الاثنين، 17 يوليو 2017

الزمن بين الكورونوس (χρόνος) والكايروس (καιρός)


اللغة اليونانية لغة عجيبة حقًا؛ فهناك مثلاً أكثر من كلمة تترجم "حُب" تعلمناها منذ الصغر وهي (الأيروس eros ، والفيليا philia ، والأغابي agape)، وكل كلمة تضيف بُعدًا جديدًا للكلمة، ولا تجد في اللغات الأخرى ما يقابلها. وكذلك تعلَّمتُ أن كلمة خادم لها كلمتان أيضًا: دياكونوس diakonous وتعبِّر عن علاقة الخادم بالناس، أمّا كلمة huperetas في علاقته بالقائد بمعنى أنه تابع، وتُطلق على (أحد أفراد المجدفين في السفينة الذين يتبعون القائد). من كلمات هذه اللغة الجميلة الكلمة المترجمة "زمن" أو "وقت"، وتُوجد كلمتان لها في اليونانية، عادة ما تترجمان في الإنجليزية بكلمة واحدة هي  Time. هاتان الكلمتان هما: كورونوس chronos ، وتعبِّر عن الزمن المتحرك، ومنها كلمة chronic  أي مُزمن بمعنى طالت مدته، وكلمة chronicle أي سجل من  الأحداث التي جرت في فترة زمنية متتابعة. أمّا الكلمة الأخرى فهي كايروس أو كيروس kairos. وفيما يلي مقارنة بينهما:

كورونوس chronos
كايروس أو كيروس kairos
كلمة تعبر عن مرور الدقائق والساعات والأيام.
هي حركة عقارب الساعة، أو تغير الأرقام على اللوحة الإلكترونية.
كلمة تعبّر عن حدث مميز (داخل إطار الكورونوس) أو خبرة مغيّرة للحياة. عادة ما تترجم في العربية "اللحظة الموآتية"، "الوقت المقبول"، "الوقت المعيَّن".
تشكل آلاف السنين الماضية بسبب دوران الشمس حول الأرض.
تشكل خبرات تتعلق بدوران القلب والعقل.
نكون واعين لمرور هذا الوقت في أغلب الأحوال.
ندركها عندما نتوقف عن الوعي بالكورونوس، الوعي بعقارب الساعة، عندما نستغرق في لحظة خاصة خارج نطاق الزمن (الكورونوس)
تتعلق بالكم (quantitative)
تتعلق بالكيف (qualitative)
هي لحظة مادية physical
هي لحظة لامادية- ميتافيزيقية meta-physical
داخل نطاق التأريخ
خارج نطاق التأريخ
وقت دنيوي
وقت مقدس
تعبر عن الزمن كسابق ولاحق.. كمستقبل يمر بالحاضر ويبدأ في الماضي.
لا تعبّر سوى عن "الآن"
زمن له أبعاده ويمكن قياسه
زمن له مغزى، ولا يمكن إحصاؤه
ولأنه إمّا مضى أو لم يأتِ بعد لذا فهو أقوى تعبير عن العدم والموت؛ إذ أن الوقت المنصرف (المائت) هو فقط الذي يمكن إحصاؤه.
أن تختبر "الآن" فلابد أن تكون حيًّا، لذا فإن الكايروس أقوى تعبير عن الحياة الأبدية؛ لأنه يعبّر عن الآن الذي ليس له تتابع ولا قبل ولا بعد. ومن هنا نفهم أن الأبدية ليست طويلة، لأن ليس لها طول بالأساس. فلا ينقضي شيء حتى يأتي بعده شيء آخر. أ
الحاضر يُقاس وهذا دليل على أنه انتهى.
"الآن" لا يمكن حتى تقسيمها.
عيد ميلادك، تاريخ هام، ذكرى زواج هي كورونوس.
ما يبقى وما تتذكره من هذه المناسبات هو الكايروس.
تحدث دائمًا كشيء مُسلَّم بها
لا تحدث دائمًا، ولا يمكن النظر إليها كشيء مُسلّم به؛ لأنها تُحدث تأثيرًا وتغييرًا.
تمر بنا دون أن نتغير.
عندما ندركها لا تتركنا كما كنا من قبل.
يضعنا تحت إلحاح اللحظة وضرورة الإنجاز السريع نظرًا لأنه زمن قصير ويجري.
لا يضعنا تحت إلحاح، وإنما يتيح لنا معرفة أن الزمن محملٌ بإعلان ما وبأبعاد أبدية.
نستطيع تخطيط الكورونوس
الله هو من يهيئ الظروف للكايروس، لأن كل شيء في استطاعته.
بعد هذه المقارنة نستطيع أن نفهم قول الرسول بطرس: "إن يومًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة (كورونوس) كيوم واحد" (2بط 3: 8). ونفهم أيضًا قول المسيح: "قد اقترب ملكوت السموات" أي اللحظة الموآتية لاختبار مشيئة الله تتحقق، ليس في أي مكان أو لفترة زمنية نقدر أن نقيسها، وإنما على المستوى الاختباري الداخلي. ونفهم قول الرسول بولس "مفتدين الوقت (كايروس) لأن الأيام شريرة" (أف 5: 16). قد يحرف الكثيرون كلام الرسول بولس مدّعين أنه يقصد أن نستغل الوقت القصير المتاح بأقصى ما نستطيع لننجز أكبر قدر من الإنجازات.
-         ولكن المعنى المقصود هو إدراك اللحظة الفارقة المغيّرة المحمَّلة بالخبرة.
-         أن نتخلى عن انشغالنا واستغراقنا بالكورونوس في سبيل الحصول على لحظات كايروس مفعمة بالمعنى.
-         ألا نهمل تنظيم الكورنوس واستثماره، لأنه في النهاية وزنة سنحاسب عليها، ولكن لابد أن نهتم ونترصد ونتحيَّن اللحظات الموآتية (الكايروس).
-         أن نشتري (ونفتدي) من الكورونوس لحظات كايروس.
-         ألا نضع أنفسنا تحت إلحاح الكورونوس، وتضيع منّا أوقات الكايروس.
-         إننا ولدنا في الكورونوس، ولكن بعمل المسيح أقامنا معه، لنعيش في الكايروس. لكي نرتفع عن الإلحاح المتشبث بعقارب الساعة إلى عالم تحكمه فقط مشيئة الله.
-         العمر لا يُقاس بالكورونوس بل بالكايروس (أي بالأوقات المحمَّلة بالمعنى والعمق).
صلاة:
يارب كثيرًا ما تركتُ الكورونوس يغمرني ويخمد لحظات الكايروس فلا أدركها ولا أتركها تغيِّر في حياتي. وكثيرًا ما نظرتُ للوقت على أنه لحظاتٌ تمر، ولم ألتفت أنه فرصٌ تمر. كنتُ أفكِّر باستمرار في حجم الإنجازات التي سأحققها في الكورونوس، وليس معناها، وبُعدها الأبدي في الكايروس. دبِّر لي يارب لحظات كايروس، وهيئني لأقتنصها. ضيعت ساعات طويلة في مساعٍ لا طائل منها، بينما كانت لحظات الكايروس تنساب من بين يدي. سامحني على كسلي وفتوري. ليأتِ ملكوتك في لحظة كايروس موآتية. واجعلني مستعدًا لها. ليتنا نختبر لحظات الكايروس في كنيستك، وفي صحبة كتابك المقدس، وفي حجرة المعيشة مع عائلتي، وعلى مكتب عملي، وبين زملائي.
نُسلِّم لك أمرنا،
آمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق