الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

حوار ليه يارب



كل يوم نفتح الجرايد الصبح ونقرأ مثلاً: زلزال يضرب تركيا مئات القتلى وآلاف الجرحى.. إعصار يضرب اليابان آلاف القتلي والجرحى.. حادث سيارة.. نوع جديد من الفيروسات.. حرب في الشمال أو الجنوب.. 
تتبادر على أذهاننا اسئلة لا حصر لها.. ومنها السؤال الكبير قوي: ”ليه يارب؟
نهدى شوية ونحاول نوجد أسباب منطقية.. اسمع القصة دي:
مجموعة من الفلاحين رايحين الغيط الصبح، وكان لازم يعدوا على معديّة خشب بين هضبتين، المعدية انكسرت وماتوا كلهم. 
وبعدين؟
ولا حاجة! كان في قسيس في القرية دي كرّس كل وقته للبحث في أسباب الحادث. اتقابل مع كل الناس ودرس الموقع كويس ومسبش حاجة.
ووصل لإيه؟
بص يا سيدي .. ليس هناك أي حقيقة مؤكدة غير أنهم كانوا فوق المعدية وقت ما انهارت بيهم.
ياراجل!
مش بحلف.. اسمع بس. واحد من القرية بيؤمن بالقضاء والقدر قال: دي شيء عشوائي وملوش أي معنى.. ولا فيه خير ولا فيه شر.
واحد تاني قال: ربما يكون عقاب إلهي للفلاحين دول بسبب فساد أخلاقي سواء معلن أو خفي.
نسيت أقولك كان فيهم أطفال، وبالطبع هتقولي إيه ذنب الأطفال زي ما بنقول كده على الأطفال المصابين بالسرطان أو الإيدز أو في المجاعات زي الصومال.. عارفها؟
آه عارفها.. اخلص!
محدش وصل لحاجة، وكل ما حد يحاول تفسير الحادث الموضوع يتعقد أكثر.
بعد فترة هبت عاصفة شديدة قتلت الآلاف من أهل القرية.. وبالطبع كان في ناس كويسين وناس وحشيين.. وكان في أطفال ورُضّع كمان.
الناس حاولت تفكر تاني.. ماهو مشكلة الإنسان إنه بيفكّر..
خلّص وبلاش ترغي كتير
واحد قال يعني العواصف دي مش بأمر ربنا برضه (أي38)، فرد عليه واحد: ياااه يعني ربنا قاسي قوي كده! 
واحد تاني قال: ربما العاصفة بسبب تغيرات المناخ أو الاحتباس الحراري اللي بيقولوا عليه.. فرد عليه نفس الراجل: ياااه يعني ربنا ضعيف قوي كده ومقدرش يمنع العاصفة.
واحد يبان عليه شرير شويه  قال:  ربنا غير قادر على السيطرة على العالم.. هو ممكن يعزينا ويقف جمبينا مش أكتر من كده.
بس الكتاب المقدس بيعلمنا إن الله كلي القدرة وضابط الكل أيضًا. هل فعلاً ربنا بيجد صعوبة أحيانًا في السيطرة على الأمور؟ وهل الله بيستخدم الكوارث لعقاب الناس على خطاياهم؟
أنا هجاوبك.. أنت لو درست العهد القديم هتلاقي إن ربنا كان بيعاقب شعب بني إسرائيل على خطاياهم إمّا بالمرض أو السبي.. فاكر نبوخذنصّر؟
فاكر..
هنا الكارثة ليها هدف أخلاقي وهو إن الناس ترجع لربنا. طبعًا الخاطي عارف نفسه ومفيش مكان لسؤال “إشمعنا أنا بالذات؟”ده مبدأ الحصاد.. ما يزرعه الإنسان إياه يحصد.
لكن بالطبع كان في ناس أبرياء.. دول مصيرهم إيه؟
البعض بيفسّر كده بإن ده جزء من وجودنا في عالم ساقط. فنحن أحيانًا بنتأثر بخطايا آخرين. زي الفساد في مصر كلنا متاثرين بيه مع إن السبب شلة الفاسدين.. بس ممكن نقعد نوّجه أصابع الاتهام لبعض لحد ما نوصل لأبونا آدم اللي بخطيته دخل الشر  والموت والمرض للعالم. وهنا السؤال بتاع “إشمعنا أنا بالذات؟” ملوش أي معنى. قشطة!
هل فعلاً المشكلة في إننا مش فاهمين تفسير ما يحدث، ولا مش فاهمين ربنا؟
يمكن الاتنين.. أحيانًا نقول: عقاب إلهي. وأحيانًا نقول: شر الانسان.. أو مأساة للبعض فيها خير للآخرين.. أو ده قانون السبب والنتيجة وربنا ملوش فيها لا ناقة ولا جمل.وأحيانًا بنفكر في ربنا بطريقة غلط، ونتصوّر إنه قاعد في السما بيمطر شوية بركات هنا وشوية مصايب في أماكن أخرى. 
يا ترى رأي السيد المسيح إيه في الكلام ده؟ 
في ناس كتير تظن أن السيد المسيح متعرضش للموضوع ده.. لكن في شاهد كتابي نادرًا ما حد بيستشهد بيه في لوقا13 ، وده ملوش دعوى بأن رقم 13 بيجيب النحس ولا حاجة.
كانت الجماهير مبهورة بالمسيح وتعاليمه، وكانوا بيتزحموا حواليه لحد ما كانوا بيدوسوا على بعض. شوية جم ليسوع وقالوله.. مسمعتش الأخبار؟
وحكوله إن كان في مجموعة من الجليليين راحوا يقدموا ذبائح في الهيكل. وهناك إظاهر أخدتهم الجلالة وافتكروا العصر الذهبي للأمة اليهودية.
سخنوا واتحمسوا لفكرة التظاهر ضد الدولة الرومانية.. فما كان من بيلاطس إلا إنه بعت مجموعة من رجالته ودبحوا الناس دية على نفس المذبح واختلطت دمائهم بدم الذبائح.. 
شكلها كانت كارثة كبيرة.. ورد المسيح وقال إيه؟
قالهم اوعوا تفتكروا إن الناس دي كانت أشرار أكتر مننا علشان حصلهم كده.. دي فكرة غلط، ولازم تتوبوا وإلا هتهلكوا. 
وكمان كان في حادثة مأساوية تانية اتكلم عنها المسيح، ويبدو إن أسبابها مختلفة شوية.
بيلاطس كان باني أبراج لنقل المياه من قرية سلوام، وحصل إن برج منهم وقع موّت 18 شخص. وكان رد المسيح هو هو .. وقالهم: توبوا وإلا هتهلكوا أنتم كمان.
يا ترى السيد المسيح كان عاوز يقول إيه.. 
حلمك عليّ شوية لأن الموضوع معقد ومينفعش يتجاوب في كلمتين.
أنا هاصبر بس لو مخلصتش بسرعة هرتكب حادث مأسوي وهموّتك.. 
بس يا سيدي.. السيد المسيح كان عاوز يأكد على عدة أمور مهمة: 
أولاً: إننا منقدرش نقول إن ضحايا السرطان أو الطرق أو المعاقيين كانوا أشرار علشان حصلهم كده.. ونفتكر أصدقاء أيوب إزاي كانوا ظلمينه، وكمان التلاميذ لما سألوا عن المولود أعمى.. أهذا أخطأ أم أبواه. ورد المسيح: لا هذا أخطأ ولا أبواه ولكن لكي تظهر فيه نعمة ربنا.
كلنا خطاة، ومش محتاجين نروح السجون علشان نشاور على الخطاة الحقيقيين.. وبناءً عليه كلنا نستحق الهلاك.. والتوبة هي طوق النجاة.
ثانيًا: يسوع لم يتبنى فكرة إن الحوادث دية عشوائية وملهاش أي معنى، أو قضاء وقدر.
ثالثًا: المسيح بيحاول يقولنا ياريت تستغلوا الكوارث كفرص للتوبة والرجوع إلى الله.
رابعًا: مش محتاجين ذكاء خارق علشان ندرك إن الحياة الإنسانية هشة جدًا ومفيش حد يستطيع التنبؤ بنهايتها، وبالتالي محتاجين نحط عينينا دايمًا على الحياة الأبدية.
أنت قولت كتير بس مقلتش ليه برضه الحياة بتتميّز بالغموض.
ده صحيح.. إحنا بنحاول نشغل مخنا ونصلي ونسيب الباقي على ربنا. ولكن حل اللغز بالكامل.. أنا آسف.. مستحيل! ده بولس قال:
” إننا ننظر الآن في مرآة، في لغز، لكن حينئذ وجهًا لوجه“ (1كو13: 12).
وده إللي خلى واحد يشبِّه الحياة زي لوحة قماش مطرزة بس إحنا شايفنها من ضهرها.. ومش شايفين غير أطراف الخيوط والعقد ومجرد صورة تقريبية..
طب هنعمل إيه؟
أقولك أنا نعمل إيه.. ”بالإيمان نسلك لا بالعيان“. علينا أننا نؤمن بصلاح الله، ومشيئته الصالحة لينا، وسلطانه على الخليقة، وإنه ضابط الكل.. ساعتها هنهدى وهيملي قلوبنا السلام وهنقدر نكمل زمان غربتنا..
بس بنصارع بين إيماننا بإله محب ولكنه يصمت كثيرًا؟
عظيم.. إنت كده بتقدِّم طلب الانضمام لنادي رجال الله العظماء!
إزاي ؟ باين عليك فاهم..
شوف.. جدعون قال لربنا: لو كنت معانا مكنش حصل اللي حصل. وإيليا قال لربنا: ليه يارب قتلت ابن الأرملة. وحبقوق قال: لماذا تصمت يارب أمام ظلم الأشرار.. وآساف، وأيوب، وناس كتير.. وكمان مش هتصدق مين؟
مين؟
المسيح نفسه صرخ على الصليب وقال لربنا: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ وعمر ما المسيح طلب تفسير للي بيحصله، ولكن كان دايمًا يقول: لتكن لا إرادتي بل إرادتك.
بس صمت ربنا ده يتطلب مننا شجاعة إننا نعترف بإن إحنا ”مش فاهمين حاجة“.. اسمع واحد زي آساف وهو بيقول:
”أنا بليد لا أعرف. صرت كبهيم عندك (برفّس وأنا مش فاهم حاجة). ولكني دائمًا معك (يكفيني وجودك معايا). أمسكت بيدي اليمنى (أعطيتني قوة على الاحتمال). برأيك (أي بمشورتك ونصيحتك) تهديني. وبعد إلى مجد تأخذني (مهما يكن الأبدية معاك تعزينا وتنسينا كل الأتعاب). من لي في السماء؟ ومعك لا أريد شيئًا على الأرض (وده هيبقى شعاري في حياتي).
يارب.. حتى لو كنا غير قادرين أن نفهم قصدك في كل ما يحدث لنا.. ساعدنا أن نرى يدك وهي تداوي الجروح وتمسح الدموع.. وساعدنا أيضًا أن نشعر بوجودك المعزي في حياتنا معتمدين على وعدك الصادق 
”لا أهملك ولا أتركك.. لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب“ (يش1) 

  كتبت هذا الحوار في نوفمبر 2011، فأحببت الاحتفاظ به كما هو.. بعد أن زادت معرفتي أشك أنني أستطيع أن أكتب ببساطة عن هذا الموضوع المعقد- الألم والشر والمعاناة