الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

حياة المسيح لعباس محمود العقاد

 



من المرات النادرة التي أقرأ فيها كتابًا عن المسيحية لمؤلف غير مسيحي. لذا هناك أمور استوقفتني وتعجبت منها؛ لاتفاقها مع صدق وحقيقة الديانة المسيحية، وفيها استطاع الكاتب أن يستوعب بعضًا من لُب الرسالة المسيحية، فأعجبتني. وهناك أمور أخرى وجدته يفهمها على طريقته وخلفيته الخاصة غير مراعٍ للخلفية الكتابية والحضارية للمسيحية. الكتاب هو ”حياة المسيح“ والمؤلف هو عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد.[1] في هذه الورقة سأحاول إعطاء أمثلة على هذين المسارين.

أولاً: نقاط الاتفاق التي أعجبت بها

أعجبني أن العقاد يؤكد أن اكتشافات قمران ”لا تضيف إلى معلوماتنا عن حقائق الديانة المسيحية، غير أنها تؤكد لنا فضلها ولزومها في آوانها“.[2] كما أن هذه الكشوف لم تغيّر شيئًا في الجدل حول بتولية مريم. كما أعجبتُ بوصفه لحالة الطبقية التي سادت المجتمع قبل ظهور المسيحية، وتنعُّم فئة من الشعب، وشقاء فئة أخرى، حتى سئمت هاتان الفئتان من الحياة، وصدق قول المسيح عن الإنسان الذي ربح العالم كله وخسر نفسه.[3] كما أجاد العقاد في شرح الحالة الاقتصادية والتثقل بالضرائب، وكذلك تفشي الأمراض في العصر الذي عاش فيه المسيح.

كما بيَّن العقاد إفلاس الحالة الفكرية والدينية قبيل ظهور المسيحية، ووصفها بأنها حالة من ”التصفية قبل الإفلاس“.[4] هذه الحالة المفلسة تجلت في اتخاذ القياصرة لألقاب إلهية، وظهور تيارات فلسفية كثيرة ومتناقضة، فهناك الأبيقوريون الذين ينكرون العناية، والرواقيون الذين يتبعون القدر وبعوالمهم المتعاقبة، والفيثاغورسيون واعتقادهم بتناسخ الأرواح. كما نبَّر على التوليف الفلسفي الذي قدمه فيلون الفيلسوف اليهودي السكندري.[5]

أمّا في مسألة وجود تشابهات بين المسيحية وديانات أخرى وثنية قبلها، فيقول العقاد إن بعض الدارسين حمَّلوا هذه التشابهات فوق طاقتها، وأن هذه التشابهات ”لا تنفي ولا تثبت“،[6] وأن تكرار رقم 12 في المسيحية وديانات وثنية مثلاً لا يعبر عن شيء، ويستشهد بكتاب سوتينوس ”القياصرة الاثني عشر“ وكانوا كلهم من الشخصيات التاريخية.[7] وهو بهذا يرد على المشككين في تاريخية المسيح. كما نجده يذكر أحد الكشوف الأثرية تثبت وجود يشوع بن نون، فوجدته متوازنًا جدًا في مسألة تاريخية المسيح والكتاب المقدس.

كما أعجبني عند العقاد إجابته لسؤال لماذا أحبت النساء شخص المسيح؟ يقول العقاد: ”لكن الرجل العظيم الذي يجتذب إليه قلوب النساء؛ لأنه يشيع فيها السكينة، ويبسط عليها الطمأنينة، ويفعمها بحنان الطهر والقداسة، ويريحها من وساوس الضعف والفتنة، أعظم في نفوسهن أثرًا من كل عظيم، وهو الذي من أجله ينسين الجسد ويرتفعن بحبهن له فوق مناط الظنون“.[8] كما أعجبني شرحه لفكرة أن المسيح ”أكمل الناموس“؛ إذ قال ”الناموس عهد على الإنسان بقضاء الواجب. أما الحب فيزيد عن الواجب“،[9] وشرح أن ”ناموس العقيدة هو الأصول الأبدية التي يقوم بها ضمير الإنسان“. كما برع العقاد في وصف صميم الرسالة المسيحية حين قال إن هدفها هو ”تغيير البواعث“ القلبية، أو ما أسماه تغيير ”المحور“.

كما أعجبني عند العقاد مقارنته بين الدعوة المسيحية والدعوة الوثنية، حين قال ”لم يتمخض العالم الوثني عن رسول يجمع الأقوام إلى دين واحد“ معللاً ذلك بافتقارهم إلى الحماس إلى ذلك، ”ولم يعرف التاريخ داعيًا وثنيًا تجرد للتبشير والإنذار غير حافل بالموت ولا مرتدع بما يلقاه من زواجر الإرهاب والوعيد“.[10] وأوضح العقاد أن الدول الوثنية كانت تفرض عبادة أربابها على الشعوب المغلوبة بالقوة، لكن رسالة الملكوت المسيحية فعلت نقيض ذلك؛ فقد غلبت (روحيًا) الدولة الرومانية والشرقية، وتحقق قول يوليان الجاحد: لقد انتصر الجليلي![11]

كما أعجبني أنه قال إن قبول المسيحية لم يتوقف فقط على الخوارق؛ لأن المعجزات التي فعلها المسيح لم تؤدِ إلى إيمان الكثيرين. لكنه يعزي قبول المسيحية إلى أن النفوس كانت مقفرة ومتعطشة، ولأن الناس رأوا المبشرين بها ”غير مكترثين لما يصيبهم.. فأصغوا إليهم وآمنوا كإيمانهم“.[12]

العقاد لم يعول كثيرًا على معجزات المسيح، بل قال ”إن المعجزة الكبرى هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على مر الزمن... رجل ينشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور، يفتح بالكلمة دولاً.. ولا ينقضي عليه من الزمن في إنجازه هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم إقليم واحد، وقد يخضع إلى حين ثم يتمرد“.[13] كما أعجبتُ للعقاد عندما قال إن الاختلافات بين الأناجيل معقولة عند استقصاء أسبابها والمقارنة بينها، وأن ”رفضها على الجملة أصعب من قبولها عند الرجوع إلى أسباب هذا وأسباب ذاك“.[14]

ثانيًا: نقاط الاختلاف التي لم أتفق معها

لكن بالرغم من النقاط السابقة التي أُعجبت بها، هناك الكثير من النقاط التي استغربتها، ووجدتها غريبة عن السياق الحضاري الذي نشأت فيه المسيحية. من هذه النقاط مثلاً أن العقاد يرى أن النبوة كانت سهلة في هذا العصر، مستشهدًا بوجود 400 نبي في عصر واحد في سفر الملوك الأول. بالطبع هو يرى الأمور من وجهة نظر إسلامية؛ إذ لم يكن هؤلاء الأنبياء بالمفهوم التقليدي لكلمة نبي. أحد الدارسين الكتابيين يرى النبوة ليس أن النبي يخبر (to inform) بأشياء مستقبلية أو برسالة جديدة، بقدر ما يساعد الشعب على أن يشكلوا (to form) مستقبلهم من خلال الطاعة لوصايا الله.

كما أن العقاد بشكل عام يحاول التلميح بأن المسيحية هي الرسالة الصحيحة لأنها جاءت في الوقت المناسب لها، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ودينيًا، وهذا ليس بعيدًا عن الصواب، لأننا نؤمن أن الله أرسل ابنه في ”ملء الزمان“، أي في الوقت المعين، وليس أفضل من توقيتات الله، لذلك فالعقاد لا يقترب كثيرًا من مسألة النبوات الدالة على مجيء المسيح وتحقيقها، بل يرى في عبقرية المسيحية أنها أتت لتروي عطش الناس إلى منظومة دينية وأخلاقية بعد أن أفلست المنظومات السابقة. في نفس السياق يرى أن صلب المسيح هو نتيجة حقد السياسيين عليه، وليس فداءً موعودًا به كما نؤمن، فيقول ”إن كل داعية محبوب خطر على سلطة التقاليد والجمود“.[15]  

كما أختلف مع العقاد في تفسيره لتجربة المسيح، على أنها تجربة كل نبي يصارع بين الشك واليقين، وهل هو مختار من الله أم لا. هذه التجربة بحسب الفكر الكتابي لها ما يوازيها في تجربة آدم في سفر التكوين، وتجربة شعب بني إسرائيل في البرية، وهذا مثال واضح لكاتب يكتب بعيدًا عن السياق الكتابي. كما يتعرض العقاد إلى مصطلح ”ابن الله“ لكنه يشرحه بمعنى البنوة العامة لله، مبتعدًا إلى حد كبير عن الخوض في النقاش حول ألوهية المسيح. كما أن العقاد يلمح بنهاية الدعوة المسيحية بمجيء دعوة الإسلام،[16] مشيرًا إلى أنه لو عاد المسيح ثانية اليوم لرفض الكثير من ممارسات المسيحيين.



[1]  عباس محمود العقاد، حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث، دار نهضة مصر، القاهرة، 1996.

[2]  عباس العقاد، حياة المسيح، ص 12.

[3]  نفس المرجع السابق، ص 42- 43.

[4]  نفس المرجع السابق، ص 53.

[5]  نفس المرجع، ص 60.

[6]  نفس المرجع، ص 75.

[7]  نفس المرجع، ص 76.

[8]  نفس المرجع، ص 80.

[9]  نفس المرجع، ص 105- 106.

[10]  نفس المرجع، ص 123.

[11]  نفس المرجع، ص 124.

[12]  نفس المرجع، ص 142.

[13]  نفس المرجع، ص 147.

[14]  نفس المرجع، ص 145.

[15]  نفس المرجع، ص 100.

[16]  نفس المرجع، ص 165.

الجمعة، 25 سبتمبر 2020

الآباء والفلسفة (مقدمة تمهيدية)



إصدار جديد لدكتور جورج عوض إبراهيم (60 صفحة)

الكتاب ده بيدافع في مجمله عن فكرة قالها بعض الباحثين في الغرب أن الرسالة المسيحية قد تحولت في السياق اليوناني إلى فلسفة، وإنها أخذت قوالب جاهزة من الثقافة اليونانية فأدى ذلك إلى تغيير أو تحويل عن رسالة الإنجيل الأولى النقية. يؤكد د جورج إن الكنيسة والآباء استخدموا مصطلحات الفلسفة فقط، الشكل فقط، كضرورة تاريخية، لأن ”التعبير عن الحق ليس واقعًا استاتيكيًا... بل عملاً تعليميًا إبداعيًا“ (ص 57).

يبدأ د جورج بالحديث عن الفرق بين الفلسفة واللاهوت، وأجمل شيء أنه قال إن الفلسفة هي ”أناكلبسي“ أي محاولة اكتشاف الله والخليقة، لكن اللاهوت هو ”أبوكالبسي“ أي كشف وإعلان من الله أو من فوق (ص 13، 14). وفي كلامه عن موقف آباء الكنيسة من الثقافة اليونانية شرح بوجود موقف الانتقاء، مثلما نصح ق باسليوس الشباب أن يكونوا مثل النحل الذي يختار الرحيق ويرفض ما هو ضار (ص 20). كما يذكر موقفين آخرين.

يلخص د جورج الاختلافات بين الفلسفة المسيحية والإعلان المسيحي في النقاط التالية:

-       في الفلسفة اليونانية المادة/ العالم أزلي، وفي المسيحية كل شيء مخلوق ما عدا الله هو الأزلي الوحيد.

-       في الفلسفة اليونانية العالم صادر عن الله بالضرورة، وبالتالي الوجود نفسه حتمي، لكن في المسيحية الله خلق العالم بحرية، والوجود في حد ذاته عطية تقود إلى الشكر، كذلك ”إن اليونانية القديمة تنهار أمام تحدي الحرية الوجودية التي تقدمها المسيحية بعقيدة الخلق من العدم“ ( ص24).

-       في الفلسفة اليونانية في سيادة للجوهر على الأقنوم، العام على الخاص، النفس على الجسد، لكن في المسيحية لا توجد هذه الأفضلية (ص 28).

-       في الفلسفة اليونانية التركيز في الإنسان عن النفس فقط، لكن في المسيحية الإنسان نفس وجسد، والجسد هيقوم، وده أمر غريب على الثقافة اليونانية.

-       في الفلسفة اليونانية الله هو المحرك الذي لا يتحرك، المعشوق الذي لا يعشق أحدًا، لكن في المسيحية في الشركة والحب، عكس الفلسفة اليونانية تمامًا (ص 29).

-       في الفلسفة اليونانية ”الكل ينبع من بداية أولى غير مشخصنة“، بينما المسيحية الله الشخص هو علة كل شيء (ص 49).

-       في الفلسفة اليونانية النفس واحد في الجوهر مع الكائن الإلهي، لكن في المسيحية النفس مخلوقة (ص 50).

-       مفيش في المسيحية الجواهر العقلية الخالدة والأخرى الحسية الفانية.. الثنائية السائدة في الفلسفة اليونانية.

في الخاتمة يشرح د جورج أن الآباء استخدموا الفلسفة اليونانية ليعبروا عن الحق في ثوب جديد، وبطريقة لا تبعد عن معايشة التقليد الكنسي. الفيلسوف يفتخر بإتيان شيء جديد، لكن آباء الكنيسة يجعلوا الماضي مستمرًا وحاضرًا متجددًا. وبالتالي كان لزامًا على الآباء أنهم يدرسوا المحيط الفكري بتاعهم علشان يقدروا يعبروا عن الحق الإلهي لديهم، والجميل إن رسالة بطرس الثانية بدأت هذا المنهج، بالإضافة إلى بولس في رسائله، ويوحنا الرسول في إنجيله.

بعض الآباء رأوا أن الفكر الفلسفي فيه بذور الحق الإلهي (مثل يوستين وإكليمندس) وبعضهم احتقرا الفكر الهليني (زي ترتليان) لكنهم فسروا وجود البذور دي بأنها مقتبسة من موسى والأنبياء. الأـولانيين خافوا إن المسيحيين يفقدوا ”الجانب التثقيفي في شخصياتهم“ وبالتالي تفاعلهم مع محيطهم، واللي ررفضوا الفلسفة خافوا إن المسيحيين يفقدوا ”تدبيرهم الكنسي الأصيل“ ( ص59).

ملاحظات بسيطة

يتطرق د جورج لبعض التحولات اللي حصلت بين الشرق والغرب. على سبيل المثال إن المدرسيين قالوا بأن الله يُكشف بوسيلة العقل، وأن العقل هو المسؤول عن الوصول إلى معرفة الله. لكني أرى أن المدرسيين ميزوا بين العقل وأهميته وفي نفس الوقت قصوره.. ولم يبالغوا في قيمة العقل إلى الدرجة التي يلغون بها أهمية الوحي أو الكشف. ومحتاجين نطيف عليهم نفس الأعذار اللي أعطناها للآب مع الثقافة اليونانية.. ونقول إن المناخ وقت المدرسيين كان بيشهد نهضة أرسطية.. فتفاعل اللاهوتين بما يقتضيه العصر.

ربما أختلف مع دكتور جورج أن الآباء قالوا إن خبرة النشوة/ الهذيان (أو ما يسمة الغيبة أو الانخطاف ecstasy) هي شيء مرفوض وشيطاني.. على العكس وظفها الآباء في سياق نسكي مثل مار اسحق السرياني، أو حتى في إطار عام زي ق أغسطينوس اللي بيحكي أنه اختبر هذا الانخطاف بصحبة أمه القديسة في كتاب الاعترافات. لكن الاختلاف هو كيفية حدوث هذه الغيبة والنتائج المترتبة عليها. وقد عبر د جورج عن فارق جوهري أن الانخطاف الوثني كانت غايته هو الاندماج أو لنقل الإفناء في الله فيلغى جوهر الإنسان في جوهر الله.. الأمر الذي لا يوجد في المسيحية، إذ يظل الإنسان مغايرًا في جوهره عن الله (ص 53).


الخميس، 24 سبتمبر 2020

السياسة عند الأب متى المسكين والبابا شنودة

 


مقدمة

يُوضع المتنيح البابا شنودة الثالث في كثير من السياقات في مقابلة عكسية (contrast) مع الأب متى المسكين. ومن بين هذه السياقات التحدث عن الدور السياسي في فكر كل منهما. هناك صورة أقرب إلى النمطية تقول إن الأب متى المسكين كان يدعو إلى أن تنأى الكنيسة بنفسها عن لعب أي دور سياسي وأن تخدم الوطن بالأخلاق المسيحية فقط. في المقابل كان البابا شنودة يبحث عن زعامة سياسية، وورَّط الكنيسة في صراعات سياسية ليست في نطاق دعوتها بالأساس. فالكاتب الشهير محمد حسنين هيكل في كتابه ”خريف الغضب“ يشير إلى مدرسة خاصة لكل منهما، ”البابا شنودة يرى أن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم حلولاً لكل المشاكل.. أما متى المسكين فكان له رأى آخر، وهو أن الدين علاقة بين الله وضميره، وأنه لا ينبغي أن تكون له علاقة بالسياسة“.[1] في هذا المقال القصير أود أن أحلل هذه الفكرة موضحًا عوار هذه النظرة النمطية.

الفرق بين الأسقف والراهب

تختار الكنيسة الأساقفة والبابوات من الرهبان، لكن حياة الخلوة في الدير شيء، ومسؤولية الأسقف الراعي شيء آخر. وتاريخ الكنيسة يعلمنا كيف أن آباء الكنيسة رفعوا دفاعات (apology) للولاة والأباطرة للدفاع عن قضية شعبهم. ربما لو قدِّر للأب متى أن يكون على رأس الكنيسة في هذه الحقبة، لفعل مثلما فعل البابا شنودة. فالأوضاع في مصر لم تكن مثالية. وفي فترة مبارك على الأقل لم تكن هناك حياة حزبية تشجع على انخراط العلمانين في العمل السياسي. وبالتالي لم يقدر العلمانيون من أبناء الكنيسة على الانخراط في العمل السياسي. فهل تتراجع الكنيسة وتقول هذه ليست مهمتي. بل عوضت الكنيسة ما عجز عنه العلمانيون، أو لنقل إن هذا الوضع فُرض عليها فرضًا.

غياب الزعامات والرموز الوطنية

كانت مشاركة الأقباط في ثورة 1919 قوية، لأن السياق وقتها كان داعمًا لهذه المشاركة الفعالة. وظهرت قيادات وطنية التف حولها الجميع مثل سعد زغلول وقيادات حزب الوفد. لكن في الخمسين سنة الماضية غابت الرموز الوطنية عن الساحة، ماذا يفعل الأقباط؟ وجدوا في البابا شنودة ضالتهم؛ إذ وجدوه القائد الملهم، والصحفي النابغ، والشاعر الحساس، والواعظ المفوه، والمدافع الشرس عن الأقباط أحيانًا، والباكي والمتوسل إلى السماء أحيانًا أخرى. هذه المواصفات والمواهب الفطرية عند البابا شنودة كانت لتكسبه قلوب الجماهير الكاسحة من ناحية، وتثير حفيظة خصومه السياسيين من ناحية أخرى.

تنامي الحركات الإسلامية المتطرفة والتهديد الوجودي

في فترة السبعينات إلى التسعينات تنامت الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتمدد الفكر الوهابي، وبالأخص بعد حرب أكتوبر وهجرة المصريين إلى دول الخليج. فنُهبت تجارة الأقباط، وحُرقت كنائسهم. ولا ننسى حادثة الزاوية الحمراء. تأكد الأقباط بأن وجودهم مهدد. نحن لا نتحدث هنا عن مشاركة سياسية أو مواطنة أو امتيازات معينة، بل نتحدث عن أزمة وجود. من هنا في رأيي يضع الأقباط أهمية على بناء الكنائس، لأنهم يعتبرون أن بناء الكنيسة بمثابة تشبُّث بأرضهم ووطنهم. في هذا الوضع لا يمكن للكنيسة ورأسها، البابا شنودة، أن يدير ظهره لشعبه ويظهر بموقف سلبي، بل القوة هنا مطلوبة لطمأنة شعبه.

هذا التهديد الوجودي هو ما دفع الأقباط للتعلق أكثر بالبابا شنودة، وثبَّت دوره القيادي، أو الزعامي إذا شئت، لكن بدراسة السياقات المختلفة نقدر أن نتفهم لماذا حدث ذلك. لم نكن في رفاهية الاختيار بين المشاركة الحزبية السياسية أو التقوقع داخل الكنيسة وتصدُّر الإكليروس. هذا الوضع فرضته الظروف كما بينت سابقًا.

الأب متى المسكين والدفاع عن الاشتراكية

من ناحية أخرى نرى الأب متى منخرطًا في السياسة بل ومدافعًا عن الاشتراكية الناصرية ومناصرًا لها، ويعتبر الاشتراكية ”تجربة عظمى... في جمهوريتنا الحديثة“،[2]وحكمًا أفضل مما عاشه الإنسان تحت عهود الملكية والإقطاعية“.[3] كما أنه يؤيد هذا النظام السياسي بتفاسير لآيات الإنجيل. كما أنه بشكل غريب يبرر تقييد حرية ”بضعة ألوف من الرأسماليين في سبيل تحرير ملايين الشعب“.[4] هذا النوع من البراجماتية هو عمل سياسي محض وليس له ما يبرره في المسيحية. فالغني لا يجب أن يُقيد ولا الفقير أيضًا. فليس الغنى خطية في حد ذاته بل الجشع. حسنًا يتراجع الأب متى عن تأييد نظام حكم بعينه فيما بعد؛ إذ يقول ”فالمسيحية وبالتالي الكنيسة ليس لها اتجاه خاص في أنظمة الحكم، ولا تناصر وضعًا اجتماعيًا أو سياسيًا.. لكنها تعمل ما هو أعظم من ذلك كله، فهي تهب أولادها حرية كاملة ليتصرفوا كل واحد منهم في أمور الدنيا حسب أصول الدنيا دون أن يجرح ضميره المسيحي“.[5]  

خاتمة

أعتقد أن كلاً من الأب متى المسكين والبابا قد أديا دورهما بكل أمانة. البابا شنودة على رأس الكنيسة يحارب من أجل قضية وجود شعبه وكنيسته في مناخ معادٍ. والأب متى في قلايته يحاول التحذير من خطورة الإفراط في تدخلات الكنيسة في المجال السياسي. وكلاهما على حق. في الوضع الطبيعي تبتعد الكنيسة عن مجال السياسة وتقدم أبناءها لينخرطوا في العمل المجتمعي والسياسي "بضمير مسيحي" كما يقول الأب متى. لكن الظروف وقت البابا شنودة كانت أقل من مثالية، وتعذَّر فعل هذا.    



[1]  عبد الله الطحاوي، فتنة طائفية، أم شرارة الصراع على الهوية، (مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2013)، ص 40.

[2]  متى المسكين، مقالات بين السياسة والدين، (دير أبو مقار، وادي النطرون، 1977)، ص 58.

[3]  نفس المرجع السابق، ص 57.

[4]  نفس المرجع السابق، ص 67.

[5]  متى المسكين، الكنيسة والدولة: الطائفية والتعصب، (دير أبو مقار، وادي النطرون، 2006)، ص 45.

الأحد، 20 سبتمبر 2020

لماذا تختلف السبعينية عن النص العبري؟

 


ما يقرب من 90% من اقتباسات العهد القديم الواردة في العهد الجديد تتبع الترجمة السبعنية، بينما 10% تتبع النص المازوري. وبالطبع هناك بعض الاقتباسات في العهد الجديد التي لا تتفق مع السبعينية ولا المازوري، ويُرجح أنها كانت ترجمة ارتجالية من الذاكرة. فيما يلي بعض الأمثلة الشهيرة للاختلافات بين النص السبعيني والنص العبري:

1- لوقا 4: 18- 19 ”رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ“. ده اقتباس من إش 61: 1- 2 ”رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ“. هنلاحظ إن عبارة ”ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ“ مش موجودة في الأصل العبري. هذه العبارة موجودة في السبعينية.. (راجع الترجمة الإنجليزية للمحررين Albert Pietersma & Benjamin G. Wright) صفحة 870.  

2- عبرانيين 10: 5 ”لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا“. ده اقتباس من مز 40: 6 ”بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ“. من أين جاء الاختلاف بين ”هيأت لي جسدًا“ و”أذني فتحت“.  اللافت أن كلاً من الترجمة السبعنية والنص العبري يتحدث عن الأذن وليس الجسد، وبالتالي إمّا كانت هناك ترجمة يونانية أخرى في القرن الأول لجأ إليها كاتب العبرانيين أو أنه أعاد صياغة النص، بعمل نوع من المجاز فاستبدل الجزء (الأذن) بالكل وهو (الجسد).

3- غلاطية 3: 13 ”إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»“. الاقتباس ده من تث 21: 23 ”فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ“.في النص العبري مفيش عبارة ”على خشبة“. بحسب إحدى مخطوطات السبعينية:

  his body shall not sleep upon the tree, but with burial you shall bury him that same day, for anyone hanging on a tree is cursed by a god."

الجدير بالذكر أن يوستين الشهيد اتهم اليهود انهم حذفوا عبارة ”على خشبة“ (الحوار مع تريفو 73).

4- مزمور 22: 16 بحسب السبعينية يقول: ”لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ“. لكن بحسب النص المازوري يقول: ”لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. مثل أسد على يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ“.

5- نفس الشيء مز 22: 20 بحسب المازوري يقول: ”أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِيmy only life“.لكن بحسب السبعينية Brenton انقذ ”وحيدي my only-begotten وهي كلمة مونوجنيس التي يستخدمها يوحنا 3: 16. 

6- مت 1: 23 ”هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ“. في النص العبري يقول في إش 7: 14 ”شابة alma تحبل“. وكلمة alma هي كلمة عامة قد تحتوي معنى عذراء أيضًا... لكن في السبعينية ترجمت بارثينوس بمعنى عذراء وهي ذات الكلمة التي استخدمها متى. جدير بالذكر أن اليهود اجتمعوا في مجمع جامنية وقالوا ان السبعينية ترجمة غير دقيقة.. ومنعوا استخدامها لصالح ترجمات أخرى (ثيؤدوتوس، أكويلا، سيماخوس).. وكان غرضهم مقاومة الانتشار المتزايد للمسيحية والاعتماد على هذه الترجمة. الترجمات الثلاثة ترجموا إش7: 14 بكلمة تعني ”شابة“ عادية. يرى بعض الآباء، ومنهم ق جيروم، أنه حتى لو ترجمت شابة وليست عذراء لا يلغي أن الآية تتضمن ميلادًا عذراويًا بالنظر إلى السياق.[1]

 

يشرح جان دانيلو في كتابه عن فيلو السكندري[2] أسباب الاختلافات بين السبعينية والنص العبري، مما يرجح أنها لم تكن ترجمة بالمعنى المتعارف عليه، وإنما كانت نوع من الترجمة التفسيرية التي تناسب الزمن الذي كتبت فيه. ويقدم الأسباب التالية:

1- في السبعينية نرى تركيز على شمولية إله إسرائيل، فنجد مثلا أم تعبير ”رب الجنود- يهوه صاباؤت“ ترجم في السبعينية في بعض المرات ”كيريوس بانطوكراتور- الرب ضابط الكل“.

2- في السبعينية نجد تركيز على نظرية الخلق الإلهي- وده مفهوم علشان يرد على نظرية أزلية المادة عند الفسلفة الوثنية، فمثلاً: (2صم  22: 32) ”لأَنَّهُ مَنْ هُوَ إِلهٌ غَيْرُ الرَّبِّ؟ وَمَنْ هُوَ صَخْرَةٌ غَيْرُ إِلهِنَا؟“ وقد ترجم  الجزء الأخير كالتالي ”مَن يكون خالقًا غير إلهنا؟“.

3- تعبير أبدي غير موجود في اللغات السامية فمثلاً أيوب 33: 12 ”أَنَا أُجِيبُكَ، لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ“ ستترجم إلى ”لأن من هو فوق الفانين هو أبدي“. للتمييز بين إله إسرائيل وآلهة الوثنيين. 

4-  كما اهتم اليهود في الثقافة الهلينية إعادة تفسير التعبيرات التي توحي بالتجسيم ”أنثربومورفيزم“، فمثلاً خروج 24: 10 ”وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ“ ترجمت إلى ”وروأوا مكان (topos) إله إسرائيل“. وذلك للحفاظ على التنزيه الإلهي. نفس الشيء ترجم تعبير ”يد الله“ إلى ”قوة الله“. ولنفس الهدف نُسبت بعض الأشياء للملائكة كانت منسوبة ليهوه في النص العبري. فمثلاً خروج 4: 24 ”وَحَدَثَ فِي الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّ الرَّبَّ الْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ“ قد استبدل الرب ب ”ملاك الرب“.

5- أراد مترجمو السبعنية التأكيد على عقيدتي القيامة والملائكة، فمثلاً في أيوب 42: 17 ”ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ“ نجد عبارة مضافة في السبعنية تقول ”مكتوب أنه سيقوم ثانية مع من يقيمهم الرب“. كذلك في تث 32: 8 يقول النص العبري ”حِينَ قَسَمَ الْعَلِيُّ لِلأُمَمِ، حِينَ فَرَّقَ بَنِي آدَمَ، نَصَبَ تُخُومًا لِشُعُوبٍ حَسَبَ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ“ ونجد أن السبعنية ترجمت الجزء الأخير ”حسب عدد ملائكة الله“. وفي مز 104: 4 يقول النص العبري ”وصَنَعْتَ الرِّياحَ رُسُلَكَ“ (ترجمة العربية المشتركة) وقد ترجم ”الجاعل ملائكته أرواحًا“.

7- أعاد مترجمو السبعنية الصياغة بحيث تؤكد على التوحيد في مقابل تعدد الآلهة في الوثنية خاصة عند ذكر كلمة إلوهيم (الله) وهي كلمة في صيغة الجمع. فمثلاً مز 97: 7 ”اسْجُدُوا لَهُ يَا جَمِيعَ الآلِهَةِ“ ترجمت ”يا جميع الملائكة“. وفي مز 138: 1 ”قُدَّامَ الآلِهَةِ أُرَنِّمُ لَكَ“ ترجمت ”قدام الملائكة“. وفي مز 8: 5 ”دونَ الإلهِ حَطَطتَه قَليلاً“ (الترجمة اليسوعية)، قد ترجمت ”أنقصته قليلاً عن الملائكة“. سنلاحظ أن بولس في رسالته للعبرانيين استخدم الثلاث آيات السابقة من النسخة السبعينية.

8- في نوع من التأقلم مع الثقافة اليونانية في الوقت ده، يعني مثلاً sheol أو مثوى الأموات هيترجم في السبعنية إلى هاوية hades  ترتاروس tartarus علشان اليونانيين يعرفوا التعبيرات الأخيرة دي من الإلياذة والأوديسة. نفس الشيء هنلاقي شيء لذيذ جدًا في ترجمة نش 1: 8 ”إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ“ زدي هنلاقيها مترجمة ”إن لم تعرفي نفسك.. أيتها الجميلة بين النساء“. و”اعرف نفسك“ فكرة وشعار أفلاطوني معروف. يقول جان دانيلو أن أوريجانوس أشار إلى هذا التشابه في تفسيره لنشيد الأنشاد (In Canticum, ii).

9- في السبعينية نوع من تعظيم المسيّا، فمثلاً مز 110: 3 ”شعبُكَ يَلتَفُّ حَولَكَ طَوعًا يومَ تقودُ جنودَكَ على الجبالِ المُقدَّسةِ، فَمِنْ رَحِمِ الفَجرِ حَلَ كالنَّدى شبابُكَ“ (العربية المشتركة)، وقد ترجم الجزء الأخير ”في بهاء قديسيك (ملائكتك). من الرحم قبل الصبح ولدتك“. ويعلق جان دانيلو بأن فكرة الوجود السابق للمسيّا في مجتمع الملائكة كانت فكرة مفضلة لليهود في هذا الزمن، ولا يستغرب أبدًا ترجمة العذراء في إشعياء 7: 9 لأن فكرة الأمومة العذراوية كانت معروفة عند فيلو السكندري.

ملحوظة: هذه الاختلافات ربما تدلنا بالأكثر على الرأي القائل بأن السبعينية هي ترجوم أكثر منه ترجمة بالمعنى الذي نفهمه الآن. وعلى غرار الترجومات الآرامية لنص العهد القديم. وبالتالي هي ترجمة تفسيرية قد تتضمن تعليقات تفسيرية لخدمة شعب له لغة وثقافة مختلفة. هناك لاهوتي اسمه Paul Kahle هو صاحب هذه النظرية (Septuagint as a Greek targum).  

 جدير بالذكر إن آباء الكنيسة كانوا يبجلون الترجمة السبعنية، فنجد أن ق إيريناؤس في ضد الهرطقات الكتاب الثالث فصل 21 بيقول إن ثيؤدوتون وأكويلا دخلاء على اليهودية لكن اليهود أنفسهم بناء على طلب بطليمودس ترجموا الآية ”عذراء“، ولو كان اليهود عرفوا أن الآية دي هتخدم المسيحية فيما بعد ”لم يترددوا بالمرة أن يحرفوا كتبهم المقدسة ذاتها“. كما يذكر ايريناؤس نفس القصة الاسطورية عن ترجمة السبعينية.

ويذكر أيريناؤس في نفس الفصل أن الرسل أقدم من كل الهراطقة .. و”الرسل يتفقون مع هذه الترجمة... والترجمة تنسجم مع تقليد الرسل؛ لأن بطرس ويوحنا ومتى وبولس والباقين بالتالي وكذلك تلاميذهم قد اقتبسوا كل الإعلانات النبوية، كما هي موجودة في ترجمة الشيوخ“. كما يؤكد أن ”هذه الترجمة تمت قبل نزول الرب، ووجدت قبل ظهور المسيحيين... وأن روح الله الذي بشر بواسطة الانبياء عن مجيء الرب.. قد أعطى بواسطة هؤلاء الشيوخ، ترجمة صادقة“ (ص 104). وجدير بالذكر أيضًا أن اوريجانوس في رسالته إلى افريكانوس ذكر أن شيوخ اليهود اخفوا قصة سوسنة وقصة نشرهم لإشعياء لأن فيها تشهير باليهود أنفسهم.  



[1]  رونالد هاينه، قراءة العهد القديم وفقًا للكنيسة الأولى، ترجمة عادل زكري، ص 181- 182.

[2] Jean Daniélou, Philo of Alexandria, Translated by James G. Colbert, pp. 69- 75.