الأحد، 23 سبتمبر 2018

جلافيرا سفر التكوين- ق كيرلس السكندري ج1



بيانات الكتاب
تعليقات لامعة على سفر التكوين (جلافيرا)
للقديس كيرلس عمود الدين
ترجمة: د. جورج عوض، ومراجعة د. نصحي عبد الشهيد
إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، في حوالي 500 صفحة (قطع متوسط)

المحاور (أنا): فلتسمح لي يا أبي القديس العظيم، ق كيرلس السكندري، عمود الدين، أن أجري معك حوارًا حوال المقالة الأولى والثانية من كتابك الجلافيرا على سفر التكوين. وأظنك تحب هذا الأسلوب الحواري، فقد اتبعته قداستكم كثيرًا في بعض مؤلفاتك مثل ”السجود والعبادة“، و”حوار حول الثالوث“.
ق كيرلس: بكل سرور أيها الابن المبارك عادل.
المحاور: هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن منهجك التفسيري للكتاب المقدس.
ق كيرلس: ”سر المسيح“
المحاور: نعم، لقد كررت هذا التعبير كثيرًا في كتابك.
ق كيرلس: بعد أن نفصِّل النص الكتابي من الناحية التاريخية، لابد أن ”نغير ألوان هذه الصورة التاريخية، وننقل ظلال الحقيقة، ونتقدم للبحث في سر الحوادث الغامضة. عندئذٍ يمكن أن نرى سر المسيح يُعلن... في شكل الظلال“ (ص134). بعد ذلك ”فلنتقدم تابعين آثار كل ما قيل حاملين المعنى العميق المخفي في هذه الأمور لكي نصيغ سر المسيح.“ (ص156)
المحاور: هل تحتاج أن تقارن بين ترجمات مختلفة للنص الكتابي؟
ق كيرلس: بكل تأكيد. تحدث البعض مثلاً عن تعبير ”ابناء الله“ في تك 6: 2، على أنه يعني الملائكة. لكني استبعدتُ هذا التفسير تمامًا، وعندما رجعت إلى ترجمات يونانية أخرى للأسفار العبرية، مثل ترجمة أكويلا وترجمة سيماخوس، لم يرد بهما ذكر الملائكة، بل أبناء الله، مع أني على دراية بوجود ”ملائكة الله“ في بعض المخطوطات (ص 153). لكن الترجمات تقدّم قراءة متفقة مع منطق الكتاب المقدس بشكل عام. لأن الملائكة لا تشاركنا العطش إلى هذه الشهوات (ص 152)، كذلك نسل شيث دعوا ”ابناء الآلهة“ (ص 153). وبينت أن هذا التفسير قد يكون متأثر بالأساطير (ص154).
المحاور: ماذا عن التفسير الذي يعتمد على الاشتقاق اللغوي للأسماء؟
ق كيرلس: هذا الأسلوب ينطوي على خطورة، ويجب توخي الحذر. البعض من خلال الاشتقاق اللغوي للأسماء استنتج أن ملكيصادق هو ملاك أوقوة روحية وليس إنسانًا؛ فقط لأنه ملك ساليم، والسلام من صفات الله (ص186). ”لا أعرف كيف ابتدعوا هذا الكلام“. ساليم هي مدينة يهودية (أورشليم)، ويهوذا معناها ”مديح وتسبيح“.. وغيرها من المدن.. فكيف نستنتج هذه الاستنتجات الغريبة. أقولها واضحة: ”الانسياق وراء إيجاد تفاسير لمعاني الأسماء، والتهور في تغيير ما هو واضح ومعروف يعتبر نموذجًا كاملاً للجهل.“ (ص 187)؛ لأن تفاسير الاسماء لا يدل بأية حال على طبيعة الأشياء (ص 187).
المحاور: ماذا عن التفسير الذي يعتمد على الرمزية الدلالية للأرقام؟
ق كيرلس: هذا الأسلوب متبع منذ بدايات المسيحية، كما نراه في رسالة برنابا (الفصل 9) مثلاً، عن رقم 318 الخاص بعبيد ابراهيم في تك 14. في هذه الرسالة يقول الكاتب إن الحرف يوتا هو رقم 10، ويرمز ليسوع المسيح. كما نجد هذا التفسير عند أحد عباقرتنا الذين نعتز بهم واحد حاملي لواء مدرسة الأسكندرية اللاهوتية، وهو ق إكليمندس السكندري، في شرحه لأبعاد الفلك، وهو يقول في المتفرقات 6: 11 إن البعض يقولون إن رقم 300 يشير لعلامة الرب، و50 رمز للرجاء والغفران المعطى في يوم الخمسين، و30 أو (12) تشير إلى كرازة الإنجيل، لأن الرب كرز في عمر الثلاثين، والرسل كانوا 12.
المحاور: لكن هذا النوع من التفسير لا تستسيغه آذاننا في العصر الحديث؟
ق كيرلس: أتفهم هذا.. لكنه كان شائعًا في زماننا. وأظن أن الفيثاغورسيين كانوا مولعين بالأرقام ودلالاتها. من ناحية أخرى نحن نستخدمه للتأكيد على عناصر هامة في عقيدتنا المسيحية.
المحاور: لكنك رأيت معانٍ في أبعاد الفلك تختلف عما جاء به ق إكليمندس السكندري؟
ق كيرلس: هذا صحيح.. لقد رأيت في أبعاد الفلك ”ظهور صحيح وواضح تمامًا عن الثالوث القدوس
المحاور: كيف هذا؟
ق كيرلس: أقول لك. 300 ذراع ترمز إلى الكمال؛ فهي طول الفلك، والعرض 50 ذراعًا يعبر عن الألوهة التي هي كمال الكمال. لأن 50 هي 7 x 7، وتضاف إليهم وحدة واحدة. (ص 167).
المحاور: أظنك اتبعت نفس الأسلوب التفسيري في حديثك عن نوح كرمز للمسيح؟
ق كيرلس: هذا صحيح؛ لأن نوح هو رقم 11 من آدم، كذلك ”المسيح ولد كالأخير والحادي عشر بالجسد“ (ص157).
المحاور: بخلاف هذه الرمزية الدلالية للأرقام، كيف يمكن أن يكون نوح رمزًا للمسيح؟
ق كيرلس: في عدة أشياء منها: 1- نوح معناها راحة، والمسيح هو راحتنا، وهو من دعى التعابى وثقيلي الأحمال ليريحهم (ص 159). 2- فضلاً عن وجود نصوص نبوية كثيرة تتنبأ بالراحة في زمن المسيا مثل صفنيا 3: 16، 17؛ إش 35: 3؛ 40: 10- 11. 3- يقول الكتاب إن لامك سمى نوح بهذا الاسم؛ علشان يكون راحة ليه بسبب تعبه في الأرض الملعونة (تك5: 12)، والمسيح صار لعنة لأجلنا ”محررًا الأرض من اللعنة القديمة“ (ص 161). ”كما أن الأرض قديمًا كانت ملعونة بسبب عصيان آدم، هكذا صارت مباركة بسبب طاعة المسيح“ (ص 162). 4- كما أستطيع أن أرى في جسد نوح العاري صورة المسيح المحتقر والمستر عنه وجوهنا كما يقول إشعياء (ص 177).
المحاور: تبدو كلها افكار وتفاسير جميلة، ومتوافقة في مجملها مع العقيدة المسيحية، لكن من أين سُحب طرف هذه التفاسير؟
ق كيرلس: من الكتاب المقدس ذاته.
المحاور: كيف؟
ق كيرلس: بولس في عب 11: 7 يتحدث عن نوح عندما خاف بنى فلكًا لخلاص بيته. وبطرس في 1بط 3: 20 يتحدث عن أن مياه الطوفات رمز للمعمودية والفلك سبب الخلاص. وبالتالي نستطيع أن نقول إن ”نوح الحقيقي (المسيح) أسس الكنيسة على مثال الفلك القديم، الكنيسة التي كل مَن يدخل فيها ينجو من دمار العالم.“ (ص165).
المحاور: ماذا عن رمزية آدم للمسيح؟
ق كيرلس: ماذا تقصد؟
المحاور: هل لها أساس كتابي؟ أريد شاهد كتابي.
ق كيرلس: لها اساس كتابي متين. اقرأ 1كو 15 ستجد رمزية آدم الأول لآدم الثاني.. في آدم يموت الجميع، وفي المسيح آدم الثاني يحيا الجميع. آدم الأول سبّب لنا الموت، وقيدنا بشباك الفساد، وآدم الثاني ختمنا بختم عدم الفساد (ص 121). آدم كان بمثابة بداية مؤدية للموت واللعنة واللوم، بينما آدم الثاني هو بداية الحياة والبركة والبر (ص 124- 125).
المحاور: على نفس المنوال، شرحت قداستكم باقتدار كبير، أن قايين رمز لليهود.
ق كيرلس: نعم.. قايين قاتل وكذاب؛ لأنه قتل أخاه وكذب وقال أحارس أنا لاخي.. واليهود بحسب كلام المسيح هم من أب هو إبليس الذي كان قتالاً منذ البدء.. وهو كذاب وأبو الكذاب.
المحاور: لكن إبليس ليس هو ابو اليهود- بيولوجيًا على الأقل؟
ق كيرلس: أحسنت! لا أظن أن المسيح يشير إلى إبليس رئيس الشياطين.
المحاور: هذه مفاجأة بالنسبة لي.
ق كيرلس: ”اعتاد المسيح أن يطلق اسم الشيطان على مَن يتشبه بطرق الشيطان“ (ص136) وقد قال عن يهوذا الذي اسلمه أنه شيطان (يو 6: 70- 71)
المحاور: وقال لبطرس: ابعد عني يا شيطان!
ق كيرلس: أحسنت.
المحاور: رائع جدًا.. ماذا عن رمزية هابيل للمسيح؟
ق كيرلس: هذا مثال أسهل وأوضح بكثير. 1- هابيل راعي للأغنام، والمسيح هو الراعي الصالح. 2- هابيل قدم ذبيحة مقبولة، وعبادة المسيح مقبولة، وذبيحة الصليب مقبولة. 3- دم المسيح يصرخ ضد اليهود الذين قالوا ”دمه علينا وعلى أولادنا“.
المحاور: سامحني ولتتحملني يا أبي القديس. أين السند الكتابي لهذه التوازيات؟
ق كيرلس: اسأل كيفما تشاء. رمزية هابيل للمسيح ستجدها في عبرانيين 11: 34 حيث يتحدث بولس عن دم يسوع الذي يتكلم أفضل من دم هابيل (ص 140).
المحاور: فلتسمح لي أن ننتقل إلى محور آخر. هل تتحملني في سؤال.
ق كيرلس: تفضل.
المحاور: بل هو سؤال تكرر مئات المرات!
ق كيرلس: لا بأس .. تفضل.
المحاور: هل كان الله يعلم أن آدم سيسقط وسيأكل من الشجرة؟
ق كيرلس (مبتسمًا): الآن فهمت ترددك في طرح السؤال. أكاد أرى جميع المؤمنين يسألون هذا السؤال في مراحل مختلفة من حياتهم.
المحاور: حاجة كده زي الأسئلة الوجودية عن الحياة.
ق كيرلس (ضاحكًا): حقًا هو كذلك. الإجابة ببساطة أنا ”أعتقد أنه لم يغب عن الله شيء على الإطلاق من تلك الأمور التي صار عليها (آدم وحواء)“. (ص 111).
المحاور: فلتسمح لي بسؤال آخر يستتبع السؤال السابق. ”ألم يكن من الأفضل ألا يوجد الإنسان بتاتًا“ (ص 111)؟
ق كيرلس: أولاً من الجنون أن نتهم قرارات الله بأنها غير صحيحة.. ويوجد أفضل منها. أو يتجاوز الجنون أن ”نعتقد أن تلك الطبيعة الإلهية ارتكبت خطأً في خلقتنا“ (ص 112). هذا الفضول لن يجدي نفعًا.. الأفضل أن نسأل: بعد أن وجدنا ”هل كان من الأفضل للذين يوجدون ولا يحيون حياة صالحة ألا يوجدوا، أم من الأفضل لهم أن يصيروا شركاء في نقاوة الخالق“. الأفضل ان نلوم أنفسنا يا ابني. هتلاقي حد يقولك: من الأفضل ألا يأتي إلى الوجود إلا من سيحيا حياة صالحة فقط. ما هذا الكلام.. هذا الكلام ينطبق على حد تاني مختلف عن طبيعتنا.. ملايكة مثلاً.. مش بني آداميين.
المحاور: شكرًا يا ابي القديس على هذا الحوار الذي أنار أذهاننا- هل تريد أن تقول شيئًا قبل أن نختم حوارنا.
ق كيرلس: ”إذا حدث مرة وأخطأت من جهة المفهوم الحقيقي، يجب أن تغفروا لي يا من سوف تقرأون“ (ص 103)
المحاور: لقد أخجلتنا يا أبي القديس العظيم بتواضعك.. صلِّ لنا يا أبانا لينعم علينا المسيح بالنذر اليسير من تواضعكم.
ق كيرلس: بنعمة يسوع المسيح ربنا الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين آمين. 
إلى اللقاء في الجزء الثاني                                                                               
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق