الاثنين، 2 أكتوبر 2023

الروح القدس في سفر أعمال الرسل

 


ترد كلمة ”روح(pneuma( 379 مرة في العهد الجديد، بينما يرد تعبير الروح القدس 90 مرة، لكن في سفر أعمال الرسل فقط يُذكر تعبير الروح القدس 56 مرة، ولذلك يحق لنا أن نسميه سفر أعمال الروح القدس من خلال الرسل. فيما يلي استعراض لأهم المواضع التي ورد فيها ذكر الروح القدس:

-       في مطلع السفر يذكّر لوقا كاتب السفر القارئ بما أوصى به الرب المقام من الأموات بألا يبرحوا أورشليم وأن ينتظروا ”مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُس“ (أع 1: 4، 5). كما يقول بطرس في نفس الأصحاح أن خيانة يهوذا سبق وأن أنبأ عنها الروح القدس على فم داود (1: 16).

-       في أع 2 يحل الروح القدس في يوم الخمسين على الرسل ويتحدثون بألسنة تحقيقًا لنبؤة يوئيل النبي، ويقف بطرس ليؤكد أن هذا هو وعد الآب الذي أخذه المسيح (2: 33)، فلما نخسوا في قلوبهم، أخبرهم بطرس بأنهم لابد أن يتوبوا ويعتمدوا.. ليقبلوا ”عطية الروح القدس“ (2: 38).

-       في أع 4 عندما كان المؤمنين يصلون ”تَزَعْزَعَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ“ (4: 31).

-       في أع 5 نقرأ عن حنانيا وسفيرا.. ونجد أهم نص Locus classicus يُستخدم على مر العصور لإثبات ألوهية الروح القدس، وهو أع 5: 3، 4 ”يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ“. لماذا؟ لأن هذه الآية أولاً تدل على شخصانية الروح القدس، فهو شخص يمكن أن يُكذب عليه. وفي نفس الوقت، نفس الكذبة نُسبت أنها موجهة لله، وموجهة للروح القدس. فيما بعد يقول بطرس لزوجة حنانيا ”مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟“ (ع 9). يتكرر في العهد القديم هذا الملمح وهو ”تجربة الرب“، ففي خر 17 لما لم يجد الشعب ماءً تذمروا على الله فقال لهم موسى: ”لماذا تجربون الرب؟“ (ع 2)، وسموا هذا الموضع مَسة ومريبة، ”لأجل تجربتهم للرب“ (ع 7). ويقول لهم في تث 6: 16 ”لا تجربوا الرب إلهكم، كما جربتموه في مسة“. وبالتالي هنا عندما يقول بطرس لماذا اتفقتما على تجربة روح الرب، وفي ضوء النتائج المترتبة على ذلك من موت حنانيا وسفيرا، نرى مطابقة بين الرب، وروح الرب. نفس الشيء يتكرر في حُزن الرب وحُزن روح الرب.

يقول إشعياء ”فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. وَلكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ“ (إش 63: 9، 10)، وهو ما يمكن ربطه مع كلام بولس في أفسس ” وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ“ (4: 30). كما يشير غريغوريوس النيصي بأن ثبت أن الروح القدس لا يُخفى عليه أي شيء، فقد علم باختلاس حنانيا، وهو الذي أعلم بطرس بما حدث في الخفاء.   

-       في أع 6 نرى اختيار الشمامسة السبعة الذين كانوا ”مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ“ (6: 3).

-       في أع 7 اسطفانوس يصف اليهود بأنهم قساة الرقاب وغير مختونين في القلوب والآذان لذلك فهم ”يقاومون دائمًا الروح القدس“.

-       في أع 8 نرى أن الروح القدس يُعطى بوضع أيدي الرسل على المؤمنين في السامرة، ورغبة سيمون الساحر لاقتناء هذه الموهبة بالمال.   

-       في أع 10 نرى أن الروح يخبر بطرس بأن يقوم ويذهب غير مرتاب إلى كرنيليوس قائد المئة الأممي، وفيما بعد يحل على جميع من كانوا يسمعون كلام بطرس في بيت كرنيليوس (10: 44)، فيندهش المؤمنون من أهل الختان ”لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضًا“ (10: 45)، ثم يأمر بطرس بتعميدهم بالماء.

-       في أع 13 نرى عمل الروح القدس في تكريس ق بولس للعمل الكرازي، حيث يقول الروح القدس ”أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْه“ (أع 13: 2).

-       في أع 15 يقدم الروح القدس توجيهات بشأن الأمم في مجمع أورشليم، ”قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ...“ (15: 28).

-       في أع 6 نرى أن الروح القدس يمنع بولس ومن منعه من الكرازة في أسيا (16: 6).

-       في أع 18 نقرأ عن أبولوس السكندري الجنس الذي كان ”حَارٌّ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُ بِتَدْقِيق مَا يَخْتَصُّ بِالرَّبِّ“ (18: 25).

-       في أع 20 بولس يرجع إلى أورشليم ”مقيدًا بالروح“ (20 :22)، ويقول ”أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلًا: إِنَّ وُثُقًا وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي“

-       وفي أع 21 نرى أن أغابوس النبي يتنبأ من جهة بولس ”هذا يقوله الروح القدس“ (21: 11) يقصد بولس سيُسلم في أورشليم.. وفي نفس الأصحاح نقرأ عن بنات فيلبس المبشر الأربعة اللواتي ”كُن يتنبأن“ (21: 9)، ويمكن الاستنتاج أن تنبؤهم كان بفعل الروح القدس.

-       في أع 28: 25، 26 يقول بولس: ”إِنَّهُ حَسَنًا كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ قَائِلًا: اذْهَبْ إِلَى هذَا الشَّعْبِ وَقُلْ: سَتَسْمَعُونَ سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُونَ“ وعندما نرجع لأشعياء 6: 9- 10 نجد إشعياء ينسب الكلام للسيد الرب.

تعبير ”عطية الروح القدس“ أع 2: 38

البركة التي يقولها الكاهن للشعب هي ”محبة الله الآب ونعمة الإبن الوحيد وشركة وموهبة وعطية الروح القدس فلتكن مع جميعكم“. ما المقصود بعطية الروح القدس؟ هل الروح القدس هو نفسه العطية، أم العطية التي يمنحها الروح القدس؟ ”فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ : «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ καὶ λήμψεσθε τὴν δωρεὰν τοῦ Ἁγίου Πνεύματος “ تو أجيو ابنيفماتي هنا في حالة المضاف، فهل هو مضاف دال على البدل (appositional) أو ما يسمى بالمضاف التفسيري epexegetical بمعنى لتقبلوا العطية which is التي هي الروح القدس، أو مضاف دال على الفاعل (subjective) بمعنى العطية التي يمنحها الروح؟

يشرح إيفيرت فيرجسون في موسوعته عن المعمودية[1] أن هناك ما يشير إلى أن المقصود بعطية الروح القدس هو الروح القدس نفسه..

1-             في أع 8 يقول إن الرسل أرسلوا بطرس ويوحنا إلى السامرة لكي ”يقبلوا الروح القدس“ (ع 15)، ”فقبلوا الروح القدس“ (ع 17)، وسيمون بيقول أعطوني هذا السلطان لكي من أضع عليه يدي ”يقبل الروح القدس“ (ع 19). هذه الشواهد ومثيلتها تؤيد أن العطية هي الروح القدس.

2-             في أع 5: 23 يقول بطرس ”الرُّوحُ الْقُدُسُ أَيْضًا، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ“، وهذا يؤيد أن الروح القدس هو نفسه العطية.

3-             في لو 11: 13 ” فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟“ تظهر أن العطية هي الروح القدس، لكن النص المقابل في مت 7: 11 يقول ” فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ!“ تم استبدال الروح القدس (العاطي) بالعطايا أو الخيرات! مثلما نقول نحن نشرب كأس الرب، في حين أننا نشرب محتوى الكأس.

فهم الآباء للمعنى المقصود

1-            ق أغسطينوس في كتابه عن الثالوث 15: 29 يقول لم يُدعى أحد غير الابن بلقب ”كلمة الله“، ولم يدعى أحد غير الروح القدس بأنه ”عطية الله“. يثبت ذلك من إنجيل يوحنا حيث يقول السيد للسامرية ”لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ... مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ“ (4: 14)، ثم يعود في أصحاح 7 في عيد المظال يقول ”وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قِائِلًا: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ“. يمكن الربط هنا بين عطية الله المقصودة في حديث السامرية والروح القدس.[2]

في صلوات السجدة (في عيد حلول الروح القدس) يُقرأ نص يو 4 عن السامرية..  كيف يعلق ق أمبروسيوس (ق 4) يقول في حديث الرب يسوع مع السامرية قال لها ”الماء الذي أعطيه يصير ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية هذا الينبوع هو نعمة الروح القدس..  ويقول (بروح الصلاة): ”صالحة هي هذه المياه... مَن سيعطي هذا الينبوع إلى صدري؟ ليته يتدفق فيّ.. ليتدفق علينا ولا ينحسر عنا..  لأن الكتاب يقول: ”لا تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى الْخَارِجِ" (أم 5) فكيف أحتفظ بهذه المياه؟ كيف أحفظ وعائي لئلا يُخترق بأي من تشققات الخطية..  إذا طلبت يسوع تخلَّ عن الآباء المشققة.. لأن يسوع كان مشتاقًا ليجلس لا بجوار بركة ماء بل بجوار بئر.. هناك وجد السامرية..  وبرغم أنه يجدر بك أن تأتي في الصباح الباكر، إلا أنه إذا جئت متأخرًا -حتى في الساعة السادسة- فإنك ستجد يسوع متعبًا من رحلته..  فهو متعب لأنه كان يطلبك من زمن طويل.. وعدم إيمانك أتعب طويلاً.  لكنه لن يشعر بالإهانة إذا جئته الآن..  هو يطلب أن يشرب من الذي هو على وشك أن يعطيه..  إنه لا يشرب من ماء نهر جارٍ.. بل يشرب من خلاصك..  ويشرب من الكأس، أي الآلام التي كفرت عن خطاياك..  حتى عندما تشرب من دمه المقدس، تطفئ عطشك إلى العالم“.[3]

ويثبت أغسيطنوس ذلك أيضًا من خلال أف 4: 7 ”وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ (عطية) الْمَسِيحِ“. ويثبت ذلك أيضًا من حديث بطرس في أع 11: 15- 17 حيث يقول ”فَإِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَعْطَاهُمُ الْمَوْهِبَةَ كَمَا لَنَا أَيْضًا بِالسَّوِيَّةِ مُؤْمِنِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَمَنْ أَنَا؟ أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟“. يمكنه أيضًا الاستناد إلى قصة سيمون الساحر، فعندما وبخه بطرس قال له: ”لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ!“ (أع 8: 20). وكذلك يمكنه الاستناد إلى عب 6: 4 التي تقول: ”لأن الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ“.   

2-             ق أغسطينوس مرة كمان في كتابه عن الثالوث 6: 10 بيعتمد على هيلاري أسقف بواتييه، الملقب بأثناسيوس الغرب، بأنه قال هو الآخر في كتابه عن الثالوث أن الصفات الخاصة بكل أقنوم هي كالتالي: ”الأزلية في الآب، الشكل في الصورة، والثمر في العطية“، ولذلك عكف أغطسينوس على فهم ”الآب والصورة والعطية“.

3-             في (15: 36) يريدنا أن نقرأ تعبير ”عطية الروح القدس“ مثل تعبير ”جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ σώματος τῆς σαρκός “ (كو 2: 11). ويقول ”لأن جسم جسد الخطية ليس شيئًا آخر سوى الجسد، هكذا عطية الروح القدس ليست شيئًا سوى الروح القدوس. وليس لأنهم يعطيان وهو يُعطى فهو بذلك أدنى منهما، لأنه يُعطى كعطية الله بحيث يعطي ذاته كإله أيضًا“. وبذلك يشير إلى أن تعبير ”عطية“ لا يشير إلى تدني مكانة الروح القدس. لأن الروح القدس ليس فاعلاً سلبيًا، لكنه فاعل إيجابي ”الروح يهب حيث يشاء“ (يو 3: 8). ثم يقول ”لا يوجد عطية من الله أعظم من عطية الروح القدس“.[4]

4-             أغسطينوس في الكتاب 15: 32 يقول إن الروح لا يسمى ”العطية“ إلا لأجل المحبة التي بدونها تصير كل عطايا الروح الأخرى صنجا يرن أو نحاسًا يطن.

5-             في عمل آخر لأغسطينوس (الإيمان وقانون الإيمان) يقول: ”الله لا يعطي عطية أقل كمالاً من ذاته“.[5]

6-             ق كيرلس في الحوار السابع عن الروح القدس، يقول إن السيد المسيح قال لتلاميذه ”اقبلوا الروح القدس“ وليس ”اقبلوا النعمة“، كما أن آدم عندما خلق حصل على ”نسمة/ نفخة الحياة“ أي الروح القدس، ولو كان قد حصل على نعمة منفصلة عن جوهر الروح، لقال موسى "نفخ فيه النعمة مع نفخة الحياة“، ويستنتج أن الروح القدس يمنح ذاته للمستحقين. يقول دانيال كيتنج أن ثيؤدور الموبسويستي كان يقصد بسكنى الروح القدس منح نعمة وعمل الروح القدس وليس الروح القدس بشخصه. فالشركة μετοχ عند ق كيرلس هي شركة في الروح القدس وليس النعمة χριτι μνον فقط.[6]   

7-             كما يقول ق أثناسيوس: ”حينما يُعطى لنا الروح القدس... فإن الله يقيم فينا“ (الرسائل إلى سيرابيون 1: 19) ويستشهد بآية 1يو 4: 12، 13 ”بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِه“.

8-             نجد نفس الشيء في العظات المنسوبة للقديس مكاريوس، فيقول: ”إن الرسل والمسيحيين سيناولون المعزي... ويمتلئون باللاهوت، وأن نفوسهم تمتزج بالروح القدس وتتشبع به“ (العظات الخمسون 27: 17)، وأيضًا ”كانت مسرة الله  أن يأتي من السماء.. ويأخذ طبيعتك العاقلة... حتى تستطيع أنت أن تنال الروح السماوي. وحينما تصير لنفسك شركة مع الروح وتدخل الروح السماوي في نفسك، فحينئذٍ تكون إنسانًا كاملاً في الله، ووارثًا، وابنًا“ (العظات الخمسون 32: 6).

9-             من صلوات المعمودية ”هيئ نفوسهم لكي يقبلوا روحك القدوس وليستحقوا حميم الميلاد الجديد واللباس غير الفاسد وغفران الخطايا، إذ تعدهم هيكلاً لروحك القدوس“. والقداس ”ليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة..."، ”ارسل إلى أسفل من علوك المقدس ومن مسكنك المستعد ومن حضنك غير المحصور... روحك القدوس الكائن بالأقنوم.. علينا نحن عبيدك وعلى هذه القرابين“.

10-        في النهاية نقول إن الروح القدس يحل بأقنومه فينا، ومن ثم يثمر بمواهبه ونعمه المتنوعة. يقول الكاهن في القداس الكيرلس عن الروح القدس: ”البسيط في طبيعته، الكثير الأنواع في فعله، ينبوع النعم الإلهية“. ونتعلم من القديس كيرلس ”أن نقبل بساطة الطبيعة في الله، وفي نفس الوقت لا ننشغل كثيرًا بما يفعله؛ لأن الله وحده يعلم كيف يعمل بطرق متنوعة. لأن أمور الله تفوق كل عقل وكل كلام“.[7]



[1] إيفريت فيرجسون، المعمودية في مماراسات ما قبل المسيحية وفي اليهودية وفي زمن العهد الجديد، ترجمة القمص يوحنا عطا، ص 289.

[2]  ق أغسطينوس، عن الثالوث، الكتاب 15: 33.

[3] ق أمبروسيوس، عن الروح القدس 1: 16.

[4] Engaging the doctrine of the holy spirit: Love and Gift in the trinity of the church, p 62.

[5] ق أغسطينوس، الإيمان وقانون الإيمان، ترجمة عادل زكري (نسخة إلكترونية).

[6] Daniel A. Keating, The Appropriation Of Divine Life in Cyril of Alexandria, p 217- 218.

[7]  ق كيرلس السكندري، الحوار حول الثالوث، ترجمة د جوزيف موريس فلتس، الطبعة الأولى، 2014، الحوار الثاني، ص 71.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق