الجزء الأول
فصل (20): مَن لا يسدد الدين يوصف بأنه متمرد.. فكم وكم مَن يتمرد على
الله. يشرح أنسلم كيف فقد الإنسان المقدرة على إطاعة الله والعجز بسبب ما وصل
إليه.. فيسأل بوزو: الإنسان أصبح عاجزًا عن الإيفاء فلماذا لا يعفي الله عنه.. يرد
أنسلم: ”في هذه الحالة تكون رحمة الله مغايرة لعدالته“. ولنفترض أن الله
هيعفو عن العاجز.. طب ليه الإنسان مش هيوفي الدين اللي عليه لله (طاعة الله
وإكرامه) هل لأنه مش قادر؟ ولا هل لأنه مش عايز؟ فلو عاوز ومش قادر يبقى عاجز،
لكن لو قادر ومش عاوز فهو مجرم (أو عاصي). وفي كلا الحالتين هيكون مش سعيد..
بوزو: قاله لكن لو الله عامله بعدله وهو عاجز يبطل فعل الرحمة.. قاله أنسلم أن
عارف أن ربنا بيخلص البشر والحيوانات بحسب عظمة رحمته.. لكن أنا بتكلم عن ”رحمة
الآخرة“ اللي ينال بيها الإنسان السعادة الأبدية.. ودي لازم تُعطى لمن يُغفر
لهم بعد قضاء الدين المترتب على الخطية.
فصل (21): يصل أنسلم إلى فكرة ضرورة أن يخلص الله الإنسان ”لئلا يكون
الإنسان قد خُلق للشقاء، أو أنه جلت قدرته عجز عن أن يجيء به إلى السعادة، أو
ندم على العمل الذي شرع فيه“. وبالتالي اقتضى الحال ضرورة إيفاء الدين.
(وبذلك ينتهي الجزء الأول من كتاب أنسلم)
|
التعليق:
وصلنا لفكرة إن الإنسان عاجز عن إيفاء الدين.. وأنسلم
بيقول مينفعش يغفرله ويرحمه فقط كده لأن ده هيخلي في تناقض بين رحمة الله وعدله. عاوز
أقول هنا إن فكرة التوازن والتعادل بين رحمة ربنا وعدله دي فكرة well-established بسبب اشتباك الآباء مع
بدعة ماركيون في القرن الثاني، اللي نادى بإلهين: إله العهد القديم وسماه الديان
أو العادل، وإله العهد الجديد اللي سماه الرحيم والطيب. من أشهر الآباء اللي رضوا
على ماركيون: ترتليان، إكليمندس السكندري، أوريجانوس، إيريناؤس.
ق إكليمندس بيجاوب على السؤال الشهير ”هل هناك تعارض
بين صلاح الله وعدله؟“ عندما يقول: ”انظر كيف يكون عدل المعلم حين يستخدم
التوبيخات، وكيف يظهر صلاح الله عندما يستخدم الرأفات.. لذلك فإن داود، بالروح
القدس، جمع بينهما: العدل والحق قاعدة كرسيك. الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك“. ثم
يقول إنه من صلاحيات نفس القوة أن تدين وتصنع الخير. لأن لها قدرة على الاثنين..
والدينونة تفرز ما هو عدل عما هو نقيضه.. والله هو بحق عادل وصالح. ثم يقول عبارة بليغة: ”إن الله عادل لأنه صالح“ وبالإنجليزي (He is just
because he is good).[1]
البعض بيلجأ لمثل الابن الضال مثلاً ويقول فين العدل
هنا.. مفيش غير حب. أو فين العدل في مثل زي مثل الفعلة وأصحاب الساعة الثانية عشر.
هنا أحب أقول: زي ما في أمثال بتركز على الرحمة وصلاح
الله (زي مثل الابن الضال) في أمثال تانية بتركز على عدل الله ودينونته (العذارى
الحكيمات والجاهلات، ومثل عرس ابن الملك اللي اتقال فيه للشخص اللي مكنش عليه لباس
العرس: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ
الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ مت 22: 13
وبالتالي يحق بنفس المنطق إني أقول فين الرحمة هنا؟!)
وبالتالي
الخروج باستنتاج ان التركيز على الرحمة معناه إلغاء العدل.. دي طريقة مش تمام في
تفسير الكتاب. في المقابل ليس
المقصود من الكلام عن الأعمال أننا نمجد استحقاقنا كبشر لنعمة وعطية الله.. اللي
هي أساس وجودنا في الحياة بالأساس. دي كمان طريقة مش تمام في فهم فكر الكتاب
المقدس. الواضح في المثل
إن ربنا أعطى اصحاب الساعة الأولى حقهم.. ”يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا
اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟“، وبالتالي تذمرهم لا يُبنى على أنه حصل انتهاك
للعدالة.. ولكن يُفسر على أنه طمع أكتر في كرم السيد صاحب الكرم. وهذا ما قاله
صاحب الكرم نفسه: ”أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟
أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ (حسودة) لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟“ المثل
فعلاً فيه تركيز على نعمة ربنا... وعند الكلام عن النعمة مينفعش نتكلم عن النسبة
والتناسب بمفهموم ”عين بعين وسن بسن“. في النهاية إحنا هنروح السما ومفيش كمية من
الأعمال الصالحة اللي توازي أو تعادل من حيث القيمة هذه العطية.
لكن خلي بالك أنا قريت جملة خطيرة جدًا هي:
لكن خلي بالك أنا قريت جملة خطيرة جدًا هي:
(disproportion does not equal absence of
proportion).
فيما معناه أن عدم التساوي في النسبة لا يعني غياب التناسب من حيث
المبدأ.. ده واضح في كلام المسيح لبطرس لما قاله تركنا كل شيء وتبعناك.. قاله تاخد
مية ضعف هنا وفي الآتي. واضح إن العطية كبيرة جدًا بما لا يقارن بالتضحيات اللي
عملها بطرس. لكن هذا لا يعني ان بطرس لم يضحي بأي شيء! نفس الشيء دخول السما..
منقدرش نشتريه بأعمالنا.. وهو نعمة من ربنا.. لكن ده مبيلغيش الأعمال.. والأكثر من
كده أن نجم يمتاز عن نجم في المجد.. أكيد الفوارق دي مبنية على اساس مش ضربة حظ. وإلا
في المقابل هيكون ربنا معندوش أي معايير للي يكللهم بالكرامة.. لكن الكتاب بيتكلم
عن الجهاد القانوني.. وبولس بيتكلم عن السعي وتكميل الإيمان.. وتمموا خلاصكم بخوف
ورعدة.. وبالتالي في تفاسير رابينية بتقول: إن عدل الله مش عكس رحمته.. عدل الله
ده عكس فكرة أنه يكون إله نزوي معندوش معايير.
(Justice is not the opposite of mercy....
Justice, rather, is the opposite of caprice.)
وفي
فرق إنك تقول ”هذا أعظم جدًا مما استحق يارب“، وانك تقول ”أوكيه، طالما الموضوع
معتمد على النعمة وليس الاستحقاق.. فلن أفعل شيء.. طالما في النهاية سأحصل على
أجرة متساوية للجميع“. في النهاية صاحب الكرم مرحش وزع فلوس في السوق.. وقالهم
خليكوا هنا وهاديكم من نعمتي.. بل الجميع ذهبوا واشتغلوا حته ولو بدرجات متفاوتة.
وبالتالي المثل أنا شايفه بيصالح بين عدل ربنا ورحمته.. وأن عطية النعمة تبدأ بعد
أن يتحقق العدل.
الحاجة
التانية في الجزء ده من كتاب أنسلم هي شيء شبيه بما يُسمى بالمعضلة الإلهية- وهي ليست بمعضلة- divine dilemma والتي عبر عنها آباء كثيرون مثل أثناسيوس (تجسد الكلمة 6: 8): لو
كان الله خلقه وصار في الفساد والفناء ”لكان هذا ضعفًا مما لو أنه لم يخلقه
أصلا“. لكن لأن اهتمام أنسلم مختلف: فكأنه يقول من غير اللائق بالنسبة لله أن
يترك الإنسان للشقاء. بالنسبة لأثناسيوس ده معناه: فناء بناء الله، وبالنسبة
لأنسلم: هذا شقاء لبناء الله. وكلاهما صحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق