(ملحوظة: رجاءً قراءة ال 15 تدوينة السابقة واللي بتتضمن
تلخيص واستعراض لأهم ما جاء في كتاب أنسلم ”لماذا تجسد الله؟“). دلوقت نقدر في
الجدول التالي أننا نوضح الحُجة اللي قدمها أنسلم على محملين: مَحمل حرفي مترصد
لأنسلم، ومَحمل موضوعي بيفترض حُسن النية في أنسلم، ومع مراعاة الظرف التاريخي
والسياق الاجتماعي اللي عاش فيه أنسلم.
الفهم المتشدد لأنسلم
|
الفهم الموضوعي لأنسلم
|
|
الخطية
|
زي ما هو معروف كل نظرية عن الفداء بتبدأ بتعريف
للخطية. بحسب أنسلم الإنسان خلق للتمتع بالله بشرط الخضوع لمشيئته. البشرية
مديونة لله بالطاعة.. وبالتالي الخطية هي عدم إيفاء هذا الدين لله. الخطية هي
سلب حق الله.. وهذا يمثل إهانة لكرامة الله. لازم البشرية تسدد هذا الدين وتتحمل
مسؤوليتها عن ذلك.
ولأن في نقد كثير تم توجيهه لهذه الفكرة كما هي معروضة الآن
كأن أنسلم يصور الله كأحد اللوردات الإقطاعيين الذي أهيم شرفه وأمتهن كرامته
فأخذ يطالب بتعويض مناسب عن هذه المهانة. لكن هناك طريقة أخرى للفهم.. في الخانة
المقابلة.
|
صحيح إن أنسلم وصف الخطية على أنها إهانة لكرامة
الله.. لكن لو تمعنا النظر سنجد أن أنسلم بلسانه يقول الآتي: ”لا يمكن أن
يعتري كرامة الله نقص أو تطرأ عليه زيادة من حيث هي. لأن جوهر تلك الكرامة غير
قابل للفساد ولا التغيير البتة“ (1: 14). وبالتالي الخطية لا تؤثر على كرامة
الله.. وفي نص لاحق يفرّق أنسلم بين ”كرامة
الله في ذاته“، و”كرامة الله كما يعبر عنها في الكون ونظامه“. الأولى
لا يمكن أن تُمس أبدًا بخطية الإنسان، أما الثانية فإن خطية الإنسان تُفسد نظام
الكون وجماله.
في السياق الاجتماعي لأنسلم كرامة اللورد لابد من
حمايتها مش لأنها مهمة في حد ذاتها.. لكن من أجل حفظ النظام الاجتماعي. كرامة
الملك وشرفه هي اللي بتحافظ على نظام الملكة. أحد المدافعين عن فكر أنسلم اسمه Southern بيقول
الآتي: ”كرامة الله هي العبادة المطالب بها كل الخليقة.. والتي تحفظ كل شيء
في مكانه الصحيح.. وبالتالي كرامة الله هي ببساطة كلمة مرادفة لتنظيم الكون في
علاقته السليمة بالنسبة لله“.[1]
وبالتالي الخلاص من وجهة نظر Southern هيكون
كالتالي: ”إن عصيان الإنسان يتطلب تأكيدًا مقابلاً على حيازة الله لكرامته
بشكل حقيقي، ليس ليمحو أذىً قد لحق بالله، وإنما ليمحو لطخة على نظام الكون“.
لاهوتي آخر كاثوليكي من المدافعين عن أنسلم اسمه Kasper بيوصف
الفكرة السابقة على أنها زي معاهدة بين المرؤوس واللورد.. بحيث الاللورد يسمح
للمرؤس بانه يستخدم أرضه ويعيش في سلام بشرط ولاء المرؤوس للورد وطاعته. كاسبر
بيقول: ”الكرامة ليست كرامة اللورد في شخصه، بل المكانة الاجتماعية التي يمثل
بمقتضاها ضامنًا للسلام العام“.[2]
وبالتالي قبول ربوبية الله يحفظ السلام ونظام الكون..
يضيف كاسبر ”إن انتهاك كرامة الله ليس مسألة تخص الله لكنها مسألة تخص الإنسان
ونظام العالم وجماله. لم تُسترد كرامة الله بل العالم الذي تفكك وتشوه، العالم
الذي ينتظم فقط طالما حٌفظت كرامة الله“.[3]
|
عدل الله ورحمته
|
أنسلم بيقول إن الخلاص يكمن في استرضاء أو استيفاء
الدين الواجب على البشرية في مقابل امتهان كرامة الله. والبديل الآخر هو العقاب.
ليه ربنا ميلغيش الدين وخلاص؟ لأن بكده الصالح والطالح هيقف على قدم المساواة
أمام الله. والإثم هيكون أكثر حرية من البر، لأنه مش هيكون مقيد بأي قانون أو
شريعة. وكمان الآثيم هيكون أكثر تشبهًا بالله من البار.. لأن الله غير مقيد بأي
شريعة خارجة عنه. ثم يشرح أنسلم أن البشرية عاجزة عن تسديد الدين لأن الخطأ جسيم
جدًا. وموجه ضد الله.
طبعًا ما أكثر الانتقادات التي وجهت للفكرة دي واتقال
إن أنسلم بيشبه ربنا بأن كل اللي همه هو استرداد كرامته.. وأن الله بيحل مشكلته
هو مش مشكلة الإنسان إلخ.. لكن في قراءة أخرى في الخانة المقابلة.
|
لما أنسلم بيقول البشرية مقدمهاش غير الإيفاء أو
العقوبة.. سنجده أنه بيرفض الأوبشن بتاع العقوبة تمامًا.. العقوبة معنها فناء
أبدي للإنسان وفشل المشروع الإلهي.. وده لا يليق بصلاح الله أو قدرته. بشكل كبير
العقوبة مجرد أوبشن مرفوض ليس أكثر.
هل أنسلم بيركز على عدل الله وبيهمل رحمته؟ أظن رفض
الأوبشن بتاع العقوبة- فناء الإنسان وفشل المشروع الإلهي- معناه تجسيد لرحمة
الله. لكن أنسلم بيقول إنه في ظل رحمة الله مينفعش الله يخالف طبيعته.. ربنا
مينفعش يخلي الكذب صدق.. ومينفعش وهو بيرحم يعمل أي شيء يخالف طبيعته. في كتابات
أخرى أنسلم بيقول بوضوح ”لا صلاح بمعزل عن العدل“ (Proslogian 86)، وده بيتفق معاه كثير من الآباء فالعلامة
أوريجانوس يقول في المبادئ 2: 5: 3 ”هذا كله يُظهر أن الله العادل والصالح..
هو إله واحد هو هو نفسه، وأنه يعمل الخير بعدل ويعاقب بصلاح، إذ ليس الصلاح دون
العدل ولا العدل دون الصلاح“.[4]
الله مش عاوز حاجة مننا.. وإذا كنا قلنا إن كرامة الله
هي كما تظهر في نظام الكون وجماله.. يكون إيفاء الدين هو استرداد هذا النظام
وهذا الجمال. يرى أنسلم الخطية كخلل أنطولوجي يصيب الوجود الإنسان كله.. بل
الوجود كله. تعلق Katherin
Roger على ذلك بقولها: ”عندما ترفض مشيئة الله
فأنت تنكر دوره. ولأن كلا الخيرات هي انعكاسات للخير الأعظم (الله) فإذا رفض
الإنسان مشيئة الله فأنت تنكر قيمة كل شيء“.[5]
|
خلاصة:
هناك أشياء متعرفش هل أنسلم يُمدح عليها أو يُلام. منها أنه استخدم مفردات عصره وثقافته (ده حتى د هاني مينا ميخائيل، بيقول في فيديوهاته، إن تفسير عقيدة الفداء بالشكل ده لا يعني أن الناس دول مش قديسين. ولا يُعتبر هرطقة، ولا يُعتبروا مهرطقين.. بل والأكثر من كده بيقول إن التفسير ده جاب ناس للمسيح في وقته!). وانفصال الشخص عن ثقافته ده صعب جدًا.. لدرجة أنه قيل: هل تعرف السمكة في الماء أنها مبتلة؟ الشيء الثاني اللي متعرفش هل يُلام أم يُمدح عليه أنسلم أنه عمل نظرية موحدة نظامية عن الفداء.. وزي ما قولنا أن الحقبة الآبائية لم تتبنى نظرية واحدة عن الفداء.
هناك أشياء متعرفش هل أنسلم يُمدح عليها أو يُلام. منها أنه استخدم مفردات عصره وثقافته (ده حتى د هاني مينا ميخائيل، بيقول في فيديوهاته، إن تفسير عقيدة الفداء بالشكل ده لا يعني أن الناس دول مش قديسين. ولا يُعتبر هرطقة، ولا يُعتبروا مهرطقين.. بل والأكثر من كده بيقول إن التفسير ده جاب ناس للمسيح في وقته!). وانفصال الشخص عن ثقافته ده صعب جدًا.. لدرجة أنه قيل: هل تعرف السمكة في الماء أنها مبتلة؟ الشيء الثاني اللي متعرفش هل يُلام أم يُمدح عليه أنسلم أنه عمل نظرية موحدة نظامية عن الفداء.. وزي ما قولنا أن الحقبة الآبائية لم تتبنى نظرية واحدة عن الفداء.
الحاجة المهمة اللي حاولت أشير إليها في تلخيص كتاب
أنسلم أن العناصر اللي اعتمد عليها مستمدة من الكتاب المقدس والآباء السابقين
ليه.. حتى وإن كان الآباء السابقين ليه مستخدموش العناصر دي لبناء نظرية موحدة زي
ما قولنا. وضحنا أن الآباء الشرقيين شافوا إن الخطية دين- مش مرض فقط. شوفنا آباء
شرقيين بيتكلموا على أننا بنهين الله أو بنهين اسم الله لما بنخطئ.. كل الحاجات دي أصبحت جاهزة لأنسلم أنه ياخدها ويبني عليها نظرية موحدة عن الفداء.
أخيرًا يرى أنسلم أن الخطية تدمر الإنسانية بانتهاك نظام
الوجود.. يرى أنسلم أن كرامة الله في ذاته لا تنتهك ولا يمكن امتهانها مطلقًا. يرى
أنسلم أن البشرية عاجزة عن استيفاء الدين فيتقدم الله بنعمته المجانية ليخلصها.. لا
يرى أنسلم أن الله طاغية وابنه ضحية الأب المتعطش لاسترداد شرفه المهان؛ لأنه يؤكد
على أن ذبيحة المسيح طوعية وليست عن إجبار.. فالآب لم يجبر ابنه على هذه التقدمة،
ويؤكد اتفاق المشيئة بين الآب والابن. كذلك يرى أنسلم أن المسيح قدم ترضيته ليس
كمجرد إنسان بل كإله متجسد، وهذا يؤكد ثانية بأن عمل الخلاص هو عمل ثالوثي.
[5] Katherin
A. Rogers, A Defense of Anselm’s Cur Deus Homo Argument, in Philosophical
Theology: Reason and Theological Doctrine, ed. Michael
Baur, Proceedings of the American Catholic Philosophical Association (Bronx:
American Catholic Philosophical Association, 2001), 29.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق