الخميس، 13 يوليو 2017

هرمنيوطيقا النصوص النبوية-8


ذكرنا سابقًا أن الأنبياء لو يكونوا مهتمين بالكشف عن تفاصيل تخص المستقبل بقدر ما كانوا يحثون الشعب على تشكيل مستقبلهم من خلال التوبة الحقيقية والرجوع إلى الله. فيما يلي سنبحث  1- كيف فهم الأنبياء سيادة الله عبر التاريخ، 2- كيف فهم الأنبياء تنبؤاتهم ومشروطية اختيارات البشر. 3- كيف فهم الأنبياء حتمية تنبؤاتهم. 4- ماذا كانت أهداف التنبؤات في أسفار الأنبياء في العهد القديم.
1-  سيادة الله على التاريخ
 كثيرًا ما نذهب إلى النقيض في فهمنا لبعض المفاهيم اللاهوتية. البعض يرى سيادة الله على التاريخ بطريقة تلغي مسؤولية البشر. في المقابل نرى البعض الآخر يؤكد على مسؤولية البشر في تشكيل تاريخهم بدرجة تلغي سيادة الله على مجريات التاريخ. فما هي الرؤية الكتابية الصحيحة:
§        عدم قابلية الله للتغيُّر: الله لا يتغير في شخصه وفي صفاته، فهو دائمًا مُحب ودائمًا عادل وكلي القوة والمعرفة والحضور. كذلك الله لا يتغير من حيث وعوده وعهوده التي يقطعها على نفسه. يظهر الأمران في النص التالي من رسالة العبرانيين: عب13:8، وعب6: 16-17. أيضًا لا يتغير الله من حيث مشورته وخطته الأزلية تجاه خليقته: كل شيء يسير "حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ" (أف1: 11). يتحدث إشعياء عن نفس الأمر أي خطة الله الشاملة:
"اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي.مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي... قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ."
وبالتالي فهم الأنبياء جيدًا سيادة الله على التاريخ من خلال شخصه وصفاته ووعوده التي لا تتغير، ومن خلال إيمانهم بأن الله لن يتناقض مع نفسه مهما حدث من كوارث لشعب الله، لأن الله لديه خطة أزلية من جهة خليقته كلها وهذا الشعب أيضًا. هناك مفهوم لاهوتي يكمِّل هذا المفهوم هو:
§        عناية الله: الله عامل ومنخرط إيجابيًا في مجريات التاريخ، الله لا يقف سلبيًا أو متفرجًا تجاه ما يحدث. الله متحكم في كل الأمور والأحداث؛ فهو ضابط الكل، لكنه يتفاعل مع اختيارات الناس. آمن الأنبياء بأن خطة الله الأزلية ستتحقق بكل تأكيد، لكنها تتضمن أيضًا دورًا لاختيارات البشر. نستطيع الآن الانتقال إلى الفكرة التالية:
2-  التنبؤات ومشروطية الاختيارات البشرية
في هذه النقطة سنجيب على سؤال هام: هل لاختيارات البشر أي تأثير على تنبؤات العهد القديم؟ وبالتالي على مسار التاريخ؟
§        النمط العام في تعاليم الكتاب المقدس: هذا ما نراه في إرميا 18: 1-10
"الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلاً... تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ،فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ."
عندما نقرأ هذا الفصل كاملاً سنعرف أن الله هو الفخاري والخزف هو شعب الله، والله يحتفظ بحقه في أن يفعل ما يراه الأفضل لشعبه. كما قلنا الله لن يتغير من حيث شخصه وصفاته ووعوده، لكن في ظل ذلك له مطلق الحرية في أن تتنوع أعماله تجاه شعبه حسبما يراه مناسبًا. ثم نعرف أن الله سيتفاعل مع اختيارات البشر من حيث الطاعة أو العصيان.
§        بعض الأمثلة: 2أخ 12: 5- 8
§        في (ع 5): "فَجَاءَ شَمْعِيَا النَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَقَ". لغة شمعيا قاطعة وليس بها اية شروط.
§        في (ع6): " فَتَذَلَّلَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ وَالْمَلِكُ وَقَالُوا: «بَارٌّ هُوَ الرَّبُّ»"
§        في (ع7-8): "فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُمْ تَذَلَّلُوا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى شَمْعِيَا قَائِلاً: «قَدْ تَذَلَّلُوا فَلاَ أُهْلِكُهُمْ بَلْ أُعْطِيهِمْ قَلِيلاً مِنَ النَّجَاةِ، وَلاَ يَنْصَبُّ غَضَبِي عَلَى أُورُشَلِيمَ بِيَدِ شِيشَقَ، لكِنَّهُمْ يَكُونُونَ لَهُ عَبِيدًا وَيَعْلَمُونَ خِدْمَتِي وَخِدْمَةَ مَمَالِكِ الأَرَاضِي»". يبدو واضحًا أن الصلاة والتذلل كان لهما تأثير في مسار الأحداث وتحقيق النبوة. في هذه الحالة لم تُلغى الدينونة تمامًا بل تم تخفيفها.
§        مثال نبوءة يونان في 3:4-
o       في (ع4): "فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى.» لم يذكر يونان أية شروط ولم يقل "إلا لو فعلتم كذا وكذا"..
o       في (ع5-9) يصف توبة الشعب والملك والأمر لجميع الناس والبهائم بالتوبة والصوم والتذلل.
o       في (ع 10) "فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ." لمّا تدخل عامل الاختيار البشري على الخط- من خلال التوبة والتذلل- قبل اتمام المدة المحددة، رفع الله الدينونة.
o       في الأصحاح 4: 2 نرى أن يونان كلن يعرف أن الله قد يرجع عن دينونته: "قَالَ: «آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ."
3-   حتمية التنبؤات:
عبَّر الأنبياء بلغتهم عن درجات متفاوتة من إصرار الله على لتنفيذ الدينونة، هذا يندرج تحت قضية الأنثروبومورفزم (نسب صفات بشرية لله)؛ لأن الله قطعًا سيفعل ما رغب فيه بكل تأكيد، لكنه يستخدم في النهاية لغة البشر للتعبير عن جوانب من مشيئته الإلهية.
§        تنبؤات مشروطة: في مرات يتحدث الله بشروط واضحة، وبدون تحديد تاريخ محدد، وبصيغة (إذا... إذن). مثال على ذلك: إش1: 19-20 "إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ". هذا يعني أن الله منفتح على اختيارات الناس التي ستحدد مسار التاريخ.
§        تنبؤات غير مشروطة: لا توجد شروط واضحة، والكلام يعني أن الله مصر على تسيير الأمور في اتجاه تاريخي معين. ومع ذلك الاستجابة القصوى للبشر تؤدي إلى تغيير مسار الأحداث. مثال على ذلك: يونان 3: 4. نرى أن استجابة الله عملت على تأجيل الدينونة. مثال آخر عن تنبؤ بالبركات في حجي2: 21-23: "كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ وَالِي يَهُوذَا قَائِلاً: إِنِّي أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ، وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا، وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا، كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، آخُذُكَ يَا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابْنُ شَأَلْتِيئِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ، لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ»" نفهم من الآيات أن الله كان مستعدًا لإهلاك كل الأمم ورفع كرسي زربابل فوقها جميعًا. لا تظهر أية شروط واضحة لهذه النبوة، ومع ذلك نعلم أن هذا لم يحدث ولم تتحقق النبوة. لأننا نعلم أيضًا انه حدثت موجة ارتداد شاملة بعد الرجوع من السبي.
§        تنبؤات مؤكدة: بها إصرار أكبر من قبل الله لسير الأحداث في اتجاه معين. هذا الإصرار يُعبَّر عنه من خلال الكلمات أو العلامات.
o       من خلال الكلمات: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ دِمَشْقَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ.." نجد تكرار لعبارة "لاَ أَرْجعُ عَنْهُ" في الأصحاح كله. ومع ذلك يخبرنا النبي أن باب التوبة ما زال مفتوحًا. "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: اطْلُبُوا فَتَحْيَوْا... اُطْلُبُوا الرَّبَّ فَتَحْيَوْا " (عا 5: 4، 6).
o       من خلال علامات: عندما تقترن العلامة بالنبؤة نعرف أن النبي يعبر عن درجة عالية من الإصرار من قبل الله لتحقيق ما يقوله. مثال على ذلك: إش 7: 14 "لكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ".
§        تنبؤات مقرونة بقسم: تعبر عن إصرار كامل من جهة الله.
o       عاموس 4: 2 "قَدْ أَقْسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُدْسِهِ: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي عَلَيْكُنَّ، يَأْخُذُونَكُنَّ بِخَزَائِمَ، وَذُرِّيَّتَكُنَّ بِشُصُوصِ السَّمَكِ. وَمِنَ الشُّقُوقِ تَخْرُجْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَتَنْدَفِعْنَ إِلَى الْحِصْنِ، يَقُولُ الرَّبُّ".
o       عاموس 6: 8 "قَدْ أَقْسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِنَفْسِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ: «إِنِّي أَكْرَهُ عَظَمَةَ يَعْقُوبَ وَأُبْغِضُ قُصُورَهُ، فَأُسَلِّمُ الْمَدِينَةَ وَمِلأَهَا".
o       حزقيال 5: 11 "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ قَدْ نَجَّسْتِ مَقْدِسِي بِكُلِّ مَكْرُهَاتِكِ وَبِكُلِّ أَرْجَاسِكِ، فَأَنَا أَيْضًا أَجُزُّ وَلاَ تُشْفُقُ عَيْنِي، وَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعْفُو"
o       إشعياء 62: 8 "حَلَفَ الرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلاً: «إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلاً لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو الْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. بَلْ يَأْكُلُهُ الَّذِينَ جَنَوْهُ وَيُسَبِّحُونَ الرَّبَّ، وَيَشْرَبُهُ جَامِعُوهُ فِي دِيَارِ قُدْسِ. »  
ملاحظة: وبالتالي بالرغم من الصيغ المختلفة للنبوات، من الحكمة أن نعتبرها كلها مشروطة حتى إذا لم تُذكر شروطها صراحةً. الله يتجاوب مع استجابة الناس له، وكثيرًا ما أعلن قائلاً: "اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إر3: 14)، "اِرْجِعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ الْعُصَاةُ فَأَشْفِيَ عِصْيَانَكُمْ" (إر3: 22)، "ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ" (إر25: 5)، "خذُوا مَعَكُمْ كَلاَمًا وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ" (هو14: 2)، "ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ" (يؤ2: 12)، "ارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (يؤ2: 13)، "ارْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ" (زك1: 3)، "ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ" (ملاخي 3: 7).
4-   القصد من التنبؤات:
قد يظن البعض أن القصد من التبؤات هو التكهن بأمور خاصة بالمستقبل، لكن هذا ليس القصد الأول، الذي يهتم بتحفيز الناس وحثهم على تصحيح مسارهم وعلاقتهم بالله. لذا سنحاول أن نفهم كيف تجاوب مؤمنو العهد القديم مع هذه التنبؤات:
§        استجابة "لعل": أو يسميها البعض (who knows reaction) أو "رد فعل مَن يدري؟". في مواقف عدة كانت استجابة المؤمنين تبدو غريبة بالنسبة لنا؛ فبدلاً من أن يقولوا "الآن عرفنا ما هو محتم الحدوث في المستقبل." نجدهم يقولون "مَن يدري؟". مثال على ذلك: بعد أن واجه ناثان النبي داود بخطيته، أعلن له أن ابن الخطية سيموت: "غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهذَا الأَمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ، فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ" (2صم12: 14). تعجب المحيطون بداود من رد فعله؛ إذ صام ولبس المسوح، وعندما علم بموت الولد خلع المسوح واغتسل. فلما سأله عبيده قال لهم: "لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتُ وَبَكَيْتُ لأَنِّي قُلْتُ: مَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا يَرْحَمُنِي الرَّبُّ وَيَحْيَا الْوَلَدُ. وَالآنَ قَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدَّهُ بَعْدُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَرْجعُ إِلَيَّ" (2صم 12: 22- 23).
لم يعتبر داود كلام ناثان أنه محتم الحدوث، بل استمر في محاولة تجنبه بالصوم والصلاة. لم تنجح مجهوداته، لكن اتجاه قلبه كان واضحًا.
o       مثال آخر: ذهب يونان إلى نينوى "وَنَادَى وَقَالَ: بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى" (يونان3: 4)، فكان رد فعل الملك تحديدًا كالتالي: "لاَ تَذُقِ النَّاسُ وَلاَ الْبَهَائِمُ وَلاَ الْبَقَرُ وَلاَ الْغَنَمُ شَيْئًا. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً.وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى اللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ وَعَنِ الظُّلْمِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ" (يونان3: 7-9).
مثال آخر في سفر يوئيل: تنبأ يوئيل بضربة قوية ستأتي على أورشليم، ومع ذلك كان يشجع الشعب على التوبة. ما هي أسبابه؟ أسبابه هي: "ارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ. لَعَلَّهُ يَرْجعُ وَيَنْدَمُ، فَيُبْقِيَ وَرَاءَهُ بَرَكَةَ، تَقْدِمَةٍ وَسَكِيبًا لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ" (يؤ2: 13-14).  نتعلم من هذا أن مؤمني العهد القديم كانوا يقولون إنه طالما أن وقت تحقيق التنبؤ لم يأتِ فلا يزال هناك فرصة للناس أن تتوب وترجع عن الشر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق