الأحد، 10 يناير 2021

رحلتي مع سر الاتحاد- 14

 

في بدايات الحقبة العربية بيظهر اللاهوتي الأشهر، يوحنا الدمشقي، في القرن السابع، اللي بيقول في كتابه ”مئة مقال في الإيمان الأرثوذكسي“: ”إن الطبيعتين قد اتحدتا إحداهما بالأخرى بدون تحويل ولا تغيير، فلا الطبيعة الإلهية تزحزحت عن بساطتها الخاصة، ولا الطبيعة البشرية قد تحولت إلى طبيعة اللاهوت، أو زالت من الوجود، أو أصبح كلاهما طبيعة واحدة مركبة“. الدمشقي بيشرح الجملة الأخيرة.. بأن العنصرين (اللاهوت والناسوت) لم يختلطا علشان يكونا عنصر ثالث.. خليط بين الاثنين. والمعنى ده صحيح، علشان متتخضش لو حد تاني قال أنه طبيعة واحدة مركبة، ويقصد في الواقع أقنوم واحد أو شخص واحد مركب من طبيعتين.   


ثم يشرح أن الاتحاد بين الطبيعتين كان ”بلا انعجان أو اختلاط أو امتزاج كما قال ديسقورس وأوطيخا؟؟؟ وساويرس. هنلاحظ أن الدمشقي بيحط ديسقوروس وساويرس (الأنطاكي) مع أوطاخي، لأنهم قالوا ”طبيعة واحدة“، لكن شتان المعنى بين الفريقين. بيذكر الدمشقي أيضًا شخصيات أخرى زي نسطور وديودور وثيؤدور المبسويستي اللي قالوا إن الاتحاد ده كان على سبيل ”ألفة شخصية أو ودية... أو وحدة الرأي.. أو وحدة الكرامة.. أو وحدة الاسم، أو وحدة الرضا“ وبيعتبر ده كله غلط.

يشرح يوحنا الدمشقي ما يُسمى بتبادل الخواص (communicatio idiomatum) اللي حصل بين الطبيعتين في التجسد.. ويقول: ”ينسب الكلمة لذاته كل الخواص البشرية.. ويمنح جسده من خواصه على سبيل التبادل بفضل اختراق العنصرين في أحدهما الآخر، واتحادهما الأقنومي.. لذللك قيل أن رب المجد قد صلب، مع أن طبيعته الإلهية لم تتألم، ونعترف أن ابن الإنسان كان في السماء قبل آلامه“. هنلاحظ أن كلمة ”اختراق“ هنا في اليوناني perichoresis أو الاحتواء المتبادل كما تترجم.. والبيركوريسيس بتُستخدم في مجال الثالوث، لكن الأصل أنها كانت بتستخدم في الكلام عن الطبيعتين في التجسد.. وهنلاحظ أنه بفضل ”تبادل الخواص“ ده نقدر نقول ”رب المجد“ صُلب، ونقدر نقول ”ابن الإنسان“ كان في السماء زي ما قال يوحنا 3: 13 ”لَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ“.

بحسب تبادل الخواص أيضًا نقدر نقول إن ”الله تجسد والجسد تأله“. بيشرح الدمشقي هذا الكلام واستشهد بعبارة من ق غريغوريوس النزيانزي هي ”أحدهما قد أَلَّه والآخر قد تأَلَّه“، لكن مع تحذير مهم جدًا أن هذا يقال دون حدوث تبديل في الطبيعة، أو تحويل، أو تغيير أو اختلاط.. لكن ”اتحاد تدبيري“. الكلمة عندما صار جسدًا لم يفقد لاهوته، والجسد حين تأله لم يتحول عن طبيعته وخواصه الطبيعية. والمثل المعتاد اللي بيستخدمه هو اتحاد الحديد بالنار.. فالسيد المسيح لما كان بيفعل شيء يختص بالإلهيات بيكون زي الحديد المحمي بالنار اللي بيحرق مع أن الحديد لا يحرق لكنه اكتسب قوة الحرق بفضل اتحاده بالنار.

طب هل تبادل الخواص أو الاختراق المتبادل بيحصل بالتزامن؟ ماذا يقول يوحنا الدمشقي؟ الدمشقي بيقول ”الاختراق واقع من قِبل الطبيعة الإلهية؛ لأنها تملك أن تنفذ وتخترق الكل كما تشاء. بينما لا يمكن لشيء أن ينفذ فيها. بل هي تمنح الجسد أمجادها الخاصة وتبقى هي بلا تأثر وبلا مشاركة في انفعالات الجسد“. وبيدي تشبيه على كده أن الشمس تقدر تدينا من طاقتها، لكنها تبقى غير متأثرة بنا، ”فكم بالحري صانع الشمس وربها“. قد يبدو من كلام الدمشقي أن هذا الاختراق من جانب واحد.. لكن يعلق Wolfson أن البداية والمبادرة من اللوغوس.. لكي يؤله الجسد، بعد ذلك يقدر الجسد المتأله أن يشارك اللوغوس الإلهي. وبيقول أن الاختراق المتبادل بالتالي غير متزامن.. وليس بنفس المعنى أيضًا، كيف؟ اللاهوت بيخترق الناسوت علشان يؤله الطبيعة البشرية دون أن يدمرها تمامًا.. بينما الناسوت بيخترق اللاهوت دون أن يعاني اللاهوت من أي تغيير.

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق