نتابع
المحطة المهمة عند الآباء الكبادوك، مع القديس غريغوريوس النزيانزي/ اللاهوتي (329- 390 م)، في الخطبة
اللاهوتية الثالثة للنزيانزي (رقم 29) بيقول إنه توجد مساواة في الأزلية بين الآب والابن،
فلا بداية للابن، ولا بداية لأبوة الآب. وللرد على قصة هل ولد الابن بإرادة الآب أو
بغير إرادة؟ يقول إن ”الولادة فوق الإرادة“، ويقول ”إن وجِد المريد والمراد
داخل الله.. لأصبح قابل للتقسيم“ (29: 7). أما بشأن كيفية الولادة فهي عصية على
الفهم، وحتى الملائكة يجهلون ذلك. الكيف يعرفه الآب الذي ولد والابن الذي ولد ”وما
فوق ذلك محجوب وراء غمامة“.
وفي
الخطبة الخامسة (رقم 31) يدافع عن لاهوت الروح القدس، ويقول ”إن كان (الروح القدس)
من رتبتي فكيف يصيرني إلهًا“ (31: 5)، مَن يؤله (بمعنى يقدِّس) لابد أن يكون غير
مخلوق. ثم يثبت أن الروح القدس شخص وليس قوة أو صفة، فهو يفرز للخدمة، ويحزن، ويغضب،
وهذه أمور لا تنطبق على المخلوقات. ثم يؤكد مرة أخرى على استحالة شرح هذا الانبثاق.
وأي ”انتقاص تلحقه بالثلاثة (أقانيم) تلغي به الكل“ (31: 12).
في
الخطبة اللاهوتية الخامسة (31)، يجد النزيانزي صعوبة في استخدام أية تشبيهات عن الثالوث
ويقول ”لم أعرف كيف وبأي شيء من الأشياء الأرضية أستطيع أن أشبه الطبيعة الإلهية.
حتى لو وجدت بعض التشابه، فإن القسم الأكبر يفوتني“. وكان بيخاف مثلا أن تشبيه
الينبوع والجدول والنهر يبقى نوع من السابلية لأنه يرى أن الينبوع والجدول والنهر ممكن
يتفهم على انه ”شيء واحد يتخذ أشكالاً مختلفة“. وبيناقش اعتراضات أخرى على تشبيهات
أخرى.. ولا يرضى ويرتاح لتشبيه معين.. بل يكتفي بالقليل من الألفاظ المتفقة مع الإيمان.
هنا
النزيانزي بيدنا درس مهم جدًا.. أن مفيش تشبيه هيتطابق مع حقيقة الثالوث بنسبة
100% .. وأننا يجب ان نستخدم التشبيهات بحذر.. ونعرف بالضبط فين وجه التشابه.. وهو
ده اللي نأكد عليه.. من ناحية تانية في قاعدة بتقول: Don't
force the analogy to the breaking point،
يعني خد النقطة الظاهرة في التشبيه.. ولا تحاول أنك تظهر التطابق في كل شيء.
نأتي
إلى آخر الآباء الكبادوك العظام الثلاثة، وهو الأخ الأصغر للقديس باسليوس، وهو ق غريغوريوس
النيسي (335- 395م)، اللي شاف زي ق أغسطينوس أن النفس هي أقرب تشبيه للثالوث.. فقال في مقالة
بعنوان ”خلق الإنسان على صورة الله“ إن النفس مخلوقة على صورة الله الثالوث..
وإن الإنسان إذا تأمل نفسه سيصل إلى سر الثالوث.. وإن النفس بكده تمثل شهادة للثالوث
وبيقول إنها ”شهادة مؤكدة وجديرة بالثقة أكثر من أي شهادة أخرى للناموس والكتاب“!
يقول
النيسي: ”الله الآب يحتوي الكلمة كأقنوم، والروح القدس أيضًا، كما هو الوضع بالنسبة
للنفس“ إزاي؟ ”النفس تلد كلمتها الأقنومية“، و”الكلمة تولد داخل القلب
ولادة غير مدركة، غير متجسدة.. ثم تولد ولادة جسدية من خلال الشفاة“ لكنها لا تنفصل
عن النفس التي ولدتها. وده علشان ندرك ولادتين لله الكلمة اللوغوس، الولادة
الأزلية من الآب قبل كل الدهور، وولادته من العذراء في ملء الزمان.
جوهر
النفس غير مائت وعاقل.. وله 3 خواص أقنومية (عدم ولادة النفس، ولادة الكلمة، انبثاق
الروح أو الفكر) وسمى دي النظرية الثالوثية غير المرئية للنفس. يشرح النيسي بإن خلق
الإنسان على الصورة والمثال هدفه هو أن نعرف الله ”من خلال الثالوث الذي في داخلك“.
النيسي
عنده رسالة كتبها لواحد اسمه آبلابيوس بعنون (on
Not three Gods).. لأ، مش3 آلهة.. بيرد فيها على اعتراض بيقوله
البعض.. ليه لما يوجد بطرس ويعقوب ويوحنا- وأهو من نفس الطبيعة الإنسانية- ممكن نشير
إليهم بصيغة الجمع.. يعني نقول هؤلاء 3 إنسان أو رجال.. لكن بالنسبة للثلاثة اقانيم
مش بينفع نقول هؤلاء 3 آلهة؟
النيسي
بيعترف بصعوبة السؤال.. وبيقول لو قلنا إحنا بنقول إنهم إله واحد علشان نتجنب الاتهام
بالوثنية.. ممكن الإجابة دي ترضي السذج.. لكن محتاجين إجابة أعمق من كده.. أولاً ال
3 بني آدمين.. حتى وإن كانوا من نفس الطبيعة لكن منفصلين من جهة العمل.. حتى لو شغالين
نفس الشغلانة.. لكن كل واحد بيشتغل على طريقته وبالطريقة اللي تريحه.. لكن بالنسبة
للأقانيم مش كده.. لكن بجانب وحدة الطبيعة في وحدة العمل أيضًا (unity
of operation). وحدة الطبيعة قال مثل عليها: الذهب من حيث
الجوهر هو واحد لا بيزيد ولا بينقص.. لكننا إحنا بنعمل منه عملات ذهبية كتيرة.
وحدة
العمل جاب أمثلة كثيرة لأعمال ثالوثية مشتركة.. منها مثلا الخلاص. وقال إن مخلص الجميع
هو الآب.. والابن بينفذ الخلاص من خلال نعمة الروح القدس.. ومع ذلك الكتاب المقدس مش
بيتكلم عن 3 مخلصين. وبيضع قاعدة حلوة بتقول: إن كل عمل إلهي بدايته من الآب ومن
خلال الابن ويُكمَّل بالروح القدس.. مثال تاني: الآب هو ديان الجميع .. لكن من
خلال الابن.. والروح القدس هو روح القضاء (إش 4: 4).. وبالتالي مرة تاني: ”عمل الله
ينبع من الآب كما مِن نبع، ثم يُفعّل بالابن، ويكمل بالروح القدس“. اللي بيزيد
هذا الأمر عجبًا أنه مفيش فاصل زمني أو تأخير موجود أو متخيَّل في الحركة الإلهية من
الآب من خلال الابن إلى الروح القدس.
يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق