السبت، 8 سبتمبر 2018

رؤيا إشعياء- ق يوحنا ذهبي الفم



بيانات الكتاب:
رؤيا إشعياء للقديس يوحنا ذهبي الفم
وهو عبارة عن ترجمة ل 6 عظات عن سفر أشعياء وبالتحديد رؤيا إشعياء في إش 6
ترجمها د. جورج فرج، وراجعها د. جورج عوض
ونشرت بمعرفة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية
في حوالي 230 صفحة (من القطع الصغير)

هذا حوار تخيلي مع ق يوحنا ذهبي الفم، بعد قرائتي لهذا الكتاب:
المحاور (أنا عادل): أبي القديس العظيم يوحنا ذهبي الفم، خطيب أنطاكية المفوّه، وبطريرك القسطنطينية، فلتسمح لي أن أجرى معك هذا الحوار حول كتاب عظاتك على سفر إشعياء، لنغتني من علمك ونستنير بحكمتك.
ذهبي الفم: بكل سرور أيها الابن المبارك عادل.
المحاور: لاحظت في بداية عظاتك أنك تفضّل الرزانة والهدوء في الصلاة عن الحماس الزائد؟
ذهبي الفم: ربما ما أنتقده أكثر من مجرد حماس زائد، أنا أنتقد ”الصياح غير المفهوم الذي يُظهر عدم انضباط نفسك المترنحة“ (ص68) و انتقد ”اللهث العنيف المتلاحق“ الذي يجعل الصلاة ”تمتمة بلا معنى“ (ص69). هذا الأسلوب لا أحبه ولا يليق ويشبه ”المقلدون (على المسرح) والراقصون“، وقد شبهتهم في عظتي ب ”المجاذيب“ (ص67).
المحاور: لاحظت إنك في منهجك التفسيري، تهتم بالمترادفات، يقول إش أنه رأى السيد على كرسي "عال" و "مرتفع"، الكلمتان مترادفتان، هل ترى بهما أي اختلاف؟
ذهبي الفم: نعم، هناك اختلاف، عزيزي عادل لا يوجد شيء زائد في النص الكتابي، وهذا مبدئي التفسيري، ولابد أن نجتهد في فهم الحكمة من إضافة هذه المترادفات. أرى أن كلمة عالٍ ”توحي بمعنى العُلو مقارنة بالانخفاض“ لكن مرتفع تعني ”فائق العلو“ أي غير مدرك. وهذا محور كتاب آخر لي بعنوان ”الله الذي لا يمكن إدراكه“ قد نتحدث عنه في وقت لاحق.
المحاور: بالفعل، يظهر مبدئك هذا في حديثك عما يسميه البعض بالأصحاحات المملة التي لا تحتوي إلا على أرقام وتواريخ وسجلات أسماء.
ذهبي الفم: نعم، ”فلنتعلم أهمية عدد (آية) واحد، أو إضافة حرف واحد، ولنتوقف عن أن نزدري بكل الأسماء“ (ص110)
المحاور: قد يسأل البعض، هل توجد فائدة لهذه الأصحاحات؟
ذهبي الفم: بكل تأكيد. لا يوجد شيء هامشي، فمَن يستخرج الذهب، لا يترك الشذرات الصغيرة (ص108)، والكتاب المقدس ليس ”ذهبًا مخلوطًا بالتراب بل هو ذهب نقي“ كله. هذه الأسماء والتواريخ هي بمثابة التوثيق (ص112). لقد شرحتُ في عظتي أن مواثيق الزواج والمديونيات والعقود.. إن لم يكن مدونًا عليها التاريخ، فهي بلا قيمة“ (ص 122). فإن كان هذا الأمر في الشئون الحياتية بهذه الأهمية القصوى، فكم هو أكثر أهمية وفائدة بالنسبة للأمور الروحية (ص 122).
المحاور: قدمتم قداستكم تفسيرًا لرؤيا إشعياء للسيرافيم ذوي الستة أجنحة؟ ما هو التفسير؟
ذهبي الفم: أرى أنهم يغطون وجوهم بجناحين بسبب مهابتهم للمشهد الإلهي. ويغطون أرجلهم بجناحين علامة على الخشوع (ص75)
المحاور: لكني لاحظت في كلامك أن الملائكة ليس لها أجنحة أصلاً؟
ذهبي الفم: نعم، قلت في العظة الأولى إن الملائكة لا يملكون أرجلاً أو وجوهًا (ص76)، فهي كائنات غير متجسدة. وقلت في العظة السادسة، أن ”جبرائيل ينزل كما لو كان له أجنحة، ليس لأنه يوجد أجنحة لتلك القوة غير المتجسدة، بل دلالة على أنه نزل من تلك الأماكن العلوية جدًا.“ (ص178)
المحاور: لقد اعتدنا أن نرى الشيطان بقرون والملائكة بأجنحة؟
ذهبي الفم: هذا تصور اللاهوت الشعبوي.. أو كما يظهر في أفلام هوليود مثلاً.. لكن الحقيقة أكثر روحانية وسموًا من هذا.
المحاور: رجوعًا لتفسيرك للسيرافيم وأجنحتها الستة، قرأت تفسيرًا مختلفًا لنفس النص في رسائل القديس جيروم، وتحديدًا الرسالة رقم 18 للبابا دماسوس، فهو يقول إن السيرافيم لا يغطي وجهه هو بل وجه الله (ويقصد مشيئة الله المخفية من جهة خلق العالم)، ولا يغطي رجليه هو بل رجلي الله (ويقصد مشيئة الله من جهة انقضاء العالم). هل ينبغي أن نفزع لأنكما مختلفين بدرجة كبيرة في التفسير؟
ذهبي الفم: هذه قراءة أخي ق جيروم، وهو من أحد آباء الكنيسة العظام، وهذه قراءته للنص اللاتيني الذي يحتوى على غموض بعض الشيء. لكن في النهاية كلمة الله غنية جدًا، وتتسع لمعانٍ واسعة. لكن دعني أسألك وأتخذ دور المحاور، هل رأيتنا نهرطق بعضنا البعض، لأننا اختلفنا في التفسير؟
المحاور: لا.. على الإطلاق. فمن خلال قرائتي المتواضعة في تفاسير الآباء وجدت مساحة أو لنقل طيف واسع من التفسيرات المختلفة.
ذهبي الفم: فما بال في عصركم أرى أنكم تهرطقون بعضكم بعضًا على أتفه الأسباب. على الرغم أن أكثر المنتقدين لم يبلغوا شأنًا كبيرًا من حيث الدراسة والتعلُّم.
المحاور: فليغفر لنا الرب بصلواتك يا أبي القديس..
المحاور: لقد تحدثت كثيرًا يا أبي القديس عن الزواج والحب، وأنت في ذلك، حسب رأيي المتواضع جدًا، من أعظم مَن تحدثوا عن هذه الموضوعات، فأنت أفضل مشير أسري بحسب التعبيرات الحديثة، وبالرغم أنك راهب ناسك لكنك تتحدث عن الحياة الزوجية بشكل عملي للغاية، ومدركًا لاحتياجات شعبك، أليس كذلك؟
ذهبي الفم: بكل تأكيد، يتهمني البعض بأنني أرفع البتولية على حساب الزواج.. بالفعل قلت إن البتولية أسمى من الزواج (ص134). لكني قلت أيضًا إن عقد المقارنات لا يجعل الأمور متضادة فيما بينها، ولكن يترك كل منها في مكانه (ص 134)
المحاور: هل تقصد أن تقول إن المقارنة هنا بين البرتقال والتفاح؟
ذهبي الفم: شيء قريب من هذا. قلت أيضًا أن الزواج لم يعيق إشعياء أن يكون نبيًا ويرى محضر الله المهوب. إشعياء كان ”له زوجة وطفلان، ولم يعقه شيء من هذا كله“ (ص173)، ما رأيك في هذا؟ لم أحقر من الزواج أبدًا. وذكرت في موضع آخر أن ”الذي اختبر الزواج لم يفقد النعمة“ (ص203)، وإن ”الزواج ليس شرًا بل الزنا هو الشر“ (ص203). فلم يصر الزواج عائقًا أمام الروح القدس الذي أعطى إشعياء النبوة، بالرغم أنه كان يمارس العلاقة الزوجية مع زوجته (204). أرأيت؟ أنا أعلم أنه يوجد في عصركم مَن يقول إن العلاقة الجنسية شر.. ويحط من شأنها. لكني أقول لك أنها لم تمنع إشعياء من النبوة ورؤية عرش الله المهيب. ثم عددت بعض أمثلة من القديسين المتزوجين مثل موسى ، وإبراهيم، وامرأة المكابيين، ومن العهد الجديد بطرس وفيلبس.
المحاور: أفهم من هذا أنك تنصح بالزواج؟
ذهبي الفم: بشدة!
المحاور: لقد وصفت الحالة العاطفية لمن يخون زوجته أو مَن يمارس الجنس قبل أو خارج الزواج وصفًا رائعًا بل أفضل من أي روائي مقتدر، هل يمكن أن تذكرنا بما قلته في هذا الأمر؟
ذهبي الفم: أي لذة (يقصد من الخيانة الزوجية) يمكن أن يتمتع بها يلازمها خوف وقلق وخطر وتوقع متاعب كثيرة؛ حيث يواجه محاكم ومساءلات وغضب القاضي والسيف والجلاد وكذلك السجن أيضًا، فكل شيء يرعب ويخيف مثل هذا الإنسان: الظلال والجدران والحجارة ذاتها وكأنها تصرخ ضده؛ فهو يرتاب في الجميع، في الخدام والجيران والأصدقاء والأعداء، مَن يعرفون كل شيء ومَن لا يعرفون أي شيء... كيف سيتحمل تأنيب الضمير الذي سوف يلاحقه في كل مكان.. لأنه من غير الممكن أن يهرب المرء من نفسه أبدًا.“ (ص 133)
المحاور: إلى هذا الحد يا أبي القديس، الظلال والجدران تصرخ ضده! تحدثت أيضًا عما نسميه اليوم البورنو أو الميديا الإباحية، وقد انتشرت في عصرنا يا أبي القديس إلى حد يستوجب البكاء والعويل. أتعجب أنها كانت منتشرة في عصركم ايضًا!
ذهبي الفم: الإغواء الجنسي ليس أمرًا جديدًا.. اقرأ سفر الأمثال وستعرف تحذير سليمان من إغواء المرأة الأجنبية.
المحاور: فلتشرح لنا يا أبي القديس مخاطر مشاهدة البورنو أو ما تسميه أنت المناظر الفاسقة؟
ذهبي الفم: قلت إن هذه المشاعد قد ترحل من أمام أعيننا، لكنها ستترسخ في ذاكرتنا و”لكن جروحها لا تنتهي، بل تبقى وتسبب دمارًا وهلاكًا، مثل هلاك غزال قد أصيب بسهم في منطقة قاتلة من جسده، فحتى لو أفلت من يد الصيادين، فإنه لن ينتفع شيئًا.“ (ص 141)
المحاور: ياله من تشبيه رائع: غزال أصيب بسهم قاتل!
ذهبي الفم: أصلي أن يحفظ الله أبناءنا وأطفالنا من هذا السهم المميت!
المحاور: هل لديك نصائح تقدمها لنا لنتجنب هذا؟
ذهبي الفم: ابدأ من الأفكار: ”إذا دخلت أفكار فلنصدها سريعًا، ولا ندعها تبقى طويلاً، حتى لا ندعها تصنع مرعىً من الشر (ص 144)
المحاور: وماذا إذا تورطنا في هذا المستنقع؟
ذهبي الفم: ” إمكانية الشفاء قائمة، وذلك بفضل محبة الله للبشر وصلاحه العظيم غير الموصوف، إذ قد أعدَّ علاجات عديدة لهذا النوع من الجراحات.“ ( ص144)
المحاور: اغفر لي أبي القديس، ودعني أنتقل إلى محور آخر في كتابك، لأول مرة ألحظ أنك تقدّم لاهوتًا سياسيًا، وكلامًا عن علاقة الحاكم بشعبه؟
ذهبي الفم: هذا ليس لاهوتًا سياسيًا بالمعنى الحديث، لكني بحكم وظيفتي كراعٍ لشعب أستطيع أن أضع يدي على الداء والدواء.
المحاور:  في رأيك، هل الشعوب تستحق حكامها؟
ذهبي الفم: أن أوافقك الرأي تمامًا.. لقد ذكرت في عظاتي أن المشكلة في كثير من الأحيان تقع على الشعب وليس الحاكم. ”فحتى لو كان شخص مثل إبراهيم هو الذي يحكم، أو موسى، أو داود، أو سليمان الأكثر حكمة، أو حتى أكثر الناس عدلاً، طالما نحن نسلك بوقاحة، يكون هذا الحاكم لا علاقة له بعلة الشرور“ (83)، وأحيانًا فإن سلبيتنا وفوضويتنا هي التي تصنع هذا الحاكم العاصي.
المحاور: أراك قاسيًا على الشعب.. وحتمًا ستصطدم ببعض أخوتنا الثوريين. كما أنك لم تختبر بعض حكامنا وما  صنعوه فينا.
ذهبي الفم: لا بل أقول: ”إن خطايانا هي سبب هذا الجُرح“ (ص 83)
المحاور: الجُرح كبير يا أبي القديس!
ذهبي الفم: لأن خطايانا كثيرة!
المحاور: عندك حق.. لن ينصلح حالنا إلا إذا غيرنا من سلوكياتنا حتى يخرج منا مَن يحترمنا.. إذا أثبتنا أننا جديرون بالاحترام.
ذهبي الفم: أتفق معك في الرأي.
المحاور: أنا في غاية السعادة أنك تتفق معي في الرأي. لذلك فضلاً عن أنني لا أستحق لكن هذا ليس غريبًا عنك، فأنت لا تفوت فرصة أن تشجع سامعيك وترفع من شأنهم.
ذهبي الفم: هذا هو المفروض يا أبني. أرى أن الاستغراق في تأنيب الناس لا يجدي نفعًا، لكن النفخ في الفتيلة المدخنة- على مثال السيد - يأتي بنتائج أفضل.
المحاور: يا أبي القديس من حين لأخر يظهر أحد الكهنة أو الخدام الفاسدين، ويسبب عثرة كبيرة، كيف نتعامل مع هذه الحالات؟
ذهبي الفم: أقول: ”لا تشوه سمعة الكهنوت عندما ترى كاهنًا غير مستحق، لأنه يجب ألا ندين الوظيفة ذاتها بل من يسيء استخدام الصلاح فيها“ (ص217-218).
المحاور: أنت تقول يجب أن نفرّق بين الوظيفة أو المنصب ومن يسيء استخدامها.
ذهبي الفم: نعم بالتأكيد، فخيانة يهوذا لا تمثل إدانة لمنصب الرسولية (ص218).
المحاور: هذا صحيح!
ذهبي الفم: فضلاً عن أن هذا يحدث في كل الوظائف الأخرى، هناك ”أطباء أعطوا سمومًا بدلاً من الأدوية.“ هل ندين مهنة الطب ككل. (ص218). هناك بحارة أغرقوا سفنًا. هل هذا ذنب مهنة البحرية (ص219)
المحاور: يا أبي القديس كثيرون يستشهدون بقول لغاندي يقول فيه ”لولا المسيحيين لصرت مسيحيًا“ بماذا ترد على ذلك؟
ذهبي الفم: هذا خلط في الأوراق: ”إن رأيت مسيحيًا شريرًا فلا تدن عقيدته (المسيحية) أو الكهنوت، بل لتدن مَن يسيء استخدام الصلاح الذي فيهما.“ (ص219)
المحاور: الكلام معك يا ابي القديس لا نشبع منه على الإطلاق. فكلامك ينير لنا الطريق، ونحن مدينون لك بالكثير.
ذهبي الفم: لا .. بل اعتدت أن أقول لشعبي أنا مديون لكم بالكثير. هذا واجبي،
المحاور: نشكرك على هذا الحوار، ولا تنسانا في صلاتك.
ذهبي الفم: لنرسل للأعالي دائمًا التمجيد الدائم، للآب والابن والروح القدس، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين“ (ص 231)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق