الثلاثاء، 11 يوليو 2017

هرمنيوطيقا النصوص النبوية-2



الخلفية التاريخية لأسفار الأنبياء


هناك أربع فترات نبوية رئيسية
1-   فترة الأنبياء الأولين:
§        برز دور النبي مع لمعان بريق مملكة إسرائيل في عهد داود وسليمان حوالي 1000 ق م. في هذه الفترة هناك حدثان مهمان:
o       وجود مملكة متحدة: اعتلى داود العرش حوالي 1000 ق م، ووحد الأسباط، وأمّن الحدود نسبيًا، وأعاد تابوت العهد، وجهز لابنه سليمان بناء الهيكل. ثم ازدهرت المملكة أكثر في عهد سليمان ابنه. من المهم أن نعرف أن هذه المرحلة كانت مثالية، وتمتع شعب الرب ببركات كثيرة.
o       انقسام المملكة:  لم يعامل سليمان وابنه رحبعام أسباط الشمال (10 اسباط) بشكل لائق، فانفصلوا عنه(930 ق م)، نقرأ ذلك في 1مل 12، 2أخ 11. صار يربعام الأول ملكًا على الشمال وعاصمته السامرة. وأقام مراكز لعبادة الأوثان في دان وبيت إيل وساد الفساد، وابتعدت الأمة عن يهوه. كان الجنوب أكثر أمانة في أحيان كثيرة، ولكن....
§        هذه الفترة المبكرة من خدمة الأنبياء شكلت فيها فترة الاتحاد خلفية لما دوِّن بعد ذلك من أسفار الأنبياء. وضع الأنبياء كل آمالهم تجاه الشعب على أساس العهد الذي صنعه الله مع داود وأكَّده مع سليمان ابنه. كانوا يشتاقون لليوم الذي يعود فيه الاتحاد بين إسرائيل ويهوذا- المملكتين المنقسمتين- كما كان في عهد داود وسليمان. اشتاقوا لعودة عرش داود القوي، واتساع المملكة والحدود،
§        أمّا فترة الانقسام فكانت خلفية لخدمة الأنبياء وكتاباتهم أيضًا. خدم البعض منهم في الشمال يتوعدون بدينونة ويعدون بيوم للبركة. وكذلك خدم البعض الآخر في الجنوب يتوعدون بيوم للدينونة والبركة.
§        لم تُكتب أسفار نبوية في هذه الفترة، لكنها شكلت خلفية مهمة للكتابات النبوية فيما بعد.
2-  فترة الغزو الأشوري
§        انتهك شعب الله العهد معه فوجد نفسه أمام دينونة الله عن طريق الحرب.. دينونة الغزو الأشوري (734- 701 ق م). يوجد 3 أحداث تاريخية هامة في هذه الفترة:
o       التحالف بين دمشق وإسرائيل في الشمال: وكان هناك نزاع بين هذا الحلف ومع مملكة يهوذا الجنوبية. هذا التحالف قٌصد به مقاومة أشور، وطالبا من يهوذا الانضمام إلى التحالف ولكنها رفضت بقيادة الملك أحاز (راجع إش 7). جاءت أشور لتنتقم من إسرائيل في الشمال ودمرتها، بينما تحالف الجنوب مع أشور لفترة من الوقت، ثم تمردت عليها بعد ذلك وكانت على وشك أن يكون مصيرها مثل مصير أختها في الشمال.
o        سقوط السامرة: انتقمت أشور من الشمال بسبب تحالفها مع دمشق ضدها (اقرأ 2مل 17). مما أدى إلى ترحيل وإجلاء كثير من أبناء أسباط الشمال.
o       عدوان سنحاريب: بعد التحالف مع أشور لبعض الوقت، حدث تمرد، وهاجمت أشور يهوذا عدة مرات أعنفها هو هجوم سنحاريب في 701 ق م. اقرأ 2مل 18، 19. دمرت أشور عدة مدن حتى وصلت إلى أورشليم، لكن حزقيا الملك لجأ إلى الرب يهوه الذي خلصه بشكل معجزي. وظلت يهوذا خاضعة للإمبراطورية الأشورية.
هناك 6 أسفار تسجل خدمة الأنبياء في هذه الفترة:
1-   يونان: خدم في زمن يربعام الثاني (2مل 14: 25). وذهب يونان إلى نينوى عاصمة أشور نفسها. استجابت نينوى بالتوبة ونجت من الدمار.
2-   هوشع: خدم أثناء حكم عدة ملوك كما هو واضح في (هو 1: 1)، وخدم في الشمال بشكل أساسي من 750 ق م حتى سقوط السامرة 722 ق م. تنبأ ضد الشر والفساد في الشمال بأن أشور ستأتي وتدمر الشمال، وهذا ما تحقق بالفعل. لكنه مع ذلك قدم أملاً بتحقق بركات العهد حتى بعد السبي الذي حدث. "أَنَا أَشْفِي ارْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً، لأَنَّ غَضَبِي قَدِ ارْتَدَّ عَنْهُ" (هو 14: 4).
3-   عاموس: من عاموس 1: 1 نعلم زمن خدمته. خدم عاموس في الشمال. وتنبأ بقدوم دينونة أشور وسقوط السامرة والسبي. "فَأَسْبِيكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ دِمَشْقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ اسْمُهُ" (عا 5: 27). وفي الأصحاح الأخير يتنبأ عن الرجوع والتعويضات: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ مِظَلَّةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأُحَصِّنُ شُقُوقَهَا، وَأُقِيمُ رَدْمَهَا، وَأَبْنِيهَا كَأَيَّامِ الدَّهْرِ" (عا 9: 11).
4-   ميخا: خدم في يهوذا، وتلخصن رسالته بأن الله سيدين كلاً من السامرة وأورشليم على يد اشور. قاوم ميخا الأنبياء الكذبة القائلين بإن اورشليم لا يمكن أن تُدمَّر، إلا أن ميخا كان شترط التوبة لحدوث ذلك.
5-   ناحوم: تنبأ بتدمير نينوى عاصمة أشور (اصحاح 3)، وخدم في يهوذا "عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ. أَوْفِي نُذُورَكِ" (1: 15). ويتنبأ بهلاك أشور وتدمير نينوى: "وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ يَهْرُبُ مِنْكِ وَيَقُولُ: خَرِبَتْ نِينَوَى، مَنْ يَرْثِي لَهَا؟ مِنْ أَيْنَ أَطْلُبُ لَكِ مُعَزِّينَ؟" (نا 3: 7).
6-   إشعياء: خدم في فترة التحالف بين دمشق وإسرائيل، وسقوط السامرة، وعدوان سنحاريب.  دعا إلى اللجوء إلى يهوه وقت حصار سنحاريب، وقاد حزقيا الملك في ذلك حتى حدث خلاص معجزي. دعا إلى التوبة أمام دينونة أشور لأورشليم، ثم حذَّر من السبي نتيجة عدم التوبة، ثم تنبأ برجوع يهوذا من السبي.
3-  فترة الغزو البابلي
§        تمتد هذه الفترة من 605- 539 ق م. ويربط إشعياء بين الغزو الأشوري والغزو البابلي. بعد حصار سنحاريب حاول حزقيا الملك التحالف مع البابليين من المزيد من الهجمات. وفي إش39 يكشف إشعياء ماذا فعل حزقيا الملك، ويقول له: "هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَمِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ" (إش 39: 6-7).  
§        تقسم هذه الفترة إلى 3 أحداث هامة:
o       الغارة الأولى: حدثت 605 ق م، وتم ترحيل أول دفعة من قادة يهوذا إلى بابل. لم يكن يهوياقيم مخلصًا لنبوخذنصر فقام الأخير بغارة علة أورشليم وقام بترحيل الكثيرين من القادة ومنهم دانيال والفتية الثلاثة.
o       الغارة الثانية: حدثت في 597 ق م، نتيجة استمرار تمرد يهوذا، فكان نصيبها المزيد من الدمار وترحيل قادتها وشعبها، وكان من بينهم حزقيال النبي، ولم تتب المدينة عن شرورها.
o       الغارة الثالثة: حدثت 586 ق م، نتيجة استمرار التمرد، فكان نصيبها المزيد من الدمار والترحيل. في هذه المرة دمر نبوخذنصر المدينة والهيكل تدميرًا كاملاً. كانت فترة عصيبة في تاريخ شعب الرب.
7 أنبياء خدموا في هذه الفترة:
-        إرميا: عاصر إرميا الثلاثة غارات أثناء خدمته في يهوذا (راجع إر 1: 3). بدأ خدمته من 626 ق م حتى قبل هزيمة بابل لأشور حتى الغارة الثالثة والترحيل الثالث في 586 ق م. دعا إلى التوبة لتفادي الغارات، ولم يتوبوا، فتحدث عن المصير المشؤوم الذي ينتظر أورشليم، لكنه تنبأ بسلام ورجوع وعهد جديد (إر 30، 31).
-        صفنيا: عاصر بدايات خدمة إرميا، تنبأ بتدمير أشور وسقوط نينوى على يد بابل. وتنبأ بفرض هيمنة بابل على المناطق كلها بما في ذلك يهوذا. وتنبأ باسترداد يهوذا: "فِي الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ آتِي بِكُمْ وَفِي وَقْتِ جَمْعِي إِيَّاكُمْ. لأَنِّي أُصَيِّرُكُمُ اسْمًا وَتَسْبِيحَةً فِي شُعُوبِ الأَرْضِ كُلِّهَا، حِينَ أَرُدُّ مَسْبِيِّيكُمْ قُدَّامَ أَعْيُنِكُمْ، قَالَ الرَّبُّ" (صف 3: 20).
-        يوئيل: ربما خدم يوئيل قبل دمار الهيكل (2: 1). ووجه رسالته إلى يهوذا بالتحديد. دعا إلى التوبة لوقف الغارات أو لتخفيف وطأة الدمار البابلي. لكنه جدد الأمل في العودة من السبي والتمتع ببركات العهد من جديد: "وَلكِنَّ يَهُوذَا تُسْكَنُ إِلَى الأَبَدِ، وَأُورُشَلِيمَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. وَأُبَرِّئُ دَمَهُمُ الَّذِي لَمْ أُبَرِّئْهُ، وَالرَّبُّ يَسْكُنُ فِي صِهْيَوْنَ" (يؤ 3: 20 -21).
-        عوبديا: استغلت أدوم معاناة يهوذا، فتنبأ عوبديا بخراب آدوم لما فعلته في حق يهوذا "فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ. عَمَلُكَ يَرْتَدُّ عَلَى رَأْسِكَ." (ع 15). وتنبأ برجوع المسبيين ودينونة الله للشعوب التي اعتدت على يهوذا.
-        حبقوق: من خلال حب1: 6 نعرف أنه خدم مع اقتراب الغارة الأولى للبابليين. رثى حبقوق في سفره شرور يهوذا، ثم رثى الدمار الذي وقع على يد البابليين. لكن حبقوق يضع ثقته في يهوه مهما طالت مدة السبي ويعبر عن ذلك في هذه الكلمات الجميلة: "فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي" (حب3: 17-18).
-        حزقيال: خدم خلال فترة السبي، فهو يخبرنا في أصحاح 1، 2 بأنه أخذ في السبي، وخدم بين المسبيين هناك. كما عاصر دمار أورشليم 586 ق م. تنبأ في البداية عن تدمير أورشليم والهيكل، ثم تنبأ بعودة الشعب إلى الأرض وإعادة بناء الهيكل.
-        دانيال: خدم أيضًا خلال السبي، وأخذ في السبي والإجلاء الأول عام 605 ق م. تنبأ بتعاقب أربع مملك تستعبد شعب الرب لأنهم لم يتوبوا عن خطاياهم حتى في السبي. لذا يقول: "كَمَا كُتِبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، قَدْ جَاءَ عَلَيْنَا كُلُّ هذَا الشَّرِّ، وَلَمْ نَتَضَرَّعْ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِنَا لِنَرْجعَ مِنْ آثَامِنَا وَنَفْطِنَ بِحَقِّكَ. فَسَهِرَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ وَجَلَبَهُ عَلَيْنَا، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا بَارٌّ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا إِذْ لَمْ نَسْمَعْ صَوْتَهُ" (دانيال 9: 13-14).
4-  فترة الرجوع من السبي
تمتد من 539 حتى 400 ق م تقريبًا. وهناك 3 أحداث رئيسية في هذه الفترة:
§        عودة الشعب إلى الأرض: انتصر كورش الفارسي على بابل وسمح بعودة الشعب إلى الأرض وإعادة بناء الهيكل.
§        إعادة بناء الهيكل: حدث في الفترة من 520- 515 ق م. عندما عادوا في البداية أهملوا هذا الأمر، لذا جاء حجي وزكريا ليحثوا الشعب على هذا.
§        موجة من الارتداد العام: نقرأ عن هذا الأمر في سفري عزرا ونحميا. هذا الارتداد حدث بسبب التزواج مع الشعوب الأخرى.
هناك 3 أنبياء خدموا في هذه الفترة:
-        حجَّي: هو أحد العائدين من السبي، وخدم في أورشليم. نقرأ عن زمن خدمته في 1: 1، كانت رسالته الأساسية هي حث الشعب على بناء الهيكل. وتنبأ عن البركات الكبيرة التي ستحدث مع زربابل- في حالة رجع الشعب إلى الله: "كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ وَالِي يَهُوذَا قَائِلاً: إِنِّي أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ، وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ، وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا، وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا، كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِ.فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، آخُذُكَ يَا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابْنُ شَأَلْتِيئِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ، لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ" (حجي 2: 21- 23).
-        زكريا:  عاصر حجي، وشجع أيضًا على بناء الهيكل، وتنبأ عن ما يصاحب ذلك من بركات. لكنه في الأصحاحات الأخيرة تنبأ عن سلسلة من الأحداث المستقبلية الكبيرة التي سيتدخل من خلالها الرب لتحقيق بركات عظيمة من أجل شعب الله.
-        ملاخي: يبدو أنه خدم بالقرب من أورشليم بعد فترة نحميا (من 450- 400 ق م). ونعرف من سياق السفر أن الهيكل تم إعادة بنائه لكن العبادة فسدت فيه، وهذا جعل ملاخي يتنبأ ضد شعب الله. لكنه يعود يتنبأ ببركات عظيمة إذا رجع الشعب إلى الله: "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ." (ملاخي4: 2).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق