الأحد، 29 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 9

 

ننتقل إلى محطة أساسية ومهمة، عند الآباء الكبادوك، ونبدأ بالقديس باسليوس الكبير، لأنه الأكبر سنًا، فقد عاش بين (330- 379 م). ق باسليوس عنده عظتين ”عن الإيمان“، يقول في العظة الأولى.. ”نعترف بإله واحد وحيد، الله الآب ضابط الكل، الخالق، أبو ربنا يسوع المسيح، ونؤمن بابنه الوحيد، ربنا وإلهنا يسوع المسيح، إله حق، الذي به كان كل شيء، ثم تجسد مولودًا من العذراء، ومات وقام... ونؤمن بالروح القدس المعزي، روح الحق“.



ويقول كل اسم من هذه الأسماء (الآب، والابن، والروح القدس) يوضح لنا الخاصية المميزة لكل منهم: الآب (خاصية الأبوة) أصل الوجود، الابن (خاصية البنوة) العقل، الروح القدس (خاصية الحياة). وفي العظة الثانية يقول انتبهوا إلى هذه الصفات: الآب والابن. فرغم أنه الابن، إلا أن له كل ما للآب (يو 16: 15)، ”لم يُخلق بالأمر (لأن الأريوسيين قالوا أنه مخلوق)، بل يشع نورًا من الجوهر دون توقف. فالابن متحد مع الآب إلى الأبد، ومساوي له في الصلاح والقوة، ومشترك معه في مجده. والروح القدس له كل ما للآب والابن بالطبيعة، لأنهم متحدون.. وليس بالاكتساب؛ لأن الحرارة لا تنفصل عن النار، ولا الضياء عن النور، فالروح يرسله الآب (باسم المسيح) لكنه يعمل بحرية (بسلطة ذاتية مطلقة)“

في رسالة برقم 38 منسوبة للقديس باسليوس بعتها لأخوه الأصغر ق غريغوريوس النيسي بعنوان ”بشأن الفرق بين الأوسيا (الجوهر) والهيبوستاسيس (الأقنوم)“. في الرسالة دي ق باسليوس بيقول إن في ناس مش فاهمه الفرق بين الجوهر والأقنوم، والنتيجة أنهم بيستخدموا المصطلحين دول بنفس المعنى.. يعني هتلاقي ناس تقول الله أقنوم واحد أو 3 جواهر.. وده غلط.

ثم يشرح أن في أسماء لها معنى عام زي كلمة ”إنسان“ ونقصد بيها الطبيعة المشتركة لكل النوع الإنساني.. لكل البشر. لكن لما نقول بولس وسلوانس وتيموثاوس (ودول من نفس الجوهر) لكن في صفات مميزة (differentiating properties) كل واحد بيتميّز بيها عن الآخر، وبالتالي الأقنوم بيعبِّر عن الخصوصية والتميز. الأقنوم باليوناني هيبوستاسيس ويمكن ترجمته under-standing أو ما يقوم stand عليه الشيء.. الجوهر ملوش standing لكن الأقنوم بفضل الصفات المميزة بيعطي الجوهر standing .

هنا ق باسليوس بيستخدم مصطلحات أرسطية.. لأن أرسطو عنده كتاب اسمه ”المقولات“ أو ما يقال عن الشيء.. وأول شيء في المقولات العشرة لأرسطو هو جوهر الشيء.. وعند أرسطو نوعين من الجوهر: الجوهر الثاني هو اللي بيقصد بيه ”الإنسان“ (اللي هو الجوهر أو الطبيعة المشتركة العامة.. اللي بيعبر عن النوع- البشر في الحالة دي). أمَّا بطرس وبولس فده (الجوهر الأول ويعني الأفراد في هذا النوع). يعني الجوهر (الثاني) شيء عام لما نعمله تخصيص particularize أو تحديد في فرد individualize يصبح في الحالة دي جوهر أول أو (أقنوم).

السؤال هنا هل قصد ق باسليوس أن يطبق هذا التصنيف بحذافيره على الثالوث القدوس؟ الإجابة هي إن التشبيه ده مش متطابق 100% على الثالوث.. ليه؟ بحسب المثال السابق.. عندنا 3 إنسان لهم نفس الطبيعة (الإنسانية) المشتركة

لكن إحنا معندناش 3 آلهة لهم نفس الطبيعة (الإلهية) المشتركة.. المثال حلو للتمييز بين خصوصية وتمايز الأقانيم وعمومية الجوهر.. فقط. وبالتالي الكلام عن الأقنوم باعتباره فرد في نوع أو جنس .. غير صحيح! وبالتالي نقدر نقول إن جوهر الآب والابن والروح القدس ليس هو الجوهر الثاني عند أرسطو.. بل هو جوهر يتجاوز مقولات أرسطو. حتى أن ق باسليوس بيقول لأخوه ”افهم ما أقول كرمز أو كظل للحقيقة، وليس الحقيقة ذاتها“.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق