الجمعة، 28 سبتمبر 2018

رسائل عن الروح القدس- ق أثناسيوس




بيانات الكتاب
رسائل أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس/ للأسقف سيرابيون
تعريب أبونا مرقس داود المتنيح
إصدار مكتبة المحبة سنة 1984، في 140 صفحة (من القطع الصغير)
ملحوظة (الكتاب مكتوب بآلة كاتبة، وقديم، وسعره 2 جنيه ونص! لكنه لا يُقدر بثمن)

اللي يقرأ الكتاب ده سيتأكد إن الفرق بين الهرطقة والأرثوذكسية هو الفرق في التفسير والتأويل. هذا يظهر بشكل واضح في هذا الكتاب. مناسبة هذا الكتاب أن في جماعة اسمهم المتقلبين= التروبكيين استخدموا 3 آيات علشان يثبتوا إن الروح القدس مخلوق.. وبالتالي عملوا زي الأريوسيين اللي سبق وقالوا إن الابن مخلوق. والآيات اللي اعتمدوا عليها هي كالتالي:
1- عاموس 4: 13 حسب السبعينية عن الرب يقول "أنا هو مؤسس الرعد وخالق الروح، ومعلن للإنسان مسيحه، الذي يصنع الفجر والضباب.. الرب الإله الكلي القدرة اسمه" طبعًا الآية دي مترجمة حاجة تانية خالص في الترجمات العربي اللي عن العبري مش السبعينية.. الروح مترجمة الريح، ومش موجود الجزء اللي فيه إشارة لمسيح (الرب) في كلمة مسيحه. الآية فيها ثالوث: أنا هو (الآب) خالق (الروح القدس) حسب الهراطقة، ومسيحه أو المسيح. واستنتجوا منها إن الروح القدس مخلوق.
2- زكريا 4: 5 حسب السبعينية تقول: "هذه الأمور قالها الملاك الذي تكلم في داخلي".  
3- تيموثاوس الأولى 5: 21 "أُنَاشِدُكَ أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ... " بالنسبة للآية الثانية والثالثة بتتكلم عن مزاعمهم أن الروح القدس هو أحد الملائكة.
المهم إن رد ق أثناسيوس ما هو إلا شرح للآيات دي في سياقها الصحيح وإظهار إن شرح الهراطقة معيب. في البداية قال إن كلمة "روح" في الآية الأولى لا تعني "الروح القدس". لأنه لا توجد فقرة في الكتاب المقدس يُشار فيها إلى الروح القدس بمجرد كلمة روح بدون إضافة كلمة زي (روح الله)، أو حرف إضافة (روحي/ أو روحه)، أو روح الآب، أو روح المسيح، أو بإضافة حرف جر (من الله)، أو أداة التعريف (أل)، أو يذكر الاصطلاح الكامل (الروح القدس) أو (روح الحق). "فلماذا يفترض هؤلاء أن كلمة الروح تعني الروح القدس". وبيتحدى هؤلاء الهراطقة: "قولوا لنا إذًا أتوجد فقرة في الكتاب المقدس الإلهي أشير فيها إلى الروح القدس بمجرد كلمة روح بدون إضافة" (1: 4). ويقولهم لن تجدوا أثرًا لهذا في الكتاب المقدس (1: 5).  
ثم ينهال ق أثناسيوس بقائمة من الآيات الكتابية التي تثبت حجته؛ فيأتي بأكثر من 20 شاهد كتابي من العهد القديم (1: 5)، وأكثر من 30 شاهد كتابي من العهد الجديد (1: 6)، لإثبات حجته السابقة. طبعًا لا كان عنده قاموس الكتاب المقدس، ولا موقع سانت تكلا يعمل سيرش عليه. هذا شيء مذهل يُظهر مدى تشبع الآباء بحفظ النصوص الكتابية.
في (1: 7) بيثبت أن الروح في آية عاموس معناها الريح، لأن الكتاب المقدس يتحدث أرواح الريح.. "أجاز الله روحًا" (تك 8: 1). وروحًا شديدة احدثت نوء في سفر يونان. وبالتالي يقول لهم: "كان خليقًا بكم لدى سماعكم عن خلقة روح بأن يتجه تفكيركم لأحد المعاني السابقة" (1: 8). خاصة وإن الآية فيها كلام عن الضباب والرعد.
ثم ينطلق ق أثناسيوس في إثبات لاهوت الروح القدس كالآتي:
- يستخدم 1كو 2: 11، 12 عن أن الروح القدس يعرف أمور الله.. فكيف يكون معروفًا؟ "ألا يعتبر تجديفًا أن يدعى الروح القدس الذي في الله مخلوقًا. ذاك الذي يفحص حتى أعماق الله؟" (1: 22).
- يستخدم 1كو 6: 11 ليقول إن الروح القدس يبرر ويقدس ويجدد (تي 3: 4- 7). هذا ليس عمل المخلوق.
- يستخدم 1يو 2: 27، إش 61: 1، ويقول إن الروح القدس هو المسحة والختم. "فأي شبه أو علاقة يمكن أن تكون بين المسحة والختم وبين الأشياء التي تُمسح وتُختم؟... الختم لا يمكن أن يكون ضمن الأشياء التي تُختم، والمسحة لا يمكن أن تكون ضمن الأشياء التي تُمسح." (1: 23). وفي موضوع آخر يقول: "الماسح لا يمكن أن يماثل الممسوح" (3: 3).
- يستخدم 1كو 3: 16، 17 وأيضًا 1يو 4: 13 ويقول إن الروح يوحدنا ويثبتنا في الله، ثم يقول: "لو كنا متصلين بمخلوق لاصبحنا غرباء عن الطبيعة الإلهية لأننا لم نشترك فيها" (1: 24).
- يقول إن الروح القدس هو اللي بيدي التبني للخليقة، وبالتالي كيف يكون مخلوقًا؟ "الذي يمنح البنوة للخليقة لا يمكن أن يكون غريبًا عن الابن" (1: 25).
- يستخدم 1بط 3: 4، حكمة 1: 5، وبيقول إن الروح عديم الفساد، أي غير قابل للتغيير أو التبديل، وبالتالي فهو غير مخلوق.
- يستخدم مز 39: 7، وحكمة 12: 1، وبيقول إن الروح يملأ المسكونة، وموجود في كل مكان، عكس المخلوقات الأخرى اللي بتبقى محدودة بمكان.
- في رسالة 2:  2 بيستخدم يو15: 26، وبيقول إن الروح القدس هو من الآب، زي الابن ما هو من الآب، لكن المخلوقات بتكون من العدم.
- يستشهد كثيرًا من مز104: 29، 30 عن الروح القدس الذي يخلق ويجدد الأرض، فكيف يكون مخلوقًا؟
- في رسالة 3: 6 بيقول إن الثالوث أزلي، فلو كان الروح القدس مخلوق، والمخلوقات خلقت من العدم، وكان في وقت مش موجودة فيه، يبقى الثالوث في الحالة دي مش ثالوث وإنما "ثنائي". لأن المخلوق ليس أزليًا.
- وهنا هيحتكم لتقليد الكنيسة وهيقول: "لنتأمل في تقليد الكنيسة الجامعة وتعاليمها وإيمانها منذ البدء التي أعطاها الرب، وكرز بها الرسل، وحفظها الآباء". وبيقول اننا استلمنا ثالوث قدوس كامل، آب وابن وروح قدس، لا يختلط بشيء غريب. الكل يخلقون.. متماثل، وغير قابل للتجزئة. وهيشتغل ق أثناسيوس على الحتة دي.. أي تماثل الثالوث في الجوهر. لأن وجود عنصر مخلوق في الثالوث هيخليه غير متماثل.. لأن ده خطير.. لأنه هيخلينا بنعبد أوثان.. بنعبد مخلوق (1: 29). "لئلا يصبح الثالوث غير متناسق (خالق مع مخلوق) مع بعضه لو أنه أحصي ضمنه مَن هو غريب عنه. لأن اي شيء كان ينقص الله حتى يتخذ لنفسه مَن هو غريب عنه في الجوهر ويشاركه مجده؟" (3: 5)
- كمان بيقول إنه ليس من العدل ان يضم مخلوق واحد بعينه، ليه ميضمش كل المخلوقات وساعتها مش هيبقى ثالوث بل عدد لا حصر له في اللاهوت.
- بيحتكم لليتورجيا أيضًا في رسالة 1: 30 وبيقول إحنا مش بنعمد "باسم الآب وحده، أو باسم الابن وحده، أو باسم الآب والابن دون الروح القدس". وبيقول لو ده حصل لن ننال شيئًا.. ولن ننضم للكنيسة. لأن طقس الانضمام للكنيسة هو باسم الثالوث.
للرد على الآية الثانية والثالثة:
بيَّن ق أثناسيوس أنه مش معنى أنه يُذكر الله ثم المسيح ثم الملائكة (ف آية 1تي) أن الملايكة تحسب من الثالوث. هذه سخافة. بيذكر عب 1: 14 وبيقول ده الملائكة أرواح خادمة ومرسلة للخدمة.. ولم يدعى ملاكًا أبدًا. على العكس دعي روح الحق والمعزي وروح التبني وهذه لم تقال على الملائكة أبدًا. ويسأل ق أثناسيوس أي ملاك من الملائكة.. لأن الملائكة ألوف ألوف.. وربوات ربوات.. (دا 7: 10). لم يقل الكتاب ان المسيح سيرسل ملاكًا بل الروح القدس.. ولم يقل إلا اقبلوا الروح القدس مش ملاك، وعمدوا بالآب والابن والروح القدس.
أما آية زكريا فيقول ق أثناسيوس أنه هؤلاء الهراطقة "و أنهم تأملوا فيما يقرأون لما قالوا هذا القول. لأن زكريا نفسه لما رأى الرؤيا قال.. فَأَجَابَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي (أو تكلم داخلي حسب السبعينية) وَقَالَ لِي: «أَمَا تَعْلَمُ مَا هذِهِ؟» فَقُلْتُ: لاَ يَا سَيِّدِي. فَأَجَابَ وَكَلَّمَنِي قَائِلاً: هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ". زكريا 4: 5، 6.  بيذكر روح الله في بقية الكلام، وبالتالي الملاك حاجة والروح القدس حاجة.
أما آية تيموثاوس الأولى فالقديس أثناسيوس بذكاء شديد بيلاحظ أن الملائكة جاية بصيغة الجمع، فبيسأل "أي ملاك إذن؟"!!! 

الحاجة التانية أنه استشهد بقصة موسى، ومتعرفش جابها إزاي، من خر 23: 1، 2 ربنا بيقوله هارسل ملاكًا أمامك، وهاطرد الكنعانيين. راح موسى رفض وقاله لازم أنت شخصيًا. ثم ينتقل ق أثناسيوس بذاكرة حديدية إلى إش63: 11، 12.. اللي بتقول: "ثم ذكروا الأيام القديمة، أيام موسى عبده، فقالوا: أين الذي أصعد شعبه من البحر ورعاهم كغنمه، وجعل في وسطهم روحه القدوس؟" وبالتالي الله أرسل روحه القدوس مش ملاك، وهو الروح يعتبر الله شخصيًا!!!

حاجة تالتة في منتهى الذكاء، جاب آية من إش 48: 16 "الرب أرسلني وروحه"، وآية من حجي "اعلموا فأني معكم يقول رب الجنود... وروحي قائم في وسطكم" وقال في الآيتين دول لم يذكر سوى الرب والروح القدس.. وقال للهراطقة هنعمل إيه دلوقت: لو قلتم إن الرب هنا هة الابن.. يبقى راح فين الآب، ولو قلتم إنه الآب، يبقى راح فين الابن (1: 13). وبالتالي إمّا أنهم يقولوا إن الأقنوم اللي لم يُذكر مش موجود أصلا، أو يعتبروه ضمن المخلوقات. والحالتين غلط.. وبكذا يكون ق أثناسيوس فوَّر الهرطقة دي بالآيات الكتابية والمنطق والتسليم الرسولي والليتورجيا.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق