الخميس، 29 أغسطس 2019

3 وجهات نظر عن جهنم



ليه بنتكلم عن جهنم لمّا يكون ممكن نتكلم عن محبة ربنا أو حنان ربنا؟ أولاً جهنم والدينونة الأبدية موجودين في الكتاب المقدس وتعاليم الآباء جنبًا إلى جنب مع الكلام عن محبة الله. بالإضافة إلى أن فكرة جهنم دفعت أعظم العقول أنه يتكلم عنها ويرد على الاعتراضات عليها زي ما هنشوف عند سي إس لويس. طبعًا أنا نفسي مدخولش جهنم، لا أنا ولا أي حد بحبه أو مش بحبه. بس المشكلة مش بنحب إيه ومش بنحب إيه! الموضوع مش تفضيلات شخصية، بل الأمر هو هل فعلاً بناخد كلمة ربنا بجدية ولا لأ. بس هي دي المسألة. خلينا نشوف 3 مواقف معروفة عن جهنم، هي كالتالي:

1- النظرة التقليدية (العذاب الأبدي).. ودي بيشبهوها بوضع حجر في النار. لا النار هتخلص ولا الحجر طبيعته هتتغير. النظرة دي بتعبر عن قراءة مباشرة لنصوص كتابية وآبائية كتير، وبتخدم فكرة العدل الجزائي (retributive justice). من الآيات اللي بتعتمد عليها ما يلي: دانيال 12: 2؛ مت 25: 41، 46؛ مر 9: 47- 49. وكمان رؤيا 14: 9- 11 ولاحظ تعبير ”أبد الأبدين“، ورؤيا 20: 10، 5. من الاعتراضات الموجهة لهذه الآيات هو أنهم بيقروا كلمة ”أبدية“ (ainoios) بمعنى ”دهرية“ يعني خاصة ب ”دهر“ ما من الزمن.. قدي يكون مدة طويلة ولكن محدود في المهاية. لكن كمان أهم الردود على الاعتراض ”الساذج ده“ هو: هل ينطبق نفس الشيء على تعبير الحياة ”الأبدية“ (ainoion)؟ هل الحياة الأبدية هي كمان فترة محدودة؟! خاصة وأن نفس الكلمة هتيجي في نفس الآية لتعبر لوصف كل من العذاب الأبدي والحياة الأبدية؟ زي مت 25: 46 ”فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ (αἰώνιον) وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ (αἰώνιον (“.  
2-  نظرية الإفناء annihilation.. ودي بيشبهوها بوضع ورقة في النار.. الورقة هتتلاشي تمامًا. وأصحاب النظرية دول بيستشهدوا بالآيات اللي فيها كلمة ”يهلك“.. هلاك للنفس، زي مت 10: 28؛ يو 3: 16؛ رو 6: 23، و1يو 5: 12 اللي بتقول ”مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ“. طبعًا الرد على النظرية دي هيكون بالآيات اللي بتثبت النظرية السابقة ليها.. وعبارة ”ليس له الحياة“ مش معناه أنه هيفنى.. ولكن لن يذوق الحياة.. مش الوجود.. في آيات بتقول إن المتنعمة ماتت وهي حية! (1تي 5: 6). 
3- نظرية المطهر.. ودي بيشبهوها بوضع أدوات الجراحة في النار.. النار هتطهرها وهتطلع زي الفل من جديد. طبعًا النظرية دي بتعتمد على الآيات اللي فيها عبارة ”أزمنة رد كل شيء“ (أع 3: 21)، والآيات اللي بتعبر عن رغبة ربنا في خلاص الجميع وقدرة ربنا على أنه يخلص الجميع. لكن الرد على هذه النظرية هيكون بكلام المسيح على أورشليم ”كم مرة أردت... ولم تريدوا“ (مت 23: 37). المشكلة مش من ناحية ربنا واشتياق قلب الله.. ولكن المشكلة من ناحية الإنسان والحرية اللي معطاه ليه.. ورينا مش هيجبر شخص يدخل السما بالعافية.. وإلا تحولت السماء بالنسبة لهذا الإنسان إلى جحيم فعلي!
سي إس لويس والجحيم
من أشهر المدافعين عن الإيمان المسيحي في العصر الحديث هو سي إس لويس، واللي تعرض ودافع عن عقيدة الجحيم في اكثر من كتاب ليه، زي ”الطلاق العظيم“، وأيضًا ”إشكالية الألم“ اللي فيه فصل مخصوص للرد على اعتراضات شائعة على الجحيم.. حابب ألخص هذا الفصل معاكم. أولاً هو بيدافع برضو عن حرية الإرادة وبيقول: ”أود أن أدفع أي ثمن لكي أتمكن من أن أقول بصدق "الجميع سوف يخلصون"، لكن منطقي يرد بحسم: بدون إرادتهم أم بإراداتهم؟ فإذا قلت بدون إرادتهم، فإني سأفهم في الحال أن هناك تناقضًا، فكيف فكيف يمكن لفعل إخضاع الذات الإرادي.. أن يكون غير إرادي؟ وإذا قلت بإرادتهم، فإن منطقي سيرد، وكيف سيحدث هذا إذا لم يخضعوا؟[1]
من ناحية تانية لويس بيقول إن عقيدة جهنم يمكن إثبات صحة أساسها الأخلاقي من خلال الرد على الاعتراضات عليها.. فمثلا اعتراض ”عدم التناسب“ بين الحياة الأرضية المحدودة والعقوبة اللانهائية، بيقول إن الاعتراض فيه مشكلة لأنه قائم على تصور أننا فاكرين أن الأبدية زمن طولي زي زماننا دلوقت.. وده مش صحيح.[2]ومرة تانية بيقول إن ”باب جهنم مغلق من الداخل“.[3]وأن المتمردين دلو هما االلي استعبدوا أنفسهم لهذه الحالة.
مرة أخرى بيرد على اعتراض آخر عن الرعب المصاحب دائمًا لعذابات الجحيم. وبيقول إن في فرق بين العقيدة نفسها والتصويرات.. وإن ”كل التعبيرات يُقصد بها شيء مريع ورهيب بصورة لا يمكن وصفها“.[4] وفي تعليقه على أن الله أعد لينا مكان في السماء، أمّا الجحيم مُعد لإبليس وجنوده، بيقول حاجة حلوة إن دهمعناه إن الدخول للسما هو أكثر آدمية.. أما دخول الجحيم فمعناه أن تُحرم من الإنسانية.[5]
ثم يأتي لاعتراض شهير وصعب هو: ”كيف لإنسان محب أن يفرح في السماء ويعلم أن هناك نفس بشرية في الجحيم؟“ لكن سي إس لويس بيقول ”هل نكون نحن أكثر رحمة من الله؟[6] في هذه الحالة. وبيقول إن في خطأ في الاعتراض وهو أن اللي بيسأل بيفترض أن السماء والجحيم سيتوجدان معًا ”كما يتواجد معًا تاريخ كل من أنجلترا وأمريكا“ الآن. وبيقول إن ده غلط! كده بينتهي كلامي عن سي إس لويس وعاوز أكمل شوية في الاعتراض الأخير لأن البعض بيقول: إزاي تعيش في شقتك المريحة وأنت سعيد وفرحان والشقة اللي تحت منك عايشين في عذاب أبدي؟
وللرد عاوز أقول الآتي:
1- أقر بصعوبة الإجابة على هذا السؤال.. لكن من خلال ما سبق أقول زي لويس لما سأل: هل أكون أحن من الله؟! وهل هيتجاور الجحيم مع السماء تاريخيًا.. زي ما شبه لويس بتاريخ إنجلترا وأمريكا الآن.
2- أتصور أن الله سيعطينا شرحًا كافيًا وسنتيقن من عدالة الله، وسيكون بمقدورنا أن نرى الأمور من منظور الله أكثر.. وستتطابق مشيئتنا مع مشيئته برضا.
3- السماء هي المكان اللي مفيهوش لا حزن ولا دموع ولا ندم ولا أسف.. فمن غير المتصور أن يوجد هذا الانشغال والوسواس بحال من ليسوا بموجودين.. وإذا وجد مثل هذا الوسواس فلم تعد تُسمى سماءً!!
4- الاعتراض بيوحي بقدرة الجحيم على تكدير صفو السعادة في السماء.. وهذا أيضًا شيء لا يمكن تصوره! هل التمتع بالله وبمعاينته لن يجلب سعادة لا يعكر صفوها شيء؟ كده بنسمح بإمكانية وجود منغصات أخرى محتملة!
في النهاية هذه محاولة لفهم موضوع أخروي في غاية التعقيد. 



[1] سي إس لويس، الله- الإنسان والألم، ترجمة هدى بهيج، سلسلة الكلاسيكيات المسيحية، صفحة 120.
[2] نفس المرجع ص 124.
[3] نفس المرجع، 127.
[4] نفس المرجع، ص 125.
[5] نفس المرجع، ص 126.
[6] نفس المرجع.

الأربعاء، 21 أغسطس 2019

خطاب إلى اليونانيين- يوستين الشهيد


في الخطاب ده بيستعرض ق يوستين الفضائح الأخلاقية للآلهة اليونانية كما وردت في الإلياذة والأوديسة.. وبيقول إن "الملحمة بأكملها في بدايتها بالإلياذة ونهايتها بالأوديسا تدور حول موضوع واحد هو المرأة" (فصل 1).  أجاممنون قدم بنته ذبيحة للآلهة.. وزيوس زاني بأمثر من شكل (2)، أفروديت المسترجلة وديونسيوس المخنث.. هرقل أو هركليز ومغامراته النسائية وانتحاره في الآخر (3)، واوديب اللي اتجوز أمه وقتل أبوه، وبالتالي مذنبون كلهم بالإفراط في الشهوات والتخنث. حتى أنه بيسأل: "لماذا أنتم أيها اليونانيون تغضبون عندما يحاكي أحد أبنائكم ما فعله زيوس فينقلب على أبيه ويسرق منه زوجته؟" (4).
ثم خاتمة ولا أروع في الفصل الأخير بيقول فيها:

أيها السادة اليونانيون، تعالوا اشتركوا في الحكمة التي لا مثيل لها.. تعلموا من كلمة الله.. لأن ملكنا لا يطلب قوة الجسد ولا بهاء الطلعة ولا شرف المولد بل النفس الطاهرة المحصنة بالقداسة.. قوة الكلمة لا تصنع منا شعراء أو فلاسفة.. أو خطباء.. ولكنها تعطينا الخلود، وتجعل منا نحن البشر آلهة وتنقلنا من الأرض إلى أماكن أعلى من جبل الأوليمب.. تعالوا.. صيروا كما أنا.. غلبني التعليم الإلهي وقوة الكلمة" (5).   
  

نصح لليونانيين- يوستين الشهيد



يوستين الشهيد في نص منسوب له بعنوان "حض لليونانيين" بيقول لليونانيين مصادركم إيه عن الدين الحقيقي.. الشعراء؟ اللي قالوا كلام سخيف عن الآلهة.. الفلاسفة؟ يوستين بيعمل بحث فلسفي في ترتيب تاريخي (فصل 3، 4) علشان يظهر تناقض هؤلاء الفلاسفة. فيبدأ من طاليس- وبيسميه الدارس الرائد في مجال الفلسفة الطبيعية- اللي قال إن المية أصل كل شيء ثم أناكسيمندر اللي قال شيء اسمه اللامحدود. ثم أناكسيمنز قال الهواء هو أصل كل شيء ثم هيراكليتيس قال النار  ثم أنكساجوراس قال الجزيئات المتجانسة.
ثم يقول يوستين وفي "مدرسة فكرية أخرى" بيمثلها فيثاغورس قالت إن الأرقام هي اساس كل شيء.. وابيقور قال أجسام يدركها العقل فقط... وأمبيدوكليس قال 4 عناصر (النار والهواء والماء والتراب).
ثم يستخلص الآتي: كل واحد من دول كان بيثبت صحة تعليمه هو وخطأ تعليم الآخرين.. قولولنا بقى: "كيف يستطيع من يبحث عن الخلاص أن يأتي إلى هؤلاء الفلاسفة ليتعلم منهم الدين الحقيقي في حين لا يقدر الفلاسفة أنفسهم على أن يتفقوا فيما بينهم على شيء؟"
ثم يأتي يوستين إلى من يسميهم "اثنين من الفلاسفة البارعين المشهورين": أفلاطون وأرسطو (فصل 5-7) ثم يبين التناقضات فيما بينهما كالآتي:
-  أفلاطون قال إن الله العلي يوجد في مادة نارية، بينما أرسطو يقول الله يوجد في العنصر الخامس (الأثير).
-  أفلاطون يوجد 3 علل أولية (الله والمادة والشكل)، بينما أرسطو بيقول أول 2 فقط.
- أفلاطون بيقول عن المُثل أو الأفكار بينما أرسطو ينكرها 
- أفلاطون بيقول النفس البشرية بتتكون من 3 أجزاء: العقل والإحساس والرغبة، بينما أرسطو يقول ملكة العقل فقط.. 
- أفلاطون قال النفس خالدة، بينما أرسطو قال النفس قابلة للموت
- أفلاطون النفس في حركة مستمرة، أرسطو النفس غير قابلة للحركة
ثم يصل إلى النتيجة الآتية: "لذلك تسود حالة من الفوضى ناتجة عن تعاليمهم المتناقضة، والشيء الوحيد الذي يستحقون الثناء عليه هو أنهم نجحوا في إظهار تعاليم بعضهم البعض طتعاليم خاطئة وباطلة!" (7) يعني كما يظهر في الصورة بتاعة رافايل واحد رافع إيده فوق والتاني بيشاور تحت
بعد ما أثبت التناقض اللي بين الفلاسفة اليونانيين بيقولهم روحوا لموسى والأنبياء.. دول ناس مش بيعتمدوا على البلاغة في الكلام.. وبيتكلموا بقيادة الروح القدس اللي بيستخدمهم كريشة العازف على القيثارة (8). ثم يثبت من المؤرخين اليونانيين نفسهم قدمة موسى عن كل الفلاسفة والمشرعين اليونانيين.. اللي كتبوا باليونانية.. اللي هي حديثة جدًا مقارنة بالكتابات العبرية.. لكن الفلاسفة دول "بسبب العناية الألهية اضطروا بغير إرادتهم أن يقولوا اشياء كثيرة في صالحنا" (14) وبالأخص اللي زاروا مصر واستفادوا من تاريخ موسى.. زي أورفيوس وهوميروس وسولون.. وفيثاغورس وأفلاطون..  وأنهم بعد الزيارة المهمة لمصر رجعوا ينشروا تعاليم عن الآلهة مغايرة تمامًا لآرائهم السابقة
هيبدأ ق يوستين يجيب من كلام أورفيوس جملة "استحلفك بصوت الآب الذي نطق به أولاً عندما أسس العلم أجمع بمشورته" (15)، ويقول أن أورفيوس بعد ما درس الأقوال النبوية عرف أن كل مخلوق هو من عمل كلمة الله - المشار ليه بكلمة "صوت ثم يستشهد بكلام عن الإله الواحد من إلياذة هوميروس.
ثم كلام من سوفوكليس عن إله واحد (18)..  ثم عن إيمان فيثاغورس بواحدانية الله "الله واحد.. العله الأولى لكل الأشياء" (19). ثم يقول أن أفلاطون ربما وافق تعليم موسى عن الله الواحد خلال تعليمه في مصر.. إلا أنه خاف أنه يكون مصيره زي سقراط.. لأنه لا يعترف بآلهة الدولة لكن أفلاطون كتب مقال مبهم عن الآلهة فيها إثبات وإنكار للآلهة في نفس الوقت..  وقال إن الآلهة مخلوقة.. وكل مخلوق عرضة للفناء.. والمادة مخلوقة وهي اصل الشر.. يبقى اللي بيفهم هيستنتج أن الآلهة مخلوقة من المادة وهما أصل الشر (20)!!
يكمّل شوية مع أفلاطون ويقول أنه سمع أن ربنا قال لموسى "أنا هو الكائن".. فأدرك "أفلاطون أن الله لم يذكر اسمه الذاتي لموسى" (20). بس أفلاطون خاف يعلن ده في الأريوس باغوس (22) واشار لأزلية الله في تيماوس. ولما حاول أفلاطون "أن يحل سر أبدية الله ويعبر عنه لغير المستنيرين.. بالحقيقة كما يؤكد التقليد القديم إن الله يحتوي على البداية والنهاية والوسط لكل شيء".. وبيقول إن التقليد القديم هو شريعة موسى.   
ثم يقول إن أفلاطون أخد عن موسى فكرة الدينونة في كتاب الجمهورية (26). لكنه خاف برضو فاخترع قصة أريدايوس، مش بس كده ده أخد عن موسى فكرة القيامة فقد "تعرف أفلاطون على تعاليم الأنبياء في مصر واستعار منهم عقيدة قيامة الجسد وقال إن الروح تدان مع الجسد" (27). كذلك هوميروس في أوصافه لحديقة ألكينوس تأثر بقراءته عن جنة عدن.. وكتب قص أوسا اللي شبيهة ببرج بابل وقصة آتي اللي تشبه طرد إبليس من السما (28).
حتى فكرة أفلاطون عن المُثل استعارها من موسى. إزاي؟ ربنا قال موسى اعمل الخيمة بحسب المثال اللي شافه على الجبال.. لكن أفلاطون فهم غلط وظن أن الصور ليها وجود منفصل (29). عند أفلاطون برضو قصة صعود زيوس إلى السماء بواسطة مركبة بجناحين. يوستين بيقول "من أين جاء أفلاطون بقصة زيوس.. إلا من الكتابات النبوية" وبيربطها برؤية حزقيال عن الكاروبيم والعجلات في حزقيال 11 (31). بيقول كمان أفلاطون خلط بين الفضيلة وعطية الروح القدس في محاورة مينو.. وبيربط بإش 11: 2 عن الروح اللي بينقسم إلى 7 ارواح.. والفضيلة اللي بتنقسم لأربع فضايل (32).
ثم يختم يوستين بالآتي: ”لا يمكن أن تتعلموا الديانة الحقيقة من أولئك الذين لم يقدروا أن يأتوا بجديد حتى في تلك الموضوعات التي أثارت إعجاب العالم الوثني، بل فقط كرروا بلغة مجازية ما استعاروه من موسى وغيره من الأنبياء" (34). ارجعوا عن خطأ أجدادكم.. أكيد هما دلوقت في جهنم عندهم "شعور عميق بالندم وعدم القدرة على التوبة بعدما فات وقت التوبة" (35). وبيدعوهم للديانة الحقيقية اللي "لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الأنبياء الذين يعلموننا بالوحي الإلهي" (38).

الاثنين، 19 أغسطس 2019

شذرات عن القيامة- يوستين الشهيد



ده نص قصير منسوب ليوستين الشهيد مكون من 10 فصول، بيقول في (فصل 1) إن العقل يحكم فيما تقدمه الحواس من معلومات، لكن الحواس نفسها لا يمكن اختبارها في ذاتها! كذلك الحق هو اللي يحكم ولا يُحكم فيه. والمسيح هو ذاته الإيمان والبرهان عليه وبرهان كل شيء. ثم في (فصل 2) يعرض اعتراضات البعض عن القيامة بحجة أن الجسد هل هيقوم بكل الأعضاء ولا ناقصة.. طب إيه لزمة الأعضاء الجنسية ومفيش زواج في السماء.. واعتراضات أخرى، وهدفهم بحسب يوستينوس أنهم يحرموا الجسد من الوعد بالأبدية.
في (فصل 3) بيقول مش معنى قيامة الأعضاء الجنسية أنه يلزم بالضرورة استخدامها.. في ناس مش بتستخدمها أصلا في هذه الحياة، والمسيح اتولد من عذراء علشان يثبت أن خلق الإنسان ممكن عند الله بدون تدخل بشري (يوحنا ذهبي الفم بيرى معجزات زي ولادة اسحق وصموئيل تعود لقدرة الله أكثر من التدخل البشري).
في (فصل 4) المعترضين قالوا إن الجسد هيقوم في حالته الأولى.. ماذا لو كان أعور أو أعرج؟ يوستينوس بيثبت بمعجزات المسيح الشفائية وبيقول إنها كانت نبوات عن المسيح وعن الوعد بقيامة الجسد صحيحًا بدون تشوهات أو نقص.
في (فصل 5) المعترضين قالوا باستحالة القيامة وبتحقير الجسد. فيوستينوس قال الاستحالة على الله لا يليق حتى بالوثنيين مش بالله اللي خلق آدم من تراب.. والي خلى التناسل من نقطة صغيرة.. وقيامة المسيح بتثبت إمكانية القيامة. ثم يعتذر وستينوس لأبناء الكنيسة لأنه هيثبت القيامة استنادًا إلى ”أدلة من الطبيعة ومن علوم غير مسيحية“.
في (فصل 6) بيقول ”ليس عسيرًا على الله الذي هو في حد ذاته أصل كل الأشياء أن يقيم الجسد الذي خلقه كما كان في سابق عهده“. ثم يقول إن القيامة مش مستحيلة نظرًا لإمكانية تلاحم العناصر مرة أخرى (اللي بيقول عنها الرواقيين) أو إعادة تنظيم الذرات (اللي بيقو عنها الأبيقوريون).
في (فصل 7) بيرد على اللي بيحقروا من الجسد وبيقول ”الدليل على أن الجسد البشري ثمين في عيني الله هو أن هذا الجسد من صنع يديه، وأن الصورة ثمينة في عيني الرسام.. وبالتالي فإن الإنسان (بصورته الجسديه) هو أثمن ما خلقه الله“.
في (فصل 8) بيرد على اللي بيقولوا إن الجسد هو أصل الخطية بأن الجسد لا يمكن أن يخطئ بدون الروح اللي بتحفزه على الخطية. ثم يرد على اللي بيقولوا أن الله لم يعطي وعد للجسد بالأبدية بأنه لو كان الإنسان جسدًا وروحًا هو أثمن ما خلق الله فكيف يتركه يفنى؟ ده لرسام بيرمم أعماله! واللي بنى بيت بيرممه.. ولو معملش كده فده معناه أنه تعب بلا جدوى. دعوة ربنا للإنسان كانت جسدًا وروحًا. وأن الروح لوحدها أو الجسد لوحده لا يشكل الإنسان! والإنسان آمن جسدًا وروحًا. وبيقول إن اللي بيقولوا بقيامة الروح فقط بيقولوا لأن الروح جزء من الله لأنها خرجت منه.. والجسد لأ. لكن يوستين بيقول فين بقى قوة ربنا لما ”يخلص ما هو مخلص بالطبيعة والذي هو جزء منه في الأصل“ وده مش عمل عظيم. ده هو كده بيخلص ذاته! ولو معملش كده يبقى مقصر!
في (فصل 9) بيقول لو الجسد مش مهم طب ليه المسيح كان بيشفيه.. وليه كان بيقوم موتى.. وهل قومهم روح بس ولا كمان جسد. والمسيح بعد قيامته أثبت أن ليه جسد حقيقي لما قالهم جسوني وانظروا اللحم والعظم، وأكل معاهم، وصعد بالجسد كمان قدامهم.
المسيح جه مخصوص علشان قيامة الجسد وإلا لن يختلف في شيء عن فيثاغورس وأفلاطون اللي قالوا بقيامة الروح فقط. ولو الجسد مش هيقوم ليه ربنا بيحذرنا من الانسياق لشهواته. كان بالأولى يقولنا أعملوا اللي انتو عايزينه.. معملش زي طبيب لقى حالة ميؤوس منها فقاله اعمل اللي انت عاوزه.. لكن لأنه زي الطبيب اللي عنده أمل في الشفاء فقاله حافظظ على جسدك ده لأنه هيقوم بعد كده. والمسيح هو الطبيب الشافي!   

السبت، 17 أغسطس 2019

الدفاع الأول والثاني- يوستين الشهيد



في الدفاع ده بيرفع يوستين دفاع لأنطونيوس بيوس وابنه مرقس أوريليوس بالنيابة عن ناس ”يتعرضون دون وجه حق للكراهية وسوء المعاملة“ (فصل 1)، وبيقولهم أنتم أتقياء وفلاسفة وبتحبوا العدل وافلاطون قال إن الأمم ستشعر بالسعادة إذا صار الحكام فلاسفة.. فلازم تراعوا العدل فينا. وبيقول إحنا عايزين محاكمة عادلة مش أكتر ولا ”تأخذون الاسم وحده كدليل ضدنا“ (فصل 4) نفس الكلام هنلاقيه في دفاع أثيناغوراس. من التهم الأساسية هي أننا ملحدين فبيجي يوستين يقول أيوه إحنا ملحدين لكن من جهة آلهتكم ”وليس من جهة الإله الحق“ (فصل 6).
بيقول يوستين إننا مش هنكدب لو سؤلنا.. وإحنا مؤمنين بالعقاب الأبدي- زي اللي قاله أفلاطون- ومش بس لمدة ألف سنة بس بل عذاب أبدي (فصل 8). الله اللي بنؤمن بيه مش محتاج عطايا مادية واللي يختار يعيش في رضاه يستحق الحياة الأبدية (فصل 10). بيرد على تهمة سياسية تانية عن رغبة المسيحيين عن إقامة ملكوت أرضي.. فيوستين بيقول مكناش نقبل الموت لو هو ده رجاؤنا.. وكنا ننكر أو نختبئ أفضل (فصل 11).
إحنا أكتر ناس ممكن تدعمكم في حفظ العدل والسلام. ليه؟ لأننا نؤمن بالعقوبة الأبدية أو الخلاص الأبدي (12). كمان شوفوا التغيير اللي عمله فينا الإيمان بالمسيح.. كنا الأول في النجاسات دلوقت في الطهارة.. كنا بنقتل في بعض دلوقت بنصلي من أجل أعدائنا (14).. ثم يذكر بعض تعاليم المسيح حتى يقتنعوا.. زي التعليم عن العفة، الصبر، ومن لطمك على خدك، وندفع الضرائب قبل الجميع (17)، ونصلي لأجلكم، والإيمان بالعقوبة الأبدية.. علشان ده هيساعده يرد على الاعتراضات على القيامة.
في فصل 18 بيقولهم قيامة الجسد صعبة علشان مش بنشوفها.. لكن لو في حد ورالكم البذرة اللي بيتخلق منها بني آدم مكنتوش هتصدقوا برضو.. فربنا قادر على كل شيء. ثم يؤكد مرة تانية على حكاية النار الأبدية اللي تختلف في نظرنا عن اللي علم بيه السايبيلات أو الرواقيين.. ثم يذكر بعد ذلك التشابهات في إيماننا وبين أفلاطون عن إله يدبر الكون، أو حتى نهاية الكون بالاحتراق زي الرواقيين أو حتى ضد عبادة الأوثان زي ميناندر. وان المسيح البكر في تفاصيل حياته في ما يشابهه عند أبناء زيوس كولادة من عذراء وصعود إلى السماء على حصان.. فإحنا تعاليمنا متشابه معاكم.. فلماذا تضطهدوننا؟ لكن لأن محاكاة الآلهة مهمة للشباب.. فبلاش يقلدوهم لأن زيوس قتل أبوه وأبناؤه عملوا حاجات شبيهة.. ودي شغل الشياطين! لكم مرة كمان إحنا بنؤمن بأن اللي يهتنعموا بأبدية سعيدة هم الي عايشين في الفضيلة.. واللي هيعيشوا في الشر سيتعذبون في النار الأبدية (فصل 21).
ممكن نقارن هرمس بالمسيح، ولو اعترضتم على صلب المسيح عندكم أبناء زيوس تألموا.. لكن هاثبت ليكم أن آلام المسيح أفضل (22)، والولادة من عذراء تضاهي الكلام عن برسيوس.. ونفس الكلام عن أشفية اسكلابيوس. في فصل (24) بيقول بالرغم من التشابهات دي أنتم ”تكرهوننا فقط لأجل اسم المسيح“. مع أن في ناس بتعبد الفئران والقطط والتماسيح ولا يعتبرون اشرار.
ثم يتحدث عن هراطقة بين المسيحيين وبيقول ربما يمارسون ولائم إباحية وأكل لحوم البشر.. لكنه غير متأكد من ذلك (26). أمَّا موقفه هو- عدم التخلي عن الأطفال حديثي الولادة حتى لا يشبون في الدعارة (27)، وحتى لا يموتوا فنصبح قتلة (29)، ونعيش في بتولية أو زواج في عفة وطهارة.
يرد يوستين على اعتراض: لماذا لا يكون ميلاد المسيح عاديًا من الناس، ومعجزاته على سبيل السحر؟ بيلجأ يوستين إلى دليل النبوة.. هذا تنبأ عنه الأنبياء قبلها بألف أو ألفين وثلاثة أو 800 سنة (فصل 32). ويذكر نبوات من تكوين، و إشعيا، وميخا، (بالمناسبة أيريناؤس هيلخص الشواهد دي في كتابه برهان الكرازة الرسولية).
ثم يرد على اعتراض آخر: لئلا يظن أن التنبؤات دي نوع من القدر؟ فيقول تعلمنا من الانبياء أن العقوبة والمكافأة بحسب استحقاق الإنسان.. وإذا نفيت حرية الإرادة نفيت المسؤولية (التكليف أصلا) ونفيت التذكية واللوم.. ولو القدر هو سبب الشر.. يبقى لا معنى للفضيلة أو الرذيلة (فصل 34). ثم يستشهد بأفلاطون في التأكيد على حرية الاختيار (44). وبيقول إنه اقتبس ده من موسى لأنه ”أقدم من جميع الكتاب اليونانيين“ وكل اللي قالوه عن الخلود والعقاب بعد الموت أخدوه عن الأنبياء.
ثم يرد على اعتراض آخر: هل كل اللي جم قبل المسيح لا يُساءلوا عن أفعالهم؟ الإجابة: اللي عاشوا بالحكمة قبل المسيح هم مسيحيون حتى لو اعتبروا من الملحدين (46).. واللي عاشوا من غير حكمة.. هو أشرار وأعداء للمسيح. ثم يرجع يكمل شوية نبوات تحققت. وفي فصل 53 بيقول مكناش هنؤمن بيه لو لم نجد شهادات عنه ثم التنبؤ بها قبل أن يأتي.
أما أساطيركم ليس لديكم دليل عليها.. وأن الأساطير رويت أولا بتحريض من الشياطين لما سمعوا الأنبياء يعلنون عن مجيء المسيح وعقاب الأشرار بالنار فبادروا بتقديم ابناء زيوس (54) علشان يشككوا الناس.. في أن النبوات هي قصص اسطورية.. فحصل نوع من المحاكاة المضللة.. قلدوا حاجات كتير ما عدا الصليب.. ثم يتحدث بكلام رائع عن الصليب في فصل (55). في فصل 59 بيقول أفلاطون ”اقتبس من معلمينا“ بخصوص الخلق، واقتبس كمان عن طبيعة الابن في طيماوس وذكر إشارة للصليب (حرف x).. ولكن افلاطون لم يفهم الكلام جيدًا (60) وإشارات أفلاطون عن الثالوث. هما اللي قلدوا آرائنا مش إحنا.
ثم يتحدث عن وصف لحياة المسيحيين.. وعن المعمودية والصوم والتجديد.. وتقليد الوثنيين ليها بدافع من الشياطين.. في السكائب والرش بالماء.. حتى خلع الأحذية أخدوه من موسى.. ومحاكاة أخرى في فصل 64. ثم كلام عن الافخارستيا بعد المعمودية .. وان المحاكاة حصلت برضو في الافخارستيا في طقوس الإله ميثرا (66).
في النهاية بيقولهم إذا لاقيتوا كلامنا متفق مع الحق والمنطق احترموا أقوالنا.. ولا تظلمونا.. وبنحذركم من حكم الله الذي سيأتي عليكم إذا استمريتم في ظلمنا.. نحن لا نطلب إلا العدل (68(.
الدفاع الثاني:
الدفاع ده مناسبته إعدام 3 من المسيحيين دون وجه حق.. وبيحكي اللي حصل عن امرأة آمنت بالمسيح وجوزها لأ.. ولما انفصلت عنه رفع عليها قضية.. جابوا الشخص اللي علمها المسيحية فصدر حكم بإعدامه ثم شخص آخر اعترض على هذا الظلم فصدر حكم أيضًا بإعدامه.. ولئلا يساء فهم كلام يوستينوس عن عدم خوف المسيحيين من الاستشهاد ويعتبروه انتحار.. بيقول في فصل (4)، إننا اتعلمنا ان ربنا خلق الكون بهدف.. فإذا قتلنا بعضنا كلنا.. سيؤدي ذلك لزوال الجنس البشري.. ودي ضد إرادة ربنا.
ثم يشكر في الرواقيين (فصل 8)، وبيقول إن بذرة اللوغوس مزروعة في كل البشر.. واللوغوس هو اللي بيعلم المشرعين ازاي يحكموا بالعدل (9). وكل اللي اكتشفه الفلاسفة والمشروعون هو جزء من اللوغوس (10)، نفس الكلام بيقوله في فصل (13) ”جميع الكتّاب كان لهم قبس من الحقيقة بواسطة بذرة الكلمة المغروسة فيهم“. لكن كانوا أحيانا بيناقضوا أنفسهم وظلموا سقراط.. وبيبين أفضلية المسيح على سقراط. إحنا بختار الفضيلة حتى لو ظهرت ضعيفة (11). واللي بياكلوا لحوم البشر عمره ما هيقدم على استشهاد! (12). ثم يتراجهم أن يحكموا في هذه الدعوى بعدل لأجل أنفسهم.
استطراد:
كلام يوستينوس عن التشابه بين الأساطير اليونانية وأحداث خاصة بالمسيح بيستغله البعض، كما ظهر في فيلم اسمه Zeitgeist أو ”روح العصر“.. لكن أهم الاختلافات هي كالآتي:
1- نستطيع أن نقول أن هناك لمحات من الحقيقة في هذه الأساطير.. بفضل بذار اللوغوس.
2-  كلام يوستين على سبيل الجدل.. وحتى لا نتهم ظلمًا ولديهم أفكار مشابهة.. وبالتالي هو لا يقر بصحتها.. بل هو يقول إن هذه المحاكاة حدثت بشكل فاسد بفعل شيطاني.. بل يرفض صحتها أيضًا ”وأنا عندما اسمع يا تريفون، أن برسيوس ولد من عذراء أعلم أن هذه أكذوبة أخرى من أكاذيب الحية المخادعة“ (الحوار مع تريفو 70).
3- أكتر ما يميز القصة المسيحية هي تاريخيتها.. في زمن طيباريوس قيصر.. وهيرودس وبيلاطس.. وأشخاص تاريخيين كرزوا بها مثل بطرس ويوحنا وبولس.. هذا الأمر غير متوفر في الأساطير اليونانية.

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

برهان الكرازة الرسولية- ق إيريناؤس



بيانات الكتاب:
"كتاب الكرازة الرسولية" للقديس إيريناؤس
ترجمة وإعداد د نصحي عبد الشهيد ود جورج عوض
بمعرفة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية في 160 صفحة قطع متوسط
ق إيريناؤس يرسل هذا الكتاب لصديق له يُسمى ماركيانوس يعرض فيه ”كرازة الحق بإيجاز لكي تعضدك في الإيمان“ (63). وبالتالي هو ”مذكرة ملخصة“ عن أهم النقاط الأساسية التي تشكل ”أعضاء أو أوصال جسد الحقيقة“. وبيأكد له إن الإنسان: نفس/ وجسد. قداسة الجسد تتحقق بطرد الشهوات، وقداسة النفس بسلامة الإيمان (65). ثم يقول له لابد أن نتمسك بقانون الإيمان الثابت. ثم يقول الإيمان كما سلّم لنا هو: المعمودية باسم ”الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام وروح الله القدوس لغفران الخطايا“ (67). ثم يسرد 1- الإيمان بالخالق العلة الأولى لكل شيء. الأب إله الكل، يحوي الكل ولا يحوى من شيء. غير مولود..غير منظور. 2- ناطق بكلمته وزين كل الأشياء بروحه. 3- الروح يُظهر الكلمة علشان كده الأنبياء تنبأوا عن الكلمة.. والكلمة متحد بالروح. ثم يقول هناك 3 بنود لقانون الإيمان في المعمودية: البند الأول من قانون إيماننا هي ”الله الآب غير المولود؛ غير المحوى، غير المرئي إله واحد خالق الجميع“. البند الثاني: كلمة الله ابن الله - يسوع المسيح- تنبأ عنه الأنبياء.. وفي التدبير صار إنسانًا لكي يبطل الموت ويجمع كل شيء في ذاته (وده المعروف بنظرية الانجماع الكلي في المسيح- recapitualation). ويصنع شركة بين الله والإنسان. البند الثالث: الروح القدس بواسطته تنبأ الأنبياء وانسكب في الأيام الأخيرة ليجدد الإنسان. لذلك اللي يتعمد ينال روح الله اللي يقوده للكلمة والابن يقوده إلى الأب لذلك ”بدون الروح لا يمكن أن يرى هؤلاء كلمة الله، وبدون الابن لا يمكن لأحد أن يصل إلى الآب“ (73).
ثم يتحدث عن عالم محاط ب7 سموات خلق الله ثم خلق الإنسان بيديه (ويقصد الابن والروح القدس)، وخلقه حرًا وسيدًا. وفي خلق الإنسان يتكلم عن الإنسان ”كان لا يزال صغيرًا.. كان طفلاً عليه أن ينمو لكي يحقق كماله“ (78). ويكمل في قصة طفولية آدم ويقول إن الكلمة كان يتمشى معه لكنه ”كان طفلاً، لم يكن لديه بعد إرادة ناضجة، لذا خُدع بسهولة من المضلل“ (79).
طفولية آدم دي بقى يترتب عليها كذا حاجة:
1-  أولاً الجماعة بتوع التطور يحبوا إيريناؤس ويلجأوا ليه.. مع أن فكرة الارتقاء دي أو النضوج أبعد ما يكون عن فكرة التطور الدارويني.
2-  قد يفهم من كلام إيريناؤس إن السقوط ليس عن وعي وإنما عن رعونة طفولية من آدم (إيريناؤس متفرد في النقطة دي). وهنا تدخل الفكرة بتاعة التجسد غير المشروط إنه كده كده كان هيتجسد علشان ينمو آدم ليصل إلى كمال النضج. الفكرة دي طورها فيما بعد مكسيموس المعترف وبالاماس وفيلسوف اسمه دانس سكوتس. لكن في النص الحالي يقول إن الكلمة كان بيتكلم معاه وبيقوله إنه ”سوف يسكن مع البشر لكي يعلمهم البر“ (79).  فلماذا لا نفترض أن النضوج هذا كان سيحدث خلال هذا الحوار؟
ثم يذكر إيريناؤس خلق المرأة من ضلع آدم... وكان أول مرة ينام فيها أدم.. كانا أنقياء بفضل نفخة نسمة الحياة.. ”لا يخجلان عندما يتعانقان ويداعبان الواحد الآخر كالأطفال“ (80). في ضد الهرطقات يقول إنهما ”لم يكونا يدركان موضوع إنجاب الأطفال، لأنه كان ضروريًا أن يبلغا أولاً إلى سن النضوج“ (3: 22: 4). وحتى لا يتعاظم ويغتر ”كأن لا رب له“ (3: 22: 4) أعطى له الوصية. ثم لم يحفظها الإنسان وخُدع من الملاك الساقط اللي حسده بسبب ”العطايا الكثيرة التي أعطاها الله للإنسان“ (81). بيتكلم على أن الملاك ده كمان طُرد لأنه صار أبو الأكاذيب ومدبرًا للخطية. وبسبب هذا التصرف انفصل عن الله. (هنا السؤال: هل سقوط إبليس كان في مناسبة خلق آدم؟) هذا قريب من التفسير الإسلامي للقصة.
ثم لعن الله الحية (إناء لإبليس) وإبليس نفسه. ثم طرد آدم كعقاب للخطية- ثم ”اتسع الشر وانتشر انقطاع حتى سيطر على كل البشر“ (83). والملائكة هيتجوزوا بنات الناس (نفس تفسير إكليمندس) والملائكة علموا زوجاتهم دروسًا من الشر. ثم بعد 10 قرون من خلق آدم ”أرسل الله الطوفان لكي يعاقب العالم“. ثم بداية جديدة، ثم لعنة حام وبركة الأخوين، وهكذا استمرت الأرض حتى وصلت البركة لإبراهيم حفيد سام. وبركة يافث ”ليفتح الله ليافث“ تحققت في دعوة الأمم أي الكنيسة. ثم السماح بأكل اللحوم، ثم برج بابل والبلبلة.
ثم يصل لإبراهيم اللي كان متشوق يعرف تحقيق النبؤة المعطاه لجده.. و”بسبب رغبة نفسه هذه طاف كل العالم باحثًا لعله يجد الله، وعندما نفذت محاولات البحث رحمة الله“ (89). فأعلن له ذاته وتحدث إليه.. ولما لقاه آمن بالوعد حسب له برًا.. وأعطاله الختان كختم للبر الذي حققه بالإيمان. ثم يعقوب والهجرة لمصر.. وموسى والفصح اللي أعلن ”آلام المسيح في سر“ (91). ثم الخروج من مصر والتيه في البرية، والخيمة وتجسس الأرض، وسفر التثنية اللي فيه نبوات ”كثيرة عن ربنا يسوع المسيح ودعوة الأمم وملكوت الله“.
 ثم يأتي إلى التجسد ويشرح نظريته في الخلاص المعروفة بالإنجماع الكلي في المسيح اللوغوس اللي وحد الإنسان مع الله علشان نشترك في عدم الفساد. ثم يعقد المقابلة كالآتي: في أدم صار الموت بالعصيان، وفي المسيح ابطل الموت بواسطة الطاعة. والتجسد ضروري علشان يهزم الموت اللي ساد على الجسد. وعلشان يحررنا من عبودية الخطية.
وزي ما آدم جبل من تراب الأرض العذراء ولد المسيح من عذراء، وهنا أهمية عذراوية مريم بالنسبة لإيريناؤس. و”بسبب عذراء عاصية (حواء) جُرح الإنسان وسقط ومات، هكذا أيضًا بسبب عذراء مطيعة... أعيد الإنسان ثانية إلى الحياة“ (99). وتصير مريم شفيعة لحواء.. و”تمحي عصيان العذراء الأول بواسطة طاعتها العذرواية“. ثم الخطية اللي حصلت بواسطة شجرة أزيلت بواسطة طاعة الشجرة (الصليب). والصليب عنده في اتجاهاته الأربعة يشير إلى عالمية الصليب- فتأثيره في الأعالي (السماويات) والاعماق تحت الأرض، والطول من المشرق إلى المغرب، والعرض من الشمال للجنوب ”داعيًا البشر المشتتين من كل الأنحاء إلى معرفة أبيه“ (101).
ثم يحاول إثبات هذه الكرازة الرسولية من العهد القديم. تحقق وعد الله لإبراهيم في المسيح .. لما آمن الأمم على مثال إبراهيم. كذلك تحقق وعد الله لداود في المسيح- من يملك على كرسيه إلى الأبد- وفي ”أقيم خيمة داود الساقطة“. إبراهيم أيضًا في قصة 3 ملايكة كان المسيح واحد منهم، ويعقوب شافه في الحلم واقفًا على سُلم والسلم المنتصب من الأرض للسماء كمثال الصليب. وتحدث مع موسى في العليقة، وهو للي نزل علشان يخلصهم، وهو الصخرة اللي ساقتهم، وهو اللي خلصنا ببسط ذراعيه على الصليب، وهو اللي قال عنه داود ”قال الرب لربي“، و ”قبل كوكب الصبح ولدتك“ وأنه ”يدين بين كل البشر“، وهو اللي قال عنه إشعياء ها العذراء تحبل- ولما بيقول يأكل زبدًا وعسلاً ده دليل على إنسانية الحقيقية.. وده أكل أطفال فعلاً. هو العجيب المشير للآب اللي إتكلم عنه إشعياء وفي آية ”لنعمل الإنسان“ كان الآب يتحدث مع الابن المشير العجيب للآب.
أية إشعياء ”تكون الرياسة على كتفيه“ إشارة للصليب راية مملكته. هو شيلون اللي يكون ليه خضوع شعوب واللي جه بعد انقطاع الحكم لليهود.. هو الكوكب من يعقوب.. وإشارة للنجم الذي ظهر للمجوس. هو الغصن النابت من جذع يسى. العهد القديم تنبأ عن مكان ولادته في بيت لحم. ودخوله لأورشليم في زكريا، وفي نبوات عن معجزاته الشفائية، وعن آلامه في صورة العبد المتألم في إشعياء، ثم نبوات عن موته وتشتت الراعي والتلاميذ، ونزوله إلى الجحيم. واقتسام الثياب عن الصليب. وبيعه ب 30 من الفضة، وشرابه الخل، وقيامته وصعوده في الآية بتاعة مز 24 ”ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم“ اللي بتتقال في تمثيلية القيامة وهي عادة عادة عن الصعود وليس القيامة. إلا في نص ”عظة على سبت الفرح“ منسوبة لأبيفانيوس أسقف سلاميس إن الملاك تقدم المسيح في الجحيم ونادى أرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وهزم الطغاه وأخذ سكان الجحيم يتساءلون ”من هو هذا ملك المجد“.
 ثم نبوات من كرازة الرسل في أقصى المسكونة ثم الشريعة الجديدة والعهد الجديد...والقلب الجديد ودخول الأمم.. وبطلان الناموس ووصايا أعظم من الأولى. يختم ق إيريناؤس ويقول لصديقه هذه هي ”كرازة الحق.. هذه الحقيقة تنبأ عنها الأنبياء، وثبتها المسيح، ونقلها الرسل إلينا، وقدمها الكنيسة إلى أبنائها“ (154).
برهان الكرازة الرسولية والرد على الأبوكتاستاسيس
 في نصين مهمين للرد على فكرة الخلاص الشامل. الأول فصل 56 ”أما تعبير يكون الحريق مأكلاً للنار فيشير إلى أولئك الذين لم يؤمنوا به وفعلوا ضده ما فعلوه. هؤلاء سوف يصرخون في يوم الدينونة: كان الأفضل لنا أن نكون مأكلاً للنار قبل ميلاد ابن الله، عن أن نكون غير مؤمنين به، لأنه يوجد رجاء للذين ماتوا مثل مجيء المسيح أن ينالوا الخلاص وذلك بعد قيامتهم أي في الدينونة. وينطبق ذلك على الذين كانوا يخافون الله، وقد ماتوا في البر، وكان عندهم روح الله في داخلهم مثل البطاركة والأنبياء والأبرار. أما أولئك الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد مجيئه فإن عقابهم في يوم الدينونة سيكون بلا رحمة“ (ص123).
النص الثاني فصل 69: ”هكذا تظل الدينونة عقابًا للبعض، بينما البعض الآخر تكون للخلاص.. الدينونة التي ستصير بالنار سوف تجلب هلاكًا لغير المؤمنين في نهاية هذا العالم“ (ص134).