أحب أن أتناول
هذا النص من زاوية الرد على البدعة الشكلانية أو الأسمانية (modalism)، وهي ببساطةبدعة
تلغي تمايز الأقانيم، وتجعل الثالوث مجرد أسماء لأقنوم واحد، أو ثلاثة أشكال لشيء
واحد. كذلك بدعة صالبو أو مؤلمو الآب وهي نتيجة طبيعية لبدعة الشكلانية. أريد أن
أركز بشكل كبير على استخدام نصوص الكتاب المقدس سواء من جهة الهراطقة (أو بركسياس)
واستخدامها بواسطة ترتليانوس.
ترتليانوس
بيقول أن في 3 اقتباسات رئيسية بيعتمدوا عليها، هي كالتالي ومعاها التفنيد اللي
قدمه ترتليان:
1- "أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ"
(إش 45: 5)
|
- في ضد
براكسياس 18: بيقول إن الآية دي في سياق تعدد الآلهة الوثنية.. فهو يقدم قراءة
سياقية للنص، ويقول "الابن غير منقسم وغير
منفصل عن الآب، ولذلك فهو يُذكر ضمنيًا مع الآب، وإن لم يُسمى"..
(18)
ثم يشرح آية
"ناشر السموات وحدي"
(إش44: 24). يقصد هنا "بوحدي" أي بعكس ما يقول الهراطقة بأن العالم
خلق بواسطة قوات وملائكة.. وبيستخدم أم 8: 27 "لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا" الآية بتتكلم عن الحكمة.. والحكمة كانت عند
الله وقت الخلق.. ويربط مع بولس 1كو 1: 24 عن المسيح باعتباره "قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ".
وبالتالي يقصد أن يقول أن الآب هو ناشر السموات وحده مع الابن.
وبالنسبة
للخلق عمومًا فيذكر ترتليانوس دايمًا يو 1: 1- 3 عن وجود الكلمة الأزلي مع الآب،
وعن أن كل شيء خلق به. في ضد براكسياس 13، بيفرق بين مَن "كان الله"،
ومن "كان عنده".
في (21)
يقول: "إننا ندعوه آخر، حيث لابد أن نوضح أنه
غير متماهٍ.. ويظل أيضًا غير منفصل".
|
2- "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ"
(يو 10: 30)
|
- بيشرح
ترتليان الآية دي شرح لغوي نحوي.. وبيقول إن الهرطقة حمقى وعميان كمان. ليه؟ لأن
الآية بتقول أنا والآب (شيء) واحد وليس (شخص) واحد. "تأتي كلمة واحد (unum) التي
جاءت في صيغة المحايد التي لا يراد بها التركيز على الاحادية، بل الوحدة.." (22)
- في شرح
تاني بيقول إن عبارة "أنا والآب واحد" قيلت عن وحدانية الجوهر، وليس
عن فردية العدد" (25).
- ثم ينهال ترتليانوس بالآيات اللي بتؤكد على
تمايز الابن عن الآب. فيقول آية "إلهي
لماذا تركتني"، وآية "يا
ابتاه في يديك استودع روحي"، ووآية واضحة جدًا.. في الكلام مع
المجدلية بعد القيامة "إني أصعد إلى أبي
وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 40: 17). ويقول "هل هذا يعني: أنني أنا الآب وساصعد إلى الآب، وأنا الله
وسأصعد إلى الله؟ أم كابن أصعد إلى الآب، وككلمة إلى الله؟"
(25)
|
3- "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ... أَلَسْتَ تُؤْمِنُ
أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟"
(يو14: 10)
|
بشكل عام
ترتليانوس بيأكد أن الآب غير مرئي.. ويستشهد بكلام الله لموسى عن ليس أحد يرى
الآب ويعيش، ويقول: لو صحت الهرطقة لقال: "ألست تؤمن أني أنا الآب".
"هو يؤكد بهذا تأكيدًا قويًا على أنه ينبغي
ألا يفهم فيلبس بقوله الذي رآني فقد رأى الآب، أنه هو نفسه الآب، لأنه لم يرغب
أبدًا أن يظنوه هكذا، معلنًا نفسه دائمًا أنه الابن الذي خرج من عند الآب"
(24).
|
المزيد من
الشواهد الكتابية التي قدمها ترتليان لإثبات تمايز الأقانيم:
- ترتليان
بيقول براكسياس: "حان دورك أن تأتي لنا من الأسفار
ببراهينك كما نفعل نحن." (10) الآية بتقول "فاض قلبي كلمتي الصالح".. هات أنت آية
بتقول "فاض قلبي نفسي". الآية بتقول: "أنت
ابني، أنا اليوم ولدتك" هات أنت آية بتقول "قال الرب لنفسه،
أنا ابني، وأنا اليوم قد ولدت نفسي".. أو "قبل كوكب الصبح أنا ولدت
نفسي" أو أي فقرة أخرى لها نفس المعنى!
- بيستشهد
آيات كثيرة جدًا من المزامير والعهد القديم فيها الابن بيخاطب الآب..
- بيقول إزاي
كيان واحد مفرد (وحدانية مصمتة) يتحدث بصيغة الجمع: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا".. ليه
مقلش كشبهي. "هل كان يخدعنا، أم يمازحنا بالحديث
في صيغة الجمع؟ أم كان يقصد الملائكة، كما يعتقد اليهود؟"
- وبيستشهد
بآية "قال الله ليكن نور".
وبيقول النور ده هو الابن.. اللي خلق بيه الآب كل شيء زي ما قال يوحنا في افتتاحية
إنجيله "كل شيء به كان". وبيستنتج
أن في واحد بيأمر بأن تخلق الأشياء وواحد ينجز الأمر بالفعل. "ولو كان هو واحدًا مصمتًا فقط، لما انتوى أن يصدر أمرًا لنفسه
لكي يتممه، أو كان لزامًا عليه أن يعمل دون اي أوامر؛ إذ لم يكن عليه أن يملي على
نفسه أوامر" (10).
- استخدم آيات
زي "أبي أعظم مني"، و"أنقصته قليلاً عن الملائكة" ليؤكد التمايز.
- ”هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت“ (مت17: 5) ويقول
لبراكسياس: ”كم شخص هنا ايها العنيد براكسياس؟ أليس
هناك أكثر من شخص لأنه هناك أكثر من صوت؟“
- والسيد صلى
إلى الآب، وعلمنا أن نصلي: ”يا أبانا“
- كلامه عن”الذي أرسله“ في أكثر من موضع: يو 12: 44؛ يو 12:
45؛ يو 12: 49. وأيضًا يو 13: 3 عن أن الابن "من عند الله خرج، وإلى الله
يمضي"، يقول ترتليان يوحنا يعرف أكثر من براكسياس لأن "براكسياس يفسرها بأن الآب هو الذي خرج من عند نفسه، وسيعود إلى
نفسه" (23).
- كلامه عن
أنه سيعترف الذين يعترفون به، وسينكر الذين ينكرونه (أمام الآب).
- بالنسبة للاحتكام
إلى الليتورجيا يقول: "نحن لا نغطس مرة
واحدة فقط، بل ثلاث مرات على اسم الثلاثة أقانيم، عند ذكر اسم كل أقنوم منهم."
(26)
- بالنسبة
للاحتكام للمنطق، نجد ترتليان بارعًا في هذا. فيقول مثلاً: "هكذا يكون الآب متمايزًا عن الابن، بقدر ما يتمايز مَن يلد عمن
يولد، ومن يرسل عمن يُرسل." (9) عدم التمايز هيؤدي بينا في
النهاية أن آب هيولد ابن، وابن هيولد آب.. ودي غلط؛ لأن الآب علشان يبقى ىب لازم
يكون ليه ابن، والابن محتاج لآب علشان يبقى ابن. زي بالظبط علشان تبقى زوج فأنت
محتاج زوجة، والزوجة عمرها ماهتكون زوجة لنفسها كده. (10)
- ولو ردوا
وقالوا "كل شيء مستطاع عند الله"
فيرد عليهم.. "هذه حقيقة بينة"،
ولكن "إذا أردنا أن نطبق هذا المبدأ بتطرف وتزمت
في تخيلاتنا المتقلبة، سنجعل الله يفعل أي شيء على هوانا، بحجة أنه ليس شيء يعسر
عليه" (10)
مؤلمو الآب:
نتيجة طبيعية
للمونارخية أو الموداليزم.. يبقى الآب هو اللي اتصلب وتألم على الصليب ومات..
ترتليان بيقوله: "ولأنك تحول المسيح إلى الآب، فأنت بذلك تجدف على الآب"
(29). أو بيقولوا أن الآب شريك في الآلام.. لكن الآب غير قابل للتألم. يرد ترتليان
على هذه الفكرة بتشبيه كالآتي: "إن كان لدينا
نهر، وقد تلطخ بالطين والوحل، ورغم أنه يتدفق من نبع له نفس طبيعته، وهو غير منفصل
عن نبعه، إلا أن الأذى الذي لحق بالنهر لم يصل إلى النبع، رغم أن نفس ماء النبع هو
الذي تأذى، لكن فقط في النهر، بينما لم يصب النبع بشيء" (29)
استشهد
ترتليان بآية "إلهي إلهي لماذا تركتني؟"
وبيقول أما ان الابن تألم، وصار متروكًا من الآب، وبالتالي لم يتألم الآب في شيء،
أو الآب تألم أيضًا وفي الحالة دي "إلى من صرخ
الابن هكذا؟".. ويضيف ترتليان "أن
هذا صوت الجسد والنفس، أي الإنسان، وليس الله، وقد نطق بهذا لكي يؤكد عدم قابلية
الله للتألم." (30)
أختم باقتباس
للقديس أثناسيوس يُظهر بالطبع تأثره بترتليان، وآخرين، وبالأخص في تشبيه الينبوع
والنهر، من كتابه "شرح الإيمان":
”نحن لا
نعتقد ب ابن/آب كما يفعل السابليون.. هاديمن بنوة الابن. ولا نعزو إلى الآب الجسد
القابل للألم الذي حمله الابن من أجل خلاص العالم كله، ولا نعتقد بتلاثة أقانيم
متفرقة عن بعضها البعض مثل ثلاثة اشخاص منفصلين بدنيًا، فذلك سوف يفضي إلى تعدد
الآلهة الذي للوثنيين، ولكن على العكس، كنهر مولود من منبع وهو غير منفصل عن
منبعه، مع أن هناك شكلان واسمان.. لكن المنبع ليس هو النهر، ولا النهر هو المنبع،
ولكن كل منهما هو الماء نفسه.. وهكذا تتدفق الألوهة من الآب إلى الابن بغير تغير
الانفصال.“ (تادرس يعقوب، نظرة شاملة لعلم الباترولوجي، ص 333- 334).
ومن هنا نلخص
الأمر في جملة بسيطة نحن نؤمن في الثالوث ب "تمايز
بلا انفصل، واتحاد بلا تماهي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق