الأحد، 29 نوفمبر 2020

رحلتي مع الثالوث- 12

 

خلونا نتوجَّه نحو الشرق شوية، ونروح لآباء مدرسة أنطاكية، ونروح لثيؤدوروس المصيصي، المفسر الأول الأنطاكي (النسطوري)، واللي عاش بين (350- 428م). ملحوظة هامة هنا، خلال ما تبقى من رحلتنا هنستشهد بنساطرة وروم، وبروتستانت، وطوايف أخرى، لأن موضوعنا ”عن الثالوث“ متفق عليه مِن كل هذه الطوائف، ويجب أن نسمع من الكل كيف يعبرون عن هذه العقيدة الثمينة.


يقول ثيؤدوروس المصيصي في ”عظاته التعليمية“ إننا (بالإيمان) نعرف أنه يوجد إله واحد، وأنه خالق الكون، وأنه خلق كل شيء من العدم. (بالإيمان) عرفنا أن لله ابنًا مولودًا من طبعه، وهو إله مثله. (بالإيمان) نعترف أن الروح القدس هو من طبيعة الآب، وأنه دومًا مع الآب والاب“. ثم يقول إن الآباء علمونا وسلمونا أن ”طبائع اللاهوت ليست متعددة ولا منفصلة. بل الله هو طبيعة واحدة موجودة من الأزل وهو عِلة كل شيء. هذا هو الله وخارجًا عنه لا إله آخر“. وبالتالي هو بيفترض أن من شروط الإله: الأزلية، وإن يكون عِلة كل شي. وخلاف كده يبقى مش إله. ثم يتحدث عن الأقانيم ويقول ”إن الآب لم يصر أبًا في الزمن... بل منذ الأول“. وإنه قيل في قانون الإيمان عن المسيح إنه ”رب واحد يسوع المسيح“ لكن ليس هناك فصل في الربوبية والألوهية.. ”مَن ليس إلهًا حقيقيًا ليس أيضًا ربًا حقيقيًا“.

جدير بالذكر أن الإمام ابن تيمية فرّق بين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية. وقال إن توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة.. فهو المعبود الوحيد (وبالتالي كفَّر كل مَن يتوسل أو يتشفع بغير الله) أمَّا توحيد الربوبية فهو إفراد الله بالخلق والرزق.. وقال إن جميع الناس يؤمنون بتوحيد الربوبية .. حتى كفار قريش والوثنيين عمومًا والنصارى. لكن هنا ثيؤدوروس المصيصي لا يفرّق بين الألوهية والربوبية.. ويؤكد ذلك بآية اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ“ (تث 6: 4).

نأتي إلى الواعظ الأشهر في تاريخ الكنيسة، ق يوحنا ذهبي الفم، اللي عاش بين (344- 407 م). في مجموعة عظات طبعت في كتاب بعنوان ”مساوي للآب في الجوهر“ يرد ذهبي الفم على المعترضين الذين ”يسعون باستماتة إلى إنزاله (أي الابن) إلى تفاهة مستواهم ذاته عندما يقولون: نحن أيضًا دعينا أبناء“ (5). وبيقول إن البنوية لينا عبارة عن لقب أمَّا بالنسبة له هو أمر حقيقي. هو الابن الوحيد.. هو بهاء مجد الاب ورسم جوهره.. هو والآب واحد.. الكتاب مثلاً بيقول علينا آلهة.. هل معناها أننا نكون زي ربنا؟!

ذهبي الفم بيرد على اعتراض ثاني أساسي هو صلاة المسيح في جثيماني، والمعترض بيقول لو هو من نفس جوهر الله فلماذا يصلي؟ (17). وبيجيب على السؤال ده كالآتي: 1- صلى بسبب التجسد، فلو لم يظهر الأمور الخاصة بالبشر لن يأمنوا بتدبير الفداء. 2- صلى بسبب ضعف سامعيه. في مواقف كثيرة كان بيكلمهم عن الأمور الآلهية ويتعثرون فلما يظهر أمور بشرية متواضعة.. ده مش دليل على وضاعة جوهره، بل تكيُّف وتنازل. 3- صلى لتعليمنا الاتضاع، 4- صلى للتأكيد على تمايز الأقانيم.

بيحاول ذهبي الفم يثبت لاهوت الابن من الكتاب المقدس وبالأخص من العهد القديم. وبيقول موسى كتب عن المسيح (يو 5)، إزاي؟ لما قال ”نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا“ وبيقول أن كلمة ”نعمل“ بالجمع صفة التشاور.. ومرة يُقال عن الله أنه ليس له مشير (إش 40)، ومرة يتقال عن ابن الله أنه المشير (إش 9). وكلا الأمرين صحيح لو اتفهموا صح (97). والآب بيقول ”على صورتنا“، ولم يقل على صورتي اللي هي أعظم من صورتك.. لأنه يوجد صورة واحدة للآب والابن.. ومتطابقة. جلوس المسيح عن يمين الآب علامة على قوة ربوبيته.. الجلوس علامة على الكرامة.. لأن الملائكة الخدام لم يُذكر عنهم أبدًا أنهم يجلسون بل وقوف قدام ضابط الكل.

نأتي إلى ق إيسيذروس الفرمي (عاش بين 360- 450م)، اللي في إحدى رسائله بيتعرض لآية يو 1: 14 ”الكلمة صار جسد.. ورأينا مجده (كما ς) لوحيد من الآب“، وإزاي بعض الهراطقة بيستخدموا كلمة (كما) علشان يقولوا إن مجد الابن أقل من مجد الآب.. لأنه في رأيهم قال ”كما“ كنوع من التشبيه.. وليس على الحقيقة يعني. الفرمي جاب آية مز 73: 1 ”إِنَّمَا صَالِحٌ اللهُ لإِسْرَائِيلَ“ في اليوناني كلمة (إنما) هي ς اللي بتتُرجم (كما). طبعًا إنما بيُستخدم للتؤكيد. حتى في الإنجليزية تترجم Truly بمعنى حقًا!

الفرمي بيقول إن آية 73: 1 فيها كلمة ”كما“ وتعبر عن حقيقة صلاح الله لإسرائيل.. وبالتالي ”رأينا مجده كما لوحيد“ تُفهم على الحقيقة وليس على المجاز أو التشبيه. جدير بالذكر إن ق يوحنا ذهبي الفم في تفسيره لإنجيل يوحنا قال الآتي: ”إن حرف (كما) في هذا النص لا يعبِّر عن الشبه أو المقارنة بل تؤكد وتحدد بطريقة لا تخطئ.. راغبًا أن يعلن أن مجده غير عادي ولا يقارن سموه“. لكن ذهبي الفم بيستشهد بآية تانية غير إيسيذوروس الفرمي: هي آية ”كان يعلمهم (كمن) له سلطان“ (مت 7: 29)، واللي وردت فيها كـ ليس بمعنى التشبيه، بل للتعبير عن الحقيقة.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق