الخميس، 31 أغسطس 2017

موجز الآراء الفلسفية- الأفلاطونية المحدثة




يرى البعض أنه لا يصح تسمية هذه المدرسة بالأفلاطونية المحدثة، لأنها لا تحيي مذهب أفلاطون، ولكنها استمرار للتيارات التلفيقية التي مزجت بين الفلسفة اليونانية والأديان "ويسمى تيار تلفيقي ديني"، أو مزج مع فلسفات الشرق ويُسمى "تيار تلفيقي فلسفي". وبالتالي التسمية الأفضل هي ”مدرسة الأسكندرية الفلسفية“.
ظهر التيار التلفيقي الديني عند اليهود، والمسيحيين، والمصريين. ظهر فيلون اليهودي وأرسطوبولوس، وقال اليهود صراحة ”أفلاطون ليس إلا موسى يتحدث اليونانية“. في حين رأى بعض آباء الكنيسة أن الفلسفة اليونانية خير تمهيد للمسيحية، وأنها خادمة الدين. قام بالتلفيق أيضًا الغنوصيون المنشقون عن المسيحية، وكذلك المصريون وما يُسمون بالهرامسة. ولا ننسى أن البعض يقول إن أفلاطون أخذ من حكمة المصريين.
-    فيلون السكندري: حاول إقامة أدلة فلسفية على صحة الدين عمومًا. وحاول تأويل الروايات الدينية مجازيًا بحيث لا يخالف الفسلفة. قال مثلاً أن حواء رمز "الحس"، والحية رمز "اللذة". قال إن الله هو الوجود المطلق، يفوق الإدراك، غير متصل بالعالم. لذا خلق "اللوغوس"، وقال أنه الابن الأول لله، ثم العالم هو الابن الثاني لله.[1]
التيار التلفيقي الفلسفي
- بدأ مع أمونيوس سقاص (175- 242 م)، وسقاس معناها حمّال، ارتد عن المسيحية، وأسس مدرسة خرج منها أوريجانوس وأفلوطين. وكان يعلم تلاميذه تعاليمًا سرية. قال سقاص: ”الإله صنع العالم دون أن يستخرجه من مادة سابقة.“ يظهر أن كلمة "صنع" تأثر بأفلاطون، لكن بقوله ليس من مادة سابقة يختلف عن أرسطو وأفلاطون، ويتميز بمصرية أصيلة.
-  أفلوطين (203- 269 م): فيلسوف مصري ولد في ليكوبوليس (اسيوط)، كان اشترك في حملة على بلاد الفرس حتى يتعلم فلسفتهم، لكن الحملة فشلت فلم يرجع إلى الاسكندرية، وأسس مدرسة في بلاد اليونان.
-   يقول افلوطين: ”الله هو الموجود الأول. يتأمل ذاته فيعقل ذاته (يعلم أنه موجود) فيصدر عنه (العقل الأول)، هذا العقل هو صورة الله، ولكنه ليس الله نفسه. ويعود هذا العقل الأول فيتأمل ذاته فيصدر عنه "النفس الكلية" التي تملأ العالم. فترجع النفس الكلية بالتأمل في العقل الأول فيفيض منها كوائن متعددة هي نفوس الكواكب.. ثم يستمر الأمر حتى تصدر عن كل كائن كائنات أخرى اقل شبها بالعقل الأول المطلق حتى تفيض الهيولى وهي أدنى درجات الفيض.. لأنها مادة بلا صورة.“[2]
-   بشكل عام تركز الأفلاطونية المحدثة على اللاهوت السلبي، بمعنى أن الله ماهية يتعذر وصفها بأي من الأوصاف الإثباتية.[3]
-   تلاحظ أن أفلوطين بنظرية "الفيض" خالف نظرية قدم العالم (لأنها تناقض الدين)، ونظرية الخلق (لأنها تناقض الفلسفة).
-    يسمي أفلوطين "المطلق"، و"العقل الكلي"، و"النفس الكلية" بالأقانيم الثلاثة.[4] المطلق هو الله (ولا يستخدم كلمة الله).. هو الواحد الذي ليس له اي صورة، ومن فرط كماله يفيض بوجوده على الموجودات. فاضت الموجودات عن المطلق وإليه ترتد. هو الواحد الذي ترتد إليه الكثرة. الموجودات ترتد إلى المطلق لتتأمله.
-  كيف فاضت الموجودات؟ كما يفيض ضوء الشمس عن الشمس، وكما يفيض ماء النبع عن النبع (ويرتد إليه عندما تنحسر المياه)، وكما تفيض برودة الثلج عن الثلج. وبالتالي الموجودات هي امتداد للمطلق. (لاحظ الاختلاف عن أفلاطون الذي قال إن الموجودات ظل للعالم المعقول).
-  الفيض يختلف عن الخلق.. لأنه يكون بلا إرادة. كما يزداد الماء في النهر فيفيض على جانبيه، تلقائيًا.
-  العقل الكلي هو لوغوس المطلق، والنفس الكلية هي لوغوس العقل الكلي. ولا ينفصل الوجود الأدنى عن الوجود الأعلى (هي نوع مختلف عن وحدة الوجود).
- مصطلح "التأمل" هو مرادف الإيجاد (أو الخلق). مبدأ الطبيعة نتج عن تأمل النفس الكلية للعقل الكلي.
-  حتى الطبيعة تتأمل لكنه تأمل ضعيف لا ينتج عنه مبدأ عقليًا بل أصول بذرية لموجودات حسية.
-   يرى أفلوطين أن العالم ليس شرًا لأنه امتداد للمطلق.
-  توجد نفوس جزئية في البشر والنبات والحيوان؛ النفس الكلية مثل الخاتم المنقوش والنفوس الجزئية هي بصمات هذا الخاتم. أو النفس الكلية مثل نور الشمس المشرق في غرف متعددة.. يدخل كل غرفة جزء من نور الشمس ذاته.[5]
-  كان لدى أفلوطين مذهب صوفي، قال: ”كثيرًا ما أتيقظ لنفسي تاركًا جسمي“. تذوب النفس في المطلق فلا يوجد إلا هو. والنفس هي جزء من الذات الكبرى. علم أفلوطين بأن النفس الجزئية تستطيع للحظات معدودة أن ترجع إلى النفس الكلية (يحتاج هذا إلى رياضة خاصة).. وهذا لا يطول ولا يتكرر كثيرًا. لكنه يهب ما يسمى بالإشراق (هو نوع من العرفانية- او المعرفة الصحيحة للوجود). يُقال إن افلوطين اختبر هذا 4 مرات فقط في حياته.
-  مؤلفات أفلوطين كتبها فرفريوس في 6 مجلدات كل مجلد يحتوي على تسعة كتب، وسميت بتاسوعات أفلوطين.


[1]  الفلسفة في طريقها للعرب، صفحة 78.
[2]  الفلسفة اليونانية ووصولها للعرب، صفحة 79.
[3]  موجز تاريخ الفلسفة، ترجمة د. توفيق سلوم، صفحة 86.
[4]  يقول د. مصطفى النشار إن كلمة أقنوم هي كلمة مصرية قديمة تعني "المبدأ".
[5]  الفلسفة اليونانية ووصولها للعرب، صفحة 80.

موجز الآراء الفلسفية- الرواقيون




هذه المدرسة أسسها زينون الرواقي، وكريسبوس يعتبر المؤسس الثاني، من أشهر أعلامها (سنيكا الوزير الذي قتله نيرون، وإبيكتيتوس (العبد)، والأمبراطور ماركوس أوريليوس). أسس كريسبوس المنطق الرواقي (يختلف عن المنطق الأرسطي)، وكذلك علم النفس الرواقي.  سميت بالرواقية لأنهم كانوا يجتمعون في رواق (بهو بلا أعمدة).
-        تقول الرواقية بالنار الحية وباللوغوس أو العقل منبثًا في العالم وتسميه الله، وترتب عليه الغائية والضرورة المطلقة وتقيم الأخلاق على الواجب. فتعارض الأبقورية التي تقول بالآلية والحرية والاتفاق، وتقصي الآلهة خارج العوالم، وتقيم الأخلاق على اللذة.[1]
-        فكرة اللوغوس المنبث في العالم يعبر عن وحدة الوجود الرواقية.
-        زينون الرواقي: دعى إلى نوع من الأخوة العالمية، أو ما يُسمى بالكوزموبوليتية العالمية، ويقول: ”الناس كلهم مواطنو العالم، والعالم موطن الإنسان.“
-        شبه زينون الإحساس الأولي بيد مفتوحة، والانفعال بيد نصف مفتوحة، وتفهم الأشياء بيد مقفولة ومضغوط عليها باليد الأخرى.[2] الدرجة الأولى هي التصور، ثم الثانية هي التصديق، ثم الثالثة هي الفهم، ثم الرابعة هي العلم.
-        النار أو الحرارة هي المبدا الفاعل، والمادة هي المبدأ المنفعل. النار تكون الكون وبها يفنى. ويؤمنون بدورة العوالم. يقول ماركوس أوريليوس”مَن يعيش مائة عام كأنه يعيش التاريخ كله.“ لأن الأحداث تتكرر. وبالتالي انسحب مبدأ دورة العوالم على نظرتهم للتاريخ.
-        يؤمنون بالآلهة والعناية الإلهية بعكس الابيقوريين. يؤمنون بالقدر بعكس الأبيقوريين الذين يؤمنون بالصدفة (الاتفاق).
-        يقولون لكل شيء ضده، فالشر ضروري للعالم كضد للخير، وأن الله يريد الخير طبعًا، ولكن تحقيق الخير قد يستلزم وسائل لا تكون خيرًا من كل وجه.“ ماذا عن الشر الأخلاقي Moral Evil؟ الإجابة: بسبب حرية الإنسان. كيف وأنتم تؤمنون بالقدرية. ”الظروف الخارجية محتومة ولكنها محتِمة بذاتها. فإن أفرادًا مختلفين إن وجدوا في نفس الظروف لم يأتوا بنفس الأفعال. الظروف تحرك الإنسان وخُلقه يعيِّن سيرته. الخلق من فعل القدر، وكل ما نأتيه متضمن في القدر، ولكن القدر لا يستتبع القعود والتواكل.“[3]
-        الفضيلة هي الخير الأسمى في حد ذاتها؛ فهي لا تتجه إلى الله (كأفلاطون)، ولا للسعادة (كأرسطو)، ولا للذة (كأبيقور). ليست للفضيلة موضوع خارجي تتوجه إليها، ولكنها تنتهي عند نفسها.
-        نادى الأبيقوريون ب atraxia، ونادى الرواقيون بشيء مشابه هو apathia (الخلو من الانفعال)، وهو عدم المغالاة لا في الفرح ولا الحزن.
-        استمد الرواقيون من الكلبيين مبدأ ”الحياة وفقًا للطبيعة“.  ولديهم ”مبدأ الواجب“ الشهير. فالإنسان عندهم أشبه بقطعة الشطرنج التي يتلاعب بها الإله (القدر). وعلينا أن نؤدي الدور المحدد لنا سلفًا بدون إبداع أو إضافة. (ومع ذلك بدون تواكل أو سلبية). هناك قصتان على ذلك: إبكتيتوس كان عبدًا يشعر أن من واجبه أن يبتسم في وجه سيده حتى وهو يعذبه. وكذلك سنيكا الفيلسوف الذي حكم عليه نيرون بأن يقطع شريانه، ففعل راضيًا. الفاضل الحكيم هو الذي يقبل طوعًا كل ما يأتي به القدر من أحداث، حتى المصائب والنكبات، معتقدًا أنها داخلة في النظام الكلي والقضاء الإلهي.“
-   يُحكى أن أبكتيتوس عذبه سيده، وأراد أن يكسر ساقه، فقال له: تمهل سيدي أنك ستكسرها. ولما كسرها بالفعل قال له: ”لم أقل لك أنك ستكسرها.“ أبكتيتوس، مثل بقية الفلاسفة الرواقيين، يعيشون ما يعلمون به، ظل يبتسم في وجه سيده حتى وهو يعذبه، لأنه يشعر أن هذا واجبه، ومن ناحية أخرى يطبق مبدأ ال apathia.     


[1]  تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم، صفحة 299.
[2]  تاريخ الفلسفة عبر العصور، حنا خباز، صفحة 102.
[3]  تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم، صفحة 305.

موجز الآراء الفلسفية- الأبيقوريون




يُقسَّم التاريخ إلى عصر هلليني ينتهي بموت الأسكندر الأكبر 323 ق م ليبدأ العصر الهلينستي. ويُقسَّم تاريخ الفلسفة إلى فلسفة هللينية تنتهي بموت أرسطو 322 ق م لتبدأ الفلسفة الهلينستية. من خصائص هذه المرحلة امتزاج الفلسفة اليونانية بفلسفات الشرق (مصر، بابل، الهند، فارس) أو ما يسمى ب”التلفيق“. كان هذا الوقت مضطربًا وانصرف الفلاسفة عن دراسة الطبيعيات وما وراءها وركزوا على فلسفة الأخلاق، والبحث عن السعادة (من الذات وليس من الخارج)، وهذا ما يُسمى ب ”الاقتصار“ (على موضوع واحد).[1] من بين هذه المدارس الفلسفية: المدرسة الأبيقورية والرواقية ومدرسة الفلسفة الاسكندرية أو ما يُطلق عليه ”الأفلاطونية المحدثة“.
-        يصف البعض أبيقور بأنه زاهد وآخرون بأنه داعر. الأقرب أن وصفه بالفجور كان من جهة خصومه.
-        وضع أبيقور ما يسمى بقوانين المعرفة (canons): وفيها يعطي ثقة كبيرة للإحساس المادي، ويقول إن الخداع ليس في الحواس وإنما في تسرع العقل في الحكم على ما تنقله الحواس. ثم يعتبر المشاعر (اللذة والألم معيارين من معايير المعرفة). ثم يتحدث عن إدراكات ذهنية مباشرة للعقل.
-        من جهة فلسفته في الطبيعة يُقال أنه أحيا المذهب الذري لديمقريطوس. نعم، لكنه أضاف أن الذرة مادة لها ثقل، ولها حركة رأسية، ويمكن أن تنحرف فتصطدم مع الذرات المجاوراة وتكون النويات.. وهكذا.
-        عندما سئل هل حركة رأسية في علو وأسفل مطلقين؟ قال: بالنسبة لي. وهو بهذا يقول بنسبية الزمان والمكان مثل أينشتين في العصر الحديث. كما قال بإمكانية تجزأ الذرة وهو بهذا سبق الذريين مثل دالتون في العصر الحديث.
-        بالنسبة لفلسفة الأخلاق: قال: من الطبيعي أن يتجه الإنسان نحو اللذة ويبتعد عن الألم. لكنه يضع معايير للذة، فهناك: لذات طبيعية ضرورية (الأكل- الشرب- النوم)، ولذات طبيعية غير ضرورية (الجنس- السلطة).
-        اللذة هي غياب الألم (وفقط، وبالتالي هو لا يدعو إلى العربدة، وإنما إلى الذهد في اللذة). لأنه أدرك ما يُسمى ب "مفارقة اللذة" Hedonistic Paradox وهو أن السعي وراء اللذة يصبح مؤلمًا آجلاً أو عاجلاً. فهي موضوع توازن، كيف أحصل على أعظم قدر من اللذة بأقل قدر من الألم.
-        في آلام الجسد، قال اقتصر على ما هو طبيعي وضروري دون إفراط.
-        وفي آلام النفس، قال العلاج بالتذكر والتوقع (لو فراق حبيب مثلاً: تذكر الأوقات السعيدة معه، أو توقع لقياه لاحقًا)
-        وآلام الخوف من الموت، قال: الموت هو انعدام الحس، فمن أي شيء تخاف إذن؟ حينما يوجد الموت لن تكون موجودًا.
-        عن الخوف من عذاب الآلهة، قال إن الآلهة يعيشون في نعيم دائم، ولن يزيدوا سعادة بتعذيبك. فضلاً عن أنهم لا يهتمون بنا.
-        يدعون إلى atraxia أو الخلو من الهموم والآلام.    
-        فيما بعد انحصر مذهب أبيقور، وصارت تعاليمة منحصرة في هذه الجملة ”لنأكل ونشرب لأننا غدًا سنفنى.“[2]


[1]  الفسلفة في طريقها للعرب، صفحة 66.
[2]  تاريخ الفلسفة، حنا أسعد، صفحة 107، ونلاحظ أنها ذاتها عبارة الرسول بولس في كورنثوس الأولى 15: 32.