الجمعة، 4 يناير 2019

في أن الله لا يمكن إدراكه- ق يوحنا ذهبي الفم


بيانات الكتاب:
في أن الله لا يمكن إدراكه
من ترجمات المكتبة البولسية- لبنان
سلسلة أقدم النصوص المسيحية
ترجمة الأب جورج خوام- في 180 صفحة



دي ترجمة أخرى بعنوان:
طبيعة الله.. هل يمكن إدراكها؟
إصدار دار النشر الأسقفية
معلهاش اسم مترجم (لكني باخمن الأستاذ نشأت مرجان)- في 130 صفحة.



دي ترجمة أخرى للراهب مرقريوس الأنبا بيشوي

المحاور (عادل): أبي القديس، لقاؤنا اليوم حول أحد روائع كتبك وعظاتك: ”في أن الله لا يمكن إدراكه“، فما مناسبة هذا الكتاب؟

ذهبي الفم: جماعة الأنوميين نسبةً إلى أنوميوس أو أفنوميوس.. وهم أريوسي المعتقد- قد أصابهم لوثة وجنون الكبرياء وادعوا بأنهم يعرفون الله كما يعرف الله نفسه.
المحاور: وهل نحن نعرف الله؟ وبأي معنى؟
ذهبي الفم: بالطبع نحن نعرف الله.. لكننا لا ندركه بشكل كامل.
المحاور: اسمح لي يا أبي القديس.. هذه قاعدة تعلمتها بالإنجليزية تقول:
(God is knowable but incomprehensible)
 والكلمة incomprehensible تعني أننا لا نستطيع أن نحيطه علمًا أو ندركه بشكل كامل.
ذهبي الفم: هذا صحيح تمامًا.
المحاور: ثم ما هي الملامح الرئيسية لردك على هؤلاء الأنوميين؟
ذهبي الفم: حاولت إثبات الهوة الكبيرة بين الخالق والمخلوق، ثم إثبات أن الملائكة أنفسهم لا يدركون الله بشكل كامل، ثم إثبات أننا لا نعرف الكون ولا أنفسنا بشكل كامل.. فما بالك بالله.
المحاور: لنبدأ بالنقطة الأولى!
ذهبي الفم: 1- بولس يقول إننا نعرف ”بعض المعرفة“ (1كو 13).. وبالتالي نحن في حالة معرفة جزئية. 2- بولس ايضًا يقول أننا ”ننظر الآن في مرآة في لغز“ (13: 12). 3- الأنبياء والمزامير تتحدث عن حكمة الله غير الموصوفة فما بالك بجوهر الله.
المحاور: أيهما أعظم حكمة الله أم جوهره؟
ذهبي الفم: بالطبع الجوهر أعظم.. لأن ”جوهره لا ينبع من حكمته، بل حكمته نابعة من جوهره“ (عظة 1: 23)، فإذا كان الأنبياء وبولس يؤكدون عمق غنى الله وحكمته وعلمه.. وما أبعد أحكامه عن الفحص.. فكيف نحشر أنفسنا فيما يختص بجوهر الله. ”إن كان ضبطه للكون أمر غير مدرك، إذن بالأولى جدًا أن الله نفسه في غير متناول قوى إدراكنا“ (1: 31).
المحاور: ماذا عن قدرة الملائكة على إدراك الله؟
ذهبي الفم: 4- ”الملائكة يُظهرون رهبة في السماء، والأنوميون يُظهرون وقاحة على الأرض“ (1: 36).
المحاور: لكنك يا أبي تقول إن الملائكة لا ترى الله حرفيًا؟
ذهبي الفم: نعم.. أنا قلت هذا فعلاً.. لأن الرؤية هنا تعني المعرفة.. وليست الرؤية الحسية. سنأتي إلى هذه النقطة بالتفصيل. 5- الهوة بين الله والإنسان بقدر الهوة بين الجبلة والجابل.. الطين والخزاف.
المحاور: إلى هذا الحد؟
ذهبي الفم: وأكثر من ذلك. لأن الخزاف والطين من نفس المادة.. الإنسان من تراب في النهاية. ”وإن كان الإنسان يبدو أعظم وأكثر جمالاً من الطين، فهذا الفرق لا يُعزى إلى اختلاف في الطبيعة بينهما، بل يُعزى إلى مهارة الصانع“ (2: 35، 36).
المحاور: هذا الكلام يذكرني يا أبي القديس بأن بعض التقارير العلمية تقول إن الفارق في الخريطة الجينية للإنسان وبعض القردة العليا لا يتجاوز كسر في المئة.
ذهبي الفم: ها أنا أقول لك أن الخزاف نفسه في جوهره لا يختلف عن الطين الذي في يديه. وإن كنت في شك ”دع توابيت الموتى ورماد جثث الموتى المحروقة يقنعوك“ (2: 36).
المحاور: ما هي مجالات حكمة الله المخفية عنا في تدبير الكون؟
ذهبي الفم: كلها تمثل تساؤلات بسيطة مقارنة بالسؤال عن جوهر الله.. ومنها: ”لماذا يعاقب إنسان، بينما آخر يجد رحمة؟ لماذا يفلت إنسان من العقوبة بينما آخر محمل بالبلايا؟ لماذا ينال إنسان المغفرة بينما لا ينالها آخر؟“ هذه الأمور تحدث عنها بولس في رومية 9 حيت قال إن الله ”يرحم من يشاء ويقسي من يشاء“
المحاور: إذن كان بولس يتحدث في رومية 9 عن حكمة الله المخفية في تدبير شئون الكون.. وليس عن اختيار الله للبعض للخلاص وآخرين للهلاك بشكل يبدو اعتباطيًا كما تقول القراءة الكالفينية.
ذهبي الفم: في رأيي بولس لم يكن يفكر في هذه القراءة مطلقًا. 6- بولس يقول: ”لست أحسب نفسي قد أدركت“
المحاور: ربما يقصد بولس الأمور الأخلاقية وليس جوهر الله.
ذهبي الفم: لا.. في هذه الأمور يقول جاهدت وأكملت السعي ووضع لي أكليل البر.. فكان في طريقه إلى إدراك الجائزة. كذلك بولس لم يقل أنا لست أحسب نفسي قد عرفت.. بل قد أدركت.
المحاور: إذن هناك فارق بين المعرفة والإدراك؟
ذهبي الفم: صحيح.. فالله يُعرف لكنه لا يُدرك.. الإدراك يعطي معنى الاحتواء الكامل.. وهذا مستحيل بالنسبة لله (2: 47).
المحاور: ماذا عن الكون؟ هل ندركه كاملاً؟
ذهبي الفم:  7- البشر لا يعرفون مادة تكوين السماء.. هل هي بلورات ثلجية أم سحب متطثفة أم هواء سميك.. فكيف يتحدثون عن معرفة جوهر الله؟
المحاور: كان هناك في زمانكم جدل حول مادة النجوم.. وأظن أرسطو قال بأنها من عنصر خامس يسمى الأثير.
ذهبي الفم: آخرون قالوا بأنها من النار.. كانت معرفتنا العلمية أقل بكثير من عالمكم اليوم..
المحاور: نحن تقدمنا كثيرًا في هذا المضمار.. لكن لا يزال الكون غامضًا بالنسبة لنا.
ذهبي الفم: استشهدت بآية من إش 40: 15 ”هوذا الأمم كنقطة من دلو أمامه“ وسألتهم: ”أخبرني أنت عن حيز عظمتك في هذه النقطة يا من تزج نفسك فيما يختص بجوهر الله والذي هو كل الأمم (مجتمعة) مثل نقطة من دلو؟“ (2: 28)
المحاور: رائع جدًا يا أبي القديس.. هذا يذكرني بقول لأينشتاين يقول فيه ”إننا نرى الكون بعين بعوضة جاثمة على ذيل أسد“
ذهبي الفم: صحيح جدًا.
المحاور: نأتي لنقطة الملائكة.
ذهبي الفم:  8- الله غير مدرك للملائكة أنفسهم.. فكيف ندركه نحن؟ لاحظ أن بولس بيقول إن الله ساكن في نور لا يدنى منه ولم يره أحد قط (1تي 6: 15- 16).
المحاور: ما الفرق بين قولنا عن الله أنه ”نور لا يدنى منه“ وأنه ”ساكن في نور لا يدنى منه“؟
ذهبي الفم: الثانية أصعب.. فهو لا يُدنى منه.. ”فهو من البداية شيء لا يُستقصى ولا يمكن لأحد الاقتراب منه“ يعني البحر مثلا غير مدرك لأن الغواص مش بيجيب آخره.. لكن لو قلنا إن في شيء لا يُدنى منه.. فمعناها ”من البداية لا يمكن أن نفحصه أو نستقصيه“ (3: 12).
المحاور: نأتي لفكرة.. هل الملائكة يرون الله فعليًا، أو جوهر الله، أم لا يرونه أصلاً؟
ذهبي الفم: الملائكة لا ترى الله في جوهره.. بل هو يتنازل ويتكيف بشكل يناسب طبيعتهم (3: 15)، وهذا تلطُّف من الله.
المحاور: ما معنى الرؤية هنا؟
ذهبي الفم: ”فما هو رؤية بالنسبة لنا هو معرفة بالنسبة لهم“ (4: 17). الملائكة ملهاش أجنحة أصلا ولا عيون جسدية.. وطيرانها يعني أنها ”تنزل للبشر من مواضع سامية.. من نمط حياة في الأعالي“. أجنحتهم ليس لها معنى غير إشارتها لسمو طبيعتهم (3: 28). كذلك ”لا تظن أن لهم عيون، فمثل هذا الشكل والهيئة هو شيء يختص بالأجساد“ (4: 22).
المحاور: هل الإنسان يدرك ذاته بشكل كامل؟
ذهبي الفم: 9- الإنسان لا يعرف نفسه ذاتها. نحن لا نعرف جوهر النفس أيضًا. هل هي عبارة عن هواء أم نَفس أم ريح أم نار؟ (5: 27). وكيف توجد النفس في أجسادنا؟ هل هي منتشرة في كل الجسد؟ هذه سخافة لأن كده معناه أنها ”على قدر الجسد“- لأنك لو بترت يدك أو رجلك.. ستطل النفس كاملة ولا تتشوه بتشوه الجسد (5: 28). ولو هي جزء فقط من الجسد.. يبقى المفروض الجزء المتبقى ميت!
المحاور: أحسنت يا أبي. هذا الأمر من أصعب الأمور التي تباحث فيها الفلاسفة.. وأقصد بذلك: كيفية ارتباط الجزء المادي فينا (الجسد/ المادة) بالجزء غير المادي فينا (الروح/ النفس/ العقل/ mind). حتى يتندر البعض حول هذه المسألة.. مثل جورج بيركلي كالتالي:


ذهبي الفم (ضاحكًا): نعم ”لقد أسكتنا الله عن معرفة كيفية وجود النفس في الجسد لسبب معين. وما هو هذا السبب؟ لكي بدافع من سموه العظيم يلجم ألسنتنا ويسكتنا ويقنعنا أن نقبع على الأرض ولا نتدخل بدافع من الفضول فيما يفوقنا من أمور.“ (5: 29).
المحاور: هناك جزء يا أبي تحدثت فيه عن مساواة الآب والابن في الألوهية والربوبية..
ذهبي الفم: دعنا نتحدث عنه لاحقًا.. وربما بالتفصيل في كتاب آخر ”مساوٍ للآب في الجوهر“
المحاور: شكرًا لك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق