الجمعة، 27 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 4

 

بعد ما عدينا على أسفار العهد الجديد بشكل موجز، لأنه في شواهد أخرى كثيرة جدًا، لكن رحلتنا مع الثالوث ستكون رحلة سريعة، لا أريد فيها الوقوف على كل التفاصيل. سنأتي الآن إلى محطة أخرى، إلى عصر الآباء الرسوليين، التالي مباشرة لعصر الرسول.



وهنختار من كتابات الآباء الرسوليين ق مار أغناطيوس الأنطاكي (ت 107م)، اللي كتب عدة رسائل ليها طابع رعوي وتبدأ بتحيات تشبه التحيات في رسائل العهد الجديد.. فمثلاً في مقدمة رسالة سميرنا.. بيقول تحية إلى ”كنيسة الله الآب وابنه المحبوب يسوع المسيح“، وفي مقدمة رسالته لرومية بيقول ”سلام في اسم يسوع المسيح ابن الآب“، وبيوصف المسيح بوضوح بكلمة ”إلهنا“.. فمثلاً في رسالة تراليا 7 بيقولهم اتحدوا مع ”إلهنا يسوع المسيح“، وفي ختام رسالة بوليكاربوس بيقول ”كونوا معافين دائما في إلهنا يسوع المسيح“.

وفي الرسالة إلى مغانسيا (6) بيقول على الشمامسة انهم مؤتمنين على خدمة يسوع المسيح ”الكائن قبل الدهور مع الآب، والذي ظهر في الزمان الأخير“. وفي فصل 7 من نفس الرسالة.. بيقول للشمامسة أنهم يشتغلوا مع الكهنة والأساقفة كما أن ”الرب لم يفعل شيئًا وحده.. بدون الآب، لأنه واحد مع الآب“، وبيقولهم اجتمعوا ”في هيكل واحد، حول مذبح واحد، وحول يسوع المسيح الواحد، الذي خرج من آب واحد“.

بعد الآباء الرسوليين نيجي لمحطة الآباء المدافعين، وهناخد منهم ق يوستين الشهيد والفيلسوف كنموذج. ق يوستين عاش تقريبًا بين (100- 165م). في حوار يوستين مع ”تريفو اليهودي“ يجادل يوستين ويسأل اليهودي عن زيارة ال3رجال لإبراهيم في تك 18. وبيقوله: هل الله كان أحد هؤلاء الثلاثة؟ رد تريفو اليهودي: لأ.. كلهم 3 ملايكة. يوستين قاله كلامك غلط بدليل إن الكتاب قال إن (الرب) قال لإبراهيم في تمام السنة أعود ويكون لسارة ابن.. ولما غادروا.. قال (الرب) هل أخفي عن إبراهيم عبدي ما أنا فاعله (بسدوم عمورة).

وبالتالي بيوصل يوستين إلى نتيجة إن اللي ظهر لابراهيم هو الابن.. وهو بحسب يوستين ”متمايز عدديًا“ أو ”من جهة العدد“ عن الآب.. والدليل تك 19: 23- 25 ”فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ“. الآية فيها 2 رب.. ويقول يوستين ”علينا أن نعترف بأنه بالإضافة إلى خالق الكل يوجد آخر يسميه الروح القدس ربًا“ ويدعم الفكرة دي أكثر بآية مز109: 1 ”قال الرب لربي“، ومز45: 7 ”كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ“.

في حوار يوستين مع تريفو اليهودي (فصل 61) بيشرح يوستين ولادة الابن زي نطق الكلمة ومثل إشعال النار من النار.. كما يفسر آية ”هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا“ أن صيغة الجمع هنا تعبر عن أكثر من واحد.. ويؤكد مرة أخرى على أن الابن المولود متمايز عدديًا عن الآب الذي ولده. جدير بالذكر إن تعبير ”التمايز العددي“ اللي استخدمه يوستين لن يكون مستساغًا للاهوتيين لاحقين، لكن يوستين كان يريد أن يبيّن لخصمه اليهودي فكرة التمايز.

نروح لمحطة تانية مهمة جدًا هي ق إيريناؤس أسقف ليون، واللي عاش تقريبًا من (120- 200م). يرى بعض الدارسين أن ق إيريناؤس هو أهم لاهوتي ظهر بين عصر الرسل وعبقري القرن الثالث أوريجانوس. إيريناؤس في كتابه ”ضد الهرطقات“ (2: 30: 9) بيتكلم عن الإله الوحيد.. الآب الوحيد.. ليس إله غيره أو أعلى منه.. لا يوجد له إله ثان (كما تخيَّل ماركيون)، ولا توجد بليروما من 30 أيون (زي ما تخيَّل الغنوصيون)، لكنه بيقول إن هذا الإله هو أبو ربنا يسوع المسيح.. واللي بيُستعلن من خلال كلمته اللي هو الابن.. وهذا الابن الكائن أزليًا مع الآب يعلن عن الآب للملايكة وأي حد يريد أن يعلن له الله.

أما في كتابه الثاني ”شرح الكرازة الرسولية“ بيشرح إيريناؤس أن قانون الإيمان أو قاعدة الإيمان rule of faith بتعترف بالله الواحد الآب، خالق الكل، يحوي الكل، والذي فوقه لا يوجد إله آخر.. و”لأنه ناطق فقد خلق كل شيء بكلمته، وزين كل الاشياء بروحه“، ويذكر قانون للمعمودية مكون من 3 بنود: 1- الإيمان بالله الآب غير المولود، 2- الإيمان بكلمة الله، ابن الله يسوع المسيح، الذي صار إنسانًا ليبطل الموت، 3- الروح القدس الذي تنبأ بواسطة الأنبياء، وانسكب في الأيام الأخيرة ليجدد الإنسان لله. ودي صياغات مبكرة لقانون الإيمان النيقوي بعد كده.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق