نوصل مع بعض للقرن ال 12، ومحطة مهمة مع بعض اللاهوتيين
العرب، ونبدأ مع سمعان بن كليل، اللي توفى (1206 م)، واللي
خدم في ديوان جيش الناصر صلاح الدين.. وترهب في دير أنبا يحنس القصير، وهو خال المكين بن
العميد الكبير (ويسبق بقرن ونصف المكين بن العميد الصغير صاحب كتاب الحاوي).
في افتتاحية كتابه ”روضة الفريد وسلوة الوحيد“
يقول هذه الافتتاحية البليغة: ”الشكر لله الواحد الأبدي الأزلي السرمدي، الذي
لا واحد في معناه غيره، ولا مثيل له في ذاته، ولا يشاركه أحد في صفاته، المتوحد
بالدوام والمتفرد بالتمام، خالق الخلق ومدبره، ومجري الرزق ومقدره، المحيط بكل شيء
علمًا، لا يشبهه شيء، وله كل شيء، الأول بلا ابتداء محدود، والآخر بغير أمد معدود،
القديم بلا نهاية، الدائم بلا غاية، لم يتقدمه دهر ولا زمان، ولا سبقه عصر ولا
أوان، مدبر الأمور بكلمته، وممضيها بحكمته، وناظمها بجبروته وقدرته، نشكره شكرًا
دائمًا على آلائه، وحمدًا متصلاً على جزيل نعمائه، إذ خلقنا على الصورة الأزلية
المسجود لها من كل البرية، وشرفنا على جميع المخلوقات الأرضية بالنفس العاقلة
الناطقة، وأنقذنا من مرارة الطغيان، وأطلعنا على سرائر الإيمان، بتوحيد جوهره
وذاته، وبتثليث أقانيمه وصفاته“.
كما يقول الآتي في نفس الكتاب: ”الأقانيم
الثلاثة متفقة في الجوهرية مختلفة في القنومية؛ لأن كل قنوم له خاصية... وهو واحد
بالعدد، ولن يقال إنه ثلاث جواهر كما أنه لا يقال ثلاثة آلهة. وبيان ذلك إنّا قد
نقول إذا كان إبراهيم مثلاً طبيبًا وكاتبًا ومهندسًا فإبراهيم ليس هو ثلاثة أناس
بل إنسان واحد. والإنسان أيضًا نفسه جوهر، وجسمه جوهر، وعقله جوهر، وفيه جواهر
كثيرة وهي جميعها لجوهر واحد“. ويقصد
جوهر الإنسان الواحد. لكنه بيأكد
ببلاغة على شيء مهم: ” ونريد
أن تعلم أن المَثل ليس هو كالممثول؛ لأن الأمر أعظم من أن يوصف بالحقيقة بل من
طريق الشبه والتمثيل لا عن طريق التحقيق والتحصيل الذي لا يفهمه إلا رب العالمين
وإله الخلائق أجمعين“.
كيف يثبت سمعان بن كليل إيمان المسيحيين بوحدانية الله؟ ”(الله) لا
يحويه مكان ولا يحصره عصر ولا زمان. متوحد بجوهريته منفرد بوحدانيته“. ثم يقول الافتراض بوجود أكثر من إله خطأ.. لأن هيكون في
إمكانية اعتزال الواحد عن الآخر وده يبطل الوحدانية. ”لأن اعتزال الواحد عن الآخر يوجب، أن يكون كل
واحد منهم محصورًا؛
وكل ما هو محصور
يقع عليه التحديد؛ وكل ما هو محدود يجب عليه الحدوث؛ كل ما هو محدث، فيجب عليه أن يكون له بداية؛ وكل ما كان
له بداية، فلابد أن يكون أيضًا له نهاية؛ وكل ما
يكون له بداية ونهاية، فليس هو أزليًا؛ وكل ما كان
غير أزلي لا يمكن أن يكون إلهًا“. هنا سمعان بن كليل بيعمل spatial
argument... أو argument from space... واستخدمها
آباء كتير منهم أثيناغوراس الفيلسوف اللي قال إن الله هو الذي يحوي كل شيء ولا
يحويه شيء.. يقول أثيناغوراس في ”المرافعة“: ”فلو كان منذ البدء اثنان أو أكثر
من الآلهة لصاروا إمّا في نفس المكان الواحد او صار كل منهم منفصلاً في مكانه
الخاص“.
يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق