السبت، 19 أغسطس 2017

موجز الآراء الفلسفية- ما قبل سقراط


مقدمة
الفلسفة ليس هي البحث عن قط أسود في غرفة مظلمة (مثلما قالت لي صديقة)، بل هي ”بحر على خلاف البحور، يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله وشطآنه، والأمان والإيمان في لججه وأعماقه.“[1] الفسلفة هي سعي لحل مسألة الوجود.. بأن يجعل وجودنا مبررًا وعقولاً. الفلسفة هي سعي للإجابة على سؤال: ما هو الشيء الأهم في الحياة؟ وهو أن نعرف مَن نحن ولماذا نعيش؟[2] نشأت الفلسفة من الفضول والخوف من الموت. الفضول أنشا فلسفة الطبيعية؛ إذ يحاول الإنسان دراسة الكون من حوله، أما الخوف من الموت فأنشأ فلسفة الميتافيزيقا، أو ما وراء المادة، ليتعرف على مصيره بعد الموت.[3]
الفلسفة هي حكاية تقدم الفكر البشري. هي دراسة الجهد الإنساني في تساؤله عن أسباب وجوده وأصل الكون. يقول غوته: ”الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة.[4] الإنسان منذ وجوده وهو يفكر، لكن ربما لا توجد أمة غير الأمة اليونانية نظمت الفلسفة بشكل صحيح وفي إطار علمي.[5]
البعض يقسم تاريخ الفلسفة كالآتي:
-        الفسلفة القديمة من 640 ق م حتى 529 م (أي تاريخ إقفال الكنيسة لأكاديمية أفلاطون في أثينا)[6]
-        تاريخ الفلسفة في العصور الوسطى من 529- 1453م
-        تاريخ الفسلفة الحديثة (حتى الآن)
طاليس (624- 545 ق م)
-        الماء هو أصل كل شيء.. هو الجوهر أو المبدأ الأول لكل الموجودات.
-        لماذا الماء؟ لأن لها قابلية التشكل والتغير.
-        الماء لديه قدرة ذاتية على التحرك.
-        السمة الأساسية لهذه الفترة هي البحث عن أسباب الحياة والوجود والحركة. لذا يقول آر سي سبرول أن بولس في أثينا كان يعي هذا الشيء وقال أننا بالله ”نحيا ونتحرك ونوجد“ (أع17: 28)[7]
-        أمّا عن الماء، فيتحدث الكتاب المقدس في بداية سفر التكوين عن الماء ودورها في الخلق: ”لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ.“ (تكوين 1: 20)، ثم يتحدث القرآن عن ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.“ (سورة الأنبياء 30).
أناكسيمندرس (610- 546 ق م)
-        هو تلميذ طاليس، وقال إن المبدأ الأول للوجود هو مادة لا شكل لها ولا صفات ولا حدود، وأسماها ”أبيرون“ (ἄπειρον -Aperone). هذه بداية تنزيه الإله.
-        رأى أن التاريخ يسير في دورات متكررة، وأعتقد بفكرة العوالم المتعددة multi-verse.
-        اعتقد بشكل من أشكال التطور، وقال إن الحياة بدأت في البحر في الأسماك ثم تطورت على اليابسة.
أناكسيمنز (570- 526 ق م)
-        قال إن الهواء هو أصل الوجود. لأنه أكثر قابلية للتشكل والتحول. الهواء يلد الغيوم والماء.
-        الأشياء تتكون من الهواء بالتكثف والتمدد.
-        قال إن الهواء يشبه النفس، لكن العقل أسمى وحي.
-        تبعه تلميذه ديوجينيس الأبولوني في أن الهواء هو أصل الموجودات.
هيراقليطوس (540- 480 ق م)
-        رأى أنه لا شيء ثابت، كل شيء يجري.. والحواس مخدوعة.. الكل في حالة صيرورة أو تدفق مستمر flux.
-        حتى أنه قال: ”لا يمكنك أن تنزل النهر مرتين.“ عندما أستحم للمرة الثانية يكون النهر قد تغير.
-        تحدث عن العقل الكوني الذي يحكم الطبيعة، وأسماه ”اللوغوس“
-        جعل النار أصل الموجودات.
-        رأى أن الخير والشر شيء واحد. ماء البحر خير للسمك، وشر للغريق. وكذلك السكين بيد الجراح ويد اللص.[8]
-        لديه ايضًا فكرة الأضداد: الشيء موجود وغير موجود في آن واحد.. كل شيء ضد ذاته.. لذا كان يلوم هوميروس لمحبته لحالة السلم، لأنه رأى أن السلم موت، والحياة كفاح.
-        الكفاح بالنسبة له هو ”أبو الأشياء ومليكها”، ولولاه لتجمد الوجود واندثر.[9]
-        يقول لولا المرض لما اشتهينا الصحة.. ولولا الشر ما كان الخير.
يقسم البعض الأربعة فلاسفة السابقين (طاليس، وأناكسيمندرس، وتلميذه أناكسيمنز، وهيراقليطوس) بالمذهب الأيوني، وتتميز فلسفستهم بشكل عام بما يلي:
1-   حاولوا أن يردوا أصل الموجودت إلى أصل أو عنصر أو مبدأ واحد. (لذا يُسمون ”الطبيعيون القدامى“)
2-   نفوا الاستحداث والفناء، يعني لا شيء ينشأ من العدم، ولا ينعدم. وبالتالي العالم موجود من الأزل، ويستمر إلى الأبد. لذا أسماهم العرب ”الدهريون“.[10]
3-   المادة تحمل في ذاتها أسباب الحركة.
4-   المادة حية..والأجسام مملوءة بالحياة.
مجموعة الفلاسفة التاليين يُسمون بأصحاب ”المذهب الإيلي“ أو الإليائي نسبة إلى مدينة إلياء. وهم (زينوفانيس، وتلميذه بارمينيدس، وزينون، وميلسوس). وبشكل عام هؤلاء ضد التغير وينفون الحركة، ولا يثقون في الحواس.
زينوفانيس (580- 480 ق م)
-        عارض فكرة تعدد الآلهة عند هوميروس، ونادى بإله واحد أسماه الواحد/ الكائن.
-        من صفات هذا الكائن أنه يُحرك ولا يتحرك.. منزه عن الحركة، ولا يشبه الناس.
-        رفض الأسطورة اليونانية بتجسد الآلة في شبه الناس، وقال ”إن الناس هم من اخترعوا الآلهة.. وتصوروها بمثل هيئاتهم، ولو كانت الثيران والجياد تعرف التصوير لرسمت لنا الآلهة على أشكالها.. لا يوجد غير إله واحد هو أرفع الموجودات.“[11] يقول إن الأحباش يرسمون آلهتهم بأنوف فطساء، وأهل تراقيه (شمالي اليونان) يرسمون آلهتهم زرق العيون وحُمر الشعر. (هو بهذا قلب الفكرة الكتابية عن خلق الله للإنسان على صورته على رأسها.)
-        هو بهذا يرفض ما يُسمى التجسيم أو الأنثربومورفزم (anthropomorphism) أو نَسب صفات بشرية للآلهة.
-        قال إن العناصر الأولية للكون هي أربعة: الماء والهواء والتراب والنار.
بارمينيدس (540- 480 ق م)
-        تلميذ زينوفانيس، وقال المواد مثل الماء والهواء وغيرها لا تنفع كأصل الوجود، لأنها متغيرة في صفاتها، والمتغير فانٍ.
-        وبالتالي رأى أن الصفة التي لا تتغير هي ”الوجود“.
-        الوجود الحقيقي ثابت، والوجود المتغير وهم.
-        هذا الوجود هو أصل الموجودات، وهو أزلي، لا يتغير، لا يتجزأ.
زينون الإليائي (490- 430 ق م)
-        تلميذ بارمنيدس، وقال بنفي الحركة. وله مفارقات شهيرة مثل مفرقة أخيل العداء الأشهر في أثينا والسلحفاة:
-        ستُعطى السلحفاة بداية متقدمة عن العداء أخيل. وسيبدآ السباق. هنا يسأل زينون، هل سينجح أخيل في تجاوز السلحفاة؟ الواقع يقول: نعم. العقل: يقول لا. كيف؟
-        عندما يقطع أخيل مسافة ما في زمن ما، ستقطع السلحفاة مسافة هي الأخرى حتى وإن كانت أقل، وهكذا.
-        ولأن المسافة بين نقطتين يمكن تقسيمها لعدد لانهائي من النقاط، فإذن يستحيل على أخيل أن يسبق السلحفاة![12]
ميليسوس
-        هو تلميذ بارمينيدس، وأضاف أن الوجود لا متناه، وأنه حياة عاقلة.
-        اعترض على فكرة الصيرورة والتحول.
-        يمثل آخر أصحاب المذهب الإيلي.
نأتي إلى مجموعة يُسمون ب ”الطبيعيون المحدثون“، هم (إمبيدوكليس، وأنكساجوراس) وأصحاب المذهب الذري (لويكبوس، وديموقريطس).
إمبيدوكليس (494- 434 ق  م)
-        اعتقد بالعناصر الأربعة السابقة للكون
-        وضع ما يسمى بالمذهب الذري. وقال إن ”مادة الكون هي موات لا حياة فيها، لا حركة لها من ذاتها.. بل تتولد عن قوة خارجة عنها.“
-        قال بقوتين روحيتتين تحركان الأشياء هما: الحب والنفور أو الكره، واحدة تجذب والأخرى تدفع.
أناكساجوراس (500- 428 ق م)
-        أكّد على أهمية الحواس في المعرفة.
-        خالف ديموقريطوس (في الأسفل) في مسألة القوة العمياء.. وقال: ”من المستحيل على قوة عمياء أن تبدع هذا الجمال، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم، لأن القوى العمياء لا تنتج إلا الفوضى.“[13]
لويكبوس (500- 430 ق م)
-        أرجع كل شيء لسبب مادي، أنكر السببية الغائية، وبالتالي أنكر خلود النفس.
ديموقريطوس (460- 370 ق م)
-        يُنسب إليه المبدأ الذري، الذرات هي الجواهر المفردة، غير قابلة للإنقسام. كل شيء يتألف من الذرات حتى العقل والروح والنفس.. مثل ذرات كالهباء الذي نراه في شعاع الشمس الداخل من ثقب إلى داخل الغرفة.
-        تصور أن الذرات لها ”تروس“ لتتحد معًا.
-        لكنه قال إن الذرات متحركة بذاتها.. وتتحرك عن ضرورة عمياء.
-        قال إن الإنسان عالم مصغر، الإنسان صورة العالم، يضم في نفسه كل ما في العالم العظيم ولكن بشكل مصغر.[14]
نأتي إلى الفيثاغورسيين، وكانت لهم طقوسهم الغريبة، وعدم مشاركة ما يتعلموه مع الآخرين، والامتناع عن بعض الأطعمة. كانت لهم إسهامات في الرياضيات والهندسة والموسيقى.
فيثاغورس (588- 503 ق م)
-        فسّر الوجود رياضيًا.. على الأعداد والنسب الرياضية.
-        الصفة المشتركة في كل شيء هي ”العدد“
-        رقم واحد هو أصل الكون وعلته.
-        حتى السيكولوجيا فسرها بالأعداد: العقل واحد/ المعرفة اثنان/ الراي ثلاثة/ الحس أربعة.[15]
-        والطبيعة هي اتحاد الزوج بالمفرد.
-        يُنسب إليه كلمة ”فيلسوف“ بمعنى محب للحكمة.
-        قال إن حركات الأفلاك لها نغمات.
جاء بعد ذلك جماعة السوفسطائيين، وهؤلاء اشتغلوا في الخطابة والمحامة، والتدريس في مقابل المال. وأشهرهم بروتاجوراس، وجورجياس.
بروتاجوراس (490- 420 ق م)
-        قال بمبدأ ”الإنسان هو معيار كل شيء“.. وهذا نوع من النسبية.
-        كذلك كان شكوكيًا بشان وجود الآلهة، يقول: ”عن الآلهة، لا أستطيع أن أقول أنهم موجودون أو غير موجودين، لان الموضوع نفسه غامض، والحياة قصيرة لا تكفي للبحث في هذه المعضلة.
جورجياس (؟- 375 ق م)
-        أنكر وجود كل شيء. ليس ثمة شيء، وإذا وجد شيء، ما قُدر لنا أن نعرفه حق المعرفة. وإذا وجد شيء وأممكننا معرفته، لا يمكننا نقله إلى الآخرين (مَن الذي يتحدث إذن؟!)
وبالتالي وصلنا مع السوفسطائيين إلى أنكار وجود آلهة، أو تشكك، ولاأدرية، أو هذيان باستحالة المعرفة، في هذا الهذيان جاء سقراط، ولولاه لانهارات الفلسفة اليونانية.




[1]  الشيخ نديم الجسر، قصة الإيمان، لبنان طرابلس، صفحة 18.
[2]  جوستاين غاردر، عالم صوفي: رواية حول تاريخ الفلسفة، دار المنى، صفحة 19.
[3]  عمرو فروخ، الفسلفة في طريقها إلى العرب، بيروت، 1947، صفحة 7.
[4]  عالم صوفي، صفحة 5.
[5]  حنا خباز، الفلسفة في كل العصور، طبع في مصر 1933، صفحة 12.
[6]  عالم صوفي، صفحة 5.
[8]  الفسلفة في كل العصور، صفحة 38.
[9]  الفسلفة اليونانية وطريقها إلى العرب، صفحة 18.
[10]  الفسلفة اليونانية في طريقها إلى العرب، صفحة 11- 12.
[11]  قصة الإيمان، صفحة 31.
[13]  قصة الإيمان، صفحة 35.
[14]  الفلسفسة اليونانية في طريقها للعرب، صفحة 39.
[15]  الفسلفة في كل العصور، صفحة 27.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق