الأحد، 30 يوليو 2023

الإيمان وقانون الإيمان للقديس أغسطينوس

 



هذه ترجمة لعمل قصير قام بتأليفه القديس أغسطينوس بعنوان (The Faith and the Creed) أي ”الإيمان وقانون الإيمان“، أو باللاتينية De fide et symbolo وهو عبارة عن تعليق على قانون الإيمان قدمه أمام أساقفة أفارقة اجتمعوا في مدينة هيبو عام 393م وهو من الأعمال المبكرة للقديس أغسطينوس، وفيه يظهر أنه يعتمد على شروحات سابقة له، كما يظهر اتفاق معتقده مع ما أقره مجمع نيقية. كما يظهر أيضًا مدى المصداقية والمكانة الرفيعة التي أعطاها المجمع لأغسطينوس خاصة أنه شُرف بهذه المهمة بعد أقل من سنتين من رسامته كاهنًا.

في هذا العمل وجدت شروحات كثيرة تتفق مع شروحات الآباء الآخرين، لكني لاحظت تشابهات قريبة للغاية في بعض النقاط. وأود أو استعرض بعضها فقط على سبيل المثال:

1- يُطلق على الأقنوم الثاني لفظة ”الكلمة“ ليس بالتطابق مع ”كلامنا“: يقول أغسطينوس: ”لابد ألا نفكر في هذا الكلمة كما نفكر في كلماتنا الخاصة، الكلمات التي بمجرد التلفظ بها بالصوت واللسان تتبدد مع حركة الهواء، ولا تدوم أطول من صوتها. لكن (الله) الكلمة يبقى في حالة غير متغيرة...“ (3: 3). وهذا يتشابه مع كلام ق أثناسيوس: ”كلمة البشر تتكون من مقاطع، ولا تحيا، ولا تعمل شيئًا.. أما كلمة الله فهو ليس مجرد كلمة منطوقة.. ولا هو همس كلمات.. بل هو كإشعاع النور مولود كامل من كامل“ (ق أثناسيوس، ضد الأريوسيين 2: 35).

2- الابن الكلمة في تدبير تجسده، اتخذ طبيعة بشرية كاملة، جسدًا ونفسًا وروحًا. ويرى أغسطينوس أن الروح هي الجزي العاقل من النفس. ويقول: ”يجب أن نحذر جيدًا من الفكرة القائلة بأن هناك مكونًا ما من طبيعتنا ليس له نصيب في الطبيعة المتخذة، وإلا لن يكون له نصيب في خلاصنا“ (4: 8). وهو ما يتفق مع القاعدة الشهيرة التي أرساها ق غريغوريوس النزيانزي (اللاهوتي) في رسالته رقم 101 لكليدونيوس: ”ما لم يُتخذ لم يُشفَ“.

3- يحاجج أغسطينوس في الفصل (6) ويثبت عقيدة قيامة الجسد بأدلة وبراهين كتابية استخدمها العلامة أوريجانوس في الرد على كلسوس الوثني للرد على نفس الاعتراض، وقد بينت ذلك في الحواشي في موضعه.

4- يحاجج ق أغسطينوس في الفصل (9: 17) بأن في النبع ماء، وفي النهر ماء، وفي الكأس ماء، لكننا مع ذلك لا نقول بثلاثة ماءات بل بماء واحد، وبالقياس نقول الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، ولكننا لا نقول بثلاثة آلهة بل الله الواحد. ونفس الفكرة قال بها ق غريغوريوس النيسي في رسالته إلى أبلابيوس التي تحمل عنوان ”ليسوا ثلاثة آلهة“ On Not Three Gods حيث يقول إن هناك عملات أو قطع ذهبية عديدة many gold pieces، لكن ليس هناك أذهاب/ ذهوب/ ذهبان عديدة many golds بل ذهبٌ واحد. هذا قد يشير إلى اطلاع ق أغسطينوس على مؤلفات النيسي. ثم يعيد ق أغسطينوس نفس الفكرة مرة أخرى باستخدام تشبيه الشجرة؛ فالجذر خشب، والجذع خشب، والأغصان خشب، لكننا لا نقول بثلاثة خشبان بل خشب واحد.

5- في إطار حديثه عن الإيمان بالكنيسة الجامعة، يقول أغسطينوس: ”لأن الهراطقة والمنشقين كليهما يسموون اجتماعاتهم كنائس. الهراطقة يدنسون طهارة الإيمان ذاته بإضمار أفكار مغلوطة عن الله، بينما ينسحب المنشوق من المحبة الأخوية بانفصال غير قانوني، برغم أنهم يؤمنون بنفس الأشياء التي نؤمن بها. وبالتالي لا الهراطقة ولا المنشقون ينتمون إلى الكنيسة الجامعة“ (10: 21). ونفس الفكرة يقول بها ق كيرلس الأورشليمي في عظاته للموعوظين: ”إذا سافرت يومًا إلى مدن أخرى فلا تسأل فقط: أين بيت الرب؟ (لأن بدع الملحدين الأخرى تسمي كهوفها بيت الرب)، ولا أين الكنيسة فقط، بل أين الكنيسة الجامعة؟ لأن هذا هو اسم هذه الجماعة المقدسة التي هي أمنا جميعًا، وعروس ربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد“ (العظات، 18: 26).

هذه الأمثلة ليست حصرية، ولكنني قصدت أن أبيِّن ضرورة الإيمان بوجود أساس عريض مشترك بين الآباء، شرقًا وغربًا، يجب ألا نغفله قبل التطرق إلى ما يميز كل تقليد على حدة.

يمكنك تحميل الفايل pdf من الرابط التالي: 

https://drive.google.com/file/d/18oE3VkRz__Y1ltJNliBEBap2BVno4YQ7/view?usp=sharing