنم، وكيف أن الاعتراف سيطفئها لك“. ثم يذكر مثل ملك بابل في توبته وفرعون مصر في قساواته.

الجمعة، 4 أكتوبر 2019

الدينونة العتيدة- ق يوحنا ذهبي الفم


عظة للقديس يوحنا ذهبي الفم، ترجمة د جورج عوض، بمعرفة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية (40 صفحة).
ذهبي الفم بيرد في العظة دي على ناس بتنكر الدينونة بحجة "أن الله محب البشر.. قائلين إنه لا يوجد جحيم ولا عقاب" (9). وبيقولهم "الله هو محب البشر، هذا أمر حقيقي، لكنه أيضًا يجب أن يكون عادلاً أيضًا" (9). وبيضرب مثل إو واحد عمّال يشتم واحد تاني عمره ما ظلمه في شيء. "فكيف تتجرأ بقولك إن الله محب البشر ولا يعاقب؟" مش ربنا حذرك، وقدم كل مساعدة ليك، وعمل كل شيء لأجل خلاصك.. لو مفيش عقاب للخطاة، ده ممكن يخلينا نقول مفيش مكافأة للأبرار.. ثم يقول "أيها الناس لا تنخدعوا بطاعتكم للشيطان، لأن هذه هي أفكاره" (10).
ثم يقول إن القضاة بيكافئوا الناس الصالحين وبيعاقبوا الأشرار "فوفق أي منطق سيحدث العكس مع الله، هل سينال الصالحين والأشرار نفس التقدير معًا؟" (10). ولو حصل كده "متى سيتخلص الأشرار من شرهم؟ سوف لا يخافون، معتقدين إن الجحيم لا ينتظرهم، بل سيكسبون ملكوت السموات. إذن متى سيكفون عن فعل الشر؟!"  
وبيقول سمعت من بعض الخطاة إن الله بيهدد بس، علشان يخوف الناس، بس مش هيحصل حاجة؛ لأن الله رحوم ولا يمكن أن يُعاقب. ثم يقول "اقنعني أنت عندئذٍ، من أين تدعون أن الله كاذب؟!" (11). يعني بيعتبر الكلام ده اتهام لله بالكذب. ثم يعدد عقوبات الله في العهد القديم: الطوفان، سدوم، غرق المصريين، فناء 600 ألف من بني إسرائيل في البرية، ابيرام، قورح وداثان. وهذا رده على مَن يقولون إن الجحيم أسطورة!
 ثم يقول إن الفلاسفة أيضًا نادوا بالدينونة والنار والجحيم، يوستين الشهيد استند لهذا أيضًا، حتى لو كان كلام الفلاسفة مش دقيق قوي، لكنهم "التقطوا صورة عن الحقيقة". ثم يقول ذهبي الفم "دعونا ألا نترك أنفسنا للاعتقاد بعدم وجود جهنم حتى لا ينتهي مصيرنا إليها" (13). مش بس كده ده إحنا لازم نتكلم عنها باستمرار علشان نبعد عن والخطايا.. الكلام عن جهنم زي الدواء المر.. الكلام عن جهنم يطفئ الشهوة.
ثم يقول إن نار جهنم مظلمة.. ومش معنى إن جهنم تدعى نارًا يعني أنها تشبه النار اللي إحنا نعرفها. النار هتخليهم غير فاسدين، بمعنى خالدين، مش إكرامًا ليهم ولكن علشان تعذبهم عذابًا أبديًا. وبيقول في حاجات تاني.. لكن الحرمان من الخيرات الأبدية هو لوحده أسوأ من كل عذابات الجحيم (16). بيقول إن فرح الأبرار كامل ولن يكون لديهم انزعاج بسبب عطف على ذويهم لو كان مصيرهم الجحيم.. حياتنا على الأرض زي الشخص اللي واخد قرض، ولو لم نستثمر فيه سنعاقب.
بيقول بالرغم من وجود جهنم في شر كتير في العالم.. فماذا لو لم توجد جهنم "أي خطية لن نفعلها" (19). وبالتالي حتى التهديد بالجحيم ليس قسوة من الله بل رحمة ومحبة منه. ثم يقدم مبرر آخر لوجود جهنم: "إن كان الله لا يبالي بأن نحيا في الفضيلة أو الخطية، سيكون لدينا عذر في أن نقول لا يوجد جهنم" (20). العقاب مش بس للي لم يرتكب الشر، بل لمن لم يفعل الفضيلة أيضًا.. وبيثبت ده بآية "لأني جعت فلم تطعموني".
طب ليه ربنا بيعاقب البعض هنا على الأرض والبعض الآخر لا؟ يرد ذهبي الفم على الاعتراض ده بأن عقابه للبعض هنا دليل على أنه بيمارس عنايته في العالم.. وعدم عقابه للبعض يخلينا دايًما نترجى الدينونة العتيدة ويبقى فرصة لينا للتوبة. ثم يقول ذهبي الفم أنه عن نفسه لا يتمنى وجود جهنم.. وأكثر من كده كمان لأنه مؤتمن على رعيته.. لكن يرجع ويقول: "صالحة هي وعودك.. حسنة هي جهنم التي تهددنا بها" (29). ده بيفكرني بذهب يالفم في تفسيره لرسالة كولوسي كان بيقول إن في شخص قديس كان يعرفه كان اعتاد أن يصلي "نشكرك على كل نعمك.. من أول يوم في حياتنا حتى الآن، ولاجل اللي نعرفه واللي منعرفوش، من أجل التجارب والتعزيات"، ومن أجل.... إيه؟ "من أجل الجحيم والعقوبة وملكوت السموات".[1]   
بعد كده يشرح ذهبي الفم أن ملكوت الله يحثنا على عمل الخير، والجحيم يخلينا نخاف ونبعد عنه.. "الكلام لا يستطيع أن يحقق نتائج عظيمة، بقدر ما يحققه الخوف"، اي الخوف من الجحيم. ثم بعد كده يؤكد أن "السقوط من مجد السماوات هي أشد عقوبة" (30)، "لكن إن أضفت آلاف الجحيمات لن تستطيع أن تعبر عن كم هو مرعب أن يفقد الإنسان مجد المسيح" (31). وبناءً على كده.. حتى لو ذقنا الجحيم هنا.. يكفينا أننا سنرى المسيح في مجده.. "أسوأ جحيم من جهنم النار هو ألا يأخذ الإنسان مكانًا في مجد المسيح". ثم يختم بأن البعض بيقول "الله محب البشر، ولا شيء من كل هذا سوف يحدث، إذن فهل عبثًا كل ما ذكره الكتاب؟ لا". كمان الناس دول بيقولوا أن الله هيكافئ بس مش هيعاقب، وإن الغرض هو التخويف فقط.. لكن ذهبي الفمر يجيب متعجبًا: ما كل هذا؟ أسمعت عن الطوفان؟ يعني هما اللي بيقولوا كده مسمعوش عن الطوفان.. كمان سنجد في رسالة يهوذا في العهد الجديد كلام عن أن الطوفان هو بروفة مصغرة للدينونة الأخيرة.

[1] راجع تفسير كولوسي، ذهبي الفم، بمعرفة نشأت مرجان، مكتبة المحبة، ص 176.

الخميس، 3 أكتوبر 2019

الإنسان لا يختار طريقه- يوحنا ذهبي الفم



مقالة للقديس يوحنا ذهبي الفم ترجمة د سعيد حكيم، بمعرفة المركز الأرثوذكسي، 57 صفحة.
دي عظة عن حرية الإرادة كان بيشرح فيها ذهبي الفم آية إرميا ”عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ“ (إر 10: 23). وفي البداية ذهبي الفم يفرق بين النصوص السهلة والنصوص الصعبة في الكتاب المقدس، اللي بتحتاج يقظة وجهد هيثمر بفرح فيما بعد لما نعرف معانيها. وبيقارن صعوبة الآية دي بالمشادة اللي حصلت بين بطرس وبولس من حيث صعوبة تفسيرها.
اللافت أن ذهبي الفم بيقول إن الآية دي أصبحت منتشرة في كل مكان، وكل ما تروح في حته تسمع واحد بيقول ”الإنسان لا يختار طريقه“، ومعاها آيات تانية زي ”ليس من يشاء ولا لمن يسعى“، أو ”إن لم يبن الرب البيت“.
وبيخدوا الآيات دي حجة للتراخي كما لو كان الأمر مش بإيدينا. لكن ذهبي الفم بيقول: ”إن كان ما يجب أن نفعله، لا يعتمد علينا نحن، فكل من يصنع حسنًا لا يستحق المديح.. وكل من يرتكب خطية لا يستحق جزاء وعقوبة“. ثم يقول ”بالحقيقة لم يُظهر الشيطان رغبة قوية في شيء، بقدر (رغبته في أن) يبين للنفس الإنسانية بأنه غير محكوم عليها بالعقوبة بسبب خطاياها“ (33). لأن هدف الشيطان أنه يقيد أيادي من يمارسون الفضيلة ويقوي فيهم الشعور باللامبالاة.  
ثم يحذر من الاقتطاع من الكتاب المقدس.. وتحذر من تقسيم وحدة الكتاب المقدس وعدم مراعاة المناسبة والسياق. ويقول: ”لا يكفي أن تقول، مكتوب في الكتاب المقدس، بل ينبغي أن تقرأ النص كله؛ بمعنى أنه لو كنا ننوي أن نقطع المعنى المتصل والمترابط للنصوص، عندئذٍ سينتج عن ذلك الكثير من العقائد المنحرفة“ (35).
ويقدم أمثلة على كده.. زي آية ”الزواج أفضل من التحرق“ اللي خدها البعض للتحلل من نذر البتولية. ذهبي الفم بيقول إن الآية دي مش مقصود بيها الرهبان.. بل من لم يأخذوا القرار بالبتولية بعد، بدليل آيو 1تي5: 11- 12 اللي بولس بيوبخ فيها العذارى اللي كسروا نذرهن. ويقول إن ”تمزيق النصوص يدمر العقائد“. ثم يؤكد أيضًا ”لا ينبغي أن نتناول مقاطع من الكتاب المقدس بعيدًا عن هدفها. ولا نقتطعها من سياقها المتصل، ولا نفصلها عن تتابعها الزمني المنطقي، ولا نأخذ الكلمات معزولة عن معنى الكلمات اللاحقة والسابقة عليها، وهكذا ننقاد إلى فساد في المعنى“ (42).[1] ذهبي الفم عايززنا نقرأ النصوص الكتابية زي ما بنقرأ التشريعات الملكية.
بعد كده يستعرض أحد التفسيرات اللي بتقول إن كلام إرميا مقصود بيه نبوخذ نصر الملك! ثم ينظر إلى السياق اللي اتقالت فيه الآية.. ثم يصل إلى أن تفسير الآية دي هنلاقيه في الكلام اللي بعديها ”لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ“. وبيقول إنه في أمور بتعتمد علينا، وأمور بتعتمد على ربنا. الفضيلة تعتمد على إرادتنا في الاختيار.. لكن ”أن نكمل كل ذلك ولا نسمح لأنفسنا أن تبقى في المنتصف، حتى نصل إلى نهاية جهادنا، فهذا يعتمد على النعمة الإلهية“ (48).
مش كل شيء بيعتمد علينا، لئلا نفتخر بأنفسنا! ولا كل شيء بيعتمد على الله لئلا تسقط نفوسنا في اللامبالاة! ”ترك الله القليل فقط يعتمد على جهادنا، بينما الجزء الأعظم يتممه ويكمله هو“ وبيطبق نفس الشيء على مثل الفعلة وقال أكيد أصحاب الحادية عشر انجزوا جزء ضئيل جدًا ومع ذلك كان كافي لدى الله ليعطيهم المكافأة.
ولو إرميا يقصد إلغاء الإرادة مكنش قال بعد كده ” أَدِّبْنِي يَا رَبُّ وَلكِنْ بِالْحَقِّ“ (إر 10: 24). لأنه هيكون من الظلم أن يدان شخص هو معندوش سلطان على اتخاذ القرار. ويقول أيضًا ”فإن الخطية تكون فقط، عندما يكون لدينا إمكانية ألا نعصي أو نخالف الحق، ومع ذلك نخطئ ونعصي“ (51). ثم يجاوب على سؤال افتراضي: طب لو اخترت الصح ولكن لم ينجز أو يتمم، هل أعاقب؟ ذهبي الفم بيقول إن ربنا استحالة هيسيب إنسان كان عندة إرادة حقيقية وبيقول ”الرجاء لا يخزى“، خلي عندنا رجاء إن الله لن يتخلى عنا أبدًا. 


[1] بالمناسبة هذا ما كان يدعو إليه الراحل البابا شنودة الثالث عن خطورة الآية الواحد. حتى الكتاب الأجانب بيقولوا مثلاُ: never ever quote a bible verse بمعنى لا تقتبس أبدًا آية كتابية. لكن quote a bible passage أي اقتبس فقرة كتابية. بينما يقول آخر: a text without a context is a pretext أي نص بلا سياق (أو قرينة) يمثل ذريعة (لتعليم شيء مخالف عما يقصده النص).

عن الصبر- ق كبريانوس


المقال دي من ترجمة د نصحي عبد الشهيد، من صفحة 122- 136.

يبدأ كبريانوس بأن التعلُّم يحتاج إلى صبر.. وأن الصب هو أكثر الأشياء نفعًا في مسيرتنا الإيمانية (فقرة 1). ويؤكد مثل ترتليان على اهتمام الفلاسفة بالصبر. لكنه بيقول إن الصبر بتاعهم غير حقيقي.. لأنه مش شايف فيلسوف عنده تواضع ووداعة. لكن بالنسبة للمسيحيين ”لا نتكلم عن أمور عظيمة بل نعيشها“ (3).
زي ترتليان بيقول لازم نتمثل بصبر ربنا.. زي الأولاد الأوفياء لوالديهم. وأن الله هو مثال الصبر- صابر على الأوثان.. يشرق شمسه على الأبرار والأشرار- كله عايش في خيره- وبرغم أن ليه سلطان ينتقم لكنه يؤجل عسى أن يرجع الخاطئ (4). دينونة الله عادلة لأنها مؤجلة.. حتى يستفيد الإنسان منها، لكن العقاب في الآخر سيُنفذ ”حين لا يكون بعد فائدة للتوبة“.
ثم يتطرق إلى صبر المسيح (6) في تجسده، واحتماله كل أحداث التجسد، وصبره على يهوذا وعلى اليهود، وصبره على آلام الصليب فهو ”كلل بالشوك وهو الذي يكلل الشهداء بالزهور الأبدية. لُطم على وجهه بالأيدي.. سُلب منه ثوبه.. وهو الذي يكسو الآخرين بثوب عدم الموت.. والذي بلا خطية حُسب من المتعدين“ (7). وهو رؤوف ”لا يغلق كنيسته أمام أي أحد“ (8).
ثم يأتي بأمثلة عن الصبر زي هابيل وابراهيم واسحق ويوسف ويعقوب وموسى، وصبر داود على شاول. ثم يقول إن أبينا آدم بيدينا درس في الصبر في الحياة. ثم يتحدث عن الحكم الذي صار عليه، وبيقول: ”كل واحد منّا حين يولد، ويُقبل في فندق هذا العالم، يأخذ بدايته من الدموع، ورغم أنه لا يزال غير واعٍ ولا مدرك لشيء، فإنه لا يعرف شيئًا آخر سوى أن يبكي“ (12)، والتعليم المفيد للمخلص ”من يصبر إلى المنتهي” فهذا يخلص (13).
ثم يتحدث عن ضرورة الصبر ضد أعمال الجسد، وأهمية الصبر للمحبة (15). وبيقول ”انزع (المحبة) منها الصبر.. فإنها لا تبقى. خذ منها جوهر الاحتمال والبقاء، فهي تستمر بدون جذور ولا قوة“. ثم يتحدث عن ضرورة الصبر في المحن، ومثاله عند أيوب وطوبيا (زي ترتليان)، وبيقول إن اللي بيسكن فيه المسيح بيكون صابر، أما اللي بيستولي عليه إبليس بيكون غير صابر (19). ومن أمثلة عدم الصبر، قايين وعيسو، وشعب بين إسرائيل، ثم يقول: ”ما يبنيه الصبر بأعمال المجد، يطرحه عدم الصبر أرضًا للخراب“ (19). ثم يتحدث عن أن الصبر هو بسبب إيماننا بأن الله هو الديان الذي ينتقم.. وبيقول إن المسيح اللي ”ظل صامتًا بصبر كثير... لن يكون صامتًا في انتقامه“ (23)، هو ”دياننا والمنتقم لنا“ (24). بشكل عام هي إعادة صياغة أفكار سابقه ترتليان.     

عن الصبر- العلامة ترتليان


فصل (1): ترتليان بيعتبر أنه من التهور والوقاحة أنه يتكلم عن فضيلة الصبر؛ لأنه يفتقر إلى كل صلاح. لكنه في النهاية بيقول: ”مناقشة أمر لم نحصل عليه ستكون معزية، مثل المرضى الذين لا يكفون عن الكلام عن بركات الصحة“. 
فصل (2): الله نفسه هو نموذج الصبر لأنه بيصبر على الشعوب ناكرة جميله.
فصل (3): وأعظم صبر أظهره الله هو في التجسد.. انتظر مدة الحبل، والنمو تدريجيًا، ولم يتلهف للشهرة، وكان قصبة مرضوضة، وصبر على من أرادوا اصطياده، ومن خانه، وصلب دون أن يتكلم، وبُصق عليه.
فصل (4): لابد أن نتمثل بالمسيح في الصبر.
فصل (5): عدم الصبر إذن هو صفة إبليس. لمّا تضايق عندما أعطى الله سلطان لآدم على المخلوقات.. ولو احتمل وصبر مكنش حسد الإنسان.. كمان حواء مكنتش هتغلط لو احتفظت بصبرها إلى النهاية. وكذلك يرى ترتليان إن خطية آدم هي في الأساس عدم صبر. وكذلك خطية قايين.. ”ما كان ليقتل لو لم يغضب، ولم يكن ليغضب لولا عدم الصبر“، ويستنتج أن ”كل خطية سببها هو عدم الصبر“. وكانت خطية بني اسرائيل هي عدم الصبر أيضًا.
فصل (6): ترتليان بيقول إن ”الصبر هو السابق واللاحق للإيمان“، وبيضرب المثل بإبراهيم.
فصل (7): يناقش أسباب عدم الصبر وأهمها محبتنا للأمور الأرضية أكثر من السماوية.
فصل (9): بلاش الحزن المفرط على اللي ماتوا؛ ”لأن قيامة الأموات أمر محقق، فالحزن على الموت يكون بلا فائدة.. لماذا تحزن إن كنت تؤمن بأن من تحبه لم يهلك؛ لماذا تظهر عدم احتمالك لانسحابه المؤقت رغم أنك تؤمن بأنه سوف يعود؟ فإن ما تظنه موتًا هو في الحقيقة انتقال، والذي رحل قبلنا لا يجب أن نبكي عليه بالرغم من اشتياقنا إليه طبعًا. حتى هذا الاشتياق لابد أن يُعالج بالصبر“.
فصل (10): الرغبة في الانتقام سبب عدم الصبر. لو بنؤمن أنه ديان يبقى لازم نؤمن أنه منتقم أيضًا. هو قال لي النقمة أنا أجازي.
فصل (11): الصبر عند التأديب الإلهي.. والصبر هو اللي يخليك متواضع ومسكين بالروح وتتحمل الحزن.. وتتصف بالوداعة وتصنع السلام.
فصل (12): الصبر يعطي قوة للغفران.. وللتوبة.. ويحمي من الزنا، ويعطي قوة للأرامل للبقاء بدون زواج. صبر الراعي يجعله يبحث عن الخروف.. الأب الصابر يقبلابنه التائب.. ومفيش حد هيتعلم المحبة إلا ببمارسة الصبر لأن المحبة تتأنى.. كل صفات المحبة في 1كو13 تتناسب مع الصبر.
فصل (13): يتحدث عن صب الجسد في النسك وضبط النفس.. صبر الجسد يجعله يتحمل الاستشهاد.. الروح نشيط والجسد ضعيف يحتاج إلى صبر.
فصل (14): بالصبر نُشر أشعياء، ورجم اسطفانوس، وتحمل أيوب كل البلايا وأعطانا مثال حتى لا نستسلم أمام أي محنة. وبيعلق على تجربة أيوب على أنها ”نصر حققه الله على الشيطان في شخص هذا البطل“، ودرع أيوب كان الصبر.
فصل (15): الصبر يقوي الإيمان، ويقود للسلام، ويعضد الخير، ويؤسس التواضع.. ويحفظ الجسد والروح، ويلجم اللسان- وحاجات كتيرة جدًا ثانية.. هو فرح الروح.. ”الصبر محبوب في الطفولة، وممدوح في الشبيبة، ومبجل في الشيخوخة“. ويصور الصبر كرجل ملامحه هادئة، جبهته ناصعة غير منمكشة بتجاعيد الحزن والغضب. حاجبيه مرتخيان باتزان. عيناه منكسرتان بتواضع. فمه مختوم بعلامة الصمت المكرَّم.. ثيابه بيضاء تليق بشخصه ليست مهلهلة ولا منزعجة بالرياح!
فصل (16): ”فلنحب صبر المسيح، ولنعوضه عن الصبر الذي قدمه لأجلنا. دعونا نقدم له صبر الروح وصبر الجسد، كمن يؤمنون بقيامة الجسد والروح“.