الجزء الأول
فصل (9): أنسلم يؤكد مرة أخرى على أن طاعة المسيح للآب ليست ”إلزام
قسري“ بل ”تمسك حبي اختياري“. كذلك الآب لم يشفق على ابنه، والابن لم
يشفق على نفسه؛ لأن إرادة الابن من إرادة الآب. ثم يؤكد أن هذه الآيات تعني أنه ”مات
من تلقاء إرادته الحرة بدون اضطرار البتة“. ويؤكد ذلك باستشهادات كثيرة مثل ”أما
هو فتذلل..“، ”لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها“. ثم يرجع
المحاور ليسأل لماذا التجسد والصليب على هذه الطريقة هي الوحيدة لخلاص الإنسان.
فصل (10): هيبدأ أنسلم بأنه يعرف الخطية وما هو الإيفاء عن الخطية. ويعرف
الخطية على أنها ”عدم إيفاء الدين إلى الله“. وأن الدين ده هو أن إننا
نعمل أعمال مرضية لله.. ”فمن لا يؤدي واجب الإكرام لله يكون قد سلب الله حقه
ووضع من كرامته. هذه هي الخطية بعينها“. وعلى ذلك لابد أن يرد الإنسان ما
سُلب بالإضافة إلى ما يعوض عن الإهانة. رأى أنسلم أننا مدينين لله بالطاعة
واتباع مشئيته.. ولما بنعصي ربنا إحنا بنختلس حق ربنا علينا.
|
التعليق:
في فصل (9) أنسلم هنا في الحقيقة بيرد على أي حد بيقول
إن نظريته في الخلاص بتضع الآب أمام الابن أو بتفصل بين الآب والابن في عمل
الخلاص. في اتفاق في المشيئة بين الآب والابن؛ الأكثر من كده هنشوف بعدين أن
الخلاص عمل ثالوثي عند أنسلم. أمّا بالنسبة
للفصل (10) فده في سؤالين كهمين جدًا: 1- هل الخطية تمثل دينًا فعلاً؟ 2- هل
الله يهان بخطيتنا؟ للرد على السؤال
الأول: هل الخطية دين؟ أولاً من الناحية الكتابية: في مت 6: 12 أغفر لنا ديوننا..
أو ما علينا.. الكلمة في لوقا هي ἁμαρτία هامارتيا مختلفة عن الكلمة اللي في لوقا
وهي أوفيليماتا ὀφειλήματα ومعنها دَين. وهي نفس الكلمة المستخدمة في 1كو 7: 3 عن الحقوق الواجبة
بين الزوجين.. ”ليوفي الرجل المراة حقها الواجب“. نفس المعنى في كو 2: 4 عن
أنه محا ”الصك الذي علينا“، ورو 6: 23 على أن ”أجرة الخطية هي موت“.
العلامة أوريجانوس في كتابه عن الصلاة
بيقول إن تعدياتنا منقوشة في عقولنا وهي بمثابة الصك ضدنا. وتُقدم في ساحة القضاء
وقت الحساب. حتى قرائته لنص لوقا اللي بمعنى خطايانا بيقول إنها تُسمى خطايانا
لأننا ”نخطئ حين لا نؤدي ما علينا“.[1]
ده من الناحية الكتابية، لو جينا من الناحية الآبائية،
هنلاقي إن عمنا الكبير أوريجانوس هو اللي بيعلمنا إن الخطية عبارة عن دَين في
تفسيره لرومية.. يقول أوريجانوس: ”لأنك ستجد كثيرًا في الكتب المقدسة أن
الخطايا تُسمى ديونًا، كما علَّمنا الرب نفسه أن نقول في الصلاة ’اغفر لنا ديوننا
كما نغفر للمديونين إلينا‘، ومرة أخرى
يقول الرب ’كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ
دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ‘“ (لو 7: 41-42)“[2]
ويقول أوريجانوس أيضًا ”يتبيّن من هذا هو أنه طالما أن النفس التي خلقت بواسطة
الله هي حرة في ذاتها، فهي تقود نفسها إلى العبودية بواسطة التعدي وتسلّم بنفسها
للموت، إن جاز التعبير، صك خلودها الخاص الذي كانت قد قبلته من خالقها“[3] ولا
يمكن أن نغفل أن ق أثناسيوس في تجسد الكلمة قد استخدم تعبير إيفاء الدين: ”وكان
لابد أن يتمّ الموت نيابة عن الجميع كي يوفي الدَّين المستحق على الجميع“.[4]
(صحيح، الدَّين عند ق أثناسيوس مختلف.. لكن النقطة المشتركة أننا أصبحنا في حالة
مديونية لله بالسقوط).
كذلك يقول ق ذهبي الفم تعليقًا على تعبير الصك: ”«أي
صك؟ إمّا ما قالوه لموسى «كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل ونطيع» (خر 24: 3)،
أو إن لم تكن هذه، فهي إننا مديونين لله بالطاعة، وإن لم تكن هذه، فهو يقصد أن
إبليس امتلك الصك الذي صنعه الله مع آدم بقوله «يوم أن تأكل من الشجرة موتًا تموت»
(تك 2: 17). لذلك كان هذا الصك في حوزة إبليس، والمسيح لم يعطه لنا بل مزقه بنفسه
إلى نصفين، وهذا تصرف مَن يغفر بابتهاج»“.[5] نلاحظ
أن ق يوحنا ذهبي الفم يكرر فكرة أنسلم بالضبط وهي أننا ”مدينون لله بالطاعة“.
يكفي هذا للإجابة عن السؤال الأول، نأتي للسؤال الثاني،
وهو.. هل يهان الله بخطيتنا؟ سأكتفي هنا برد للقديس باسليوس الكبير؛ إذ يقول: ”إذا
كنا نقدم مجدًا لله بواسطة الأعمال الصالحة، هكذا نحن نصنع العكس بواسطة ممارسة
الأعمال الشريرة“.[6]
ثم يقتبس من الكتاب المقدس أم3: 9، إش 52: 5 اللي اقتبسها بولس في رو 2: 24 عن أن
اسم الله بيجدف عليه بسببنا، وبيجيب كلام بولس في رو 2: 23 ”أبتعدي الناموس
تهين الله؟“ ثم يقول ق باسليوس عبارة موجزة: ”إن الاحتقار والتعدي للناموس
يعتبر إهانة للمشرع (واضع الناموس)“،[7]
وبيضرب مثلاً بيت فيه غضب وصياح وضجيج وشتائم وضحكات وفسق، ويعلّق ”فإن خزي هذه
الأعمال يأتي على قائد ومدبر هذا البيت“.[8] ثم
يقول ”كما أن الله يتمجد بالأعمال الصالحة، هكذا فإن العدو الشيطان يتمجد
بالأعمال الشريرة“. لما آخد أعضاء المسيح وأخليها أعضاء زانية يبقى بنقل ”مجد
مخلصي إلى مهلكي“. ثم يختتم قوله ”إذًا لنخف لئلا نعطي مجدًا للشيطان
بخطيتنا، فنكون قد سلمنا أنفسنا معه إلى الخزي الأبدي“.[9]
نلاحظ هنا إن ق باسليوس يقول إننا بشكل ما نهين الله
بخطيتنا.. ونجدف على اسم الله.. لستُ هنا في مجال تقييم صوابية الفكرة؛ لأن أنسلم
بعد ذلك سيؤكد أن كرامة الله لا تزيد ولا تُنتقص. وسنبين ذلك في مكانه. لكن عاوز
أقول أن أنسلم مجبش كلامه من الهوا.. عنده ال elements في كتابات
الآباء الشرقيين والغربيين.. المختلف أن أنسلم عمل نظرية موحدة unified ونظامية systematic حوالين فكرة
كرامة الله؛ أمّا في حقبة الآباء- كما يؤكد كثير من الدارسين لم توجد هذه النظرية
الموحدة عن الفداء. يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق