الاثنين، 6 أبريل 2020

محاكمة كتاب أنسلم أسقف كانتربري- ج5



الجزء الأول
فصل (11): الفصل ده بيعرض سؤال: هل ربنا يقدر يغفر الخطية دون تعويض عن الكرامة المسلوبة؟ يجيب أنسلم ”إن لم تعاقب حُسبت مغفورة بغير حق“، ”ولا يليق بالله أن يغفر خطية بدون عقاب عليها“. و”لو كانت الخطية تُغفر بدون قصاص لكان الصالح والطالح على قدم المساواة أمام الله؛ الأمر الذي لا يجدر بالعدالة الإلهية“، ولو الخطية لا يُوفى عنها ولا يُعاقب عليها، فهي ليست خاضعة لأي ناموس (شريعة)، ولكانت الخطية أكثر حرية من البر، والخاطئ أكثر مشابهة لله من حيث الحرية، لأنه هيكون غير مقيد بشريعة!
رد عليه المحاور بسؤال شهير، إزاي ربنا يطلب مننا أن نصفح على المذنبين في حقنا ولا يصفح هو في حق من أذنبوا في حقه؟ فرد أنسلم بأن ربنا بيطالبنا بإننا نغفر لأن النقمة هي حقه هو حصريًا. وحتى لو في رؤساء أرضيين بينتقموا للشر فهما خدام معينين من الله لهذا. رجع المحاور لنقطة حرية الله.. وقالوه طالما أن الله هو حر من أي قيد.. فليه ميغفرش؟ لكن أنسلم شرح أن مش معنى أن الله حر من أي قيد أو شريعة أنه لو كذب مثلاً يصبح الكذب فضلية، لكن الأمر يشبه القضيتين المستحيلتين زي ما بتقول مثلاً ”الماء جاف“. يعني مينفعش ربنا يكذب ويخالف طبيعته.. ”ولا يليق بالله أن يأتي أمرًا غير عادل“.

التعليق:
من الناحية الكتابية: ”حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً“ (خر 34: 7). ومن الناحية الآبائية سنجد مثلاً ق إكليمندس السكندري وهو يشرح لماذا عاقب الله سدوم وعمورة، بيقول إن الله ”أوقع العقوبة على هؤلاء الخطاة حتى لا تذهب الخطية دون عقاب فتتحول إلى استباحة غير مكبوحة“.[1] يعني ربنا يهمه أنه يثبت نظام أخلاقي في الكون. مرة أخرى أعود للقديس أكليمندس في كتابه المربي عن أن ”الله لا ينزل العقوبة من منطلق الحقد ولكن بهدف إحقاق العدل.. إذ ليس لائقًا أنه لا يراعي العدل فيما يخصنا. وكل منا عندما يرتكب الخطية فهو بمحض رغبته يختار العقاب.. وعليه يقع وزر اختياره“.[2] يعني العدل شيء لائق بالله.
نقطة يليق ولا يليق بالله.. نعرف أن ق أثناسيوس في تجسد الكلمة 44 بيرد على فكرة أن الله كان يقدر يخلص بكلمة ”بنطق عالٍ“ بنفس طريقة خلقه من العدم.. فكان الرد أن ده حصل لإتمام الخلق لكن الآن يلزم ”علاج ما هو موجود“ ويستخدم استعارة الطبيب الشافي.. والاتحاد الانطولوجي لأن الفساد كان داخلي في الطبيعة.. وانه كان لازم يواجه الموت في الجسد.[3] هنلاقي هنا فرق بين ق أثناسيوس وأنسلم أن ق أثناسيوس قال برضو ”لا يتفق“ و”لا يليق“ أن ربنا يغفر وخلاص.. لكن ق أثناسيوس قال إن ده لا يتفق مع ”صدق الله الذي يقتضي أن يكون الله أمينًا من جهة حكم الموت الذي وضعه؛ لأنه كان من غير اللائق أن يظهر الله أبو الحق كاذبًا من أجلنا“.[4] يعني ق أثناسيوس بيقول إن الله مهتم بمصداقيته.. وبالحكم اللي قاله، وهو يوم تأكل من الشجرة موتًا تموت.
لكن أنسلم بيناقش اهتمامات أخرى، وكلها مشروعة، ولو قال زي ق أثناسيوس يبقى لم يضيف شيء على الإطلاق. الراجل بيقول لو الله مش بيعاقب على الخطية، أو الخطية بتمر كده من غير إجراء بيحصل، في الوقت ده هيبقى الصالح والطالح على قدم المساواة قدام ربنا.. وأن الخطية أكثر حرية، والخاطي أكثر مشابهة لله (من البار المقيد بشريعة معينة). أنسلم هنا يدافع عن قداسة الله..  ولو الخطية بتاعة السقوط لم يترتب عليها عقوبة (أو نتيجة سلبية)، فلماذا لا يكون الحال هكذا دائمًا.


[1] FOTC (23), Clement of Alexandria, Christ the Educator, Book III, 43, P. 235.  
[2]  Ibid., Book I: 68, p. 62.
[3]  تجسد الكلمة 44، صفحة 140- 141.
[4]  تجسد الكلمة 7: 1، صفحة 18.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق