الجزء الأول
فصل (12): بيقول أنسلم أن أصعب شيء أن يسلب المخلوق حق الخالق في
الإكرام.. وأن الله أهم شيء بالنسبة له أن ”يصون ويحافظ على كرامة مقامه“.
وبالتالي مش هينفع يسمح بحدوث هذا السلب من غير ما يسترد المسلوب أو يعاقب
السالب. يا إمّا يسترد كرامته الممتهنة أو ينفذ العقاب. وإلا تختل عدالة الله
وقدرته.
فصل (13): يسأله المحاور: ”وهل قصاص الخاطئ يعود بالإكرام على الله؟“
فيرد أنسلم: بأنه من المستحيل أن الله ميردوش حقه المسلوب؛ وأن الخاطي سيرد ما
عليه ”طوعًا أو قسرًا“؛ سيخضعه الله ”اختيارًا أو اضطرارًا“ حتى
يثبت الله ما له من ”حق السيادة“. صحيح الله مش هينتفع بما ينتزعه من
الإنسان، لكن ”الله يستخدم هذا المنتزع لكرامته ومجده بمجرد الانتزاع فقط،
وبذلك يثبت أن العبد وما ملكت يداه في قبضة مولاه“.
فصل (14): يسأله المحاور: إن كان محتمًا إن الله يصون كرامته.. فكيف يحتمل
أن يلحق به شيء من الأذى أصلاً.. كده أنت بتقول إن الله عرضه للإيذاء أصلاً.. أنسلم
يجيب بعبارة واضحة ”لا يمكن أن يعتري كرامة الله نقص أو تطرأ عليه زيادة من
حيث هي. لأن جوهر تلك الكرامة غير قابل للفساد ولا التغيير البتة“، ويبين
بشكل واضح ما يعنيه بإكرام الله- أي أن تسير الخليقة في السُّنة الموضوعة لها..
يعني لما الطبيعة العاقلة بالأخص تقوم بواجباتها مش هتدي ربنا حاجة؛ لكن لأنها
تطيع إرادة الله طواعية، وتحافظ على ما يخصها ”من المقام والنظام في عالم
الأشياء وعلى جمال هذا الكون المنظور“. ثم يعود ويؤكد أنسلم أن النفس حين لا
تطيع الله فهي ”تشوش وتشوه نظام الوجود وجماله على قدر إمكانها وإن تكن لا
تمس عظمة الله ولا تحط من مقامه“.
لكن أنسلم يقول مفيش حد يقدر يهرب من إرادة ربنا.. لو هرب من ”الإرادة
الآمرة تستقبله الإرادة الناقمة“. الشر بيحاول يخل بنظام الكون، ولو مفيش
إيفاء أو عقوبة عن الشر ”لنشأت في وجه جمال الكون الذي يديره الله عاهات
شائنة“. وبناءً عليه لابد أن يعقب الخطية إيفاء أو قصاص. ثم يختم ”يتضح
من هنا أن ليس لأحد أن يكرم الله أو يهينه من حيث هو، وأما بالنظر إلى الإنسان
فقد يظهر أنه يأتي ذلك بإخضاع إرادته لمشيئة الله أو بعدم إخضاعها“.
|
التعليق:
لا شك أن تفسير أنسلم مستمد من مجتمعه.. كانت هناك حكايات
تروى عن الشرف المفقود والشرف المسترد.. هكذا ساد الأمر في الثقافة الإقطاعية في
زمانه. أقرب حاجة لأذهاننا هو فيلم ”رد قلبي“؛ إذ كان قبل ثورة يوليو الأرض ملك
الأسياد أو اللوردات لا يمتلكها الفلاحين لكنهم يعملون نظير معيشتهم. كثير من
الدراسين بيفسروا أهمية الشرف والكرامة للورد مش كشيء في حد ذاته، لكن لأجل ثبات
النظام الاجتماعي. هذا ما يريد أن يؤكد عليه أنسلم.
ه اللي بيخلي واحد اسمه ”ديفيد بنتلي هارت“- وهو لاهوتي
أرثوذكسي شرقي، أنه يدافع عن أنسلم، ويزعم برغم تحيزه الشخصي لسرديات أخرى عن
الفداء، سائدة أكثر في الشرق، أن هناك تواصل في الفكر بين أنسلم وبين آباء
الكنيسة، وأن كتابه لماذا تجسد الكلمة ”لا يشكل خرقًا بين اللاهوت الغربي
والشرقي“.[1] وأن هناك قراءات وتفسيرات مشوهة كثيرة جدًا لما قاله
أنسلم.
بالرغم أن فخر العهد الجديد هو أننا صرنا أبناء.. لكن
كثير من الآباء افتخروا بالعبودية لله. زي ذهبي الفم وأوريجانوس اللي قال ”إن
العبودية للمسيح أرفع مكانة من أي حرية“.[2]
ولو عاوز حاجة من القداس هاقولك صلاة الصلح في القداس الكيرلس بتقول ”الذي الكل
مذلول وخاضع بعُنق العبودية تحت خضوع قضيب ملكه“. وبالتالي لغة أننا عبيد
للملك مش شرط تكون لغة سيئة أو أنها لغة لا تليق بنعمة العهد الجديد كما يدعي
البعض. ممكن استخدمها وأنا واعي لنعمة البنوة في العهد الجديد برضو.
أما اللي مش هيقوله منتقدي أنسلم واللي لم يذكره واحد
فقط من اللي بينتقدوا أنسلم هنا في مصر مثلاً، هو الجملة اللي بيقول فيها أنسلم ”لا
يمكن أن يعتري كرامة الله نقص أو تطرأ عليه زيادة من حيث هي. لأن جوهر تلك الكرامة
غير قابل للفساد ولا التغيير البتة“. وكانت رد من بوزو اللي قال إزاي الله
يسمح أصلاً أن كرامته تتجرح. الشيء الثاني اللي ممكن يتغافل عنه منتقدي أنسلم أن أنسلم
وضع كرامة الله في سياق نظام الموجودات وجمال الكون المنظور.. وهنا في رأيي بتنتفي
عنه فكرة أن كل ما يهمه هو كرامة السيد الإقطاعي.. أو تصوريره لربنا أنه كل اللي
يهمه كرمته وشرفه المهان. يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق