الاثنين، 20 نوفمبر 2017

حوار نصف الليل

التوقيت: بعد الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
المكان: subcomment  على بوست أحد الأصدقاء.
 الهدف: كان عندي أرق.. ومش قادر أنام.. فحصل الحوار التالي بالصدفة.. (المهم أني قررت أستعمل نفس أسلوب التشكيك الذي يتبعه بعض الأحباء.)
أمنية قلبي: يا جماعة قبل ما تنتهج أسلوب في التشكيك أو مهاجمة فكرة مش عجباك لغرض ما في نفسك.. طبق نفس المعايير على أفكارك أنت.. حتى تكون أمينًا مع نفسك.
إليكم الحوار كما هو بتعديلات بسيطة للغاية:
--------------------
عادل (ردًا على صديق): بس أنت عارف أن لوقا مؤرخ.. يعني الطبيعي ان تكون القصة دي حرفية (أقصد حنانيا وسفيرة(.
هاني: إيه هي الأعمال التاريخية الأخرى للوقا؟
عادل: متزعلش.. تتبع (لوقا) منهج كتابة التاريخ.. في لوقا والأعمال.. كده كويس؟
هاني : آه. المقدمة بتقول انه تأريخ. هتفرق بقا لوقا وللا غيره ؟ ثم مين لوقا دا اصلا
مينا: عندك دليل إن لوقا كتبه أصلاً؟
عادل (ردًا على مينا): عندك أنت دليل إن لوقا مكتبوش؟
هاني : الدنيا مبتمشيش كدا. البينة على من ادعى .بس هتفرق إيه اسم الكاتب؟
عادل: أنا يا سيدي مطمئن قلبي إن لوقا هو اللي كتبه .. انت اللي شككت؟
هاني: ربنا يزيد قلبك اطمئنان.
عادل: شكرًا على الدعاء
عادل: عندك معلومة مين اللي كتب السفر .. لو مكنش لوقا هو اللي كتبه؟
هاني: اللى كتبه واحد اسمه كالستوس من بيرية. (لايك من مينا)
عادل: يالا فيدنا وقولنا مين الأخ (كاليستوس) ده .. وليه بتظن انه هو اللي كتب؟
هاني: دا كان معاصر للتلاميذ وشاف كل حاجة.كل اصحابي مطمئن قلبهم ان كالستوس هو اللى كتب انجيل لوقا.
عادل: أنت اتريقت على موضوع قلبي مطمئن ده.. لا تنهَ عن خُلق وتأتي بمثله!
مينا: تعريف كتبة الأناجيل الأربعه جاء في القرن التاني...لوقا اتكتب سنه ٨٠ (في الرينج ده...)
عادل (ردًا على مينا): دي مش إجابة .. أنت شككت في لوقا .. قول أنت مين اللي كتبه؟
هاني: أنا معروف وسط اصحابي إنى قديس وجاد لا أعرف السخرية
عادل: أنت بتشتت الحوار ليه؟
مينا: الكاتب غير معروف....أنا لا أعرفه... هو في رأيي في الأغلب شخص يوناني ولوقا لغته معقدة بعض الشيء.. يبقي كل الي اقدر اقوله انه يوناني علي معرفة جيدة بها (طبعا ده رأيي الشخصي)
عادل: طيب أنت عاوزني آخد برأيك الشخصي؟
هاني: الأناجيل نُسبت لأشخاص عرفا/ اصطلاحا. ميفرقش مع أى حد مين اللى كتبها.
عادل: يا أخ هاني .. أنت اللي شككت .. ترجع تقول ميفرقش .. طب ليه اتكلمت من الأول؟
هاني: حاضر مش هتكلم.
عادل: أنت طبعا حر .. بس يعني متفتكرش إنك كل ما هاتشكك في فكرة معينة .. إن أنا هجري وراك واتبنى آراءك.
مينا: رأيي الشخصي من جهة انه يوناني، اما من جهة انه غير معروف فده رأي المجتمع العلمي.
عادل: مين المجتمع العلمي ده؟
مينا: أول مصادر سمت انجيل لوقا بالاسم ده كانت في القرن التاني.
عادل: طب ما كويس القرن الثاني .. يعني حوالي ٤٠ سنة من كتابة السفر .. زي الفل .. جيل واحد .. قشطة!
مينا: الدنيا مبتمشيش كده، العادي في الوقت ده كان ان حد يكتب بيوجروفي لحد وينسب كاتبها لحد معروف... اللي يخليك تصدق إن لوقا كاتب انجيل لوقا يبقي صدق نفس الكلام عن انجيل توما.
عادل: تدرس كل حالة بحالتها .. الأدب الرؤيوي كان بينسبوا الاعمال لشخصيات زي أخنوخ .. لكن يوحنا في العمل الرؤيوي بتاعه ذكر اسمه بوضوح.
عادل: ها يا شباب .. في أي اعتراض تاني ؟؟؟
عادل: يا أستاذ هاني .. أتكلم براحتك .. يا لا أتكلم .. قولي ايه بتعترض عليه تاني..
هاني: أنا معترض إن الروح نزل في المعمودية على هيئة حمامة. ليه مش حصان أو كلب ؟
عادل: وليه مش حمامة؟
هاني: كفايةكدا. أنا فعلاً سلمت بضعف قدرتى على إقناعك.
عادل: لا .. لِسَّه .. أنت عندك كتير..
مينا: المسيحيه خرافات و حواديت... ولازال البعض يستميت في الدفاع عنها.
عادل: طب ليه متقولش إنك شخصيًا مصدق خرافة وبتستميت في الدفاع عنها. ؟؟؟
مينا: زي؟
عادل: الكومنت اللي فات على طول.
 مينا: مش فاهم قصدك.

عادل: المسيحيه خرافات و حواديت... ولازال البعض يستميت في الدفاع عنها.. (ليه معتبرش إن دي خرافة وأنت بتستميت في الدفاع عنها؟؟؟

الاثنين، 6 نوفمبر 2017

موجز نظريات أصل النفس

هناك 3 نظريات أساسية عن أصل النفس وكيفية اتصالها بالجسد. وهي كالتالي:
1- نظرية الوجود السابق (Pre-existence): مستمدة من الفلسفة الأفلاطونية، وتقول بأن النفوس كلها مخلوقة بشكل مسبق، ثم تنزل في الأجساد، غالبًا كفترة عقوبة على خطايا سابقة. البعض يقول إن النفوس خُلقت مع خلق السموات والأرض. تبنى هذه النظرية أوريجانوس، وإن كان البعض بينفيها عنه. إشكالية: هذه النظرية لا تؤكد على وحدانية الجنس البشري.. مقارنة بالنظريات التالية.

2- نظرية الخلق (creationism): النظرية دي باختصار تقول إن الله يخلق الأجساد بشكل غير مباشر في عملية طبيعية عن طريق الوالدين، أما النفس فيخلقها هو بشكل فائق للطبيعة بشكل مباشر مع كل طفل يُحبل به دون واسطة من الوالدين. (ربما في لحظة الإخصاب.. أو في مرحلة لاحقة زي توما الأكويني مثلاً بيقول إن النفس بتخلق بعد 40 يوم من الإخصاب في حالة الصبي، و90 يوم في حالة الصبية.) المهم، تبنى نظرية الخلق المباشر (في لحظة الإخصاب) معظم الآباء اليونانيين ومعاهم أمبروسيوس، وجيروم، وتوما الأكويني، وكالفن.
إشكالية النظرية دي إن النفس بتُخلق جديدة من الله.. فكيف يطالها فساد آدم وحواء. ولو خُلقت بفساد طبيعي، هيكون الله هو المسؤول عن هذا. كده يبقى ربنا خلق حاجة فاسدة من الأول!
مناصرو هذه النظرية بيعتمدوا على أنه في قصة الخلق، كان في تمييز بين خلق الجسد، وخلق النفس بالنفخة. ويعتمدون مثلاً على عبرانيين 12: 9 ”قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟“ الآية بتميز بين آباء الأجساد، والله أبو الأرواح. طبعًا ده تفسير. وآيات زي ”نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي.“ (مز 139: 13). وآية من زكريا بتقول عن الله ”جَابِلُ رُوحِ الإِنْسَانِ فِي دَاخِلِهِ.“ (زك 12: 1) الإشكالية التانية، لم يُذكر أن الله نفخ في حواء.. مثلما فعل في آدم؟؟

3- نظرية الانتقال (Traducianism): النظرية دي بتقول إن النفس بتتشكل من بذرة الوالدين (البويضة والسائل المنوي)، وكده معناه إن النفس والجسد مولودين، بواسطة الوالدين. الكلمة traducian من الكلمة اللاتينية tradux ومعناها فرع من شجرة. يعني نفس الجنين بتتفرع من الأصل (الأب والأم). تبنى هذه النظرية العلامة ترتليان، ومارتن لوثر.
مناصرو هذه النظرية اعتمدوا هما كمان على رسالة العبرانيين في سياق الحديث عن لاوي قال كاتب رسالة العبرانيين ”كَانَ بَعْدُ فِي صُلْبِ أَبِيهِ حِينَ اسْتَقْبَلَهُ مَلْكِي صَادَقَ“ (عب 7: 10). وبيعتمدوا على فكرة أن الله استراح من الخلق في اليوم السابع، وأنه خلق نفس آدم، ومنها كل البشرية بعد كده. لكن المسيح قال، في موقف متعلق بالسبت ”أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ.“ (يو 5: 17).
النظرية بتؤيد فكرة التناظر والوحدة بين النسل البشري كله، وبتقدم تفسير طبيعي بيولوجي جيني لوراثة الخطية (في إشكاليات في الفكرة دي أيضًا). وهنا نيجي لموقف القديس أغسطينوس اللي قال إنه عاجز عن اتخاذ قرار في المسألة دي. وكان بيتأرجح بين نظرية الخلق ونظرية الانتقال. تخوّف أغسطينوس من نظرية الانتقال لسببين: 1- أنه بتعطي الوالدين القدرة على خلق نفس خالدة (كتير عليهم بصراحة)، 2- أن نظرية الانتقال بتعطي انطباع بأن النفس مادية تُنقل بالولادة الطبيعة. (وطبعًا النفس من جوهر غير مادي). النفس جوهرها بسيط وغير مركب. مش هينفع تتقسم بين الأب والطفل (لأنها غير قابلة للانقسام).. فضلاً أنها مش هينفع ناخد جزء من الأم وجزء تاني من الأب (لأنها غير قابلة للتركيب).

بالرغم أن نظرية الانتقال بتقدم شرح واقعي أكتر لوراثة الخطية، لكن هتقابل إشكالية إن الخطية ليس لها جوهر ينتقل بالولادة، ومن ناحية تانية هيكون الزواج ليس وسيلة بركة وإثمار، بل لعنة وانتشار الخطية! طب إزاي نفسر وراثة الخطية في ضوء نظرية الخلق اللي يبدو فيها أن الله بيخلق نفس كل إنسان بشكل مستقل؟ الحل الأمثل، اللي شرحة كثير من الآباء، وعلى رأسهم ق أثناسيوس، إن الإنسان بطبعه فاسد وقابل للانحلال والموت لأنه مخلوق من العدم. وأنه في جنه عدن كان الخلود وعدم الفساد مُعطى له على سبيل نعمة، كانت ستستمر له بشرط الطاعة، ولكن مع العصيان فقد هذه النعمة. وكل حاجة رجعت لأصلها.. بس.    

الخميس، 26 أكتوبر 2017

هل كان المسيح كلبيًا (cynic)؟


اثنان من الدارسين فيما يُعرف بمنتدى يسوع (Jesus Seminar)، وهما ماك Mack وكروسان Crossan، قالوا بفرضية أن يسوع يمثل أحد الكلبيين cynics بناءً على فرضية أن المصدر Q  هو أول المصادر التي اعتمد عليها كتبة البشائر الأربعة، وزعموا أنها تقدم يسوع كأحد هؤلاء الكلبيين، فما مدى صحة هذا الزعم. في البداية، تأسست الفلسفة الكلبية Cynicism على يد واحد اسمه ”أنتيستينس“ في القرن الرابع قبل الميلاد. ولكن أشهر الكلبيين هو ديوجين، وله قصة شهيرة أنه كان ينام في برميل، ويمشي بمصباح في وسط النهار، ورفض مقابلة الأسكندر الأكبر الذي سمع عنه، فذهب إليه الأسكندر وقال له أنا الأسكندر أطلب ما تشاء، فقال له وأنا ديوجين، أبعد عن وجهي فقد حجبت نور الشمس عني.
من أهم سمات الكلبيين ما يلي:
-        الاكتفاء الذاتي (autarkeia)، والتخلي عن الممتلكات، أحدهم كان ثريًا وباع أملاكه كلها.
-        اللامبالاة apatheia.
-        العيش حسب الطبيعة، كل ما هو طبيعي فهو مقبول.
-      السلوك بلا خجل shameless يمكنه أن يتبرز أو يمارس الجنس أمام الناس، ربما جاءت التسمية من هنا، فهذا أسلوب حياة الكلاب (doglike lifestyle).  
-        مظهرهم العام: ملابس رثة، يستعطي، شعر أشعث، يمسك عصا، ينام في أي مكان، بلا مأوى ولا بيت.
-        حرية التعبير والكلام، واللغة العنيفة والساخرة في مخاطبة الناس.
-      الدعوة للتحرر من كل القيود الدينية والعائلية، فالكلبي ضد الثقافة وضد المجتمع إلى حد كبير.
من خلال السمات السابقة تستطيع أن تستنتج لماذا افترض بعض الدارسين أن المسيح كان من هذا النوع من الكلبيين. السيد المسيح بالفعل لم يكن ”لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ.“ (مت 8: 20)، وكان يعلِّم متجولاً، وبالفعل قاوم المظهرية الدينية في جيله، ويبدو من كلامه فكرة التحرر من القيود العائلية ”مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي.“ (مت 10: 37)، ودعى تلاميذه إلى الاكتفاء الذاتي ”لاَ تَحْمِلُوا كِيسًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ أَحْذِيَةً،“، وقال لهم أيضًا ”وَلاَ تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ.“ (لو 10: 4). وقد يبدو كلامه مناهضًا للمجتمع في العبارة الأخيرة. كذلك قال المسيح للشاب الغني ”اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ.“ (مرقس 10: 21)، وتوازيات كثيرة من هذا القبيل.
لكن بالتحليل الدقيق، سنكتشف فوارق أكثر من جوهرية بين أسلوب المسيح وأسلوب الكلبيين، كما يلي:
-        أهم جزئية من خدمة المسيح هو الشفاء وإخراج الشياطين، وهذا لا يوجد ما يوازيه عند الكلبيين.
-        الأمثال القصصية التي تميز بها أسلوب المسيح مع عامة الناس، ليس لها ما يوازيها لدى الكلبيين، بل هي ممارسة يهودية بلا شك.
-        في لوقا 10: 4 قال المسيح لتلاميذه: ”لا تحملوا كيسًا ولا مذودًا ولا أحذية.“، في حين كان المزود (وهو حقيبة جلدية) رمز الاكتفاء الذاتي عند الكلبيين. نفس الشيء في لوقا 9: 3، قال لهم المسيح ”لا تحملوا .. عصا.“ وكان العصا جزء شائع في مظهر الكلبيين.
-        وحتى عبارة ”لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِي الطَّرِيقِ.“ لوقا 10: 4، لا تعبر عن كراهية المجتمع، وإنما للتركيز على الإرسالية، وهذه الفكرة ضد الكلبيين الذين اشتهروا بالتحرش بالعامة من خلال السخرية والألفاظ العنيفة.
-        أمّا الاستعطاء الذي اشتهر به الكلبيون، فلم يكن سمة من سمات خدمة المسيح. دعى المسيح إلى المشاركة، والاعتماد على الله في توفير احتياجاته، وقال لتلاميذه ”كُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ.“ (لوقا 10: 8)، على سبيل المشاركة وليس إلى الاستعطاء. هذا الشكل من الحياة لم تشجعه الكنيسة بعد ذلك على الإطلاق. نقرأ في الديداخي الفصل 11 أن الرسول إن مكث لديكم ثلاثة أيام فهو نبي كاذب (11: 5)، وعندما يمضي لا يجب أن يأخذ سوى الخبز، فإذا طلب دراهم فهو نبي كاذب (11: 6)، والنبي إذا طلب أن تهيأ له مائدة وأكل منها، فهو نبي كاذب (11: 9)، وإن طلب فضة لا تسمعوا له (11: 12). هذه اللغة الحاسمة ترفض الاسلوب الكلبي في الاستعطاء، وهو يختلف تمامًا عن المشاركة والاعتماد على الله.
-        الكنيسة أيضًا رفضت مبدأ الاستعطاء كما في قول بولس ”إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا.“ (2تس 3: 10).
-      فكرة عدم الخجل بعيدة كل البعد عن أسلوب حياة المسيح، كان المسيح يشجع على اللياقة، بعد شفائه لمجنون قرية الجدريين وجدوا ”الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِسًا وَعَاقِلاً.“ (لوقا 8: 35).

-      لم يدعو المسيح للتحرر من القيود العائلية؛ فكلامه عن انفصال الرجل والمرأة عن أبويهم، هو نوع من الاهتمام بالأسرة الجديدة، ولا يعني انقطاع عن إطاعة الوالدين كما دعى الكلبيون، بل أن المسيح أكد في كلامه مع الكتبة والفريسيين أكد أن ”اللهَ أَوْصَى قَائِلاًأَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا.“ (لو 15: 4).

السبت، 21 أكتوبر 2017

الترجمات العربية للكتاب المقدس


عاشت الكنيسة وسط ثقافات متباينة؛ فلقد بدأت الكنيسة في أورشليم، وتحدث السيد المسيح بالآرامية، وكُتبت أسفار العهد الجديد باليونانية، وانتشرت المسيحية في العالم اليوناني المشبَّع بالثقافة الهلينية وقتها. لذا اعتمدت الكنيسة الترجمة المعروفة بالسبعينية (Septuagint)، وهي ترجمة للأسفار العبرية إلى اللغة اليونانية الأوسع انتشارًا في ذلك الزمان، وقام بها علماء يهود في القرن الثالث قبل الميلادي، بدعم من الإمبراطور بطليموس فلادلفيوس، وأصبحت هذه الترجمة هي الكتاب المقدس للكنيسة الناشئة.[1] كانت الأسكندرية مدينة هلينية بامتياز، في حين كانت أرجاء واسعة في مصر تتحدث اللغة القبطية التي تطورت عن اللغة المصرية القديمة. في هذه المرحلة عاشت الكنيسة في ثقافة مزدوجة: اليونانية والقبطية. حتى جاء الفتح العربي (640م)، وتراجعت هاتان الثقافتان تدريجيًا لصالح الثقافة العربية الإسلامية، وهنا برزت الحاجة إلى ترجمات عربية للكتاب المقدس لخدمة أبناء الكنيسة بعد أن أصبحت اللغة العربية هي السائدة، مع اقتصار اللغة القبطية على الاستخدامات الليتورجية فقط.
فيما يلي سرد تاريخي سريع لأهم جهود العلماء المسيحيين في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية:
-   ما قبل ظهور الإسلام (640م): دافع بعض الدارسين، مثل الأب لويس شيخو، عن وجود ترجمات عربية للكتاب المقدس في العصر الجاهلي، حيث وجدت حضارة مسيحية في منطقة الجزيرة العربية، كما وجد الكثير من الشعراء والأدباء المسيحيين مثل عدي بن يزيد، وأمية بن أبي الصلت، والقس ورقة بن نوفل، والذبياني وغيرهم. وقد ظهر في أشعارهم تأثرهم بنصوص الكتاب المقدَّس. ومِن ثَم لا يستبعد الدارسون وجود ترجمات عربية للكتاب المقدس في هذه الحقبة في هذه المنطقة.[2]   
-      عام 639م: ينقل المؤرخ ابن العبري أن الأمير سعد بن أبي وقاص دعى البابا يوحنا بطريرك اليعاقبة ليترجم الإنجيل إلى العربية بشرط أن يحذف أمورًا تتعلق بلاهوت السيد المسيح، فرفض البابا يوحنا، فتركه الأمير لشأنه، فعكف على هذه الترجمة.
-     عام 724م: يُقال إن الخليفة المأمون كلّف يوحنا أسقف إشبيلية (في أسبانيا) بترجمة الأناجيل إلى العربية من الفولجاتا اللاتينية.
-       عام 813-833 م: يرى بعض الدارسين أن أول ترجمة عربية للكتاب المقدس قام بها مُسلم يدعى أحمد بن عبد الله بن سلام.
-   عام 867م: توجد مخطوطة ترجع لهذا التاريخ لترجمة عربية لأعمال الرسل والرسائل كلها، وعليها تعليقات لشخص يسمى بشر بن السري، ونشرها الدكتور هارفي ستال عام 1985م.
-       عام 870م: هناك تواتر يشير بأن حنين بن إسحاق في أيام الخليفة المتوكل قام بترجمة العهد القديم عن السبعينية، ولكنها فقدت.[3] 
-       عام 885م: توجد مخطوطة لترجمة عربية عن اليونانية تمت في دير مار سابا بالقدس.
-       عام 897م: توجد مخطوطة تحمل رقم 72 لترجمة عربية ترجع إلى هذا التاريخ.
-       عام 930: توجد ترجمة لأسفار التوراة وسفر إشعياء تعود إلى هذا التاريخ قام بها العالم اليهودي سعيد الفيومي، وهو أحد علماء الكتاب المقدس المعروف في الغرب باسم سعديا جاوون (Saadia Gaon).
-       عام 950م: ترجمت المزامير بأسلوب شعري، وقام بهذه الترجمة الحفص بن ألبر القوطي، ونشرت في فرنسا عام 1994م بفرنسا.
-    في القرن العاشر أيضًا: ترجمت الأناجيل الأربعة محبوكة في إنجيل واحد (تُسمى دياطسرون)[4] عن السريانية بواسطة أبو الفرج عبد الله بن الطيب (المتوفي 1043م).
-       في القرن العاشر أيضًا: ترجم إسحاق بن فلاسكيز الأناجيل الأربعة إلى العربية.
-     في القرن الثاني عشر: قام رجل سامري يدعى "أبو سعيد" بترجمة أسفار موسى الخمسة إلى اللغة العربية الدارجة، وطبعت في هولندا عام 1851م.[5]
-    عام 1250م: ترجم العالم السكندري هبة الله بن العسال الأناجيل الأربعة، واعتمد فيها على أسلوب تحقيق النصوص ومقارنتها مع ترجمات أخرى مثل اليونانية والسريانية والقبطية. هذه الترجمة تم تبسيطها في مرحلة لاحقة، وسميت لأهميتها باسم "الفولجاتا السكندرية".[6]
-     عام 1516م: بعد اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، تم طبع سفر المزامير، وهو أول ما طبع من الكتاب المقدس باللغة العربية، في مدينة جنوه بإيطاليا.
-       عام 1583م: تمت طباعة رسالة غلاطية باللغة العربية في هيدلبرج بألمانيا.
-       عام 1591م: تمت طباعة الأناجيل الأربعة عن الفولجاتا السكندرية بعد إدخال تعديلات عليها.
-       عام 1610م: طبع الرهبان الموارنة في لبنان سفر المزامير بجوار النص السرياني.
-       عام 1611م: تمت طباعة رسالة يهوذا باللغة العربية في مدينة برسلو بألمانيا.
-       عام 1612م: تمت طباعة رسالة باللغة العربية تيطس بجوار النص اللاتيني.
-       عام 1614م: تمت طباعة سفر المزامير باللغة العربية بجوار النص اللاتيني في روما بإيطاليا.
-       عام 1616م: تمت طباعة العهد الجديد كاملاً باللغة العربية لأول مرة في مدينة ليدن بهولندا.
-    عام 1654م: تمت طباعة رسالة يعقوب ورسائل يوحنا الثلاث ورسالة يهوذا بجوار النص اللاتيني والأثيوبي في ليدن بهولندا.
-    عام 1671م: تمت طباعة أول نسخة للكتاب المقدس كاملاً باللغة العربية في روما تحت إشراف هيئة برئاسة الأسقف سركيس بن موسى الرزي مطران دمشق.[7] سميت هذه الترجمة بـ "البروباجندا"، واستُخدمت مصطلحاتها في ترجمات هامة لاحقة.[8]
-       عام 1706م: تمت طباعة سفر المزامير باللغة العربية في حلب.
-       عام 1725م: تمت طباعة سفر المزامير باللغة العربية في لندن، بمعرفة جمعية نشر المعارف المسيحية في بيروت.
-       عام 1727م: تمت طباعة العهد الجديد كله في لندن بمعرفة جمعية نشر المعارف المسيحية.
-       عام 1752م: تمت طباعة قام بها روفائيل الطوخي عن القبطية في روما.
-       عام 1816م: ظهرت ترجمة للعهد الجديد باللغة العربية في كلكتا بالهند، وشارك بها اللغوي الشهير هنري مارتن.
-       عام 1852م: ظهرت ترجمة أخرى للعهد الجديد بجوار النص القبطي قام بها العلامة وليام كيوربتون بمعرفة جمعية نشر المعارف لمسيحية في بيروت.
-       عام 1857م: ظهرت ترجمة فارس الشدياق ووليم واطس.
-    عام 1865م: صدرت الترجمة البيروتية الشهيرة باسم ترجمة "فانديك" أو ترجمة البستاني. وساهم في هذا العمل المرسلان الإنجيليان إيلي سميث وكرنيليوس فانديك، وكل من الشيخ ناصيف اليازجي، والمعلم بطرس البستاني، والشيخ الأزهري يوسف الأسير.
-       عام 1876م: صدر الجزء الأول من الترجمة اليسوعية (من التكوين لأستير).
-       عام 1878م: صدرت الترجمة اليسوعية للعهد الجديد كاملاً.
-    عام 1880م: صدرت الترجمة اليسوعية لبقية الأسفار، بما ذلك ما يُعرف بالأسفار القانونية الثانية. ساهم في الترجمة اليسوعية كل من العلامة إبراهيم اليازجي ابن الشيخ ناصيف اليازجي، والآباء اليسوعيين أغسطينوس روده، وفيليب كوش، وجوزيف روز، وجوزيف فان هام.
-       عام 1935م: صدرت ترجمة للأناجيل الأربعة تحت إشراف الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس.
-       عام 1953م: ظهور الترجمة البوليسية التي قام بها الأب جورج فاخوري.
-    عام 1969م: صدرت في بيروت ترجمة جديدة للعهد الجديد قام بها الأبوان اليسوعيان صبحي حموي ويوسف قوشاجي، وهذب عباراتها الأستاذ بطرس البستاني.[9]
-     عام 1975م: صدرت ترجمة للأناجيل الأربعة قامت بها لجنة برئاسة الأنبا إغرغوريوس أسقف البحث العلمي، واهتمت بمقارنة النصوص القبطية القديمة، وشارك في العمل الأستاذ زكي شنودة، ومراد كامل، وباهور لبيب، وحلمي مراد، وصدرت عن دار المعارف بمصر.
-  عام 1979- 1993م: ظهرت الترجمة العربية المشتركة، والتي ساهمت فيها مختلف الطوائف المسيحية (كاثوليكية- أرثوذكسية-وإنجيلية). تمت بإشراف خبير الترجمة وليم ريبورن، وهذب عباراتها الشاعر يوسف الخال، وساهم في الترجمة المطران أنطونيوس نجيب، والقس فهيم عزيز، والدكتور موريس تاوضروس، وفي العهد القديم كمترجم أساسي الاب بولس الفغالي. صدرت ترجمة العهد الجديد عام 1979م، وتوالت الطبعات حتى صدر الكتاب المقدس كله عام 1993.[10] اعتمدت هذه الترجمة على النص المحقق للعهد الجديد، واستبعدت الألفاظ العربية المهجورة، واستخدمت لغة عربية حديثة.[11]
-    عام 1982: ظهور ترجمة كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية، للعهد الجديد فقط، وقام بها كل من الأستاذ جورج حصني، والأستاذ سعيد باز.
-       عام 1988م: ظهرت ترجمة كتاب الحياة للكتاب المقدس كله، بعد أن قام الدكتور صموئيل عبد الشهيد بترجمة العهد القديم.[12]
-    عام 1991: صدرت ترجمة للأناجيل الأربعة قام بها الأخ أبو الطيب القدسي، وصدرت في القدس، بعنوان "الترجمة القدسية للأناجيل السنية".
-       عام 1993م: ظهرت ترجمة للعهد الجديد باسم الإنجيل الشريف لفائدة العرب في شمالي إفريقيا، وقام بها صبحي عبد الملك.
-       عام 2004م. صدرت الترجمة العربية المبسطة عن المركز العالمي لترجمة الكتاب المقدس في تكساس.
ربما تتضح من العرض السريع السابق لجهود علماء المسيحية في ترجمة الكتاب المقدس للغة العربية عدة حقائق منها: أولاً، لقد أدركت الكنيسة منذ بداياتها أهمية توصيل رسالة الكتاب المقدس إلى كل إنسان باللغة التي يفهمها. ثانيًا، أدركت الكنيسة أن القدسية ليست للحرف بل الرسالة؛ فلم تقف أمام ترجمة الكتاب المقدس إلى أي لغة. ثالثًا، أدركت الكنيسة أن اللغة كائن حي يتطور عبر الزمن، فحرصت على تنقيح ترجماتها من حين لآخر. رابعًا: استفاد الجميع من الجهود السابقة لهم بقدر ما كانت تسمح به وسائل الاتصال في هذه العصور، ويتضح جليًا أن هذا المسعى اشتركت فيه كافة الطوائف المختلفة للكنيسة. خامسًا، تزامن نشاط ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية مع انتعاش الكنيسة الناطقة بالعربية ومع إنتاجها أدبًا لاهوتيًا لا بأس به.[13] سادسًا، كانت الترجمات لخدمة الكنيسة؛ في الحفاظ على وعيها برسالة الخلاص المتضمنة في الكتاب المقدس، وفي عباداتها، وفي رسالتها تجاه المجتمع الذي تعيش بين جنباته.



[1]  دائرة المعارف الكتابية، الدكتور القس صموئيل حبيب وآخرون، إصداردار الثقافة، المجلد الثاني، صفحة 350.
[2]  للمزيد حول هذا الأمر انظر الأب سهيل شقا، ترجمات الكتاب المقدس في الشرق، نشره الأب أيوب شهوان، الرابطة الكتابية، لبنان، صفحة 79- 83.
[3]  دائرة المعارف الكتابية، المجلد الثاني، صفحة 355.
[4]  إفرام يوسف، الفلاسفة والمترجمون السريان، ترجمة شمعون كوسا، إصدار المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى 2010، صفحة 232.
[5]  دائرة المعارف الكتابية، المجلد الثاني، صفحة 356.
[6]  عبد المسيح أسطفانوس، تقديم الكتاب المقدس، صفحة 106.
[7]  دائرة المعارف الكتابية، المجلد الثالث، صفحة 356.
[8]  أيوب شهوان، ترجمات الكتاب المقدس في الشرق، بحوث بيبلية-30، إصدار الرابطة الكتابية، صفحة 269.
[9] الدكتور القس عبد المسيح أسطفانوس، تقديم الكتاب المقدس، صفحة 117.
[10]  الدكتزر غسان خلف، أضواء على ترجمة البستاني-فانديك، جمعية الكتاب المقدس لبنان، طبعة 2009، صفحة 17.
[11]  جورج فرج، المدخل إلى تفسير العهد الجديد، أكتوبر 2014، صفحة 70.
[12]  غسان خلف، أضواء على ترجمة البستاني-فانديك، صفحة 17.
[13]  أيوب شهوان، ترجمات الكتاب المقدس في الشرق، صفحة 261.