يرى البعض أنه لا يصح تسمية هذه المدرسة بالأفلاطونية المحدثة، لأنها لا
تحيي مذهب أفلاطون، ولكنها استمرار للتيارات التلفيقية التي مزجت بين الفلسفة
اليونانية والأديان "ويسمى تيار تلفيقي ديني"، أو مزج مع فلسفات الشرق
ويُسمى "تيار تلفيقي فلسفي". وبالتالي التسمية الأفضل هي ”مدرسة
الأسكندرية الفلسفية“.
ظهر التيار التلفيقي الديني عند اليهود، والمسيحيين، والمصريين. ظهر فيلون
اليهودي وأرسطوبولوس، وقال اليهود صراحة ”أفلاطون ليس إلا موسى يتحدث اليونانية“. في
حين رأى بعض آباء الكنيسة أن الفلسفة اليونانية خير تمهيد للمسيحية، وأنها خادمة
الدين. قام بالتلفيق أيضًا الغنوصيون المنشقون عن المسيحية، وكذلك المصريون وما
يُسمون بالهرامسة. ولا ننسى أن البعض يقول إن أفلاطون أخذ من حكمة المصريين.
- فيلون السكندري: حاول إقامة أدلة فلسفية على صحة الدين
عمومًا. وحاول تأويل الروايات الدينية مجازيًا بحيث لا يخالف الفسلفة. قال مثلاً
أن حواء رمز "الحس"، والحية رمز "اللذة". قال إن الله هو الوجود
المطلق، يفوق الإدراك، غير متصل بالعالم. لذا خلق "اللوغوس"، وقال أنه
الابن الأول لله، ثم العالم هو الابن الثاني لله.[1]
التيار التلفيقي الفلسفي
- بدأ مع أمونيوس سقاص (175- 242 م)، وسقاس معناها حمّال،
ارتد عن المسيحية، وأسس مدرسة خرج منها أوريجانوس وأفلوطين. وكان يعلم تلاميذه
تعاليمًا سرية. قال سقاص: ”الإله صنع العالم دون أن يستخرجه من مادة سابقة.“ يظهر
أن كلمة "صنع" تأثر بأفلاطون، لكن بقوله ليس من مادة سابقة يختلف عن أرسطو
وأفلاطون، ويتميز بمصرية أصيلة.
- أفلوطين (203- 269 م): فيلسوف مصري ولد في ليكوبوليس
(اسيوط)، كان اشترك في حملة على بلاد الفرس حتى يتعلم فلسفتهم، لكن الحملة فشلت
فلم يرجع إلى الاسكندرية، وأسس مدرسة في بلاد اليونان.
- يقول افلوطين: ”الله هو الموجود الأول. يتأمل ذاته فيعقل
ذاته (يعلم أنه موجود) فيصدر عنه (العقل الأول)، هذا العقل هو صورة الله، ولكنه
ليس الله نفسه. ويعود هذا العقل الأول فيتأمل ذاته فيصدر عنه "النفس
الكلية" التي تملأ العالم. فترجع النفس الكلية بالتأمل في العقل الأول فيفيض
منها كوائن متعددة هي نفوس الكواكب.. ثم يستمر الأمر حتى تصدر عن كل كائن كائنات
أخرى اقل شبها بالعقل الأول المطلق حتى تفيض الهيولى وهي أدنى درجات الفيض.. لأنها
مادة بلا صورة.“[2]
- بشكل عام تركز الأفلاطونية المحدثة على اللاهوت السلبي، بمعنى
أن الله ماهية يتعذر وصفها بأي من الأوصاف الإثباتية.[3]
- تلاحظ أن أفلوطين بنظرية "الفيض" خالف نظرية
قدم العالم (لأنها تناقض الدين)، ونظرية الخلق (لأنها تناقض الفلسفة).
- يسمي أفلوطين "المطلق"، و"العقل
الكلي"، و"النفس الكلية" بالأقانيم الثلاثة.[4]
المطلق هو الله (ولا يستخدم كلمة الله).. هو الواحد الذي ليس له اي صورة، ومن فرط
كماله يفيض بوجوده على الموجودات. فاضت الموجودات عن المطلق وإليه ترتد. هو الواحد
الذي ترتد إليه الكثرة. الموجودات ترتد إلى المطلق لتتأمله.
- كيف فاضت الموجودات؟ كما يفيض ضوء الشمس عن الشمس، وكما
يفيض ماء النبع عن النبع (ويرتد إليه عندما تنحسر المياه)، وكما تفيض برودة الثلج
عن الثلج. وبالتالي الموجودات هي امتداد للمطلق. (لاحظ الاختلاف عن أفلاطون الذي
قال إن الموجودات ظل للعالم المعقول).
- الفيض يختلف عن الخلق.. لأنه يكون بلا إرادة. كما يزداد
الماء في النهر فيفيض على جانبيه، تلقائيًا.
- العقل الكلي هو لوغوس المطلق، والنفس الكلية هي لوغوس
العقل الكلي. ولا ينفصل الوجود الأدنى عن الوجود الأعلى (هي نوع مختلف عن وحدة
الوجود).
- مصطلح "التأمل" هو مرادف الإيجاد (أو الخلق).
مبدأ الطبيعة نتج عن تأمل النفس الكلية للعقل الكلي.
- حتى الطبيعة تتأمل لكنه تأمل ضعيف لا ينتج عنه مبدأ
عقليًا بل أصول بذرية لموجودات حسية.
- يرى أفلوطين أن العالم ليس شرًا لأنه امتداد للمطلق.
- توجد نفوس جزئية في البشر والنبات والحيوان؛ النفس
الكلية مثل الخاتم المنقوش والنفوس الجزئية هي بصمات هذا الخاتم. أو النفس الكلية
مثل نور الشمس المشرق في غرف متعددة.. يدخل كل غرفة جزء من نور الشمس ذاته.[5]
- كان لدى أفلوطين مذهب صوفي، قال: ”كثيرًا ما أتيقظ لنفسي
تاركًا جسمي“. تذوب النفس في المطلق فلا يوجد إلا هو. والنفس هي جزء من الذات
الكبرى. علم أفلوطين بأن النفس الجزئية تستطيع للحظات معدودة أن ترجع إلى النفس
الكلية (يحتاج هذا إلى رياضة خاصة).. وهذا لا يطول ولا يتكرر كثيرًا. لكنه يهب ما
يسمى بالإشراق (هو نوع من العرفانية- او المعرفة الصحيحة للوجود). يُقال إن
افلوطين اختبر هذا 4 مرات فقط في حياته.
- مؤلفات أفلوطين كتبها فرفريوس في 6 مجلدات كل مجلد يحتوي
على تسعة كتب، وسميت بتاسوعات أفلوطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق