الاثنين، 30 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 25

 

مع بداية القرن العشرين، نأتي لمرحلة مهمة جدًا، مع يسى منصور شماس وواعظ بطريركة الأقباط بالأسكندرية، وكتاباته الجميلة المتعددة. هذا الشماس له كتاب بعنوان ”رسالة التثليث والتوحيد“، يسرد فيه كمية كبيرة من الآيات الكتابية للتأكيد على وحدانية الله. ثم يقول يكفي أن القرآن يشهد لنا في سورة العنكبوت ”إلهنا وإلهكم واحد“، فلا خلاف في أمر الوحدانية. بل الاختلاف في صفات الله وأقانيمه.. ثم يقول إن كلمة ”واحد“ في العبرية لا تعبر عن وحدانية مصمته بلا وحدانية شاملة جامعة. دي نفس الحجة دي اعتمد عليها الله يرحمه نبيل قرشي في مناظرته مع الشيخ شابير علي على اليوتيوب.


ثم يقول: ”التعدد في الأقانيم لا يلحق الجوهر ولا يستلزم انقسامه أو انفصاله؛ لأن جوهر الله غير مادي.. فلكل أقنوم جوهر اللاهوت الواحد، ثم يذكر أن ”الأعداد مبدئيًا من خصائص العالم الطبيعي“ المخلوق. ثم يستخرج من الكتاب المقدس أدلة على التثليث: 1- صيغة الجمع في سفر التكوين، ودي استخدمها آباء كثير، 2- التقديس المثلث ”قدوس، قدوس، قدوس“ اللي قالها السيرافيم (ودي استخدمها غريغوريوس النيسي وأمبروسيوس)، لكن يلاحظ أن يسى منصور لا يرجع هذه الأمثلة لأحد من الآباء.. 3- البركة المقدسة في سفر العدد 6: 24- 26،كما يستخدم أيضًا آية ”اسمع يا اسرائيل: الرب إلهنا رب واحد“ وان الرب بالمفرد والله (ألوهيم) بالجمع. كما يربط يسى منصور بين أع 10: 38 ”مسحه الله بالروح القدس“، وإش 42: 1 ”أضع عليه روحي“ بالقرآن في سورة البقرة 87 ”آتينا عيسى بن مريم البينات، وأيدناه بروح القدس“. ثم يستخلص أن الآديان الثلاثة- بحسب الشواهد الثلاثة السابقة بتؤمن أن الله هو المويِّد، والمسيح هو المؤيَّد، والروح القدس هو المؤيَّد به.

بيستخدم يسى منصور الإنسان كتشبيه للثالوث، فيقول إنه ذات موجودة ويتميز عن العدم بخاصية الوجود.. وهو حي يتميز عن الجماد بخاصية الحياة، وهو ناطق يتميز عن الحيوان بخاصية النطق.. (استُخدمت سابقًا). لكنه يقول جملة في منتهى الأهمية.. وهي بترد على مَن يتهم لاهوت الصفات بالسابلية: ”نحن لا نقول هذا لنعبر عن أن الثالوث الأقدس هو مجرد ثلاث خواص، فهذا ليس إيماننا، ولا إيمان الكنيسة الجامعة، بل لنبرهن أن وجود الخواص المميزة في الله لهو مما يسهل للذهن حقيقة الثلاث أقانيم في اللاهوت“.

ثم ينتقل إلى نقطة مهمة للغاية.. بيقول كيف يمكن للمنزه عن كل شيء أن يصير خالقًا على اتصال بالعالم؟ ”أليس عمل الخلق هو بدء علاقة أو نسبة بين الخالق وما سواه؟“ هل نقدر نقول إنه صار أمر جديد في الله.. كيف يتفق هذا مع تنزيه الله عن الحوادث والطوارئ؟ ثم يجيب: إن الاعتقاد بالله مثلث الأقانيم يدل على أن خلق العالم لم يكن بدء تعلقات الذات؟ لأن الله ذو علاقات منذ الأزل قائمة به، باعتبار تعدد أقانيمه المباركة، فكل أقنوم له علاقة وله نسبه بجانب الآخر وله علاقة بغيره“. هنا أنا منبهر أني أعرف شخص مسيحي قال كده في مطلع القرن العشرين.. اليوم وعاظ كثيرين أجانب ومصريين.. بيعتمدوا على نقطة العلاقات.. وأن الله كائن علاقاتي.. وأنه يتمتع بالعلاقة الغنية داخل الثالوث.. وبالتالي أنه يقيم علاقة مع البشر أو الملائكة (خليقته كلها) مش شيء جديد أو تغير نوعي ممكن يُنسب لله.

ينتقل الشماس يسى منصور إلى فكرة أخرى ويقول: ”أين قدرة الله قبل الخلق؟هنا بيحاول يقول إن الله معندوش صفات كامنة أو معطلة.. فلازم يكون قادر قبل وبعد.. فيقول ”الخلق العارض لم يجيء غريبًا على الله بل صدر عن المحبة الفعالة“. من ناحية تانية بيتكلم عن التاثر والانفعال (ربما تعبير الديناميكية في الله هيكون أدق.. لأن المفروض الله خال من الانفعالات).. بيقول ربنا بيتجاوب معانا.. نصلي فيستجيب ويسمع، نحب الله ويحبنا، يعني (في انفعال متبادل بوجه من الوجوه). أين كان هذا الانفعال في الله قبل الخلق وهو غير متغير؟ يقول ”كل هذا الإشكال لا يحله إلا الإيمان بوجود الله مثلث الأقانيم، يؤثر ويتأثر كل منهم بالنسبة لعلاقته بالآخر منذ الأزل.. كقول التوراة: هوذا بسط نوره على نفسه. أيوب 36: 30“. الإشارة للآية دي عبقري.. وجديد.. غير كده يكون الله قبل الخليقة ”لا يؤثر ولا يتأثر، ولا يتكلم، ولا يسمع، ولا يعمل، جامد، بلا نسبة، ولا علاقة، في فضاء العزلة والعدم“.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق