الخميس، 3 ديسمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 26

 

نوصل لمحطة أخرى، مع شخص من طائفة الأخوة اسمه عوض سمعان، واللي قدم كتابين مهمين عن الثالوث والتجسد، في كتابه ”الله: وحدانية ثالوثه وثالوث وحدانيته“ ينطلق عوض سمعان من موضوع الصفات المعطلة والعاملة.. وبيقول لازم صفات الله تكون عاملة منذ الأزل.. لأنها لو كانت معطلة وبعد كده اشتغلت بعد الخلق.. نتيجة كده الآتي: 1- يبقى كده طرأ تغيير في الله.. من حال إلى حال تاني. يبقى كده الخلق كان ضرورة محتاجها ربنا حتى يُعرف وهنا بيلجأ إلى حديث شريف (لازم نقول عليه ضعيف ومن غير سند) بيقول: ”إن الله كان كنزًا مخفيًا فأراد أن يُعرف. ومن ثم خلق الخلق لكي يعرفوه. لازم يكون الله غني ومستغني في ذاته.. مش محتاج يخلق علشان يُعرف.. إحنا اللي محتاجينه مش هو اللي محتاج لنا.. ودي العبارة اللي بتقال في القداس الإغريغوري: لم تكن محتاجًا لعبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك.

ثم ينتقل عوض سمعان إلى فكرة تانية.. طالما إن الصفات عاملة منذ الأزل.. يبقى لازم كان الله يمارسها.. ولا يمكن أن تمارس إلا بين كائنين عاقلين (على الأقل) أو بين كائن عاقل واحد مع ذاته. الحالة الأولى تعددية.. وده شرك بالله.. والحالة الثانية تركيب في ذات الله.. وده بينسف الألوهية من ذاتها.. وبالتالي هو إله واحد غير مركب.. يمارس صفات عاملة.. وهذا لا ينطبق على الوحدانية المجردة (وحدانية اسميه لا واقعية)، ولا ينطبق على الوحدانية المطلقة (ودي وحدانية بتنفي أي كثرة في الله.. وتنسب إليه الصفات السلبية فقط.. ومنقدرش نقول عليه صفات إيجابية زي أنه "عليم" لأن الصفة دي تتطلب العلم والعالم والمعلوم.. أو أن صفة عليم معطلة لحد ما يخلق فتكون الصفة عاملة.. وده خطأ برضو)، وبالتالي يستنتج عوض سمعان مسمى آخر للوحدانية هو الوحدانية الجامعة (لكل ما يلزم لوجود صفات عاملة في الله بدون الحاجة لوجود المخلوقات).


يعترض البعض على عبارة ”علم وعالم ومعلوم“، ممكن ناخد من كلام عوض سمعان للرد ما يلي: ومع كلٍّ فإن القول بإن الله عقل وعاقل ومعقول، أو علم وعالم ومعلوم، لإثبات كماله المطلق واستغنائه بذاته (كما يرى الفلاسفة والعلماء على اختلاف الأديان التي ينتمون إليها)، يؤدي حتمًا إلى الاعتقاد بأن وحدانيته، مع عدم وجود تركيب فيها، هي وحدانية جامعة مانعة. وهذا دليل غير مباشر على أن كون الله أقانيم حقيقة لا مجال للشك فيها“.

يذكر عوض سمعان في نهاية كتابه ”الله: وحدانية ثالوثه وثالوث وحدانيته، أن ابن حزم روى أن ”ابن سيار النظّام“ (وهو أحد أعلام المعتزلة)، عشق فتى مسيحي فألف كتابًا بعنوان ”تفضيل التثليث على التوحيد“ ومات سكرانًا.. عوض سمعان ذكي قال إننا لا نفضل التثليث على التوحيد ولا العكس.. لأن ”الوحدانية هي وصف الله جوهرًا، والثالوث هو وصف الله تعينًا، وتعيُّن الله وجوهره واحد، إذ إنه عين ما ظهر وعين ما بطن. جدير بالذكر أن المعتزلة تعرضوا لحملة تشويه وقتل عنيفة جدًا لا تقل عما تعرض له أهل الذمة.

عوض سمعان بيقتبس من الإمام أبو حامد الغزالي شرحه هو شخصيًا لمقدمة إنجيل يوحنا ”في البدء كان الكلمة، والاقتباس من كتاب ”الرد الجميل لإلاهية عيسى بصريح الإنجيل“ (ص 146- 147). الإمام الغزالي بيقول: لأنهم (المسيحيون) يعتقدون أن ذات الباري واحدة في الموضوع، ولها اعتبارات.. فالذات من حيث هي ذات، هي العقل المجرد، والمسمى بأقنوم الآب، وإن اعتبرت من حيث هي عاقلة لذاتها.. فهذا هو معنى العاقل، والمسمى بأقنوم الابن، وإن اعتبرت من حيث كونها معقولة لها، فهذا هو المعقول، وهو الروح القدس.. العقل هو ذات الإله فقط، والآب مرادفًا له، والعاقل هو ذاته بقيد كونها عاقلة لذاتها، والابن والكلمة مرادفين لها، والمعقولية عبارة عن الإله الذي هو ذاته معقولة له، وروح القدس مرادفًا له.


ما سبق هو شرح الإمام الغزالي نفسه، لكن عوض سمعان بيقول ملاحظات مهمة جدًا: 1- حسنًا قال الغزالي أننا نؤمن بأن الجوهر أو الذات هو واحد..  2- جيد أن نصف الثالوث بالعقل والعاقل والمعقول.. لأن ده بينفي الوحدانية المطلقة.. 3- لكنه بيعترض أن تكون الأقانيم مجرد اعتبارات أو صفات فقط!!!  ثم يقول كلام في منتهي الأهمية: أن الآب ليس هو العقل المجرد، بل هو العقل العاقل (بالابن)، وهو العقل المعقول (بالروح القدس).

عوض سمعان بيقتبس من كتاب ”المشرعلبولس سباط.. أن بعض المسلمين قالوا لأبو الخير بن الطيب (كاهن وطبيب قبطي عاش في القرن الثالث) أن الانجيل بيعلم ب 3 آلهة..  فأجاب أبو الخير بن الطيب بالآتي: ”يرى النصارى أن الباري تعالى جوهر واحد، موصوف بصفات الكمال، وله ثلاث خواص ذاتية..  ويشيرون بالجوهر، الذي يسمونه البارئ ذا العقل المجرد، إلى الآب. وبالجوهر نفسه، الذي يسمونه ذا العقل العاقل لذاته، إلى الابن. وبالجوهر عينه، الذي يسمونه ذا العقل المعقول من ذاته، إلى الروح القدس. واضح إن الكلام متطابق مع شرح الإمام الغزالي في البوست السابق.. وبالفعل عوض سمعان حطهم مع بعض ورد عليهم ردًا واحدًا.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق