هل آلام المسيح بإرادته أم رغمًا عنه؟
وهل الآلام يستجلبها من الخارج أم من داخل طبيعته؟
هل الكلام عن التابوت المغشى بالذهب يُفهم منه إن جسد المسيح كان غير قابل للفساد (الألم والموت)؟
هل في فرق بين الفساد وقابلية الفساد؟
هنجاوب على الأسئلة دول والإجابة
موجودة كلها في كتاب "ضد يوليان، ج1" واللي تُرجم بمعرفة المركز الأرثوذكسي
للدراسات الآبائية، عن الفرنسية، بواسطة مجموعة من المترجمين، في 400 صفحة. الترجمة
ممتازة، والعبارات سلسلة، وسهلة القراءة، بشكل عام.
يوليان
كان بيقول بحسب
ق ساويرس إن جسد المسيح قبل القيامة ”لم يكن معرضًا للآلام غير الملومة، وغير قابل للتألم“ (ضد يوليان، ج1، 141). وفي
نفس الوقت يوليان كان بيقول إن جسد المسيح قبل القيامة كان غير قابل للألم (الآلام
غير الملومة) لكن... ”سمح، كما بإرادته أن
يتحمل ما هو لائق به“ (ضد يوليان، ج1، 148).
ق ساويرس في نفس الوقت بيتفق مع يوليان إن تحمل الكلمة
للآلام غير الملومة كان بإرادته، وليس
بضرورة الطبيعة. بيقول ق ساويرس مثلاً ”لم يبخل بابنه... عن أن يتألم لأجلنا في
الجسد إراديًا
وليس بضرورة الطبيعة“ (ضد يوليان، ج1، 369). يعني التأكيد على إرادة الكلمة
في تحمل هذه الآلام لا خلاف عليه. فعلاً
إحنا كبشر تحت الضعف يجتاحنا الضعف بالضرورة، لكن الكلمة يسمح به حرًا مريدًا. ق
ساويرس كعادته بيقتبس من آباء كثيرين علشان يأكد فكرته. فبيقتبس من ق كيرلس اللي
بيقول ”أراد
كلمة الله... أن يصير إراديًا تحت ناموس الطبيعة، ويضع ذاته بإرادته تحت أسباب
الآلام الضرورية“ (ضد يوليان، ج1،
205). يعني شوف ق كيرلس بيقول إيه؟ يضع نفسه إراديًا
تحت الآلام الضرورية! وبيقتبس من ق كيرلس تاني اللي بيقول ”أتاح لجسده
أن يكون في ناموس طبيعته“ (ضد يوليان،
ج1، 204)، وأيضًا ”سمح لجسده إراديًا أن يتألم وفق طبيعته“
(ضد يوليان، ج1، 203). وبيقتبس من ق يوحنا ذهبي الفم اللي بيقول ”لم يكن (المسيح)
خارج الآلام البشرية... كان للمسيح جسد طاهرٌ من الخطية، وليس جسدًا
عادمًا للاحتياجات الطبيعية، وإلا فما
كان على أية حال جسدًا“ (ضد يوليان، ج1، 257). يبقى لازم الجسد يكون عنده
الاحتياجات الطبيعية متأصلة فيه بشكل طبيعي، مع الاحتفاظ بإرادة الكلمة في
إدراتها.
ق ساويرس بيأكد مرة أخرى ”لم يكن (الكلمة) بعيدًا عن
مشاركتنا، عندما خضع وسمح لجسده، إراديًا،
أن يسلك بحسب ما يليق بطبيعته في كل مرة بدا له فيها أن هذا حسن.. هكذا رغب في
الأكل، وكان قابلاً لألم الجوع..
وتقبّل أيضًا ألم الخوف والاضطراب والحزن...“ (ضد يوليان، ج1، 152). ويقتبس للنيسي
قوله ”لم يعتبر الجوع إثمًا، ولم يستثنِ ألم الجوع عن تجربته، بل قَبَل رغبة الطبيعة القوية
إلى الطعام. لأنه لما مكث أربعين يومًا جاع أخيرًا، أذ يمنح الطبيعة فرصةً -بحسب
إرادته- لتعمل ما يخصها“ (ضد يوليان، ج1، 155).
ق ساويرس بيقول برضو ”الجوع هو ألم يؤدي إلى فساد الجسد
(ويقصد الفساد الطبيعي، وليس فساد الخطية).. الجوع هو خاص بالجسد الفاسد والمتألم
والمائت.. سمح وأراد (الكلمة) أن يسلك جسده الخاص بحسب الناموس الإنساني الطبيعي كمتألم وفاسد“ (ضد يوليان، ج1، 159).
بناءً على ما سبق، مفيش خلاف على أن الألم الجسدي
الطبيعي (سواء جوع، أو حزن، أو مسامير بتخترق الجسد) كلها آلام طبيعية غير ملومة،
يعني ملهاش علاقة بالخطية، ولا تقلل من قداسة الابن. ومفيش خلاف على أن الآلام دي
قبلها الابن حرًا مريدًا وليس بالطغيان عليه غصبًا. لكن الاقتباسات السابقة توضح
شيء مهم وهو إن الآلام دي مش من خارج طبيعة جسده،
بل من طبيعة جسده الخاص بعينها. وده
الفرق المهم بين فكر يوليان الخيالي وفكر ق ساويرس الأنطاكي. خلينا نوضحه في
الجدول التالي:
يوليان
الخيالي |
ق ساويرس
الأنطاكي |
المسيح يقبل
الآلام غير الملومة إراديًا. |
زيه بالضبط:
المسيح يقبل الآلام غير الملومة إراديًا. |
هذه الآلام تأتيه من الخارج بحسب
رغبة الكلمة وليس بصورة طبيعية. |
هذه الآلام تأتيه من الداخل، من طبيعة الجسد نفسه، بحسب
رغبة الكلمة وبصورة طبيعية. |
الإرادة
تستحضر الآلام من الخارج. لأن يوليان
نفسه كان شايف إن جسد المسيح قبل القيامة غير قابل للتألم.. |
الإرادة تسمح
للآلام الطبيعية أن تحدث كمجراها الطبيعي. |
الإرادة هنا
بتعمل عملاً مظهريًا أو خياليًا. لأن
الجسد بالفعل غير قابل للتألم بحسب يوليان. |
الإرادة
بتعمل عملاً تدبيريًا.. يختبره الكلمة
ويديره إراديًا من داخل الطبيعة البشرية نفسها ليشفيها. |
جدير بالذكر أن يوليان كان شايف أن قابلية الألم في جسد
المسيح ده معناها إن الآلام ستجتاح الجسد رغمًا عنه ... لكن ق ساويرس قال إن
الكلمة بتسمح للآلام دي تمشي في مجراها الطبيعي لينتصر عليها ويشفيها.. وإن حركات
الآلام دي موجودة طبيعيًا في الجسد، وغير مفتعلة من الخارج، لكنها تخضع لإرادة
الكلمة المتجسد.[1]
السؤال التالي: هل الكلام عن التابوت المغشى
بالذهب يُفهم منه إن جسد المسيح كان غير قابل للفساد (الألم والموت)؟
اللي حصل إن يوليان كان اقتبس من ق كيرلس ما يفيد –من وجهة
نظره- إن جسد المسيح لم يكن فاسد منذ لحظة الاتحاد. والاقتباس ده يتضمن الكلام عن
تابوت العهد المصنوع من خشب لا يسوس كرمز لجسد المسيح الذي لا يفسد –بحسب رأي
يوليان.
المهم إن ق ساويرس قال ليوليان إنه اجتزأ القول.. لأنه
لو كمّل هيفهم إن المقصود هنا بعدم الفساد هو عدم فساد الخطية (ومحدش قال أبدًا إن
جسد المسيح فاسد.. فساد الخطية.. ده محصلش على الإطلاق). لكن قبل القيامة كان جسد
المسيح فاسد (أو قابل للفساد- نفس المعنى) بمعنى أنه قابل للألم والموت. لأن ق
كيرلس في الاقتباس ده قال إن "الكلمة اتحد بالجسد المقدس" وساويرس فاهم
هنا إن "المقدس" معناها "من جهة القداسة وعدم الخطية" (ضد
يوليان، ج1، 142).
ق ساويرس هيقتبس تاني من ق كيرلس من كتاله "السجود
والعبادة" واللي اتكلم فيه برضو عن التابوت –الاقتباس اللي بيبدأ "فالتابوت
بالنبسة لنا يا بالاديوس..." وبيقول فيه إن جسد المسيح كان غير فاسد وإنه
محفوظ في عدم الفساد كما في الذهب، لكن كمالة الاقتباس كيرلس هيقول "أنه أحيا
هيكله الخاص جاعلاً إياه أسمى من الفساد" (ضد يوليان، ج1، 143، 144). إيه ده؟
يعني قبل القيامة مكنش أسمى من الفساد؟ الإجابة: لو تقصد الفساد الأخلاقي: لأ،
مكنش فاسد. لكن لو تقصد الفساد الطبيعي (القابلية للألم والموت): أيوه: فاسد.
ق ساويرس بيقول تاني نقلاً عن كيرلس.. إن المسيح في جسده
"أزهر مرة أخرى ذاك الذي كان خاضعًا للموت والفساد، إلى الحياة" (ضد
يوليان، ج1، 145). يعني بشكل واضح جسد المسيح قبل القيامة كان خاضع للموت والفساد.
هل في فرق بين الفساد وقابلية الفساد؟
إحنا لسه بنتكلم عن الفساد الطبيعي، الفساد الأخلاقي المرتبط بالخطية محدش قرب منه.. وفي إجماع من الجميع عليه. الحقيقة إن يوليان كان شايف إن حتى جسد المسيح مينفعش يكون قابل للفساد الطبيعي، لأن القابلية تؤدي حتمًا لوقوع الفساد نفسه. فكان عايز يلغي القابلية من أساسها علشان ميوضلش لهذه النتيجة. واعتمد في كده على الفرق بين كلمتين في اليوناني φθορά و διαφθορά واعتبر إن الأولى بمعنى فساد، والثانية بداية أو وسيلة الفساد.. بداية طريق الفساد.. أو قابلية الفساد. لكن الكلام ده غير دقيق والقديس ساويرس هيعمل بحث كتابي يثبت فيه بالآيات الكتابية إن الكلمة التانية بتيجي بمعنى الفساد وليس قابلية الفساد زيها زي الكلمة الأولى.. بل على العكس، الكلمة التانية يتعني الفساد الكامل. على سبيل المثال آية مز 55: 23 بتقول "وأنت يا الله تحدرهم إلى جب الفساد" “σὺ δέ, ὁ θεός, κατάξεις αὐτοὺς εἰς φρέαρ διαφθορᾶς، فهل ربنا هيحدرهم إلى قابلية الفساد أم الفساد الكامل (ضد يوليان، ج1، 119). وق ساويرس أورد آيات كتيرة جدًا يثبت فيها هذا الأمر.
تنويه:
أرجو من القارئ العزيز، ألا يتخد موقفًا من الكلام حتى يقرأ الكتاب المشار إليه كله (400 صفحة). وفي النهاية أرحب بأي تعليق جاد يراعي قدسية الأمور التي نتحدث فيها.
[1] . ق ساويرس
الأنطاكي، ضد يوليان، ج1، مجموعة من المترجمين، مركز دراسات الآباء، حاشية 381، ص
148، وحاشية رقم 992، ص 370.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق