الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

شرح رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية: شذرات للقديس كيرلس السكندري

 

هذا الكتاب ترجمة ودراسة وتحليل للدكتور ليديا عادل حنا، ومن إصدار دار نشر جذور، ويقع في 180 صفحة تقريبًا  القطع المتوسط. تذكر المترجمة أنها اعتمدت على النص اليوناني الذي أصدره العالم Pusey، والترجمة الإيطالية للنص. اللغة العربية إلى حد كبير سليمة ومفهومة. في المقدمة تقول المترجمة إنها أول ترجمة عربية للنص، لكن منذ أيام فقط قبل صدور ترجمتها صدرت ترجمة لنفس النص بمعرفة القس بولا رأفت عن اللغة الإنجليزية والمقارنة بنفس النسخة اليونانية التي أصدرها Pusey. وقد صدر للتو ترجمة ثالثة للنص ذاته بمعرفة مركز النور الحقيقي! 3 ترجمات لنص واحد في شهر واحد. نشكر ربنا! لم أتمكن إلا من قراءة الترجمة الصادرة عن دار نشر جذور.  

  



المقدمة الدراسية سلسة وبسيطة ومعبرة بشكل كبير عن محتوى النص. وإن كنت أختلف مع فكرة اتباع ق كيرلس للمنهج الأوريجاني الرمزي (الأليجوري) في هذا النص بالذات. هذا النص ليس به أي تفسير رمزي أليجوري، بل يتبع ق كيرلس التفسير الرمزي التيبولوجي، أو ما يسيمه البعض ”النماذجي“. وأوريجانوس كان heavy allegorist أما ق كيرلس فليس كذلك على الإطلاق.   

أما عن ترجمة النص فلدي بعض الملاحظات الشخصية على بعض الجمل المترجمة، وهذا بالطبع لا يقلل من الجهد المبذول. في المعتاد يتحمل المترجم عبئًا كبيرًا في الترجمة، لكن الكمال لله وحده.

المسيح هو ابن الله بالطبيعة (لاهوتيًا)

نقرأ ”هو ابن الله الذي بسبب ناسوته، حُسب كواحد منا. فمن جهة الطبيعة ]طبيعته البشرية[ هو ابن الله في القدرة وبالحق“ (ص 44). هو ليس ابن الله في القدرة من جهة طبيعته البشرية، الإضافة بين القوسين غير صحيحة. إنه بسبب ناسوته واحد منا، وبسبب (طبيعته اللاهوتية) هو ابن الله بالقدرة. تكرر نفس الخطأ في السطور التالية: ”إذا قارنا أنفسنا بالابن، الذي بسبب طبيعته ]البشرية[ يشهد له الآب بأنه ابن بالطبيعة بالقدرة وبالحق، نكون نحن مثل صور مقارنة بالأصل“ (ص 44، 45). الصورة التالية من التفسير المسيحي القديم:



اختلاف الأقانيم ليس في الجوهر

في الفصل 17 تأتي الترجمة ”بسبب أسماء الأقانيم وجوهرهم وتمايزهم، يُظهر كل أقنوم اختلافه الخاص“ (ص 71). في الواقع النص اليوناني ليس به كلمة ”جوهرهم“. الكلمتان الواردتان في النص اليوناني هما هيبوستاسات، التي تترجم أقانيم، وبرسوبونات προσώπων والتي تترجم أشخاص. كما أنه من المعروف أن الجوهر ليس سببًا في اختلاف الأقانيم، فالجوهر واحد.  

مفهوم المبادلة ντάλλαγμα 

ورد مفهوم المبادلة مرتين في هذا النص، أولاً في الفصل 5 في الشرح على رو 3: 21- 26 حيث يتحدث عن أن المسيح قدم كفارة، و”وجعل من دمه الخاص ثمن فداء حياة الجميع“ (ص 51)، لكن الترجمة هنا غير دقيقة. التعبير اليوناني هو ντάλλαγμα  وهو يعني البدل والعوض، وبه معنى المبادلة والمقايضة، وليس هناك معنى ”الثمن“ على الإطلاق.

المرة الثانية في الفصل 85 على رو 15: 7- 9 حيث الكلام عن الآب الذي بذل ابنه الوحيد من أجلنا ”لقد بُذل كثمن عتق حياتنا أجمعين“ (ص 175). مرة أخرى النص يحتوى على لفظة ντάλλαγμα ولا يوجد معنى الثمن أو العتق. والترجمة الأدق أن الآب ”قدمه عوضًا عن حياة الجميع“. للمزيد عن أهمية هذا المصطلح في الجدل السوتيرولوجي راجع المدونتين الواردتين في الهامش.[1]    

هل الخطية موجهة ضد الله أم في حق الطبيعة البشرية؟

في المقدمة (ص 33) تقول المترجمة إن الخطية في حكم الناموس القديم تكون ”مخالفة ضد الله وموجهة ضده“، أمّا في المفهوم المسيحي فالخطية ”مخالفة ترتكب في حق الطبيعة البشرية“. فمن أين جاء هذا التقسيم؟ في فصل 37 تأتي الترجمة التالية: ”لكني أقف في مكان المتَّهم بالخطية، التي هي مخالفة تُرتكب في حق الطبيعة البشرية، وتسود على أذهاننا“ (ص 91). أولاً في الترجمة الإنجليزية هذا التعبير ”مخالفة في حق الطبيعة البشرية“ غير موجود بالمرة، وبالرجوع إلى النص اليوناني واستشارة أحد المتخصصين لا وجود له أيضًا. الترجمة المقترحة هي ”أنا لا ألوم الناموس على هذا، وأنا أقف إن جاز التعبير لأتهم الخطية. إنها تُخضع الطبيعة البشرية وتقوى على فكرنا..“. فأخشى أن تكون الترجمة غير دقيقة وقد بُنيت عليها فكرة غير دقيقة.

حسب قصد مَن؟

في الفصل 49 يفسر ق كيرلس تعبير ”الذين هم مدعون حسب القصد“، ويتساءل: قصد مَن؟ مَن دعى؟ أم قصد المدعوين؟ ويصل إلى كليهما both، لكن المترجمة استعملت ”سواء“ قصد الله، أو قصد المدعوين. و”سواء“ غير ”كليهما“. ”كليهما“ تعبر أكثر عن فكرة السينرجيا التي أكد عليها ق كيرلس. الصورة التالية من التفسير المسيحي القديم:  


التعليم عن وراثة الخطية

في المقدمة تقول المترجمة ”إن إشكالية التفكير في إمكانية وراثة الخطية من آدم تقود إلى التفكير في أن الإنسان مسير غير مخير، وهذا بالطبع يتنافى مع مبدأ الحرية الإنسانية في المسيحية“ (ص 30). المتابع للجدل حول هذا الموضوع، لن يجد خلاف على حرية الإرادة حتى بعد سقوط الإنسان، فلا يقول أحد بما قاله لوثر عن عبودية الإرادة، بل يقولون بإن إرادة الإنسان لا تزال فاعلة، وبمقدورها أن تقبل أو ترفض التعاون مع نعمة الله. محور الجدل هو حول ما الذي تأثرنا به جراء سقوط الأبوين الأولين؟ بل ليس لدى البعض مشكلة في أن يقولوا إننا لم نكن مع آدم وقت ان أكل من الشجرة (هذا يُسمى وراثة الذنب)، لكن هؤلاء أنفسهم يرفضون الاكتفاء بالقول بوراثة الموت فقط.

د جورج عوض في ترجمته لكتاب القديس كيرلس ”الإيمان القويم إلى الملكات“ في الحاشية الورادة في ص 230، يؤكد على الفرق بين قراءة أغسطينوس لآية رو5: 12 ”إذ أخطأ الجميع“، ”في آدم“ بحسب أغسطينوس، و”في الموت“ بحسب الآباء الشرقيين. ويشرح د جورج إن الموت الناتج عن الخطية هو السبب في خطايا بقية الجنس البشري بخلاف آدم... هذه الفكرة قال بها لاهوتيو الروم الأرثوذكس وغيرهم، ورومانيدس في كتابه ”الخطية الجدية“ يقول إنه بسبب الموت، لاحظ بسبب الموت ”أصبح الإنسان يهتم بضروريات الحياة لكي يبقى حيًا... وتصير قوة الخوف من الموت، الأصل الذي منه ينبع تعظيم الذات والأنانية والكراهية والحسد وغيرها من الأهواء المماثلة“.[2] يشرح رومانيدس أن الإنسان في محاولته لتجنب الموت أصبح يخاف من أن تصبح حياته بلا معنى.. فيبدأ في السعي وراء أمان زائف في شهواته.. ”ويسعى للأمان والسعادة في الثروة والمجد والمتع الجسدية“. ستلاحظ في هذا الكلام أنه لا ذكر لعطب/ أو جُرح/ أو خلل ما حدث في طبيعة الإنسان الأول، مما سهل على نسل آدم أن يخطئوا. بل الحديث كله يعتمد على أن فكرة الخوف من الموت هي سبب استعباد الإنسان للملذات.

لكن ق كيرلس لا يتبنى هذه النظرة.. وقبل كل شيء في النص الذي أمامنا توجد عبارة واضحة تقول: ”لقد حُكم علينا بالموت بسبب تعدي آدم، بما أنه هو بكر البشرية، فالطبيعة البشرية كلها قد ارتكبت هذه الخطية فيه ]في آدم[“ (ص 63)، وإضافة ]في آدم[ من المترجمة، وبالتالي هذه الترجمة تدعم تفسير أغسطينوس وليس الآباء الشرقيين بحسب إشارة د جورج عوض السابق ذكرها. لكن السؤال هنا هل ق كيرلس قال بأن كل ما ورثناه من آدم هو الموت، والخوف من الموت هو سبب كل الشر الذي نحن فيه؟ الإجابة كما تتضح لي هي: لا. تعالوا لننظر تعبيراته عن حالة الإنسان قبل السقوط.

-      فقد هاجمت الخطية أيضًا الطبيعة البشرية“ (ص66) (الترجمة الإنجيلزية تقول: ”لقد اندفعت الخطية في الطبيعة البشرية“).

-      لأن صخب الغرائز الفوضوية لم يكن فيه، فهكذا كان يخلو من أي نوع من أنواع حقارة الشهوات“ (ص 67) الترجمة الإنجليزية تقول: ”كل الملذات المخزية كانت غير متحركة فيه، ولم يوجد أي اضطرب لنزعات غريبة فيه“). ثم يضيف ق كيرلس ”لكن بعد أن وقع فريسة للخطية وانغمس في الفساد، غزت الشهوات وعدم الطهارة طبيعة الجسد. وهكذا نشأ الحكم الذي يحتدم في أعضائنا. إن مرض الخطية قد أصاب الطبيعة بسبب معصية إنسان واحد، آدم“. الترجمة الإنجليزية هنا تقول ”نشأ الناموس المتوحش في أعضائنا“.

-       ق كيرلس في كتابه ”الإيمان القويم للملكات“ ص 299: يردد نفس فكرة ”ناموس الخطية المتوحش“: ”لأنه إذ كان (المخلوق الأول) قد سقط مرةً واحدة في الخطية، وصار أسير ضعفه، وتغذت طبيعته بشهوات الجسد الذي أصبح جذرًا وحاملاً لناموس الخطية المتوحش، فكيف له أن يتجنب هذا تمامًا؟ويقول مرة أخرى ص 245 إن الطبيعة البشرية (في المسيح) هزمته (أي الشيطان) بمعونة المسيح وعطلت ناموس الخطية المميت الذي توحش في أعضاء الجسد، لأنه أبطل بواسطة المسيح“. وبالتالي اقترحت منذ فترة أن نستبدل الكلام عن وراثة الخطية، بوراثة ”ناموس الخطية المتوحش“ بحسب تعبير ق كيرلس!

-       في الفصل 19 وفي سياق حديثه عن ”جسد الخطية“ يقول القديس كيرلس: ”تمت دينونتنا في آدم، إضافة إلى أنه قد أصيب (الجسد الترابي) بمرض اللذة الشهوانية. تلك إذن هي طبيعة الجسد البشري، فهو مدفوع بالغرائز الفطرية“ (ص 77)، وبالتالي يمكن اعتبار وراثة الخطية بأنها وراثة الجسد المصاب بمرض اللذة الشهوانية. وأيضًا في كلامه عن هذا الجسد يقول ”بحسب طبيعته دائم الميل نحو الخطية مدفوعًا بالغرائز الفطرية“ (ص 77)، وأيضًا ”الشهوات الفطرية الشرسة التي تحرك الذهن كل حين فتغرقه في الفساد“ (ص 78). بالتالي أيضًا يمكن اعتبار وراثة الخطية هي وراثة هذه الطبيعة التي تميل دائمًا نحو الخطية، والشهوات التي تغرق الذهن في الفساد. هذه كلها تعبيرات ق كيرلس نفسه.

-       في الفصل 28 الناموس ”يدين الطبيعة البشرية على مرضها الشديد بالخطية“ (ص 93).

-       في الفصل 29 بولس ”يتحقق بدقة .. ويحفر عميقًا في الأمراض التي عششت في أنفسنا ويصف نواة المتعة الفطرية“ (ص 97) أو في ترجمة أخرى: ”يتهم الجسد بمحبة اللذة فطريًا“. أحد معاني وراثة الخطية أن الجسد أصبح مريضًا بالشهوة ومحبًا للذة.

-       في الفصل 30 بولس ”يعود مجددًا لتحليله الثاقب لطبيعة الجسد، كما أنه بطبيعة الحال، يتفكر في قوة الأمراض التي تصيبنا: فسواء كانت الشهوات التي تدفع (بالإنسان) نحو أي من الأهواء، أو الاتهامات بالعيشة المكرسة للملذات، فإن مصدر الاثنين يوجد في الجسد“ (ص 99). الترجمة الإنجليزية تقول الآتي: ”يعود.. ويتفكر في قوة الأمراض التي تسكن طبيعيًا داخل الجسد. وهذا لأن الغرائز، والتي تؤدي إلى كل أنواع الشهوة، وخطايا الحياة الغارقة في اللذة، فإن الجسد مصدرهما“. الجسد مصدرهما! هذه هي وراثة الخطية، لدينا جسد تقبع فيه أمراض تسكن طبيعيًا فيه، وهو مصدر الغرائز والخطايا. هذا كلام ق كيرلس!

-       في الفصل 31 ”طبيعة الجسد غير محتملة... وإن كانت تنشئ في النفس الشهوات الوحشية، حينئذٍ يكون الناموس غير قادر على إعانتنا“ (ص 101). في الترجمة الإنجليزية يقول إن طبيعة الجسد من المستحيل مقاومتها!

-       في الفصل 33 يقول  أما طبيعة الجسد، فمدفوعة نحو الشهوات المفرطة بسبب ناموس الخطية القابع فيها والذي يجعلها تحارب. ما يدعوه (ق بولس) ناموس الخطية، يقصد به الغرائز الفطرية، وكل ما يمكن اعتباره أهواء تتعلق بالتمسك بالجسد“ (ص 103، 104). والترجمة الإنجليزية تقول ”لكن طبيعة الجسد تجره إلى ملذات غريبة لأن ناموس الخطية يحارب ضده ويضغط عليه بقوة“.

-       في الفصل 34 المسيح ”عتقنا من الموت الذي في أعضائنا، أي تحررنا من الشهوة المريرة القابعة في أعضائنا. لأن المسيح صيرنا أقوى من الشهوة ومن الخطية“ (ص 104). الترجمة الإنجليزية تقول ”حررنا من اللذة المتوحشة... صيرنا أقوى من اللذة ومن الخطية“.

-       في الفصل 35 ”الذهن لا يمكنه أبدًا أن يدفع الخطية التي لا يريدها بعيدًا عنه، لأن الشهوة تهاجمه بكل شراسة“ (ص 105).

-       في الفصل 37 ”لأننا كنا غرقى في الخطية، وناموس الجسد ينجذب إلى مدار الخطية، ومعه أيضًا ينجذب الذهن بغير إرادته“ (ص 110). الترجمة الإنجليزية تقول ”لأن الخطية عنيفة، وناموس الجسد يحدر الذهن لأسفل، حتى ضد إرادته“. طبعًا هناك فرق بين ”بغير إرادته“ و”ضد إرادته“. التعبير الأول معناه الإرادة كأنها مش موجودة أصلاً، لكن ق كيرلس بيقول الإرادة موجودة لكن ناموس الجسد وعنف اللذة يغلبه ”ضد“ إرادته.

-       في نفس الفصل، بفضل عمل المسيح ”استؤصلت الشهوة التي كانت ساكنة فينا“ (ص 111).

بالنظر إلى كل هذه التوصيفات الواقعية جدًا لحالة الإنسان بعد السقوط، استغرب من يقول إن ق كيرلس لا يركز على الخطية (ص 31)، لقد أنفق حبرًا كثيرًا في توصيف حالة الإنسان بعد السقوط. في كل الأحوال، التركيز على الخطية في النصوص السابقة ليس هدفًا في حد ذاته، بل ليتبيّن فضل عمل المسيح في المقابل. وكيف سأعرف نور عمل المسيح دون أن أعرف الظلام الحالك لحالتنا بدون عمل المسيح.

من الناحية الأخرى، اعتقادي بوراثة الخطية لا يزيد عن كلام القديس كيرلس. فوراثة الخطية بالنسبة لي هي: 1- هجوم الخطية واندفاعها في الطبيعة البشرية، 2- هي صخب الغرائز الفوضوية أو الملذات المخزية في طبيعتنا، 3- وهي نشأة ناموس الخطية المتوحش في أعضائنا، 4- هي مرض حب اللذة الذي أصاب طبيعتنا الجسدية، 5- هي الشهوات الشرسة التي تغرق الذهن، 6- هي حالة الجسد الذي ينجر إلى ملذات مفرطة وغريبة. وقد أعطانا المسيح بذبيحته على الصليب نصرة فوق كل هذا. لا أريد أن أؤمن بأي شيء آخر عن وراثة الخطية سوى ما سبق ذكره.

 

هناك تعليقان (2):

  1. صباح الخير دكتور عادل اقدم خالص شكري لهذا التحليل الرائع والنتيجه الخلاصه والخلاصيه وهذا يذكرني بصلاه التحليل الاخير الذي يصليه الكاهن وهو منطرح اسفل المذبح ،،اقطع عنا سائر حركاته المغروزه فينا،،

    ردحذف
  2. ممكن اتواصل مع حضرتك ؟؟

    ردحذف