الأحد، 29 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 14

 

في حدود ق الخامس والسادس، وفي الشرق، ممكن نتوقف عند نرساي  الشاعر المشرقي السرياني (النسطوري)، واللي عاش بين (399- 503م). نقدر نقول انه كان ليه إسهام في التأكيد على وحدانية الله من خلال مقاومته لبدعة ماني وبدعة واحد اسمه برديصان اللي أضافوا إلى الله مبدأ للشر أو خالق للشر.. وبكده بقت ثنائية وليست وحدانية. يقول نرساي: ”تحدث المانويون عن قدرتين، قدرة الله وقدرة المادة، وهذا هو الخطأ بعينه.. وتأمل تلاميذ برديصان في الكواكب السبعة... وهذا منتهى الوقاحة“، المادة من خلق الله والكواكب تسير بحسب أمر الله.


الله هو الكائن كما أعلن لموسى .. وهو بلا بداية أو نهاية، ”فكيف نتجرأ ونستقصي جوهره الذي لا بدء له.. فالمصنوع لا يستطيع أن يسبر جوهر صانعه.. وبقدر ما يطلب العقل أن يستقصي جوهره، لن يجد إلا شيئًا واحدًا: أنه لا محدود في كيانه.. يكفينا في بحثنا أن نتبصر فقط في صنائعه وليرافق الصمت البحث في جوهره“. آمن نرساي أن الله لا يدرك بالاستقصاء ولكنه يدرك بالحب. وهذا يذكرنا بأغسطينوس من أقصى الغرب الذي قال بنفس الفكرة.. أغسطينوس في شرحه لمزمور 18 بيقول ”إن الله مرتفع فوق ملء المعرفة، بحيث لا يستطيع أحد أن يأتي إليه إلا بالحب“. وده حال كل لاهوتي أمين أنه بعدما يدرك أن الله غير موصوف وغير مفحوص ولا يمكن إدراكه بالعقل أو باللغة (via negativa) لا يجد أمامه سوى باب الحب(via amoris) .

يقول نرساي بالنسبة للأقانيم ”اختلاف أسمائهم لا يدمر مساواتهم. تؤخذ الأسماء بالترتيب وتتساوى الأقانيم في الجوهر“.  أبوة الآب ليست أقل من ولده، وبنوة الابن ليست أقل من والده، ولم يتأخر الروح عن الابن والآب، لا بالجوهر ولا بالسلطان على كل الخلائق، هم واحد وإن وضع الواحد بعد الآخر، هم ثلاثة وإن كانت الطبيعة التي فيهم واحدة، هم ثلاثة بسبب ترتيب أسمائهم، وهو أيضًا واحد لأن الطبيعة هي هي ذاتها. لم يتميز الواحد عن الآخر بالحذف أو الفصل، بل بالاسم والتعداد من دون اختلاط“. ويقول أيضًا ”الآب كامل ولا بداية له، وهو الذي يلد الابن بلا ألم. والابن الذي خرج منه يشبهه بحيث لا زمن بينه وبين أبيه. والروح القدس ينبثق من طبيعته، وهو شخص حقيقي وكائن في ذاته“.

ثم نأتي إلى مار يعقوب السروجي، الملفان والمعلم السرياني، واللي عاش بين (451- 521م)، واللي بيقول في إحدى رسائله: ”أعترف بإله واحد، آب ضابط الكل، وأسجد لابن حقيقي... وأختم إيماني بالروح القدس المساوي.. أعرف إلهًا واحدًا.. وثلاثة أقانيم معبودة.. في ربوبية واحدة ممجدة. ثلاثة لا يُدركون: طبيعة واحدة ممجدة.. جوهر واحد سام، قوة واحدة، ربوبية واحدة، إرادة واحدة، لاهوت واحد ممجد، سيد واحد يكرمه السيرافيم.. ويباركه الكاروبيم“.

كما يقول السروجي في رسالة أخرى: ”إن المسيح جاء وعلَّم أنه لا إله إلا الله الواحد المعروف، والمعترف به، والمسجود له، والممجد بثلاثة أقانيم مقدسة أعني الآب والابن والروح القدس.. ذاك الذي يُكرز به ثلاثًا ويُسجد له واحدًا.. ويُعرف واحدًا ويُمجد ثلاثًا.. وهو إله واحد مع كلمته وروحه.. الابن يتكلم بأبيه وبه يتكلم أبوه.. الآب لا يُدرك والابن لا يُجادل عليه، والروح لا يُفحص. الآب نور حقيقي، والابن شعاع أزلية الآب، والروح إشراق لاهوته. وهو نور واحد حقيقي لا يُعرف بالأجزاء“.

نأتي الآن لمحطة مهمة، لمار ساويرس الأنطاكي، اللي عاش بين (465- 538م)، واللي من أهميته يذكر اسمه بعد مار مرقس الرسول في تحليل الخدام، في قداس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. علشان نقدر نتعلم عن فكر مار ساويرس عن الثالوث، لازم نروح للرسائل اللي كتبها. ففي رسالة رقم 19 إلى شخص اسمه إيسيذوروس يقول: ”دعا المعلمون الثالوث القدوس أنه من نفس الأوسيا (الجوهر).. وعبروا عن حقيقة واحدة الأوسيا وانقسام (تمايز) الأقانيم“.

وفي رسالة رقم 22، بيشرح مار ساويرس أن في ناس بتخاف تقول أن مَن تألم عنا في الجسد هو واحد من الثالوث ”خوفًا من أن نعرِّض الثالوث القدوس إلى العد numeration“. لكن مار ساويرس بيأكد إن الثالوث القدوس قابل للعد من جهة الأقانيم، لكن من جهة الجوهر هو خارج نطاق العد. كما يرفض القول بإن الأقانيم ليس لها وجود مستقل كأنها ”واحد يأخذ ثلاثة أشكال، ويتغير حينًا إلى أقنوم الآب، وحينًا إلى أقنوم الابن، وحينًا إلى أقنوم الروح القدس، وهذا يعني أنه واحد ولكنه يغير الشخص (أو الشخصية- البروسبون) كما في مسرح... كما سرّ أن يقول الأحمق سابيليوس الليبي“.

في رسالة 23، بيشرح مار ساويرس أن ”الآب له شيء واحد أقنوميًا: الأبوة وحقيقة أنه غير مولود... والابن له شيء واحد أقنوميًا: البنوة وحقيقة أنه مولود من الآب... والروح القدس له شيء واحد: حقيقة أنه غير مولود، ولكنه منبثق من الآب منذ الأزل بغير بداية“. وحتى إذا كنا نُرجع الابن والروح القدس للآب باعتباره جذر أو مصدر، إلا ”أنهما ليسا بعده“.

يُتبع   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق