نأتي
إلى محطة هامة جدًا، وهي ق كيرلس السكندري (الكبير)، واللي عاش بين (375-
444م)، ق كيرلس في كتابه ”كنوز في الثالوث“ بيعمل زي إعادة ترتيب وتوسع على كتاب ”ضد
الأريوسيين“ للقديس اثناسيوس الرسولي. فياريت يتقروا مع بعض، علشان نشوف الإسهام
الخاص للقديس كيرلس. كمان ق كيرلس ألف كتاب ”حوار حول الثالوث“، وهو كتاب شيق في
شكل حوار جميل وممتع، يناقش فيه مع محاور كل اعتراضات الأريوسيين وغيرهم على عقيدة
الثالوث كما صاغها قانون الإيمان النيقوي.
من
ضمن الاعتراضات على مساواة الابن للآب.. قال بعض الهراطقة أنه طالما أن الآب هو والد
للابن.. إذن لابد أن يكون الآب سابق على الابن. لأن العلة سابقة بالضرورة على المعلول.
في كتابه ”حوار حول الثالوث“ صفحة (79- 81) بيكرر أنه الله غير الجسدي لا يتبع
في ولادته قوانين الجسد.. وأن غير الجسدي سوف يلد بما يتفق مع طبيعته الخاصة.. ولأنه
أزلي يبقى الولادة أزلية غير زمنية.
ثم
يقدِّم ق كيرلس كذا تشبيه للتوضيح: 1- ولادة الكلمة من الذهن.. وأن الذهن هو الأصل
لكنه ليس أقدم بأي حال من الكلام. 2- بعض المواد اللي لونها أبيض.. مش بنقدر نفصل اللون
عن المادة بحيث تكون المادة سابقة على لونها الطبيعي.. وأن المواد دي بتوصف أنها بيضاء
بسبب اقتران وتلازم اللون بها بالضرورة. 3- مثال خروج شعاع النور من الشمس.. من الجوهر
يخرج الشعاع دون أن ينفصل الشعاع عن الجوهر، وفي نفس الوقت بيكون متمايز عنه. ولا يمكن
تصور الشمس على أنها أقدم من الشعاع.. كأن الشعاع يخرج منها متاخرًا أو لاحقًا.
في
رده على أحد الاعتراضات اللي بيقول طالما أن الآب هو علة وجود الابن.. يبقى لازم في
مرحلة معينة (أراد) الآب أن يولد الابن.. لان خلاف كده هتكون هذه الولادة نوع من الإرغام
سواء بالضرورة أو لسبب خارجي.. رد ق كيرلس على هذا الاعتراض كالتالي: إرادة الله عاقلة
وحكيمة.. والابن هو عقل الله وحكمته.. إذن ”في الابن توجد كل إرادة الآب“.
ق
كيرلس بيتحدى هؤلاء المعترضين بأسئلة مشابهة.. هل الآب يوجد بإرادته أم بغير إرادته؟
إن وجد بغير إرادته فهل وجوده اضطراري؟ وإن وجد بإرادته، فهل إرادته سابقة على وجوده؟
ولو قلنا إن إرادته حيكمة وعاقلة.. يبقى الابن موجود قبل الآب؟ وبيقول هذا هو نتيجة
التفسير الفاسد إننا نوصل إلى أفكار ليس لها معنى. وبالتالي أحسن رد هو ”الطبيعة
أرادات ولا تبالي بالقوانين“ وأن الله طبيعته وإرادته متلازمان.
مع
اعتراضات الأفنوميين اللي حاولوا يقولوا إن اسم الله، وكانوا يقصدوا بالاسم
الجوهر، هو ”غير المولود“، بخبث حتى يثبتوا إن الابن (المولود) أقل من الآب في
الجوهر. ق كيرلس في كتاب ”حوار
حول الثالوث“ بيحاول يهدم أساس الفكرة دي ويقول: ”إن تعريفات الجواهر.. إذا ما تمت
بطريقة منطقية لابد أن تبدأ من النوع أو الجنس ثم إلى بيان خصوصيات كل نوع وما
يميزه عن غيره... هذا يخرج بنا خارج حدود المنطق واللياقة، لأننا نحاول أن نطبق
على الله صفة النوع بينما لا يوجد كائن آخر مساوٍ له أو سابق عليه“. ق كيرلس بيقول
محاولة حصر الله في اسم واحد خطأ.
في حواره الثاني في كتابه ”الحوار حول الثالوث“؛ يوضح أن
أتباع أفنوميوس- دون أن يسميهم- يقولون إن تعريفات الجوهر تتم من خلال ”اسم واحد
أو كلمة واحدة“،لذلك تمسكوا بلفظة ”غير المولود“. لكن ق كيرلس دحض رعونة هذه
الفكرة بمثال عن مَن هو الإنسان؟ أو ما هو تعريفه؟ فإن قلنا إنه ”حي“ فهناك كائنات
أخرى مثل الكلب والبقرة من الأحياء، وإن قلنا الإنسان ”حي زائل“ يشترك أيضًا
الكثير من الكائنات في هاتين الصفتين، ولكن إن قلنا ”حي زائل عاقل“ نكون ”قد وفينا
التعريف حقه“. وبالتالي يستخلص ق كيرلس الآتي: ”إنه أمر مخالف للعلم- الذين
يدعون أنهم يحبونه- أن نحاول أن نعرِّف شيئًا تعريفًا وافيًا بكلمة واحدة“.
يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق