الأحد، 29 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 16

 

المحطة دي كمان فيها واحد معاصر لثيؤدور أبو قرة، وهو أبو رائطة التكريتي السرياني اليعقوبي (في القرن 9)، وأبرز فكرة عند أبو رائطة هي أن الله فوق العدد.. ولا يصح أن يصف بأنه واحد عدديًا.. لأن الوحدة العددية numerical oneness صفة للمخلوقات.. وليس للخالق. شوفنا قبل كده ساويرس الأنطاكي قال إن الله من حيث الجوهر لا ينطبق عليه العد. كذلك يرى أبو رائطة أن ”العدد عرضة للتبعيض والنقصان“، نفس الفكرة دي قال بيها لاهوتي وفيلسوف غربي في القرن ال 15 اسمه ”نيكولاس دي كوسا“ اللي شرح في كتاب ليه بعنوان (On God as not-other) إن الأرقام دي للمخلوقات والله ليس بمخلوق.. لذا فالله فوق العدد ويسبق كل عدد.. ويتسامى على كل عدد.


الله هو اللي بيعطي المخلوقات إمكانية أن تُعد. لكنه هو يوجد بشكل يفوق الجوهر ذاته super-substantially ويعرف بما هو فوق العقل super-mentally ومعرفتنا عن ذاك الذي هو فوق كل المدركات هو بمثابة الجهل المطبق! لو رجعنا لأبو رائطة هنلاقيه بيقول إذا كان العدد واحد هو ناقص، لكن رقم 3 هو الأكمل لأنه يضم الفردي والزوجي.ثم يستخدم أبو رائطة نفس التشبيه الخاص بال 3 مصابيح التي تضيء معًا في غرفة.. ونفس التشبيه قاله ثيؤدور أبو قرة.. وهنلاقيه بيقول تشبيه آدم وحواء وهابيل.. وده قريب الشبه بتشبيه بطرس وبولس وسلوانس اللي استخدمه غريغوريوس النيسي.

في الوقت ده حصلت في مجادلة جرت بين راهب يدعى إبراهيم الطبراني (نسطوري) مع أحد الأمراء الملسمين يُدعى عبد الرحمان بن عبد الملك الهاشمي في بيت المقدس نحو سنة 820 م. وده جزء من المحاورة:

أجاب المسلم: آمنَا بالله ورسله. ولكننا نعلم أنه ليس والد إلا وهو أقدم من ولده.

قال له الراهب: صدقتَ أيها المسلم، كل والد أقدم من ولده، ما خلا الله وكلمته وروحه. الكلمة مولودة منه بلا حَدَث، ظاهرة منه بلا انفصال، إلا أننا نقول إن الله أب. فقد نعلم أن الشمس والقمر والنار مخلوقة، ونرى ضوء جميعها مولودًا منها بلا حَدَث. وحرارتها ظاهرة منها بلا انفصال. كذلك الله وروحه وكلمته بلا تفريق ولا انفصال. لا هم أقدم من كلمته وروحه، ولا كلمته وروحه بأحدث منه، ولا نعرف الله إلا بالكلمة والروح. ولو كان بين الله وبين كلمته وروحه انفصال، لكان له ابتداء وانتهاء.

قال الأمير: ويحك يا راهب! وما تُفرقون بين الله وبين كلمته وروحه؟

قال الراهب: كما أنه لا يُفرَّق بين الضوء والحرارة وقرص الشمس، كذلك لا يُفرَّق بين الله وكلمته وروحه. لو عُزل عن قرص الشمس الضوءُ والحرارة لم تكن الشمس شمسًا. كذلك لو فارق اللهَ كلمتُه وروحُه، لَعَدمَ ولم يكن إلهًا، وكان غير حي ولا ناطق. لأن داود يقول: سبحوا لكلمة الله. وقال: أرسل روحه فأحيا وجدَّد وجه الأرض. ولم يكن داود يسبح ولا يأمر بالتسبيح لمخلوق.

نلاحظ أن التشبيهات التي استخدمها الراهب كلها ترجع إلى الحقبة الآبائية.

يُتبع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق