في ظل دعوات بعض المتعاطفين مع المثليين الذين ينادون
بقبولهم وإدماجهم في مجتمع الكنيسة أرى صدق ونبل الغاية ومخاطر جمة في الوسائل
والتنفيذ. كما أرى أن الكنيسة أمامها تحديان؛ الأول وهو الأسهل نسبيًا، وهو صياغة
موقف واضح من المثلية الجنسية. أقول سهلاً؛ لأن التيار المسيحي العام يرفض الجنسية
المثلية ويعتبرها خطية. صحيح ليست هي الخطية العظمى، وليست خطية للموت، وصحيح أنها
ذكرت ضمن قوائم من الخطايا والرذائل.[1]
وصحيح أنها ليست الخطية الوحيدة التي تستدعى غضب الله ودينونته؛ فالطوفان حدث لأن
شر الإنسان بشكل عام قد زاد حد التصور. كذلك يمكننا افتراض أن سدوم وعمورة أُحرقت
بالنار ليس لخطية الجنسية المثلية فحسب، بل بسبب جملة من الخطايا الأخرى والتي
أظهرت تمردًا صارخًا على النواميس الإلهية مما استوجب دينونة قاسية.
أمّا التحدي الثاني أمام الكنيسة الذي اعتبره الأصعب بالمقارنة
بالتحدي السابق هو صياغة موقف واضح من المثليين أنفسهم. لماذا يُعتبر هذا تحديًا
صعبًا؟ لأن الكنيسة تحتاج أن توازن بين كونها مستشفى تقبل كل أنواع المرضى وتساعدهم
على الشفاء وبين خطورة أن يُفهم هذا نوعًا من التطبيع والإقرار بمشروعية الاختيار،
وهو ما يخالف في رأيي الكتاب المقدس وموقف الكنيسة منذ البدايات الأولى للمسيحية
كما سأبين لاحقًا.
بالنسبة للتحدي الأول، من السهل أن ترى أن الكتاب المقدس
يؤكد أن الإنسان خُلق متمايزًا، ذكرًا وأنثى، لتحقيق نوعًا من التكامل والمؤازرة،
ولإعمار الأرض. يقول اللاهوتي الإنجليزي الإنجيلي جون ستوت[2]: ”هناك
ثلاث حقائق أكد عليها المسيح: 1- المغايرة في الجنس إبداعٌ إلهي، 2- الزواج بين
جنسين مغايرين مؤسسةٌ إلهية. 3- الوفاء بين زوجين مغايرين قصدٌ إلهي. أمّا الاتصال
المثلي هو خرق وانتهاك للمقاصد الإلهية الثلاثة.“[3]
الرأي الكتابي واضح في العهدين، ومع ذلك، لابد أن نجتهد
لصياغة ردود دفاعية مقنعة على ما يُسمى ”لاهوت الشواذ“ (Gay Theology)، والذي بات
منتشرًا في أواسط الشباب على الإنترنت. وفيما يلي حوار متخيل مع شاب مقتنع بهذا
اللاهوت.
تقول له: الوحي
الإلهي تحدث في المسألة وحرمها تحريمًا واضحًا.
يقول لك: الله
لم يصمت بعد، وما زال يتحدث بطرق أخرى غير الوحي، وهو يريد الحرية لكل إنسان.
تقول له: لكن
الله لا يناقض نفسه، ولن يحرم المثلية في زمن ويبيحها في زمن آخر.
يقول لك: في
العهد القديم، أباح الله تعدد الزوجات، وزواج المغتصب من ضحيته، وزواج السبايا في
الحروب. وكلها غير مباحة الآن. كل شيء يتغير.
تقول له: أوافق
على ما تقول، لكن العهد القديم الذي تحتكم إليه، حرم المثلية، وأكد على ذلك العهد
الجديد أيضًا.
يقول لك: هذا
تفسيركم؛ لأن العهد الجديد يتحدث عن الدعارة أو البغاء، وليس علاقة مثلية فيها
الالتزام والوفاء والاهتمام بتأسيس أسرة وتربية الأبناء.
تقول له: هذا ضد
الطبيعة، وضد تصميم الله من البداية. لقد خلق الله آدم وحواء، وليس آدم وعلاء!
يقول لك: هذا في
بداية الخليقة، لغرض التناسل، وليس بعد أن أصبح العالم ما يقرب من 7 مليار نسمة،
ولدينا وفرة في النسل الآن.
بسبب هذه الأسئلة وغيرها، تحتاج الكنيسة إلى صياغة عصرية
مقنعة لموقفها تجاه القضية، وحتى لا يُخدع شبابنا بحجج تبدو منطقية ولكنها تلوي
ذراع الحقائق العلمية والكتابية. وهذا ليس صعبًا كما قلت إذا قارنا ندرة الشواهد
الكتابية عن قضية غامضة مثل الموت الرحيم، وأسهل بكثير أيضًا من صياغة موقف ضد
قضية الإجهاض.
نأتي للتحدي الثاني وهو موقف الكنيسة من المثليين
أنفسهم. لدينا قصة زاني كورنثوس وكيف تعاملت الكنيسة معه، وحسب معظم المفسرين، كان
هذا الخاطئ في علاقة جنسية مع زوجة أبيه، وهو ما يُسمى بزنا المحارم (incest)، وهو يجاهر
بها، ويبدو أنه كان شخصًا معروفًا في الكنيسة. ويبدو ايضًا أن الكنيسة تجاوزت
مرحلة النصح والإرشاد والإقناع، فجاء بولس ليتخذ قرارًا بالإجماع ”إذْ
أَنْتُمْ وَرُوحِي مُجْتَمِعُونَ مَعَ قُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.“
(1كو5: 4)، هذا القرار بالقطع أو الفرز عن شركة الكنيسة. فضلاً عن أنه يوبخ
الكنيسة بقوله: ”لَيْسَ افْتِخَارُكُمْ حَسَنًا. أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟“ (ع6). يعلق
وليام ماكدونالد على هذه الآية قائلاً:
”الكنيسة عوضًا عن أن تنوح، انتفخت
وتباهت. لعلها تباهت بتسامحها في عدم اتخاذ إجراء تأديبي بحق المذنب. أو لعلها
تباهت بوفرة المواهب الروحية داخلها إلى حد أنها لم تأبه كثيرًا لما جرى. أو لعل
الكنيسة اهتمت بالعدد أكثر من اهتمامها بالقداسة. إن الخطية لم تهزها بدرجة كافية.“[4]
كما يعلق متى هنري، المفسر الإنجليزي، على هذه الآية
أيضًا: ”تسليمه للشيطان إنما قُصد به تنكرهم له وتبرأهم منه، وبهذه الوسائل إنما
يدفعونه إلى التوبة.“[5]
أنا أرى اليوم مفاخرة بعض الكنائس بالتسامح والقبول للمثليين أكثر من حساسيتهم
تجاه هذه الخطية، وربما يكون هذا بحسن نية، وغيرة على إظهار محبة المسيح للجميع.
كان هذا الإجراء التأديبي بالفرز عن جسد الكنيسة في
مصلحة كل من الخاطئ والكنيسة. من ناحية حتى لا يعثر الناس في نزاهة الكنيسة
وقادتها، ومن ناحية أخرى يُدفع الخاطئ نحو الندم والتوبة والعودة مرة أخرى لشركة
المؤمنين. هذا الإجراء وسيلة وليس غاية،
للبنيان وليس الهدم، وبصفة مؤقتة، وهو ما حدث بعد ذلك، أن الرسول بولس أوصى به،
وخشى أن يُبتلع من اليأس، فأوصى أهل كورنثوس قائلاً: ”أَطْلُبُ
أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ.“ (2كو 2: 8).
الرسول
بولس كان يخشى على هذا الخاطئ من أن يهلك بالحزن، مثلما خشى عليه قبلاً من أن يهلك
بخطيته. تعال نرى موقف بعض المثليين النشطاء، أو الملحدين، من الكنيسة اليوم.
يريدون أن يدخلوا الكنيسة بحرية، ويضغطون على الكنيسة لتعترف بمشروعية اختيارهم
ووضعهم الاجتماعي، وإقامة مراسم زيجاتهم. وألا تنصحهم بالعلاج، لأنهم لا يظنون أنهم
مرضى بالأساس. هل رأيت أية إشارة للحزن المفرط أو غير المفرط هنا؟! بعض النشطاء
يريدون أن يكتسبوا مشروعية لوضعهم الذي قبلوه ويريدون الاستمرار فيه. وذلك عن طريق
ابتزاز الكنيسة، وإسكاتها عن الاعتراض بحجة حقهم في الحرية بينما في نفس الوقت
ينكرون على الكنيسة حريتها في الدفاع عن معتقداتها. وإن فعلت الكنيسة اتُهمت بالانغلاق
والتعصب وعدم قبول الآخر، بل وبعض المؤمنين يعتبرون ذلك تراجعًا عن دورها كمستشفى.
لكن ما معنى الكنيسة كمستشفى إذا كان المريض لا يعترف بمرضه أصلاً؟!
قد
يقول بعض المتعاطفين مع المثليين: المسيح كان يجلس مع العشارين والزناة، أليس
كذلك؟ نقول لهم: المسيح كان يغيرهم، ومن المحال أنه كان يقول لهم- وهذا ما قد
يفهمه بعض الشباب في كنائسنا: أنتم طبيعيون.. استمروا كما أنتم.. لستم مضطرون أن
تغيروا أنفسهم.. هذه طبيعتكم.. بل اعتاد أن يقول: اذهب أو اذهبي ولا تخطئ ثانيةً.
لا أقول أننا نرفض التعامل معهم، بل كل من أراد المساعدة ينبغي أن نمد له يد العون
والتشجيع. ماذا فعلت الكنيسة في بداياتها، عندما كان المجتمع يقر الجنسية المثلية،
بل وكانت أخلاقيات الآلهة الوثنية نفسها. يوستين الشهيد (متوفي حوالي 155 م) يقول:
”لا نستطيع أن نقدم كتابات أبيقور
والشعراء الآخرين كدفاع عن أنفسنا أسوةً بزيوس والآلهة الأخرى الذين مارسوا اللواط
والعلاقة الآثمة مع نساء؟ ولكن لأننا نقنع الناس ونحثهم على الابتعاد عن هذه
الأفعال، وعن الذين يمارسونها، وأيضًا من يتمثلون بهم، مثلما نسعى الآن بشدة
لإقناعكم بهذه الكلمات. فإننا نهاجم بطرق كثيرة، ونحن لا نقلق على الإطلاق لأننا
ندرك أن الله مراقب عادل على الكل.“[6]
”أمَّا نحن فلكي لا نرتكب خطأً أو معصية،
فقد تعلمنا أنه من الشر التخلي عن الأطفال حديثي الولادة. أولاً لأننا نرى أن جميع
الأطفال الذين تم التخلي عنهم ليس فقط من البنات بل من البنين أيضًا يشبُّون في الدعارة...
أنتم تربون أطفالاً لهذا الغرض الشائن فقط واصبح أمرًا واقعًا أن يوجد في جميع
الأمم الكثير من النساء الساقطات والمخنثين على استعداد لممارسة الشر.. مع
العلم أن كل من يتورط معهم يكون مذنبًا... وقد يتورط في ممارسة الجنس مع طفله أو
أحد أقاربه أو أخيه..“[7]
عاشت الكنيسة في ثقافة تبيح المثلية الجنسية، لكنها
بشجاعة قامت بدورها في التوعية والقبول وإعلان خلاص المسيح، وفي نفس الوقت لم تساوم
فيما يتعلق بوصف هذا السلوك كخطية وكانحراف عن التصميم الإلهي. نحن نتعلم في
الكنيسة أن الخطية ليست هي السلوك الشائن فقط، ولكنها عدم إصابة الهدف. سفر القضاة
يتحدث عن أناس يستعملون اليد اليسرى و”يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلاَعِ
عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ.“ (قض 20: 16). القول بأن الجنسية المثلية
موافق للطبيعة، هو إقرار بأن أية ممارسة أخرى مهما بدت غرابتها هي بنت الطبيعة
أيضًا. حتى إذا تركنا جانبًا الدِّين والعُرف وخبرة البشرية في تحديد الصواب
والخطأ، فإن أي إنسان لديه القليل من العقل سيقول إن ”لكل إناء غطاؤه.“[8]
[2] في هذه المقالة أتعمد الاستشهاد بلاهوتيين من
طوائف مختلفة للتأكيد على فكرة أن صياغة موقف تجاه القضية هو سهل نسبيًا.
[3] John
Stott, Same Sex Partnerships? A Christian Perspective, (Grand
Rapids, MI: Fleming H. Revell, 1998), p.
36.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق