يعتبره البعض أحد
الأنبياء. لماذا؟ لأنه ظهر في وقت مظلم، إنحلال ونسبية أخلاقية في عهد
السوفسطائيين، ترك إلى حد ما البحث في الطبيعيات، واهتم بغاية الإنسان ووجوده، أو
لتقل أنه قرن الطبيعيات والمنطق بالأخلاق. كشاب انبهر بالمفكرين من طاليس وحتى
أنكساجوراس. لم يشعر بالاكتفاء في بحثه في الطبيعيات، فاتجه نحو الأفكار والمثل
التي تعطي الحياة قيمة.[1] كما
اهتم بتنظيم الحياة الاجتماعية والأخلاقية. عاش بين 470- 399 ق م. كان أبوه مثَّال
وأمه قابلة (داية). هرع تليمذه إلى كاهنة دلفي ليسألها: هل يوجد أحكم من سقراط؟
فقالت: كلا. لكنه لتواضعه قال: ”إني جاهل عرف جهله، أمّا سائر الناس فجهالٌ يجهلون
جهلهم.”[2] من
بين آرائه الفسلفية ما يلي:
-
يرى أننا إذا لم نعترف بجهلنا، فلن نكون قد وضعنا قدمنا
على أول طريق الحكمة اللانهائي.
-
معرفة الحقيقة عنده هي معرفة الذات. وشعاره هو ”اعرف
ذاتك“
-
خالف السوفسطائيين في فكرة أن الإنسان هو مقياس كل شيء. وبالتالي
رفض فكرة النسبية الأخلاقية.
-
والفضيلة والحقيقة اسمان لمسمى واحد. الفضيلة هي
المعرفة. وهي كمال الطبيعة البشرية، والسعادة هي الغاية.
-
المعرفة تنتج الفضيلة. كيف؟ مَن عرف الحق لا يظلم.. ومن
عرف الخير لا يقترب إلى الشر. وبالتالي قال أنه لا يوجد من يخطئ عن معرفة! (No- one does wrong willingly)
-
لماذا يتصرف الإنسان بحماقة يا سقراط؟ لأنه لا يعرف ما
هو الأفضل بالنسبة له.
-
يُنسب إليه الطريقة السقراطية (الاستفهامية)، وكان
يمارسها مع خصومه، هي تتلخص في أنه يطرح سؤالاً، وعندما يجيبه الآخر، يسأل في
إجابته مرة تلو المرة حتى يضطر الآخر بالاعتراف بخطأ جوابه الأول.
-
ويُنسب إليه الطريقة التوليدية، وكان يمارسها مع الشباب،
وهي تتلخص في أنه يطرح رايًا ثم يفسره مبتدئًا من البسيط إلى المركب حتى يصبح
واضحًا. كأنه يولّد الأفكار بسلاسة من ذهن المتلقي. وقال أنه في ذلك يحترف مهنة
أمه.[4]
-
في طريقته السقراطية الاستفهامية، كان يجيب على السؤال
بسؤال (في بوست لاحق سنتعرض إلى تأثر الربيين اليهود وكتبة أسفار العهد الجديد
بهذا الأسلوب)، مازجًا الجدل (الديالكتيك) بشيء من التهكم.
-
يُنسب إليه شيئين مهمين في العلم: الدليل الاستقرائي،
والتحديد/ الحد/ التعريف الجامع Definitions،[5]
لابد أن نحدد ماهية الشيء قبل السؤال عنه.
-
وقد اعتقد بإدراك جزئي عن طريق الحواس، وإدراك كلي عن
طريق العقل. يقول: ”بغير معطيات الحس قد لا يكون هناك عالم على الإطلاق، لكنَّ
معطيات الحس مجتمعة لا تشكل عالمًا ذا معنى، كل معطيات الحس مجتمعة لا تعطيني لحظة
من الحقيقة.“[6]
-
في الساعات الأخيرة من حياته تحدث عن خلود النفس..
ودليله على أنها خالدة: 1- أنها غير مركبة، وبالتالي لن تنحل مثل الجسد. 2- أنها تتكون من عنصر غير منظور، وغير متحول،
وبالتالي ليست عرضة للفساد.
-
كما اعتقد بأن النفس وجدت في عالم آخر قبل أن تحل في
الأجساد، وكان موضوع إدراكها الجمال والعدل والخير المطلق، لكن عندما هبطت أصابها
النسيان (لذا المعرفة الأصيلة هي تذكر ”أنامنيسيس“ النفس للمُثل التي كانت تدركها
قبلاً.
-
تنتقل النفس بعد موت الجسد إلى عالم آخر بمرافقة ”ملاكها
الحارس“، النفوس الشريرة تلقى الشقاء، والنفوس بين منزلتين في مكان للتطهير
(مطهر)، والنفوس التي تتطهرت بالفلسفة تنعم بالنعيم الأبدي (ولا أحسن من نبي!)[7]
-
اعتبره يوستين الشهيد، أحد مَن مهدوا الطريق أمام المسيحية،
واعتبره بعض العرب أحد الأنبياء، لأنه دافع عن التوحيد ضد التعددية الوثنية.
واعتبره فولتير مثال الفضيلة الطبيعية أو الفطرية وشهيدًا في صراعه من أجل العقلانية
أمام الخرافة.[8]
لأجل صراحته وصدقه، كرهه
الحكام، وهو يشبه في ذلك أحد أنبياء العهد القديم، واتُهم في الأريوسباغوس بأنه لا
يكرم آلهة اليونانيين، وأنه يفسد عقول وأخلاق الشباب.، فحكم عليه بالموت بالسم
(الشوكران- hemlock). أشار عليه تلامذته بالهرب، فقال: ”لا أستطيع أن أنبذ قناعاتي..
المبادئ التي كنت ولا أزال أقدرها وأجلها. وإذا لم أجد مبادئ أفضل منها، فيقيني
أني لن أوافقك؛ لا، حتى ولو استطاعت سطوة الجماهير أن تطلق علينا العديد من صنوف
السجن والمصادرة والموت.“[9]
ولو سألته أإلى هذا الحد يا سقراط، لقال لك: طبعًا.. وحياتك؟ ليس المهم أن نحيا،
بل أن نحيا حياة حسنة.. حياة بشرف. يرى سقراط أن مخالفة الصواب تؤذي أرواحنا.[10]
[8] Donald M Borchert, Encyclopedia of
Philosophy, (Detroit: Thomson Gale/Macmillan Reference USA, 2006), vol 9,
113.
عايزين بقية السلسلة يا جميل !
ردحذفصلواتك يا دكتور نبيل، تحياتي.
حذف