الأحد، 3 فبراير 2019

العناية الإلهية- يوحنا ذهبي الفم



بيانات الكتاب
العناية الإلهية للقديس يوحنا ذهبي الفم
ترجمه أستاذ نشأت مرجان،
بمعرفة دار النشر الأسقفية في (97  صفحة).
في ترجمة أخرى، لعايدة حنا بسطا
بمعرفة ابونا تادرس يعقوب، سبورتنج.
الفصل الأول- الخامس:
ذهبي الفم بيقول إنه من الخطر الشديد أن ترغب في معرفة سبب كل الأحداث التي تحل بنا.. وبيقول إن ده موقف فضولي مملوء تهورًا (14). لأنه حتى بولس يتراجع لأنه اكتشف أنه أمام محيط واسع، و”إذا حاول فحص أعماق العناية أصيب بالدوار أمام استحالة تفسير عملها“ (15). لم يفلح بولس في استقصائها: ”يستحيل عليه أن يدرك غايتها، أو حتى يكتشف كيف بدأ تخطيطها!“ وبيقول إن بولس قال إن كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فإنه لم يعرف شيئًا (1كو 8: 2)، ومرة ثانية قال نعلم بعض العلم، وإننا ننظر الآن في مرآة في لغز (1كو 13). يجب أن نخضع زي الطين في يد الخزاف (رو 9). مع أن الخزف والخزاف من نفس المادة! وبيقول لا تُخضع الله لفضولك الطائش.
كل ما يختص بالآب.. يعرفه الابن والروح القدس فقط. الابن فقط هو من رأي الآب (يو 6: 46). والروح وحده يفحص كل شيء حتى أعماق الله (1كو 2). وبالتالي هذا النوع من المعرفة مستبعد حتى عن البشر والملائكة أيضًا. ”عندما يختص الأمر بتدابير الله وأعماله، كما أن الخزف يلزم الصمت أمام الخزاف، هكذا أنت أيضًا احفظ الصمت أمام الله الذي خلقك“ (ص25). بيقول ذهبي الفم إن كنت تشك في عناية الله اسأل الأرض والسماء والشمس والقمر.. اسأل الليل والنهار.كل شيء في الطبيعة يصرخ بصلاح الله الساهر! (26). والخليقة تنطق بلغة يفهمها جميع الشعوب. دي فكرة الله كرياضي أعظم.. وفي أيقونة عن المسيح وهو ماسك برجل على دائرة الكرة الأرضية.
الفصل السادس- العاشر:
ثم يتحدث ذهبي الفم عن محبه الله العظيمة للبشر.. حب الله الذي يفوق كل حب، حتى حب الأم لثمرة بطنها.. وحب الآب (مز 103). ”عظيمة هي الهوة التي تفصل بين صلاح الله وعنايته عن حنان الآب البشري“ (29)، وبيذكر مت 7: 9-11. وبيقول: ”بقدر اختلاف الخير عن الشر، هكذا تعلو محبة الله على محبة الآباء واهتمامهم بمصالح أولادهم“ (29). هذا حب إلهي للإنسان لا ينحل. حب يخليه يظهر شهادات كثيرة على محبته. حب يخليه ينتقي كلماته حتى لا يحزن محبوبته، ولو اتكلم عليها بالشر يرجع يقول ”انقلب عليّ قلبي“. ثم يقارن حبه بشكل آخر ”كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك“ (إش 62: 5).
دليل برهان عناية الله بحسب ذهبي الفم هو ”الخليقة الجميلة المتناسقة“ اللي فيها تنوع وغنى ونفع العناية اللي هي بتحفظ الحياة واستمراريتها. الخليقة فيها حاجة كده زي (anthropic principle) أو المبدأ الأنثروبي.. بمعنى أن الكون مهيأ للإنسان ليعيش فيه. فمثلا: دقة النجوم واستخدامها في السفر، استخدام القمر في تحديد الزمن، الشمس وجمالها وفوائدها.
يتحدث ذهبي الفم عن التنوع في الحياة والتعب والحزن والمرض والصحة والتركيبة النفسية، حتى أصغر الفراشات- الرياح وأهميتها في الإبحار والزراعة، والأهوية اللي تحرك المياه فلا تفسد من الركود – الليل كفرصة للراحة- والإنسان لو منمش ممكن يموت. تنوع أجناس الطيور، والأسماك المتوحشة والمستأنسة.  وبيقول تذكر أن كل هذا لأجلك.. ”الفنون لأجلك، الأدب، المدن، القرى، النوم.. الموت.. الحياة.. النمو.. هذا العالم.. وحتى بعد أن يصير العالم أفضل“ (39). حتى الموت هو من مظاهر عناية الله: لما يرى الإنسان ”رفيقه قد تحلل وأكله الدود ينقاد إلى الاعتدال ويتعلّم التأمل“ (40). ”الموت قد أعطى لنا كمعلّم.. للحياة الروحية، ولفكرنا، ومقيدًا لأهوائنا“، لذلك لا تفحص بفضول الأمور التي تعلو قدرك، ولا تبحث عن علة كل شيء.. ”فوجودنا ذاته موهبة معطاة لنا من قبيل صلاحه الفائق“. علامة حبه العظم أنه خلقنا وليس في احتياج لنا.. دعانا إلى الوجود من أجل حبه وحده.
عناية الله بالإنسان ظهرت بإعطاء الناموس الطبيعي، ثم ناموس موسى، ثم المسيح اللي صُلب وتحمل اللعنة والهزء لأجل الإنسان ”هذا كله احتمله من أجلك! من أجل حبه المملوء رافة، حتى يعتقك من عبودية الخطية“ (43). وعلشان يعلمنا منخفشي من المحن. ”لا تشك بل ثق أنه يمارس عنايته وتيقن من هذا. لا تضع بعد أسئلة سخيفة، عالمًا تمامًا أن لك سيدًا أكثر عطفًا عليك من الأب وأعظم حنوًا من الأم وأكثر حبًا من العريس، أو العروس المتيمة“ (44). ”إن كان من الغباء أن يستفسر إنسان جاهل بلا خبرة من المهندس عن أسباب كل لما يصفه. هكذا أيضًا من الغباء وضع أسئلة طائشة عن هذه الحكمة العجيبة غير المنطوق بها وغير المحدودة. والبحث لماذا حدث هذا أو ذاك، نحن متأكدون تمامًا من حكمة صانعه التي لا تخطئ وصلاحه النهائي، وعنايته التي لا توصف“ (44).
ثم يتأمل في القمح هكذا: هذا القمح الذي نُثر وبقى متروكًا وفسد وتحلل وسُلّم للطين، نفس هذه البذار نبتت وتكاثرت وظهرت ناضرة وتجردت من قشرتها العتيقة، وانتصبت بكل قوتها، كمن هي محاطة بنجوم صغيرة ومحاطة بحرس، رافعة ساقها في الهواء، فاتنة به المشاهد وتغذيه وتقدم له غلة وفيرة
بيقول ذهبي الفم: انتظر إلى نهاية الأحداث حتى تفهم (زي الفلاح اللي بينتظر ويشوف الحصاد)، والنهاية دي ممكن تكون الحياة الأخرى. وبيقول ”عندما ترى الكنيسة مشتتة وتعاني أسوأ الاضطهادات، وقد طرد رؤساؤها وضربوا بالعصى، فلا تحصر ذهنك في حدود هذه المحن، بل تطلع إلى النهاية لترى المكافأة“ (47). وبيقول حاجة مهمة جدًا.. ”في العهد القديم عندما لم تكن عقيدة القيامة قد انتشرت بعد، فإن كلا الشيئين (الجهاد والمكافأة) كانا يتحققان في الحياة الحاضرة، لكن في العهد الجديد ليس الأمر كذلك دائمًا، بل توجد حالات تحدث فيها أشياء مؤلمة هنا على الأرض، أما السعادة فتنتظرنا بعد رحيلنا من هنا“.
بالرغم من كده كان في ناس ممتازة في العهد القديم تحملوا الشقاء وفوضوا أمرهم لعناية الله الفائقة الإدراك.. زي إبراهيم اللي أمن ”بوعد الله وطرقه الكثيرة وإمكانياته العظيمة التي لا تعوقها قوانين الطبيعة ولا صعوبة الأمر.. إنما قدرته الإلهية تسير بنا وسط العوائق لتحقق ما سبق أن أعلنته“ (48). لكن إبراهيم على خلاف الرجاء آمن على الرجاء.. أي ”على خلاف الرجاء البشري آمن بالرجاء بالله الذي يغلب في كل شيء ويستطيع كل شيء ويسمو فوق كل شيء “ (48). ابراهيم مجّد الله لأنه لم يكن فضوليًا.. وإنما خضع لحكمة الله.. وياريت نعمل زيه.
لم يسأل إبراهيم ”كيف يعدني بشيء ويأمرني بشيء مضاد؟“ لكن إبراهيم ذبح بالنية.. علشان بولس في عب 11 بيقول إن إبراهيم قدم ابنه فعليًا.. بالنظر إلى إيمان إبراهيم نشوف حبننا وصغر نفوسنا لأن ”العثرة ليست في أن يسلم الإنسان نفسه بين يدي العناية الإلهية غير المدركة، بل في السعي بدون توقف لمعرفة الطريقة التي بها تتم مقاصد الله، والتشدد في طلب معرفة سبب الأحداث والاجتهاد في فحص كل حدث“ (51).لم يعثر إبراهيم لأنه لم يفحص مقاصد الله.. ثم يستعرض حياة يوسف بتجاربه.. والمحن التي تعرض لها.. وإزاي تنقل من عبودية لعبودية بخلاف كل الوعود اللي شافها في الأحلام. لكن مع تراكم هذه المحن لم يضطراب.. ولم يتساءل بطريقة فضولية: ما الذي يحدث؟ حتى في غواية امرأة فوطيفار..لم يتأثر بل ”خرج من كل هذه الظروف يفيض هدوءًا كالنسر الباسط جناحيه يرتفع بهما عاليًا تاركًا ملابسه  في الأيدي المتجاسرة“ (54). لكن يوسف لم يتعثر، ولم يتذمر، ولم يتساءل ولم يعدد المظالم التي تعرض لها – هي دي الأحلام؟ هي دي الوعود؟
في النهاية بيقول ذهبي الفم نقدر نتذكر ناس كثير حلت بهم صعاب مماثلة ولم يتأثروا بل تمسكوا بكلمة الله.. لكن بالصبر نالوا أكاليل مضيئة. ولازم إحنا كمان ننتظر للنهاية.. حتى تتحقق المواعيد. ونتقبل عناية الله غير المدركة تحت كل الظروف (56).
الفصل الحادي عشر- الرابع والعشرين
بيقول إن الأبرار لم يبحثوا في وسيلة تحقيق مواعيد الله، و”لم ييأسوا أمام تكذيب الأحداث للوعود“ وبيقول: ”أنت أيضًا يا عزيزي، إن زادت تجاربك في هذه الحياة مجّد الله، وإن صارت الأحداث نحو الأسوأ أشكره أيضًا ولا تتعثر، عالمًا أن عناية الله لانهائية، ولا يمكن تفسيرها، وأنها حتمًا ستبلغ إلى الهدف المناسب سواء في الحياة الحاضرة أو في الحياة الآتية“ (58). ”الحياة الحقة تنتظرنا في المستقبل“ فإن ”الحياة هنا وأمورها مجرد طريق، أو وطننا فهو في الدهر الآتي“. أمور الحياة دي عشب، زهور، والثانية صخور.
مرة ثانية أبونا إبراهيم وتجاربه وعندما أخذوا سارة منه في مصر، وكل ما كان بيسكت الاضطراب في قلبه، كان إيمانه يتلألأ.. بدون ناموس مكتوب ولا كاهن ولا معلم. كذلك الكتاب بيذكر عثرات كثيرة في العصر الرسولي.. لكن الثابتين ظلوا ثابتين وسيظلوا هكذا. اللص اليمين سيدين من شتموا في المصلوب. بيقول الصليب كان عثرة ولكن للجهال.. ”العثرة لا تأتي من طبيعة الصليب، بل من حماقة الذين عثروا“ (70). الشمس تؤذي عيون المرضى، والعسل مر للمرض، والرسل كانوا رائحة حياة للبعض وراحة موت للبعض الأخر.. الكتاب المقدس أعثر البعض وخرجوا منه هرطقات.. هل تقدر نقول ليه ربنا أعطنا الكتاب المقدس؟ بالطبع لا.
بيقول ذهبي الفم حاجة غريبة: ”الله أراد أن تتم القيامة في خفية عن الكل وسرًا، وترك للدهور التالية مسؤولية برهنتها. لكن الصليب كان في وسط المدينة“ (75). وبيقول إن علامة ابن الإنسان (مت 24) هي الصليب. بيقول لا تنظر لمن زلوا، بل إلى مَن هم صامدون. وبيقول ”حتى لو عدد الخائرين أكثر، فإن رجل واحد يتمم إرادة الله أفضل جدًا من ألف يقترنون الشر“ (78).
بيقول مش بس اللي ذُبح يعتبر شهيد بل من كانوا مستعدين للذبح. في ناس لم يذبحوا زي إبراهيم وكانوا ضمن سحابة الشهود.. يوحنا ذبح علشان قال كلمة حق.. فهو شهيد كامل، وغيره ذبح لأجل الكنيسة والإيمان هو شهيد كامل.. إبراهيم لم يذبح ابنه بالفعل ومع ذلك فهو شهيد. وبالتالي مَن يلاحقونهم بإهانات وتهديدات وتشهير كل أيام حياتهم هم برضو شهداء (81).
حتى عثرة الكهنة..لا تؤثر إلا في الضعفاء.. ثم يقول ”الحياة الحاضرة هي ميدان مصارعة، ساحة ألعاب رياضية، جهاد، بوتقة، محل صباغة.. صاغة ذهب.. والإنسان الذي لم يجرب لا يساوي شيئًا“ (88). تكلم عن يوحنا الذي عجز هيرودس على أن يلجم لسانه حتى بعد أن قطع لسانه.. وموته لم يكن شر بل إكليل. ”وما حدث له لم يكن نهاية بل بداية لحياة أكثر عظمة“ (91). النماذج دي تقوينا وتشجعنا. الكنيسو نفسها تغتذي بالمعاناة وبها تكلل وتتمجد.. ”لم يحدث شيء أبدًا غير عادي“ (92). اللي بيحصل للكنيسة علامة عظيمة على الفضائل المتراكمة لحساب الكنيسة. علشان الشيطان شايفها مزدهرة ونامية. ”لأنها لو لم تكن مضطهدة، ما كانت شكلت البشر وعلمت الأرض التعفف.. واحتمال التجارب وإظهار الصبر واحتقار أمور الحياة“ (94). ثم يقول ذهبي الفم إن قصص الكتاب المقدس علاج لمن كانوا أكثر ضعفًا.. وخلينا ننتظر الخيرات المحفوظة لينا.. لأنه توجد مكافأة تفوق جدًا أتعابنا بما لا يوصف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق