وصلنا
لمحطة مهمة جدًا، مع حامي الإيمان، ق أثناسيوس الرسولي (295-373 م)، وهو صاحب
المقولة الشهيرة Athanasius
contra Mundum أو
أثناسيوس ضد العالم. صاحب ذكاء حاد، وقلب ملتهب،
وغيرة متأججة في الدفاع عن الإيمان.. حتى وصفه البعض أنه في دفاعه عن العقيدة هو street
fighter. وصفه غريغوريوس النزينزي بأنه ”ملائكي
الصورة.. وملائكي العقل أيضًا“، بينما سخر منه أعدائه ووصفوه ”بالقزم الأسود“. ق
أثناسيوس هو بطل مجمع نيقية، مش بس كده، لكنه وضع الأساس، وعلّم الآباء اللاحقين
الرد على اعتراضات الأريوسيين.
في خطاب للقديس أثناسيوس إلى أساقفة مصر وليبيا وتحديدًا
في الفصل (12) بيستعرض ق أثناسيوس بنود إقرار إيمان أريوس وأتباعه، ثم في الفصول
13- 17 بيرد عليها بآيات كتابية.. على سبيل المثال:
1- قال أتباع أريوس: (كل الموجودات مخلوقة من العدم، يبقى
الابن أيضًا مخلوق)، أثناسيوس بيذكر 1يو5: 20 ”هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ“ فإذا كان مخلوق ويعبدونه فقد عبدوا المخلوق دون الخالق
(رو1: 25) وده كفر وبالتالي أصبحوا زي الوثنيين. 2- قالوا (الابن لم يكن موجود قبل
أن يولد لأن وجوده له بداية)، رد أثناسيوس ب يو1: 1 ”فِي الْبَدْءِ كَانَ
الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ“. 3-
قالوا (الابن مش هو الكلمة الموجودة بالطبيعة في الآب.. وليس هو الحكمة التي خلق بها
العالم، لكن في الآب كلمة آخر وحكمة أخرى خلق بها العالم)، رد أثناسيوس ب يو1: 3 ”كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ“ فكيف عرفوا أن الكلمة
الآخر هو الذي خلق.. مش هيقدروا يثبتوا كده، وكده خلوا الله زي الإنسان عنده كلمات
كثيرة.
4- قال أتباع أريوس: (الابن زي بقية المخلوقات منفصل عن جوهر
الآب وغريب عنه)، رد أثناسيوس ب يو10: 30 ”أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ“، ويو14:
9 ”اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ“، وعب 1: 3 ”بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ“، والبهاء لا ينفصل عن النور، إزاي يجعلوه غريب عن جوهر
الآب. لأنهم في الواقع خلوه واحد مع المخلوقات مش واحد مع الآب. 5- قالوا (الله لم
يخلقنا من أجل الكلمة، ولكنه خلق الكلمة من أجلنا)، فيستشهد أثناسيوس ب كو 1: 16 ”الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ“ فكيف يقولون أنه هو اللي صار من أجلنا.
6- قالوا (المسيح هو قوة الله زي ما تم تشبيه الجراد بأنه
قوة الله في يؤ2: 25)، فيجي ق أثناسيوس بيستشهد ب 1كو1: 4 ”الْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ“ فكيف يقارن بمخلوقات أخرى غير عاقلة. 7- قالوا (إن الابن
لا يعرف الآب معرفة كاملة ولا يراه)، فنجد ق أثناسيوس يقتبس مت 11: 7 ” لَيْسَ
أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ
الابْنُ“، ويقتبس يو6: 46 ”لَيْسَ أَنَّ أَحَدًا رَأَى الآبَ
إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللهِ (الابن)“ ، و يقتبس يو 10: 15 ”كَمَا أَنَّ الآبَ
يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ“، ومن الآية الأخيرة يستنتج أنه لو الابن يعرف
الآب معرفة جزئية يبقى الآب يعرف الابن معرفة جزئية.
واضح لينا إزاي ق أثناسيوس بيني ردوده على آيات الكتاب
المقدس، بالطبع بجانب التقليد الكنسي والليتورجيا. النقطة
المهمة هي إزاي بنقرأ الكتاب المقدس.. أريوس ركز على الآيات اللي بيبان فيها
المسيح أقل من الآب.. زي أبي أعظم مني.. في حين مركزش على مقدمة يوحنا مثلاً..
اللي فيها بوضوح ”وكان الكلمة الله“. وبالتالي نقدر نقول ان أريوس بيتعامل مع
الكتاب المقدس بقراءة انتقائية selective ومتشظية
atomistic،
في حين ق أثناسيوس عنده قراءة شاملة أو كلية holistic وسياقية contextual،
يعني مسك الآيات اللي ركز عليها أريوس وشرحها في سياقها الصحيح.
أمّا من حيث اعتماده على التقليد والليتورجيا، المسيح
كان يُعبد في كل الكنائس بما فيها الكنايس اللي كانت بتؤيد أريوس.. وتخيل كده
معايا أنها مكنتش قليلة.. مكانش قال ان العالم استيقظ فجأة فوجد نفسه أريوسيًا.. وبالتالي
مسك ق أثناسيوس في النقطة دي.. وقال لو اللوغوس مخلوق زي ما آريوس بيقول .. يبقى
إحنا بنعبد مخلوق .. يبقى رجعنا مرة أخرى للوثنية!
عظمة
أثناسيوس أنه بالرغم أنه فاهم التفاصيل إلا أن عنده كمان مخطط شامل overarching plot للإيمان بتاعه.. فعارف يتحرك بسهولة بين
التفاصيل المختلفة. أريوس
بدأ بالمنطق والفلسفة (اللي هما حاجة عظيمة جدًا) بس انتهى بفكرة إيمانية غلط.. في
حين ابتدأ أثناسيوس بالخلاص والفداء.. قال لو لم يكن اللوغوس إله كامل.. يبقى
خلاصنا كله طلع فشنك!
جدير بالذكر أن من الشخصيات اللي كانت بتحارب ق
أثناسيوس، في شخصيتين هما: 1- يوسابيوس النيقوميدي، وممكن نعتبره الأنتيم
بتاع أريوس، والعدو اللدود بتاع أثناسيوس. رفض
عبارة ”هوموأوسيوس- واحد مع الآب في الجوهر“ وحاربها كثير بعد كده. البعض
بيقول إنه كان متأثر بتعاليم أوريجانوس اللي بتقول أن الابن أقل (أو تابع) من الآب.. لكن يلزم الإشارة هنا أن أوريجانوس كان
كل الأطراف بتقتبس من كلامه آراء متناقضة.. ومع ذلك وقع يوسابيوس
على العبارة، ولم يوقع على حرمان أريوس.. كان بيقول آريوس
أتفهم غلط.. أو تاب.. بس حربه الشرسة على أثناسيوس ولاهوت مجمع نيقية.. بيقول غير
كده! نجح
يوسابيوس النيقوميدي في إقناع الأمبراطور أنه يرجّع أريوس.. وكان عنده نفوذ كبير
.. بدليل أن هو اللي عمِّد الأمبراطور قسطنطين وهو على فراش الموت.
الشخصية الثانية هي أستريوس
السوفسطائي أو الكبادوكي.. (متوفي 341م)، وده كان فيلسوف وخطيب قبل ما يبقى مسيحي. تتلمذ على يد لوسيان
الانطاكي.. أستاذ أريوس. علشان كده مش غريبة أن أريوس نفسه يعتمد على كتابات
أستريوس. يلقبه ق أثناسيوس بأنه المحامي لبدعة أريوس وبالسوفسطائي متعدد
الرؤوس many-headed
sophist.
الحاجة
التانية اللي نقدر نتعلمها في المحطة الهامة دي، هو طريقة ق أثناسيوس في التعامل
مع المخالفين في الرأي، فالمعروف أن البعض لم يقبل تعبير ”هوموأوسيوس“ في البداية،
فيقول ق أثناسيوس: ”إن
مَن يقبلون كل ما كُتب في نيقية، ولو أنهم ما زالوا يشكون في عبارة هوموأوسيوس.. لا ينبغي أن يُعاملوا
كأعداء. وأنا
لا أهاجمهم كأريوسيين مجانين، ولا كمقاومين للآباء.. إني
أناقش الأمور معهم كأخ مع أخوة.. يفكرون
كما نفكر.. ويختلفون
فقط على كلمة واحدة“
(عن المجامع (De Synodis 41 ، ومن ضمن هؤلاء باسليوس أسقف أنقرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق